«سيادة نائب الرئيس، سمعه ضعيف، لكن نظره قوي، لذلك فهو يفضل برامج المرشحين للرئاسة خطية وليست شفهية۔
بهذهذ النكتة الشامية دخلنا الحديث عن تعاطي سيادة نائب الرئيس السوري في انتخابات الرئاسة في لبنان۔ وكان رد احد المرشحين انه يفضل البرنامج الشفهي على الخطي۔ اولا توفيرا للوقت والمصاريف، وثانيا لان كل الاعراف الشفهية طبقت في لبنان بينما الاشياء المكتوبة لم يطبق منها شيء۔
لكن الاستاذ عبد الحليم خدام ا لخبير في الشؤون اللبنانية خبرته في الشؤون السورية، وربما اكثر، يعمل في اليوم 18 ساعة: عشر ساعات للبنان والباقي لبلده۔
خبرته بدأت في عهد الرئيس فرنجية،۔ فتعرف الى قصر بعبدا واروقته، وحط رحاله ضيفا في غرفه۔
يسعى مع اللواء ناجي جميل وغيره الى وقف الاقتتال والقتال، طبعا عندما يريد۔
وتعرّف ايضا الى قمم عرمون ونقاشاتها الطويلة، وامضى ساعات و اياماً في جلساتها۔ كيف لا وابو عمار على الخط، يحاول السيطرة على تيار «الحركة الوطنية والاسلامية»، فهو يعرف مناوراته، ويعرف ان عليه عدم اخلاء الساحة «للثعلب الختيار»۔
وابو جمال يعرف جيدا بكفيا وجلسات حوارها، وخلواتها، ويعرف المختارة وزغرتا وطرابلس وبيروت واليرزة۔ يعرف كل شيء في لبنان الا قيادة القوات اللبنانية في الكرنتينا۔ الا انه ناقش خلال سنوات وسنوات مع «الاخ كريم» العلاقات اللبنانية – السورية۔ كلاهما مناوران سياسيان من الطراز الاول، وان اختلفت درجات مسؤوليتهما، ۔ فقوتهما هي في مركز الرجل الثاني الذي يعطيهما حرية الحركة۔
«يا اخي، تعبتونا في لبنان، شلون ما بتتفقوا؟ حرام عليكم تشغلونا وتخربوا بلدكم«۔
ويضحك صديقنا البيروتي عندما يعلم ان الاستاذ عبد الحليم خدام تعب من لبنان۔ ذلك ان مناورات السياسة اللبنانية والاعيبها وفنونها تستهوي الجميع وخصوصا ابو جمال۔ فما يحدث على صعيد تأليف الحكومة، وما يحدث في قصر بعبدا، ومحافظة الشمال، ومدينة بيروت، واجتماعاتها، لا يمكن ان يحدث في محافظة حلب او اللاذقية او دمشق۔
هناك قرار واحد والجميع يقولون: قال السيد الرئيس، واعطى الامر السيد الرئيس، وتنتهي القصة كلها وقائدنا الى الابد السيد الرئيس۔
سوريا في حرب مع اسرائيل، طاقاتها وامكاناتها كلها في هذا الاتجاه والامر ينتهي هنا۔
اما في لبنان فعندنا المرشحون، والمستوزرون، والمدراء العامون، وموزاييك طائفية الوظيفة، وتركيبة الحكومة: ثلاثة للموارنة وثلاثة للسنة وثلاثة للشيعة واثنان للروم والدروز وواحد للأرمن، وواحد للأقليات۔۔۔ وواحد لأفغانستان، وواحد لبنما، وآخر لأي كان۔۔۔ دول العالم كلها تكون ممثلة في الحكومة، و طوائفها، حتى الهنود الحمر يتمثلون عندنا۔
ابو جمال تابع عهد الرئيس فرنجية في كل دقة وتفاصيل، لكن المودة في العمق انحصرت بين الرئيسين فرنجية والاسد، ثم تابع عهد الرئيس سركيس، واعتبر بالنسبة الى قسم كبير من اللبنانيين ممثل جناح الصقور في الحكم السوري۔
في مؤتمر بيت الدين، الذي شارك فيه في بداية عهد الرئيس سركيس، كانت خبرته تنقصها بعض التفاصيل وكان يضايقه وجود السعوديين والكويتيين۔ الا انه استطاع تطويق مخطط جوني عبده وفؤاد بطرس۔ فكان ان انتهى المؤتمر بمقررات بقيت من دون تنفيذ۔
عبد الحليم خدام معَد في الاساس، واختاره الرئيس الاسد، للعب دور وزير الخارجية في الحكم السوري، الا انه وجد نفسه، ذات صباح، مع الرئيس فرنجية وكميل شمعون والشيخ بيار وكمال جنبلاط ورشيد كرامي وصائب سلام وكامل الاسعد، واخيراً، مع الذي فاجأه، شفيق الوزان۔ فاستعمل كل ذكائه الحاد للوقوف في تيار المناورات منذ اسام اسطنبول ووالي عكا والمفوض السامي وسبيرس، ولا شك في انه نجح فيهذا المجال، حتى انه كان في لوزان اخيرا «مراقباً واخاً وصديقاً وفريقاً وخصماً ومنسقا»۔
فكميل شمعون احتاط له، وغيره حسبوا الحسابات، وانتهى مؤتمر بيت الدين، وانتهت مقرراته، واضيفت الى الوثيقة الدستورية، وألف قرار لوقف النار، ومئة رسالة لوقف الاقتتال، والمفاوضات في شأن لبنان مستمرة۔
ودمشق تقول: «شلون انتم اللبنانيين ما تعبتوا؟ تعبتونا يا اخي، نحن عنا شغل بالشام حلوها بقا»۔ ويضحك صديقي البيروتي۔
ابو جمال تعبان من لا سياسة اللبنانية، وعاصم قانصوه يريد ان يعمل وزيرا، ونبيه بري يستنفر ولا يقبل بهذا الطرح۔ وابو جمال يتفرج ويضحك۔۔۔
وذلك الماروني يريد ان يكون وزيراً فهو رجل اعمال، وحظي بمقابلة ابو جمال، ويتفرج ابو جمال ويضحك۔ وحكومات تألفت وذهبت، وسيادة نائب الرئيس باق۔ تعرف اليهم كلهم، وشكوا له همومهم وحفظها في السجل الذهبي في المكتب الابيض۔
وانتهى عهد الرئيس سركيس وحصل الاجتياح الاسرائيلي وانتخب بشير رئيساً فتحولت الانظار عن الاستاذ عبد الحليم خدام۔
خفت «خبرة» ابو جمال، ورأي كثيرون ان «خبرته» لم تعد تلزمهم۔ الى ان حصلت القمم الاولى والثانية والثالثة وغيرها و«العلاقات الثنائية» في درس تفصيلي۔
وعادت «خبرة» ابو جمال الى الواجهة۔ وعادت خصوصا معا لاتفاق الثلاثي، وعودة الجيش السوري الى بيروت۔
قبلها جاء الوزير ايلي سالم الى مكتب خدام ومعه 17 ايار، فرأى ابو جمال الغنيمة تدخل مكتبه فصورها، ودرسها طوال الليل والنهار، ولولا ظرف خدام وسالم لوقعت القطيعة بينهما۔ وكان نقص في تظهير الصورة، فاحترقت، واحترق 17 ايار۔
واقترب صيف 88، وافتتحت بورصة الانتخابات، وبدأت الاتصالات من المرشحين۔ من يوصلنا الى ابو جمال؟ في رأي كثيرين، طريق بعبدا تمر في مكتبه، ولذلك، فهم ناشطون في التفتيش عن المفاتيح۔ كيف نصل الى الاستاذ عبد الحليم خدام؟ في بيروت يطرحونها، وفي كل انحاء لبنان، وفي باريس، ولندن، وغيرها، السؤال ذاته عند المرشحين۔ كيف نذهب الى دمشق، من دون اغضاب بعبدا وعلم «القطارة»، ومع تطمين البعثات الدبلوماسية الكريمة۔
تصريحات المرشحين بعد خروجهم من مكتب ابو جمال تبدأ بقمة موسكو بين ريغان وغورباتشوف والوضع الاوروبي، والقضية العربية، واحداث الضفة، وطبعا الوضع في لبنتن۔
طبعا ابو جمال مقتنع تماما باهتمامهم، وهو «مهتم» ايضا بهم۔
اذ رأيتهم في صورة معه فهم كتلميذ مع استاذ۔
مشاريعهم الاصلاحية كثيرة وطويلة وتهتم بالزراعة، والتربية والدفاع، والالتحام، والتلاحم۔ وهم مستعدون لوضع طاقاتهم كلها في سبيل انجاح المهمة، وهو مستمع ومتفرج بارع، يعلم رأي الاخرين بمحدثه من خلال رأي المحدثين عنده۔
فمن السفير السابق، الى السفراء الحاليين، الى الوزراء، والنواب، والقادة السابقين، كلهم مروا او ارسلوا موفدين۔ كلهم بالعروبة مقتنعون وللبعث مناصرون۔ طبعا ابو جمال يصدقهم، ويؤكد لهم تفهمه لنياتهم، وتشجيعه لهم، ومن خلال ظرفه ينهي حديثه بنكتة لاذعة لا يفهمها المرشح، او لا يحب ان يفهمها۔
«الشوام» لاذعون بنكاتهم۔ لو تقرأ في جريدة «تشرينه» مقالة «مهندس التخريب» لعلمت عمق ادبهم التهكمي۔ يعرفونك على مدير الاذاعة الرسمية «غير المسموعة» ويقهقهون۔۔۔
وعندما تريد معرفة شيء عن آرائهم، عليك ان تكون ملماً بعلم النجوم والفلك۔ ما رأيكم في هذا المرشح؟
و«الله ممتاز»۔
وهذا المرشح؟
و«الله ممتاز»۔
وهذا المرشح؟
و«الله ممتاز»۔
اذاً كلهم ممتازون۔
«نيالكم انتم اللبنانيين كل المرشحين ممتازين۔ بس نحنا ما الن اعلاقة بانتخابات الرئاسة»۔
وتضحك، ويضحكون معك، والسر الكبير يبقى في أدراج مكتب سيادة نائب الرئيس۔
«والله الشيخ امين، الابواب مفتوحة في وجهه، لكن امامه فرصة يعرفها۔
والاستاذ ريمون اده جيد يفرق بين الوجود السوري والاحتلال الاسرائيلي۔
والرئيس فرنجية صديق مخلص، ورجل وطني۔
والعماد عون «راكب» ويعرف الارض۔
والاستاذ جان عبيد مواقفه ممتازة۔
والاخ هنري صفير ايضا جيد ورأيه واضح۔
والاستاذ ميشال اده والاستاذ ميشال خوري كويسين۔
والأستاذ مخايل الضاهر والياس الهراوي۔۔۔ كلهم من عاذلة الممتازين»۔
وتحتار في دمشق، ومع دمشق، عاصمة الامويين، يزورها شولتز للمرة الثالثة، ومورفي اصبح يسهر في مطعم الميريديان، وغلاسبي على رغم ان تعيينها في بغداد، احبت دمشق وخدام۔
عاصمة الامويين مشغولة بالانتخابات الرئاسية في دمشق۔۔۔ عفواً في لبنان۔
* * *
الانتخابات هي في لبنان وصيف 88 آت، والمحادثات اللبنانية – السورية في عزها۔ سبع ساعات قضاها مورفي مع خدام، وقبلها ساعات وساعات، وطبخة الحل شغلت الجميع فكانت اللقاءات في بيروت ولارنكا ودمشق وباريس۔
ابو جمال مناور وسياسي بارع۔ فماذا فعلت مع مورفي في سبع ساعات؟
ابو جمال ذكي ومحترف في السياسة اللبنانية۔ ماذا فعلت في محادثاتك مع مورفي وغلاسبي؟ وماذا تريد ان تفعل؟ لا شك انك انجزت القياسات لبدلة صيف 88 مع مورفي، وان سيادة الرئيس مع الوزير شولتز انهى اللمسات الاخيرة۔ لكن كثيرين يتخوفون من ان تكون البدلة ضيقة،۔ ولا تتسع لبعبدا والقطارة، عندها ربما «تتفتق»، على رغم ان البدلة قد تكون بدلة عسكرية۔
صيف 88 آت وسبع ساعات قضاها مورفي وابو جمال شغلتنا وشغلت الناس۔ المهم الا تكون بدلة اتفاق ثلاثي من نوع آخر۔