بعد سبعة عشر عاما على انسحاب الجيش السوري من لبنان، يمكن القول، بكلّ راحة ضمير، انّ لبنان انتهى. لكنّ سوريا انتهت أيضا.
في السادس والعشرين من نيسان – ابريل 2005، خرج الجيش السوري من لبنان مع الأجهزة الآمنيّة التابع لها. كان الجيش تابعا للأجهزة الأمنيّة، كما الحال في داخل سوريا.
بعد سبعة عشر عاما على انسحاب الجيش السوري من لبنان، لا مفرّ من الإعتراف بأنّ لبنان في وضع أسوأ مما كان عليه. بات مصير البلد على بساط البحث. لكنّ سوريا نفسها في وضع الدولة المنهارة في ضوء تغطية النظام فيها قرار إيران القاضي بتفجير رفيق الحريري.
بعد سبعة عشر عاما على انسحاب الجيش السوري من لبنان، يمكن القول، بكلّ راحة ضمير، انّ لبنان انتهى… لكنّ سوريا انتهت أيضا. دفع لبنان وسوريا في الوقت نفسه ثمن القرار الإيراني بإغتيال رفيق الحريري، وهو قرار لم يكن بشّار الأسد، الذي شارك في اتخاذه، يدرك ابعاده والنتائج التي ستترتب عليه.
كان رستم غزالة آخر ضابط سوري يدير شؤون لبنان بصفة كونه المفوّض السامي المكلّف ذلك من سلطة الإحتلال. خلف رستم (السنّي) غازي كنعان (العلوي) الذي كان لدى بشّار الأسد حساب يريد تصفيته معه كونه تعاون مع رفيق الحريري ضمن حدود معيّنة. بعض التعاون كان مرتبطا بمصالح شخصيّة وبعض آخر بالعلاقة القائمة بين غازي كنعان من جهة ورئيس الأركان حكمت الشهابي وعبدالحليم خدّام من جهة أخرى. كان غازي كنعان يشارك حكمت الشهابي وعبدالحليم خدام قناعة تقول أنّ بشار الأسد ليس اهلا لخلافة والده وأنّه سيأخذ سوريا إلى الخراب. وهذا ما حصل فعلا. انتحر غازي كنعان وقيل انّ النظام جعله ينتحر، فيما غيّب الموت حكمت الشهابي وعبد الحليم خدّام لاحقا.
يختزل مصير رستم غزالة الذي تولّى النظام السوري تصفيته بعد عودته إلى البلد، مأساة لبنان وسوريا في آن. كانت الصدفة أنّ الضابط السنّي الآتي من منطقة حوران، صُفّي، على مراحل، بطريقة بشعة بعد عشر سنوات من تفجير موكب رفيق الحريري.
من الصعب الجزم بأن رستم غزالة كان يعرف التفاصيل الدقيقة للإعداد لجريمة تفجير الموكب. يعود ذلك إلى أن مثل هذه التفاصيل المتعلّقة بقرار في حجم كبير ذي ابعاد اقليميّة ودوليّة، في مستوى التخلّص من صاحب المحاولة الأخيرة لإعادة لبنان إلى خريطة الشرق الأوسط، تبقى ضمن دائرة ضيقة جداً في دمشق وطهران. لكن الأكيد أنّه كان في أجوائها، مثله مثل كثيرين آخرين في لبنان وسوريا يعرفون شيئا عن نفسية بشّار الأسد وذهنيته وعن المشروع التوسّعي الإيراني. هذا المشروع الذي وجد في الاحتلال الأميركي للعراق فرصة لانطلاقة جديدة في كلّ الاتجاهات، خصوصاً في سوريا ولبنان.
منذ خروج الجيش السوري من لبنان، مات رستم موتاً بطيئاً. احتاج موته عشر سنوات. معروف أنّه لفظ انفاسه في الرابع والعشرين من نيسان – ابريل 2015. أي بعد عشر سنوات إلّا يومين من مغادرة آخر جندي سوري الأراضي اللبنانية.
في سوريا، عاد رستم ضابطاً سنّياً لا أكثر، أي ضابطاً من الدرجة الثانية عليه أن يحظى يومياً برضا مسؤوله العلوي. على الرغم من الثروة التي جمعها في لبنان والمكانة التي كان يتمتع بها، لم تعد لديه مهمّة يستطيع تأديتها غير إظهار الولاء. والولاء يعني أوّل ما يعني ممارسة كلّ ما أمكن من وحشية مع أهل منطقته السنّية الثائرين على النظام مع السوريين الآخرين منذ العام 2011.
كثيرون جرت تصفيتهم منذ اغتيال رفيق الحريري، لكن يبقى أنّ ما مرّ به رستم غزالة يعطي فكرة عن انعكاس الانسحاب من لبنان على النظام السوري نفسه. تحوّل النظام من شريك للإيراني في لبنان إلى تابع له في سوريا ولبنان في الوقت ذاته.
لم يكن الانسحاب العسكري السوري من لبنان حدثا عابرا في ضوء تطورّين محوريين. يتمثّل التطوّر الأوّل في تمكن ايران، عبر “حزب الله” وسلاحه، من ملء الفراغ الأمني الذي خلفه خروج الجيش السوري. أمّا التطور الثاني، فيتمثّل في النتائج التي ترتّبت على الانسحاب في الداخل السوري.
يفسّر ما ترتب على الانسحاب العسكري السوري من لبنان لماذا كان هذا الإصرار، منذ وصول حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني – نوفمبر 1970 إلى التمسّك بكلّ مفاصل السلطة، على تصدير الأزمات السورية إلى خارج الحدود، إلى لبنان تحديدا، وصولا إلى السماح بتسلل “الحرس الثوري” إلى بعلبك في البقاع اللبناني صيف العام 1982. كانت الحجة، التي قدمّها الأسد الأب، المشاركة في مواجهة إسرائيل التي كانت بدأت في السادس من حزيران – يونيو من تلك السنة حربا واسعة في لبنان من اجل اخراج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينيّة منه.
دفعت سوريا غاليا ثمن اعتقاد النظام فيها أنّ في استطاعته استخدام ايران و”الحرس الثوري” تحديدا في ابتزاز العرب الآخرين والعالم. مع مرور الزمن، تبيّن أن الفارق بين حافظ الأسد ووريثه أنّ الأوّل كان يدرك حدود لعبة التوازنات في المنطقة ومدى دقتها. لم يكن حافظ الأسد يقدم على أي مغامرة من دون حسابات تأخذ في الحسبان كيفيّة إيجاد مخرج في حال فشله في تحقيق ما يريده أو يصبو إليه.
لا شكّ أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” عرفت كيف تستفيد منه في المدى الطويل وانتظرت موته كي تنقضّ على لبنان وعلى سوريا في الوقت ذاته. كان حليفها الأوّل في عمليّة الإنقضاض بشّار الأسد الذي لم يدرك معنى المشاركة، أو في اقلّ تقدير، تغطية التخلّص من رفيق الحريري في وقت بات الرجل يمثل رمزا لبنانيا جامعا يرفض ان يكون رئيس الوزراء في لبنان مجرّد أداة عند ضابط المخابرات السوريّة الذي يحكم لبنان وكان اسمه رستم غزالة.
من لم يستوعب في حينه معنى خروج الجيش السوري من لبنان بعد اقلّ من شهرين على تفجير رفيق الحريري، يصعب عليه في الوقت الراهن استيعاب معنى الإنهيارين السوري واللبناني… وكلفة السقوط تحت سطوة ايران.
بعد سبعة عشر عاما على انسحاب الجيش السوري من لبنان، لا مفرّ من الإعتراف بأنّ لبنان في وضع أسوأ مما كان عليه. بات مصير البلد على بساط البحث. لكنّ سوريا نفسها في وضع الدولة المنهارة في ضوء تغطية النظام فيها قرار إيران القاضي بتفجير رفيق الحريري.
بعد سبعة عشر عاما على انسحاب الجيش السوري من لبنان، يمكن القول، بكلّ راحة ضمير، انّ لبنان انتهى… لكنّ سوريا انتهت أيضا. دفع لبنان وسوريا في الوقت نفسه ثمن القرار الإيراني بإغتيال رفيق الحريري، وهو قرار لم يكن بشّار الأسد، الذي شارك في اتخاذه، يدرك ابعاده والنتائج التي ستترتب عليه.
كان رستم غزالة آخر ضابط سوري يدير شؤون لبنان بصفة كونه المفوّض السامي المكلّف ذلك من سلطة الإحتلال. خلف رستم (السنّي) غازي كنعان (العلوي) الذي كان لدى بشّار الأسد حساب يريد تصفيته معه كونه تعاون مع رفيق الحريري ضمن حدود معيّنة. بعض التعاون كان مرتبطا بمصالح شخصيّة وبعض آخر بالعلاقة القائمة بين غازي كنعان من جهة ورئيس الأركان حكمت الشهابي وعبدالحليم خدّام من جهة أخرى. كان غازي كنعان يشارك حكمت الشهابي وعبدالحليم خدام قناعة تقول أنّ بشار الأسد ليس اهلا لخلافة والده وأنّه سيأخذ سوريا إلى الخراب. وهذا ما حصل فعلا. انتحر غازي كنعان وقيل انّ النظام جعله ينتحر، فيما غيّب الموت حكمت الشهابي وعبد الحليم خدّام لاحقا.
يختزل مصير رستم غزالة الذي تولّى النظام السوري تصفيته بعد عودته إلى البلد، مأساة لبنان وسوريا في آن. كانت الصدفة أنّ الضابط السنّي الآتي من منطقة حوران، صُفّي، على مراحل، بطريقة بشعة بعد عشر سنوات من تفجير موكب رفيق الحريري.
من الصعب الجزم بأن رستم غزالة كان يعرف التفاصيل الدقيقة للإعداد لجريمة تفجير الموكب. يعود ذلك إلى أن مثل هذه التفاصيل المتعلّقة بقرار في حجم كبير ذي ابعاد اقليميّة ودوليّة، في مستوى التخلّص من صاحب المحاولة الأخيرة لإعادة لبنان إلى خريطة الشرق الأوسط، تبقى ضمن دائرة ضيقة جداً في دمشق وطهران. لكن الأكيد أنّه كان في أجوائها، مثله مثل كثيرين آخرين في لبنان وسوريا يعرفون شيئا عن نفسية بشّار الأسد وذهنيته وعن المشروع التوسّعي الإيراني. هذا المشروع الذي وجد في الاحتلال الأميركي للعراق فرصة لانطلاقة جديدة في كلّ الاتجاهات، خصوصاً في سوريا ولبنان.
منذ خروج الجيش السوري من لبنان، مات رستم موتاً بطيئاً. احتاج موته عشر سنوات. معروف أنّه لفظ انفاسه في الرابع والعشرين من نيسان – ابريل 2015. أي بعد عشر سنوات إلّا يومين من مغادرة آخر جندي سوري الأراضي اللبنانية.
في سوريا، عاد رستم ضابطاً سنّياً لا أكثر، أي ضابطاً من الدرجة الثانية عليه أن يحظى يومياً برضا مسؤوله العلوي. على الرغم من الثروة التي جمعها في لبنان والمكانة التي كان يتمتع بها، لم تعد لديه مهمّة يستطيع تأديتها غير إظهار الولاء. والولاء يعني أوّل ما يعني ممارسة كلّ ما أمكن من وحشية مع أهل منطقته السنّية الثائرين على النظام مع السوريين الآخرين منذ العام 2011.
كثيرون جرت تصفيتهم منذ اغتيال رفيق الحريري، لكن يبقى أنّ ما مرّ به رستم غزالة يعطي فكرة عن انعكاس الانسحاب من لبنان على النظام السوري نفسه. تحوّل النظام من شريك للإيراني في لبنان إلى تابع له في سوريا ولبنان في الوقت ذاته.
لم يكن الانسحاب العسكري السوري من لبنان حدثا عابرا في ضوء تطورّين محوريين. يتمثّل التطوّر الأوّل في تمكن ايران، عبر “حزب الله” وسلاحه، من ملء الفراغ الأمني الذي خلفه خروج الجيش السوري. أمّا التطور الثاني، فيتمثّل في النتائج التي ترتّبت على الانسحاب في الداخل السوري.
يفسّر ما ترتب على الانسحاب العسكري السوري من لبنان لماذا كان هذا الإصرار، منذ وصول حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني – نوفمبر 1970 إلى التمسّك بكلّ مفاصل السلطة، على تصدير الأزمات السورية إلى خارج الحدود، إلى لبنان تحديدا، وصولا إلى السماح بتسلل “الحرس الثوري” إلى بعلبك في البقاع اللبناني صيف العام 1982. كانت الحجة، التي قدمّها الأسد الأب، المشاركة في مواجهة إسرائيل التي كانت بدأت في السادس من حزيران – يونيو من تلك السنة حربا واسعة في لبنان من اجل اخراج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينيّة منه.
دفعت سوريا غاليا ثمن اعتقاد النظام فيها أنّ في استطاعته استخدام ايران و”الحرس الثوري” تحديدا في ابتزاز العرب الآخرين والعالم. مع مرور الزمن، تبيّن أن الفارق بين حافظ الأسد ووريثه أنّ الأوّل كان يدرك حدود لعبة التوازنات في المنطقة ومدى دقتها. لم يكن حافظ الأسد يقدم على أي مغامرة من دون حسابات تأخذ في الحسبان كيفيّة إيجاد مخرج في حال فشله في تحقيق ما يريده أو يصبو إليه.
لا شكّ أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” عرفت كيف تستفيد منه في المدى الطويل وانتظرت موته كي تنقضّ على لبنان وعلى سوريا في الوقت ذاته. كان حليفها الأوّل في عمليّة الإنقضاض بشّار الأسد الذي لم يدرك معنى المشاركة، أو في اقلّ تقدير، تغطية التخلّص من رفيق الحريري في وقت بات الرجل يمثل رمزا لبنانيا جامعا يرفض ان يكون رئيس الوزراء في لبنان مجرّد أداة عند ضابط المخابرات السوريّة الذي يحكم لبنان وكان اسمه رستم غزالة.
من لم يستوعب في حينه معنى خروج الجيش السوري من لبنان بعد اقلّ من شهرين على تفجير رفيق الحريري، يصعب عليه في الوقت الراهن استيعاب معنى الإنهيارين السوري واللبناني… وكلفة السقوط تحت سطوة ايران.