السيد خدام (الجمهورية العربية السورية):
السيد الرئيس،
يسعدني باسم الوفد العربي السوري وبالأصالة عن نفسي أن أتقدم إليكم بأحر التهاني بمناسبة انتخابكم للمنصب الرفيع لرئيس الجمعية العامة.
إن التأييد الإجماعي لانتخابكم لهذا المنصب الرفيع يعكس الاحترام والتقدير الكبيرين اللذين يكنهما المجتمع الدولي لشعبكم وبلدكم وشخصكم البارز.
كما نعرب عن تقديرنا العميق للجهود البناءة التي بذلها سلفكم، السيد آدم مالك، بموضوعية مثالية وأسفرت عن مساهمات كبيرة في الإنجازات الإيجابية للمنظمة العالمية.
إننا نهنئ السيد كورت فالدهايم على انتخابه لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة ونتمنى له النجاح الكامل في الاضطلاع بواجبات منصبه الشاقة بنزاهة وفعالية.
وبينما نرحب بالأمين العام الجديد، يتعين علينا أن نعرب عن التقدير المستحق للعمل الذي قام به سلفه، يو ثانت، الذي أدار شؤون الأمم المتحدة خلال المراحل الأكثر أهمية وعاصفة. وسنتذكر بكل احترام وتقدير عمل وشخصية ذلك الابن القدير لآسيا.
في كل عام نتوقف لفترة من الوقت لمراجعة وتقييم عمل المجتمع العالمي. وإذا قمنا بتقييم إنجازات العام الماضي بموضوعية وواقعية نجد أن العلاقات الدولية لم تحقق تقدما يذكر في تعزيز الحرية والأمن والرفاهية للأغلبية العظمى من شعوب العالم. فبالرغم من التطورات الهامة الرامية إلى تقليص نقاط المواجهة الدولية، فإن غالبية شعوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تشعر بأن سلامتها ما زالت معرضة للخطر، وأن حريتها مقيدة، وتنتهك كرامتها، وأنها لا تزال معرضة للخطر والى أسوأ أشكال الاستغلال
وترحب هذه الشعوب بإزالة نقاط التوتر التي تنطوي على مخاطر على وجود الجنس البشري ذاته. كما أنهم يشعرون بالارتياح إزاء القبول الأوسع لمفهوم التعايش السلمي. ولكنهم أيضا يرغبون بشدة في أن تمتد النتائج المفيدة للتطورات الجديدة إلى شعوب العالم، بغض النظر عن حجمها وقوتها.
وفي هذا الصدد، تعتبر الجمهورية العربية السورية أن المؤتمر المقترح حول الأمن الأوروبي خطوة جديرة بالثناء نحو إرساء الأمن في منطقة تقع، مثل بلادنا، على حدود البحر الأبيض المتوسط.
ولذلك أعربت الجمهورية العربية السورية عن دعمها الكامل للاتفاق الرباعي بشأن برلين بتاريخ 3 أيلول/سبتمبر 1971 والمعاهدات المبرمة بين الاتحاد السوفياتي وجمهورية ألمانيا الاتحادية في 12 آب/أغسطس 1970 من جهة، وبين بولندا وجمهورية ألمانيا الاتحادية ألمانيا في 7 ديسمبر 1970، من جهة أخرى.
وبينما نرحب باقتراح عقد مؤتمر أمني أوروبي، نود أن نشير إلى العلاقة التي لا تنفصم بين الأمن في أوروبا والأمن في حوض البحر الأبيض المتوسط. إن الوضع الجغرافي للعديد من الدول الأوروبية والتفاعل بين مصالح الدول الأوروبية ومصالح الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط يجعل أي ترتيب للأمن الأوروبي يهمل أمن دول البحر الأبيض المتوسط عقيماً تماماً. ولن يكون هناك سلام ولا أمن في منطقة البحر الأبيض المتوسط ما لم يتم وضع حد للعدوان الإسرائيلي المستمر من خلال ضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية المحتلة وإعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني المغتصبة.
ومن التطورات الهامة الأخرى الاقتراح الداعي إلى عقد مؤتمر عالمي لنزع السلاح.
وباعتبارنا دولة نامية من دول عدم الانحياز، فإننا نؤيد تأييدا كاملا جميع الجهود الدولية الرامية إلى نزع السلاح الكامل والشامل الذي من شأنه أن يحرر العالم من مخاوفه من نشوب حرب نووية من خلال تدمير المخزونات النووية الحالية، وحظر المزيد من إنتاج الأسلحة النووية وإقامة رقابة دولية فعالة على الأسلحة النووية. التأكد من تنفيذ هذه الأهداف بالكامل.
ونحن لا نجهل الآفاق المفعمة بالأمل التي اكتسبناها من خلال هذه التطورات المرحب بها، ولكن لا يمكننا أن نتغاضى عن الظروف القمعية التي لا تزال تعاني منها شعوب العالم الثالث. فالعدوان الإسرائيلي مستمر. ومع مرور الوقت، تتزايد مخاطره والمآسي التي يجلبها.
ولا تزال شعوب الهند الصينية تعاني من عدوان الولايات المتحدة الإمبريالي، في حين لا تزال أجزاء واسعة من أفريقيا تخضع للاستعمار المباشر ولممارسات التمييز العنصري البغيضة، التي تنطوي على أعمال النهب والاستغلال والتدمير الشامل, والتجاهل الكامل لحقوق الإنسان.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الدول النامية، فإن الفجوة بين الدول النامية والمتقدمة في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية والتقنية تتسع باستمرار. وهذا نتيجة حتمية لتزايد عدم المساواة بين مجموعتي الأمم وللضغوط الخارجية على شعوب العالم الثالث التي تتطلع إلى اتخاذ خطوات حازمة على طريق التقدم والمساواة والمساهمة الفعالة في الوصول إلى الهدف النبيل المتمثل في ضمان الحياة الكريمة لجميع البشر دون تمييز في العرق أو اللون أو العقيدة.
إن تحليل الظروف الدولية السائدة من شأنه أن يبرهن على أن نظام العلاقات الدولية الذي تم إنشاؤه بعد تدمير الاستبداد النازي لم يثبت نجاحه، على الرغم من المعاناة الرهيبة التي خلفتها الحرب العالمية الثانية والدروس التي كان ينبغي للإنسانية أن تتعلمها منها فيما يتعلق بضرورة التمسك بالأهداف والمبادئ التي اتفقنا جميعا على احترامها من أجل ضمان حياة أفضل لجميع الشعوب. صحيح أن توازن الإرهاب النووي قد حمانا حتى الآن من الدمار الشامل والأكيد. ولكن على الرغم من فعاليته في منع نشوب حرب شاملة، فإنه لم يسفر عن تأثير يذكر فيما يتعلق بمنع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية. علاوة على ذلك، لم يكن له أي تأثير على الإطلاق على عدم المساواة السائدة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية. ولذلك لا تزال شعوب كثيرة تعاني من الاستعباد والاستغلال والاحتلال والاضطهاد، وهو ما يكشف مدى فشلنا في تحقيق الأهداف السامية للميثاق. وإزاء هذا الوضع المؤسف والخطير، فإن الجمهورية العربية السورية لا تزال تعتبر أن المشاركة في النضال ضد الظروف القمعية التي تهدد السلام العالمي وتنتهك مبادئ ميثاق الأمم المتحدة واجب مقدس.
إن الجمهورية العربية السورية تكافح إلى جانب تلك الشعوب التي تناضل من أجل ضمان مستقبل إنساني خالي من العدوان والسيطرة والقمع والخوف والجوع والجهل. إن معارضة بلدنا الحازمة للاستعمار الجديد والقديم قد جلبت لنا قدرا كبيرا من المعاناة والتضحيات. وكما يعلم جميع الأعضاء، كانت سوريا ولا تزال ضحية للعدوان والاحتلال وجميع أنواع التهديدات والضغوط. لكننا لن نتزحزح عن موقفنا المتمثل في التصميم الذي لا يتزعزع على تحرير أرضنا ومحاربة الإمبريالية والاستعمار. وسنستمر في التمسك بهذا الموقف حتى يتم الدفاع عن القضية التي ندافع عنها من خلال "نضال شعوب العالم من أجل تحقيق الحرية للإنسانية والسلام القائم على العدل والإنصاف".
وتماشيا مع المبادئ التي نتمسك بها، فقد أيدنا بقوة وسنواصل دعم شعوب الهند الصينية، ضحايا العدوان الإمبريالي للولايات المتحدة.
لقد دعمنا النضال البطولي لشعب فيتنام من أجل الحفاظ على وحدته الوطنية وسلامة أراضيه والدفاع عن حقه في تقرير مستقبله بحرية ودون تدخل أجنبي. ونكرر اعتقادنا بأن خطة النقاط السبع التي طرحتها الحكومة الثورية المؤقتة لجنوب فييتنام تمثل موقفا بناء تجاه حل المسألة الفييتنامية.
إننا ندين تصعيد عدوان الولايات المتحدة ضد شعب فيتنام و قصف الأهداف غير العسكرية، والتدمير المتعمد للمؤسسات الاقتصادية والسدود ومشاريع الري، والقتل الوحشي للمدنيين من أطفال ونساء وشيوخ.
ويتساءل المجتمع الدولي والعالم المتحضر برمته: ألا تشكل هذه الأعمال أبشع جرائم الحرب الموجهة ضد الإنسانية جمعاء؟
وتدين الجمهورية العربية السورية أيضا التدخل العسكري للولايات المتحدة في كمبوديا ولاوس. ونعتقد أن حكومة الاتحاد الوطني الكمبودية هي الممثل القانوني الوحيد لشعب كمبوديا. إننا نؤيد الإعلان المشترك الصادر عن مؤتمر القمة للشعوب الهندية الصينية، الذي انعقد في عام 1970، ونعتقد أن السلام في الهند الصينية لا يمكن تحقيقه إلا من خلال انسحاب القوات الأجنبية وممارسة شعب الهند الصينية حقوقه, حق تقرير المصير دون عوائق أو تدخلات خارجية.
وتؤيد الجمهورية العربية السورية المبادرة الجديدة لجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية بشأن التوحيد السلمي لكوريا. ونحن ندعو إلى حل ما يسمى بلجنة الأمم المتحدة لتوحيد وإعادة تأهيل كوريا، وإغلاق قيادة الأمم المتحدة في كوريا، وانسحاب جميع القوات الأجنبية من الأراضي الكورية.
وفي ارتكاب جرائمهم ضد شعوب أفريقيا، لجأ المستعمرون والإمبرياليون إلى جميع أساليب الاستعمار القديم والجديد، بما في ذلك الاستعمار الاستيطاني وفرض شكل رهيب من أشكال التمييز العنصري دعما لأنظمة الأقليات الأجنبية التي كانت تستغل وتنهب مساحات واسعة من القارة الأفريقية.
تعلن الجمهورية العربية السورية تضامنها التام والكامل مع الشعوب الأفريقية النضالية من أجل إنهاء الهيمنة الاستعمارية. كما نؤيد القرارات التي اتخذت في الدورة التاسعة لمؤتمر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية بهدف إنهاء الاستعمار في أفريقيا وفقا لقرار الجمعية العامة 1514 (د-15) بشأن منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة.
إن الشعب العربي السوري يدين بشدة سياسة الفصل العنصري التي تمارسها حكومة جنوب أفريقيا, كما ندين إصرار تلك الحكومة على احتلال ناميبيا وإدارتها. ونعرب عن دعمنا الكامل لنضال شعب زيمبابوي ضد الحكم الاستبدادي والقمعي لأقلية عنصرية مستغلة. إننا ندعم بقوة جميع حركات التحرر في أفريقيا، وخاصة تلك الموجودة في أنغولا وموزمبيق وغينيا (بيساو).
إن الشعب العربي، الذي عانى من العدوان الصهيوني المبني على الاستعمار الاستيطاني والتمييز العنصري، ومن الهجمات التوسعية في الخليج العربي، ينظر إلى شعوب أفريقيا، ضحايا الإمبريالية والاستعمار، على أنها رفيقة مناضلة ضد عدو مشترك يستخدم نفس الأساليب ويستخدم نفس الأسلحة لاقتلاع السكان الأصليين، واستبدالهم بمهاجرين عنصريين، وفرض الهيمنة السياسية والاقتصادية عليهم، واغتصاب واستغلال الموارد الطبيعية لأراضيهم. إن الشعب العربي السوري عازم على مواصلة النضال المشترك إلى جانب شعوب أفريقيا حتى تحقيق النصر النهائي وتدمير آخر معقل للإمبريالية في أفريقيا تدميراً كاملاً.
وترى الجمهورية العربية السورية، وهي من أوائل الأعضاء في حركة عدم الانحياز، أن المبادئ التي صيغت لأول مرة في المؤتمر الآسيوي الأفريقي الذي عقد في باندونغ قبل 17 سنة مضت، أكدت، رغم المؤامرات الإمبريالية، إرادة شعوب العالم الثالث في تحقيق السلام و تحقيق التحرير وبناء مستقبل للإنسانية يسوده السلام والأمن.
وإننا نعتبر مؤتمر وزراء خارجية بلدان عدم الانحياز، الذي عقد في جورج تاون، غيانا، في الفترة من 8 إلى 11 آب/أغسطس 1972، بمثابة خطوة إلى الأمام في كفاح دول عدم الانحياز لضمان انتصار حركات التحرير في جميع أنحاء العالم على كافة أشكال الإمبريالية والاستعمار والتمييز العنصري. قرارات المؤتمر الداعمة لنضال الشعب العربي ضد العدوان والاحتلال الإسرائيلي، وإدانة جرائم الاختطاف والقرصنة الدولية التي ارتكبها الإسرائيليون ضد سوريا ولبنان، والإعراب عن دعم نضال الشعب العربي فلسطين لاستعادة وطنه و حقهم في أراضيهم ووطنهم وحقهم في تقرير المصير، ودعم نضال شعوب الهند الصينية وحركات التحرر في أفريقيا وجميع أنحاء العالم، أكد قوة واستقلال حركة عدم الانحياز واستقلالها كما وأكد القدرة على الصمود في وجه كافة أشكال الضغط الإمبريالي. ونحن عازمون على مواصلة النضال من أجل ضمان انتصار مبادئ عدم الانحياز، مهما كانت التضحيات.
وفي هذا الصدد، أود أن أؤيد الاقتراح السليم للغاية الذي تقدم به وزير خارجية المكسيك والذي يطالب بحق بوجود دائم لبلدان العالم الثالث في مجلس الأمن.
لقد دعونا دائما إلى عالمية التمثيل في الأمم المتحدة وجميع وكالاتها. لقد لاحظنا جميعا خلال العام الماضي التغيرات الإيجابية التي طرأت على عمل المنظمة العالمية نتيجة لعودة الصين إلى مقعدها في الأمم المتحدة. لقد دعمت الصين شعوب العالم الثالث وهي في الصف الأول من الدول الملتزمة بتصفية الاستعمار والإمبرياليةولقد عملت الصين بإخلاص وجهد لدعم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
إننا نؤيد قبول جميع الدول المحبة للسلام التي تحترم الميثاق في عضوية المنظمة العالمية، ونعتقد أن قبول جمهورية ألمانيا الديمقراطية لعضوية الأمم المتحدة من شأنه أن يعزز المنظمة ويساعد على تعزيز السلام العالمي.
و الاستقلال السياسي لأي بلد يظل هشا ما لم يرافقه التحرر من التبعية الاقتصادية, ولتحقيق هذه الحرية يجب على الدول النامية أن تتبع سياسة اقتصادية تؤدي إلى رفع الدخل القومي وبالتالي مستوى معيشة مواطنيها. إن الفجوة بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية آخذة في الاتساع، كما يتبين من الدورة الثالثة للأونكتاد، التي عقدت هذا العام في سانتياغو، شيلي.
ونتفق على أنه يتعين على الدول النامية أن تسلك طريق الاعتماد على الذات، وتبدأ مشروعات التنمية، وتبذل الجهود لزيادة حجم التبادل التجاري فيما بينها. ومن ناحية أخرى، ينبغي للبلدان المتقدمة أن تستجيب ليس فقط لإملاءات التضامن والمسؤوليات التاريخية، بل لمصالحها الحقيقية أيضا، ومصالح السلام العالمي والإنسانية بشكل عام، من خلال اتخاذ الخطوات اللازمة لخلق الإرادة السياسية للتكيف العلاقات الاقتصادية الدولية بما يضمن العدالة والمساواة، ويضع حداً لحالات الظلم الصارخ، ويقلص تدريجياً الفجوة الهائلة بين مستويات المعيشة بين الدول المتقدمة والدول النامية.
إدراكاً من الجمهورية العربية السورية للأهمية الكبيرة لمستقبل البشرية لموضوعات النقاش في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية الذي عقد في ستوكهولم في حزيران/يونيه الماضي،فقد شاركت الجمهورية العربية السورية في المؤتمر وفي الجهود التي ساهمت في إنجاز نتائج إيجابية. ويؤمل أن تولي الدورة الحالية للجمعية العامة موضوع البيئة البشرية الاهتمام الذي يستحقه تماما.
إن العدوان الصهيوني الإمبريالي ضد الشعب العربي فلسطين والدول العربية الثلاث الأعضاء في الأمم المتحدة أصبح أكثر شراسة وفظاظة، كما أنه محفوف بخطر جسيم على السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط وعلى سلامة المنطقةو العالم.
إن السنوات الخمس التي مرت منذ العدوان الإسرائيلي في 5 حزيران/يونيه 1967 قد كشفت لأعضاء الأمم المتحدة ولجميع شعوب العالم الطبيعة الحقيقية للعدوان الذي نواجهه.
إن قضية الشرق الأوسط، التي هي في الواقع امتداد لقضية فلسطين، تمثل أخطر تحد للأمم المتحدة وأخطر تهديد للسلم والأمن العالميين. إن مصير المنظمة العالمية كوسيلة لردع المعتدي والقضاء على العدوان مرهون بقدرتها على ضمان الاحترام الواجب لقراراتها ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
ورغم أن السنوات الأخيرة شهدت إدراكا أكبر من جانب أعضاء الأمم المتحدة للخطر الذي يتعرض له المجتمع الدولي برمته نتيجة لسياسة إسرائيل التوسعية وأعمالها العدوانية المتكررة، فإن الهوة التي تفصل بين رغبات الأمم المتحدة كما تجلت في قرارات الأمم المتحدة من ناحية، و ضمان الاحترام المطلوب والتنفيذ الفعلي لتلك القرارات من ناحية أخرى أصبح أوسع من أي وقت مضى، مما أدى إلى أن الدول الصغيرة لم تعد تعتبر المنظمة العالمية قادرة على تقديم ضمانة كافية لاستقلالها وأمنها وسلامة أراضيهم الوطنية.
إن هذا التحدي لسلطة الأمم المتحدة والاستهزاء بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بمسائل السلام والأمن لا يشكل تهديدا لسلطة المنظمة العالمية فحسب، بل يشجع أيضا على التوسع والعدوان في جميع أنحاء العالم، ما دام يُسمح للمعتدي أن يستمتع بثمار العدوان دون خوف من عقاب أو ردع.
وبعيداً عن الالتزام بقرارات الأمم المتحدة التي تدين استخدام القوة والاستيلاء على الأراضي باستخدام القوة، تتباهى إسرائيل بغطرسة بأنها احتفظت بثمار عدوانها عام 1967، كما احتفظت بثمار عدوانها عام 1948.
وفي حزيران/يونيو الماضي، أي بعد مرور خمس سنوات على ارتكاب عدوان عام 1967، أعلنت إسرائيل عدد ونوع وأسماء المستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي العربية المحتلة، وأصدرت خرائط توضح مواقع تلك المستوطنات. وقد تم إنشاء 17 مستوطنة في هضبة الجولان السورية، كما اعترفت إسرائيل نفسها بانشاء 17 منها على الضفة الغربية لنهر الأردن، و16 في قطاع غزة ومحافظة سيناء وعربة. ولم تعلن إسرائيل بالطبع عن أسماء وعدد القرى العربية التي تم تجريفها لإفساح المجال أمام إقامة تلك المستوطنات؛ ولم ترد أي معلومات عن الأراضي التي تم إجلاء السكان العرب منها لتعطى تلك الأراضي للمهاجرين القادمين من زوايا الأرض الأربع، بعد أن خدعتهم آلة الدعاية الصهيونية.
إن إسرائيل ليست مهتمة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بل بتنفيذ قرارات المؤتمر الصهيوني العالمي، التي ينطوي كل بند فيها على انتهاك لميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقرارات التي اتخذتها مختلف أجهزة الأمم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان و قضية فلسطين.
وكانت قرارات المؤتمر الصهيوني العالمي الثامن والعشرون، الذي انعقد في القدس المحتلة مطلع هذا العام، أكثر طمعاً وعدوانية من قرارات المؤتمرات السابقة. لقد وافقوا على العدوان والتوسع الإسرائيلي، وأجازوا إنكار الوجود الإنساني والقومي للعرب، وحشدوا الموارد الصهيونية لاستعمار الأراضي العربية، وبروح من التعصب العنصري والديني، دعوا جميع اليهود أينما كانوا وبغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والأنظمة التي يعيشون في ظلها، الى الهجرة إلى فلسطين والأراضي العربية المحتلة، ويشاركون بذلك في جريمة طرد السكان الأصليين وطمس التراث والحضارة العربية، كل هذا من أجل للمساعدة في تحقيق الحلم المجنون المتمثل في "إسرائيل الكبرى" الممتدة من النيل إلى الفرات.
وفي الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل إعادة اللاجئين والمهجرين العرب إلى الأراضي التي طردوا منها والتي تقع على مقربة من مكان منفاهم، أعرب المؤتمر الصهيوني العالمي عن ارتياحه العميق للمعدل المتسارع للمهاجرين الذين يتدفقون إلى إسرائيل من الخارج. ودعت جميع أنحاء العالم إلى مواصلة الجهود لمحاكاة هجرة اليهود من جميع البلدان والأنظمة، وأعلن أن حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل لا جدال فيه.
وهذا الموقف النابع من الغطرسة والأنانية والتحدي يظهر الطبيعة الحقيقية للصهيونية وفروعها , إسرائيل .
. بين عامي 1949 و1971، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة 24 قراراً تؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم. كما صدرت منذ عام 1967 قرارات للأمم المتحدة تؤكد قرار مجلس الأمن رقم 237 (1967) الذي اتخذ بالإجماع في 14 حزيران/يونيه 1967، وتدعو إسرائيل إلى إعادة اللاجئين الذين شردوا منذ 5 حزيران/يونيه 1967. وعلى الرغم من كل هذه القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة والتي تؤكد بوضوح الحقوق العربية على الأراضي العربية، فإن القادمين الجدد الصهاينة يصرون على الادعاء بأن حقهم في هذه الأراضي لا جدال فيه.
هذا هو منطق القوة الغاشمة الذي كشف مرة أخرى لهذه الجمعية وللعالم أجمع طبيعة المعتدين الصهاينة الإسرائيليين، الذين يتعين على شعبنا المتطلع إلى التحرر والسلام أن يناضل ضدهم.
إن سجل إسرائيل حافل بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية - وهي الجرائم التي حددها مبدأ نورمبرغ (7)، وهو التعريف الذي اعتمدته الأمم المتحدة فيما بعد [القرار 95 (ل) ي). ومن المثير للسخرية حقاً أن إسرائيل انتهكت كل مبدأ وكل مادة من اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب الموقعة في 12 آب/أغسطس 1949 - وهي اتفاقية صيغت أصلاً لمنع تكرار الجريمة التي ارتكبتها الوحشية النازية ضد المدنيين من شعوب أوروبا، وخاصة ضد اليهود.
إن تدمير المدن والقرى العربية، وتغيير الطابع العربي للأراضي المحتلة، وطرد سكانها، وفرض العقوبات الجماعية، ومصادرة الممتلكات العربية، والنقل الجماعي للسكان العرب إلى مناطق بعيدة أو إلى مناطق خارج الأراضي المحتلة من أجل استبدالهم بمهاجرين يهود جدد( - وهم مستعمرون استيطانيون صريحون -) كل هذا يشكل انتهاكا صارخا لمبادئ القانون الدولي ولأبسط حقوق الإنسان ومبادئه. وقد لخص الأمر برمته موشيه ديان، الخبير المعترف به في العنف والإرهاب، في تعليقه بأنه "لم يتم بناء أي مستوطنة يهودية على أرض غير تلك التي قامت عليها قرية عربية". جاء ذلك في صحيفة هآرتس بتاريخ 19 آذار/مارس 1969. وفي مواجهة هذه الجرائم الإسرائيلية، أعلنت لجنة حقوق الإنسان في دورتها الأخيرة أن الأعمال الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تشكل جرائم حرب وتحدياً للإنسانية.
لقد أثارت إسرائيل ضجة كبيرة في العالم بشأن المعاملة اللاإنسانية المزعومة لليهود السوريين من قبل سوريا. ويبدو أن إسرائيل تعتقد أن العالم أصم وأبكم وأعمى، وبالتالي لا يستطيع أن يرى أو يسمع عن التمييز العنصري الذي يتعرض له العرب في فلسطين وغيرها من الأراضي المحتلة، والذي يمارس أيضا ضد اليهود الملونين والشرقيين. لكن سوريا، بضمير حي، رحبت دائماً بممثلي الصحافة العالمية، الذين تحدثوا عن المساواة الكاملة التي يتمتع بها جميع السوريين، دون أي شكل من أشكال التمييز.
ونتيجة لدعم الولايات المتحدة، الذي وصل إلى حد تنازل الولايات المتحدة عن شخصيتها، فقد اتخذ الإسرائيليون درجة من الغطرسة جعلتهم يحافظون على موقف اللامبالاة الكاملة تجاه الإدانة العالمية للأساليب الشبيهة بالنازية. والعقلية التي وقع اليهود ضحيتها في الماضي والتي تطبقها إسرائيل الآن، ليس فقط ضد العرب، ولكن أيضًا ضد فئات معينة من اليهود الذين يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية.
لقد سمع العالم أجمع عن تدنيس إسرائيل للكنائس والمساجد في فلسطين المحتلة. إن محاولة إحراق المسجد الأقصى عام 1969 لم تكن من عمل شخص مختل عقليا كما تدعي إسرائيل. وتكررت المحاولة هذا العام، لكن السلطات الإسرائيلية فرضت تعتيما صارما على التقارير المتعلقة بها. كما سمع العالم أجمع عن محاولات تدنيس الأماكن الدينية ونهب الآثار في الأراضي العربية المحتلة. ومؤخراً، صدم ضمير الإنسانية من تصرفات السلطات الإسرائيلية عندما منعت سكان قريتي إكريت وكفار برعم العربيتين بقوة السلاح من العودة إلى أراضيهم وقراهم، بعد مرور 24 عاماً على تهجيرهم منها. وطردهم منها الإسرائيليون.
كما أن العالم كله سمع عن تدمير وهدم وتجريف القرى العربية في محافظتي القدس والخليل تحت ذريعة أو أخرى. إن سياسة إسرائيل في إرهاب السكان العرب المسالمين، والتي بدأت بمجازر دير ياسين وقبيا عامي 1948 و1953، استمرت لأن الإسرائيليين يجدونها فعالة، كما أنهم غير مبالين بتداعياتها على الرأي العام العالمي، كما يعتقدون بأن بامكانهم التعامل مع هذه التداعيات من خلال آلتهم الدعائية المخادعة واللجوء إلى حيلة الابتزاز المتمثلة في اتهام أي دولة لا تنخدع أو تخدعها هذه الآلة بجريمة معاداة السامية الشنيعة. وهكذا، حولت إسرائيل والصهيونية الافتراءات المعادية للسامية إلى أداة ابتزاز لخنق كل انتقاد لسياساتهما وأهدافهما، والإيذاء لأي فرد أو دولة أو مؤسسة لا ترضخ لخططهما ومناوراتهما.
ولتبرير حربهم العدوانية عام 1967، اعتاد قادة إسرائيل على التظاهر بأن الحرب شنوها لأن العرب كانوا يهددون وجود إسرائيل ذاتها. ولكن قبل بضعة أسابيع، أعلن جنرالات إسرائيليون أنه لا في عام 1967 ولا في أي وقت سابق كان وجود إسرائيل في خطر، وأنه تم اللجوء إلى التظاهر بوجود مثل هذا الخطر من أجل توفير ذريعة لحرب مدبرة مسبقاً وحرب عدوانية مخططة بعناية على الدول العربية. وقد وصل إدمان إسرائيل على القوة والعنف واحتقارها للرأي العام العالمي إلى هذه الحدود.
تود الجمهورية العربية السورية أن تلفت انتباه الجمعية العامة إلى رفض إسرائيل الاستجابة لأحكام قراري مجلس الأمن 316 (1972) و 317 (1972)، اللذين يطالبان إسرائيل بالإفراج عن العسكريين السوريين واللبنانيين المختطفين داخل الأراضي اللبنانية. إن جريمة الاختطاف التي ترتكبها إسرائيل ليست مجرد عمل من أعمال القرصنة، ولكنها تشكل أيضًا انتهاكًا لاتفاقيات جنيف لعام 1949 التي تحظر احتجاز الرهائن. ومن الواضح أن إسرائيل تحتجز الضباط السوريين المختطفين كرهائن، كما يظهر من الاقتراح الإسرائيلي بمبادلتهم بأسرى حرب إسرائيليين تم أسرهم أثناء مشاركتهم في عمليات عسكرية ضد الدول العربية.
إن عدم التزام إسرائيل بأحكام قرارات مجلس الأمن تلك يشكل انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة. ولذلك ينبغي للجمعية العامة أن تتخذ تدابير تؤدي إلى الإفراج غير المشروط عن الضباط والعسكريين السوريين واللبنانيين.
إن تدهور الحالة في الشرق الأوسط وما ينطوي عليه ذلك من تهديد للسلام والأمن العالميين هما مسؤولية إسرائيل الكاملة. إذ إن إسرائيل مستمرة في تنفيذ مخططاتها التوسعية وحرمان الشعب العربي في فلسطين من حقوقه الوطنية. والولايات المتحدة التي استخدمت إمكاناتها المادية والعسكرية والسياسية والعلمية والتقنية لحماية المعتدي الإسرائيلي على الدول العربية، تتحمل المسؤولية.
إن استخدام حكومة الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) للمرة الثانية في تاريخها في الأمم المتحدة ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يهدف إلى وقف العدوان الإسرائيلي على سوريا ولبنان يشكل دليلا على دعم الولايات المتحدة للعدوان. كما يشير إلى أن هذه القوة العظمى قد تخلت عن التزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة. إن استخدام الولايات المتحدة لحق النقض، الذي جعل مجلس الأمن عاجزا أمام العدوان، شجع المعتدين على مواصلة تحديهم لإرادة المجتمع الدولي وشن غزو أوسع نطاقا للأراضي اللبنانية في 16 و 17 أيلول/سبتمبر الماضي. وفي أعقاب ذلك، قامت إسرائيل بتصعيد عدوانها مرة أخرى على الجمهورية العربية السورية.
وفي الواقع، فإن الصراع في الشرق الأوسط هو في الأساس صراع بين الصهيونية العالمية، التي غزت فلسطين بمساعدة إمبريالية واستعمارية، من ناحية، والشعب العربي في فلسطين، الذي كان ضحية هذا الغزو والذي تم طرده. من ناحية أخرى، وأُجبروا منذ أكثر من 25 عاماً على أن يعيشوا حياة التشتت والحرمان. وقد اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذه الحقيقة في قراراتها التي اتخذت بعد العدوان الإسرائيلي في حزيران/يونيه 1967. وعلى وجه الخصوص، اعترفت هذه القرارات بأن "مشكلة اللاجئين العرب الفلسطينيين نشأت من إنكار حقوقهم غير القابلة للتصرف بموجب ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان" {القرار 2535 ب (د-24)). وأكدوا أيضًا أن "لشعب فلسطين الحق في التمتع بحقوق متساوية وتقرير المصير" (القرار 2672 جيم (د-25)})، وأعربوا عن "قلقهم البالغ لأنه لم يُسمح لشعب فلسطين بالتمتع بحقوقه غير القابلة للتصرف وفي ممارسة حقهم في تقرير المصير"، وأعلن أن "الاحترام الكامل لحقوق شعب فلسطين غير القابلة للتصرف هو عنصر لا غنى عنه في إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط" [القرار 2792 دال (د-26)].
وقد اكتسب الصراع في الشرق الأوسط أبعادا جديدة في أعقاب العدوان الإسرائيلي على ثلاث دول عربية عام 1967، وهو العدوان الذي مثل مرحلة جديدة في المخططات التوسعية الصهيونية الإسرائيلية وشكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن العالميين.
وأؤكد هنا أن موقف الجمهورية العربية السورية من قضية فلسطين والعدوان الامبريالي الصهيوني على أراضينا ثابت ومبني على المبادئ وعلى أحكام ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي ومقتضاياته من العدالة والإنصاف. كما أؤكد أن هناك شرطين أساسيين لإحلال السلام في الشرق الأوسط: الأول، الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه وفي الممارسة الحرة لحق تقرير المصير، ثانيا، الانسحاب الكامل والفوري وغير المشروط للقوات الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية المحتلة.
فالسلام الذي يكافأ فيه المعتدي ليس سلاماً حقيقياً. إنه الخضوع لإرادة المعتدي والاستسلام للشروط التي تمليها القوة. لقد أظهر التاريخ الأوروبي المعاصر أن السلام الذي لا يقوم على القانون والعدالة هو "فترة راحة بين حربين".
إن مكافأة المعتدي من أجل ضمان السلام هي دعوة للحرب. ولذلك، فإننا نرفض بشدة ما يسمى "بالحلول الجزئية". وهي جهود خادعة تؤكد وتديم عواقب العدوان من خلال الأمل الكاذب في تحقيق السلام الرسمي.
إن إسرائيل والإمبرياليين الذين يقدمون الدعم والمساندة الكاملة للعدوان الإسرائيلي، مخطئون إذا اعتقدوا أن سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة يمكن أن تؤدي إلى الاستقرار والسلام الدائم، الذي لن ينتج عن القوة والعدوان، بل عن طريق الحرية والعدالة. .
لقد نجحت بعض المناورات والضغوط المعروفة، في ظروف معينة، في إدراج بند في جدول أعمال هذه الدورة يتعلق بتدابير منع الإرهاب {البند 92}. وكان واضحاً منذ البداية أن مصادر هذه المناورات والضغوط أرادت إثارة الجدل من أجل تحقيق غايات سياسية معينة. وكانت النتيجة أن الرأي كان يميل إلى ضرورة التحقيق في الأسباب الكامنة وراء أعمال العنف. ونحن نرحب بهذه النتيجة، ونعرب عن أملنا في أن تسفر المناقشة عن نتائج تتفق مع المبادئ التي يجسدها ميثاق الأمم المتحدة، وفي مقدمتها حق الشعوب في الحرية وتقرير المصير والحفاظ على الكرامة الإنسانية.
لقد وقفت الجمهورية العربية السورية دائما ضد الإرهاب، سواء كان من جانب الأفراد أو الجماعات أو الدول. ولم تتوان سورية عن تسجيل المبادئ التي تدافع عنها في هذا الصدد في وثائق الأمم المتحدة، ولم تتوقف قط عن النضال من أجل هذه المبادئ ومن أجل إقامة مجتمع دولي يحكمه القانون، وتسوده العدالة، في ظل معيار السلام. .
والسؤال الذي يواجهنا هو: ما هو الإرهاب ومن هم الإرهابيون؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد من العودة إلى مواد ميثاق المنظمة العالمية والاسترشاد بها، فإن أشد أشكال الإرهاب التي يحتج عليها العالم تطرفا، جاءت نتيجة التنصل من هذا الميثاق ومبادئ القانون الدولي. من قبل قوى دولية معينة.
وميثاق الأمم المتحدة يدين الاستعمار والعدوان واستخدام القوة والتهديد باستخدام القوة.
ومع هذا نجد أن القوى الإمبريالية والدول التي تنتمي إليها تمارس الاستعمار والعدوان والترهيب وأن لغتها هي لغة القصف والذبح والإبادة الجماعية.
ويؤكد ميثاق المنظمة العالمية لجميع الشعوب حق تقرير المصير. إلا أن هذا المبدأ يحظى بازدراء قوى العدوان، التي تنتهج نهج الهيمنة والقمع إلى حد تجريد شعوب بأكملها من أرضها وأوطانها.
وينص ميثاق الأمم المتحدة على المساواة بين جميع الشعوب، بغض النظر عن اللون أو العرق أو الدين. لكن القوى المعادية للإنسانية ولمبادئ العدالة والمساواة تمارس التمييز العنصري، وترفعه إلى مرتبة السياسة والفلسفة.
إذن ما هو الإرهاب الحقيقي؟ من هم الإرهابيون الحقيقيون؟ هل نضال شعب من أجل الحرية والسيادة إرهاب حقيقي؟ أم أن الإرهاب يكمن فعلا في أعمال العدوان والاحتلال؟ فهل الإرهابيون الحقيقيون هم الذين يكافحون من أجل استعادة الحرية التي حرموا منها والوطن الذي طردوا منه؟ أم هم الذين حرموا تلك الشعوب حريتها وطردوها من وطنها؟
وحتى وقت قريب، كان الإمبرياليون يصفون العديد من رؤساء الوفود والممثلين المجتمعين الآن في هذه الجمعية بأنهم "إرهابيون". إن الأصوات التي تحدد وتستغل مصطلح "الإرهاب" اليوم هي نفس الأصوات التي وصفت في الآونة الأخيرة قادة الحرية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بـ "الإرهابيين".
ونحن إذ نعود بالتاريخ نسأل أنفسنا: ألم يكن جيفرسون وبنجامين فرانكلين وجورج واشنطن في عصرهم قادة وقادة الإرهاب في نظر الدولة الاستعمارية الحاكمة؟ ألم يكن أبطال مقاومة الاحتلال النازي والفاشي في أوروبا "إرهابيين" في نظر القادة النازيين والفاشيين؟
إنها مناسبة غريبة ومريبة للغاية، حيث نرى ممثل إسرائيل يقف أمام هذه الجمعية العامة لمناقشة الإرهاب والتدابير اللازمة لمنعه.
كم هو متناقض للغاية أن يتحدث ممثل مؤسسات القتل والإرهاب تلك، الهاجاناه، وعصابة شتيرن، وإرغون زفاي لئومي، وهو اسم آخر لإسرائيل، عن الإرهاب. من هو الذي قتل الكونت برنادوت؟ من ارتكب مجازر دير ياسين وقبيا وقلقيلية وطولكرم؟ من هم الذين فجّروا فندق الملك داود في القدس ودفنوا شيوخاً ونساءً وأطفالاً أبرياء؟ ومن هو الذي نظم ونفذ حملة الطرود المحملة بالمتفجرات المرسلة بالبريد إلى مصر، والتي أدت إلى مقتل العشرات؟ من هم أبطال فضيحة لافون؟ ومن هو لافون بطل الرواية الرئيسي في هذه الحلقة؟
ألم يكن لافون هو وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت، نائب الحكومة الإسرائيلية في الجريمة التي دبرتها تلك الحكومة، وهي ذبح الأبرياء؟ حدثت قضية لافون عام 1954 في مصر, وتسببت في مقتل العديد من الأبرياء الطيبين، وإحراق المكتبة الأمريكية وتفجير السفارتين الأمريكية والبريطانية لتخريب علاقات مصر مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة, ووصفت الصحف الإسرائيلية حينها هذه الجريمة بالوحشية والهمجية، قبل أن يتم الكشف عن عميلي لافون، ديان وبيرتس.
فماذا يريد القادة الإسرائيليون إذن من هذه الحملة المحمومة التي جعلتهم يقولون إن هدف السلام يحتل الآن المرتبة الثانية في اهتماماتهم؟ ألا يرغبون في تحامل الرأي العام ضد الكيان العربي الفلسطيني والحصول على موافقة، بل ومشاركة، عدد من الدول في مؤامرتهم لإخماد المقاومة الفلسطينية، تمهيدا لبدء عمليات فعالة ضد هذا الكيان؟ علاوة على ذلك، فإن ما يريدونه هو صرف انتباه الرأي العام العالمي عن النشاط الإسرائيلي في فلسطين المحتلة وغيرها من الأراضي العربية المحتلة كل يوم، وكل ساعة، ودقيقة بدقيقة، والأعمال الوحشية ، والإهانات الوحشية للإنسانية، وأقصى درجات الإرهاب.
وإننا ننبه ونحذر من أن هذه المناورة تستهدف كل من يلتزم بالحق ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. و لا تستهدف حركة التحرير الفلسطينية وحدها؛ كما أنها تهدد كل حركة تحرر وطني في العالم.
نحن نعارض أعمال العنف التي لا تندرج في سياق النضال المشروع لتحرير الأراضي المحتلة، أو استعادة كرامة وحرية الشعوب، أو حماية حقوق الإنسان الأساسية. نحن لا نعتقد أن الوطنية يخدمها العنف الذي يدمر النفوس البريئة. ولكننا لن نكون طرفا في استغلال فعل يائس عاطفي من أجل عرقلة النشاط الوطني التحرري وخنق نضال الشعوب المشروع في مهده. إننا نعارض بشدة الإرهاب الواسع النطاق الذي تتحمل مسؤوليته دول أعضاء في هذه عصبة الأمم المتحدة، حيث تمارس القمع ضد الشعوب التي تناضل من أجل حريتها وسيادتها وكرامتها الوطنية واستعادة أراضيها.
إن تجربة شعوب العالم في النضال من أجل الحرية والكرامة الإنسانية علمتها أن الظلم المفروض على شعب مضطهد يشكل تهديدا خطيرا لكرامة وأمن جميع الشعوب, فالعدوان والاحتلال، من خلال القتل والدمار والتمييز الديني والعرقي، لا يمكن أن يقمع تطلعات شعوبنا إلى الحرية والتحرر, بل سيعززون إيمانهم بالإنسان وبكرامته وإيمانهم بأن نضال الشعب، حتى عندما يواجه الدمار والاحتلال ومفاهيم التمييز العنصري والديني التي يؤيدها المستعمرون، سوف ينتصر في النهاية.
على المتفاخرين والمسكرين بقدرتهم على القتل والتدمير وبنجاحهم في العدوان والاحتلال أن يتذكروا أن النازية التي يقلدون شعاراتها وأساليبها قد تم سحقها وتدميرها، وأن القادة النازيين، في وقت من الأوقات، كانوا الآلهة الحرب والدمار، وانتهى بهم الأمر إلى مجرمي حرب وأعداء الإنسان.
ويجدر بأولئك الذين يصرون على العدوان، والاستهزاء بالقوانين والاتفاقيات الدولية، وانتهاك حقوق الإنسان أن يتذكروا أن التاريخ يثبت أن الحق سوف يثبت في نهاية المطاف وأن إرادة الشعوب لا تقهر.