مجلة تايم
بثقة تشبه ثقة الحاكم الإمبراطوري، أشرف وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام الأسبوع الماضي على وقفٍ لإطلاق النار في لبنان، لم تكتفِ دمشق باقتراحه، بل فرضته فرضًا. في القصر الرئاسي ببيروت، استقبل هذا الدبلوماسي الودود—الذي بدأ العديد من اللبنانيين يطلقون عليه لقب “كيسنجر العالم العربي”—وفدًا تلو الآخر من الفصائل السياسية والطائفية المتناحرة في لبنان. في الوقت نفسه، كانت لجنة مشتركة من الضباط السوريين والفلسطينيين واللبنانيين تراقب وقف إطلاق النار—وهو الثالث والعشرون منذ اندلاع الحرب الأهلية قبل تسعة أشهر—ونجحت في إعادة قدر من الهدوء النسبي إلى البلد الذي مزقته النزاعات. كان الدور البارز الذي لعبه خدام ومشاركة السوريين في فرق الهدنة دليلين واضحين على أن دمشق برزت، على الأقل في هذه اللحظة، كأقوى قوة عربية فعالة في الشرق الأوسط
فرض النظام
عندما اقترح الوسطاء السوريون، بقيادة خدام وبدعم يصل إلى 4000 جندي من جيش التحرير الفلسطيني المدرّب في سوريا، وقف إطلاق النار، كانت المعارك قد اجتاحت لبنان طوال ستة أسابيع. وفقًا لشروط الهدنة، تولى جيش التحرير الفلسطيني مسؤولية فرض النظام في المناطق المسلمة، بينما قامت القوات المسلحة اللبنانية وأجهزة الأمن، بالتعاون مع الميليشيات المسيحية اليمينية، بدوريات في المناطق المسيحية. وخلال أيام قليلة، تم الفصل بين المجموعات المسلحة المتناحرة، وتوقفت أعمال النهب الواسعة بعد أن أُطلق الرصاص فورًا على بعض المخالفين، بينما حوكم آخرون محاكمات سريعة وأصدرت بحقهم أحكام بالسجن لمدد طويلة. ومع نهاية الأسبوع، اقتصر خرق الهدنة على بعض الكمائن المتفرقة وإطلاق النار المتقطع
هدنة هشة
اجتمع مجلس الوزراء اللبناني الأسبوع الماضي—للمرة الأولى منذ 15 يومًا—برئاسة رئيس الحكومة رشيد كرامي، الذي كان قد تراجع عن استقالته. كما صدرت الأوامر للموظفين الحكوميين بالعودة إلى مكاتبهم، واستعدت المدارس والبنوك لإعادة فتح أبوابها. ورغم أن معظم اللبنانيين بدأوا بالتنفس الصعداء لأول مرة منذ أسابيع، إلا أن المخاوف ظلت قائمة من أن تكون هذه الهدنة هشة وقد تنهار مجددًا في أي لحظة لتعود الاشتباكات. وحذّر أحد الوزراء قائلًا: البلاد في حالة تقسيم فعلي
السلام الدائم لن يتحقق إلا بالإصلاحات
لن يتحقق السلام الدائم حتى تقبل جميع الفصائل إصلاحات طال انتظارها، من شأنها تعديل “الميثاق الوطني” غير المكتوب، الذي يمنح الأقلية المسيحية حصة غير متناسبة من السلطة الاقتصادية والسياسية في لبنان. ومن المؤكد أن سوريا ستلعب دورًا مهمًا في صياغة هذه الإصلاحات
انتصار شخصي للأسد
كان فرض دمشق لوقف إطلاق النار في لبنان انتصارًا شخصيًا للرئيس السوري حافظ الأسد. يمكنه الآن أن يطرح نفسه بشكل شرعي كحامٍ للمسلمين اللبنانيين، ويدّعي أنه أنقذ دولة عربية من تدمير ذاتها في حرب أهلية. علاوة على ذلك، اكتسب الأسد قدرًا من السيطرة على 400,000 فلسطيني يعيشون في لبنان. ومن خلال استخدام جيش التحرير الفلسطيني لوقف القتال، تجنّب الأسد التدخل العسكري السوري المباشر في لبنان، وهو تدخل كان من الممكن أن يؤدي إلى غزو إسرائيلي.
دور محوري
ما وصفه مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية بأنه “الغنيمة السورية في لبنان” ليس إلا أحدث خطوة في حملة سورية تهدف إلى تقويض موقع الرئيس المصري أنور السادات كمتحدث رئيسي باسم العالم العربي. ففي الصيف الماضي، تفوّق الأسد على السادات عندما رفض التفاوض على اتفاق فك اشتباك جديد مع إسرائيل بشأن هضبة الجولان، بعد أن كان السادات قد وقّع بالفعل اتفاقات سيناء. وفي الخريف الماضي، رفض الأسد تجديد تفويض قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الجولان، ما لم تتم دعوة منظمة التحرير الفلسطينية إلى مناقشة رئيسية في مجلس الأمن حول الشرق الأوسط.
المواجهة في الأمم المتحدة
انتهت تلك المناقشة الأسبوع الماضي باستخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار مؤيد بشدة لمنظمة التحرير الفلسطينية. وعلى الرغم من أن سوريا ليست عضوًا في المجلس، فقد لعبت دورًا رئيسيًا في صياغة القرار، الذي كان سيُلزم إسرائيل بالانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها خلال حرب 1967، ويعترف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة في فلسطين. وكما كان متوقعًا، استخدم السفير الأميركي دانيال باتريك موينيهان حق النقض، وهو الفيتو الثالث عشر للولايات المتحدة في تاريخ مجلس الأمن الذي يمتد لثلاثين عامًا، لأن القرار كان سيغيّر الصياغة الغامضة المتعمدة للقرار 242، الذي اعتمد عام 1967، والذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من “أراضٍ محتلة” بدلاً من “جميع” الأراضي المحتلة. تفسّر واشنطن والقدس القرار 242 على أنه يمنح إسرائيل الحق في الاحتفاظ ببعض المناطق المحتلة
لم تؤيد أي دولة الموقف الأميركي في معارضة القرار. فرنسا واليابان انضمتا إلى ست دول من العالم الثالث في التصويت لصالحه، بينما امتنعت بريطانيا والسويد وإيطاليا عن التصويت، ولم تشارك ليبيا والصين في الجلسة
التداعيات على الفدائيين الفلسطينيين
على الرغم من تصدّر الأسد لقضية الفلسطينيين، فقد يكون الهيمنة السورية على لبنان نعمة ونقمة للفدائيين. فالأسد أبقى قوات الفدائيين البالغ عددها 17,000 مقاتل داخل سوريا تحت رقابة مشددة، وحرَمهم من الحرية التي يتمتع بها المسلحون الفلسطينيون في لبنان. وفي الأسبوع الماضي، قدّم وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام، بعد اجتماعه مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، ضمانات للمسيحيين اللبنانيين بأن الفدائيين سيلتزمون بالاتفاقات السابقة (التي تم تجاهل معظمها) بشأن الحد من أنشطتهم العسكرية داخل لبنان.
ويعتقد بعض المراقبين أنه في المفاوضات المستقبلية مع إسرائيل، قد يذهب الأسد إلى حد تقديم ضمانات لكبح الفدائيين عن شن هجمات إرهابية، مقابل تنازلات إسرائيلية كبيرة بشأن هضبة الجولان
نجاح دبلوماسي
أي مفاوضات من هذا النوع لن تكون إلا في مستقبل بعيد في أفضل الأحوال. في الوقت الحالي، يخشى الخبراء الأميركيون من أن الأسد، وقد انتشى بنجاحه الدبلوماسي، قد يصبح أكثر تشددًا. وقال أحد خبراء الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية: “قد يحاول الانتظار حتى تكون الولايات المتحدة مستعدة لمعالجة المشكلة بشكل أكثر شمولًا.” وهذا يعني أن دبلوماسية هنري كيسنجر القائمة على الخطوات التدريجية قد تكون، في الوقت الحالي، قد انتهت. فقد صرّح الأسد بأن سوريا سترفض حضور مؤتمر جنيف ما لم تُمنح منظمة التحرير الفلسطينية مقعدًا خاصًا بها؛ وهي شروط غير مقبولة لكل من واشنطن والقدس (انظر المقال التالي)
خيار الأسد
لكن الرئيس السوري قد يقرر استغلال قوته من خلال الإسراع إلى طاولة المفاوضات. فهو يبدو، في نهاية المطاف، راغبًا في إبرام نوع من الصفقة مع إسرائيل. علاوة على ذلك، لم ينضم الأسد أبدًا إلى ما يُعرف بـ”جبهة الرفض”، التي تضم ليبيا والعراق والفلسطينيين، والتي ترفض أي شكل من أشكال التعامل مع الإسرائيليين. القرار الآن بيد الأسد، ولم يكن لقرار سوري من قبل تأثير محتمل بهذا الحجم