سنوات بعد انشقاقه عن نظام الرئيس الأسد سنة 2005، بعد ثلاثة عقود قضاها نائبا للرئيس وأحد مقربيه، بقي عبد الحليم خدام، 80 سنة، ينتظر الساعة التي يحين فيها سقوط نظام بشار الأسد، متطلعا لإنهاء عقود من القمع والانطلاق السياسي.
“الشروق” التقت نائب الرئيس السوري السابق، عبد الحليم خدام المحامي، في مقر إقامته بباريس، تحت حراسة أمنية مشددة، في أرقى الأحياء الباريسية، حيث تحدث عن انتقاله من الدفاع عن سياسة النظام السوري إلى الدفاع عن الثورة وحق الشعب السوري في التخلص من نظامه الذي يصفه بالطاغية. كما تحدث عن موقع الجزائر من الأزمة في سورية وعلاقته بالرئيس بوتفليقة.
“الشروق”: بالنظر إلى الظروف الصعبة التي تعصف بسورية اليوم، هل يمكن أن يكون لك دور في إصلاح ذات البين لصون سورية من مخاطر قادمة؟
إصلاح ذات البين بين من ومن؟ بين الثورة والنظام؟
بين السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم.
الجزائريون يعرفون من كنت وكيف كنت، أنا كنت من صناع القرار ولم أكن من خادمي القرار
أية مفاوضات مع النظام أو التفكير في المفاوضات يعتبر خيانة وطنية، هذا النظام ارتكب جرائم إبادة وتدمير، وقتل أكثر من مائة ألف سوري، وهدم 40٪ من سورية وقام بمذابح طائفية.
ألا تتصور أن مقولة رفض الجلوس إلى طاولة الحوار بوجود الأسد هي حجة غير مقبولة، فبشار الأسد أمر واقع؟
لن نجلس إلا على قبر بشار الأسد، الحوار معه مستحيل. سيسقط.
لا يزال في موقع قوة ومن ورائه روسيا والصين.
ليذهب إلى روسيا وإلى الصين.
هناك حرب أهلية تتطلب حقن دماء السوريين والتنازل عن الأطماع الشخصية والقبول بالتفاوض، ثم إنه لدى بشار القوة.
هذه القوة ستنهار. يعني إذا كان الطاغية قويا يجب الاستسلام له والحوار معه!؟
هذا أمر غير وارد إطلاقا عند أي سوري، والشعب السوري سينتصر. الشعب الجزائري فاوض عندما أعلنت فرنسا استعدادها للخروج من الجزائر، لكن فرنسا دولة أجنبية، أما هذا المجرم رئيس البلد، فهو يستخدم الجيش الذي أسس لحماية الشعب السوري، فتحول إلى أداة لقتل السوريين.
بومدين وطني وتقدمي، كانت لديه قبضة حديدية، وطالب الإبراهيمي رجل مثقف ومؤدب
أفهم من كلامك أنكم ضد وساطة الأخضر الإبراهيمي لإيجاد مخرج سلمي للأزمة بسورية؟
نعم، أنا أرفضها، ثم إن الإبراهيمي غير كفء وغير مؤهل للقيام بهذا العمل إطلاقا، كل المعارضة السورية ترفض الأخضر الإبراهيمي، لأنه جاء محاولا إقامة حوار مع بشار الأسد. بشار الأسد بالنسبة إلى السوريين انتهى، هو عبارة عن قاتل ورئيس عصابة، سيقتل وسيُقتلع من سورية.
خطة الإبراهيمي تقترح تفاوض المعارضة مع نائب الرئيس لإيجاد مخرج من الأزمة، أليس كذلك؟
نائب الرئيس لا يملك صلاحيات، لا يستطيع حتى أن يطلب لنفسه فنجان قهوة، فهو إذا طلب فنجان قهوة من عند آذنه (خادمه)، هذا الآذن لا يرد عليه إلا عندما يؤذن له بذلك، مسكين نائب الرئيس.
على أساس أنك كنت نائب رئيس أيضا، يعني أنت أيضا كنت مسكينا لا تملك صلاحيات؟
لكن لم أكن أداة، كنت نائب رئيس، والجزائريون يعرفون من كنت وكيف كنت، أنا كنت من صناع القرار ولم أكن من خادمي القرار.
معمر القذافي لم يسمح لليبيا أن تتطور من مجتمع عشائري إلى مجتمع مدني
كنت من صناع القرار، بالتالي كنت جزءا من المشكلة؟
أنا كنت مسؤولا عن السياسة الخارجية ولم أكن مسؤولا عن السياسة الداخلية، الخارجية السورية أخذت موقعا متقدما في المجتمع الدولي وفي الساحة العربية، وأنا فخور بكل ما قمت به في السياسة الخارجية لخدمة بلدي.
هناك خط فاصل بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، فالسياسة الداخلية ترتكز على القمع، بينما السياسة الخارجية ترتكز على الحوار، وفي عهد الرئيس الراحل هواري بومدين،رحمة الله عليه، ألم تكن هناك قبضة حديدية في الجزائر؟
لكن بومدين لم يكن قمعيا، كانت له شخصية كارزماتية ولم يكن ديكتاتورا.
كانت لديه قبضة حديدية، لكن بومدين في سياسته الخارجية تقدمي ووطني.
هذه القطيعة مع النظام السوري هي قبول بتحالف قوى المعارضة في الخارج، تحولت إلى ملاذ للجماعات المتطرفة والطائفية وعناصر القاعدة، ما تعليقك؟
في سورية معارضة في الخارج وهي معارضة وطنية، وهناك ثورة في الداخل، وهذه الثورة فجرت براكين في الداخل السوري، لم يكن هناك حزب خطط لهذه الثورة ولا جماعة، وإنما الضغوط والاضطهاد والجرائم التي كان يرتكبها النظام شكلت قوة ضغط تحت الأرض، لم تنفجر في كل المحافظات مرة واحدة، بدأت في حوران، ثم بانياس، ثم حمص، دير الزور، وإلى كل المحافظات.
أما مسألة القاعدة، فلا توجد هناك قاعدة في سورية، هناك إسلاميون يقاتلون نعم، هؤلاء كانوا يقودون مظاهرات مدنية، وعندما بدأ بشار الأسد في القتل واستخدم الطائرات، الدبابات، الصواريخ، والغازات السامة، ماذا تنتظر من هؤلاء.
فقرية البيضاء قصفت بالمدافع من البوارج، ثم دخلت الشبيحة، وهي عبارة عن 4000 ينتسبون إلى الطائفة العلوية، طوعهم النظام تحت عنوان الجيش الوطني، دخلوا وذبحوا 400 شخص بالسكين، وفي مدينة بانياس، ذبحوا 200 شخص.
كيف ترى الموقف الجزائري من الأزمة في سورية؟
أنا أقولها لك بصراحة، الحكومة الجزائرية لم تكن وفية للشعب السوري، عندما كانت الثورة الجزائرية قائمة كانت النساء السوريات يتبرعن بحليهن للثورة الجزائرية، الشعب السوري كان كله مع الثورة الجزائرية، اليوم ماذا يجري مع الأسف؟ يرتكب الرئيس الجزائري، الصديق السابق، عبد العزيز بوتفليقة، خطأ كبيرا، ليس في حق الشعب السوري فقط، ولكن في حق الشعب الجزائري.
أنا أعتقد العكس، النظام الجزائري كان وفيا للنظام السوري على أساس أنه وأنت كنت جزءا منه، ساند النظام الجزائري في معركته ضد هاجس المتشددين الإسلاميين.
المسألة ليست مسألة أنظمة بطبيعة الحال، لكن أنا أتكلم عن الشعب السوري الذي كان مع الثورة الجزائرية، كل يوم مظاهرة في سورية حاملين شعارات جزائرية، هذا الشعب ألا يستحق من الرئيس الجزائري أن يقف معه؟ إنه يدعم المظالم في حق الشعب السوري، يجب أن يعلم هذا الأمر.
حافظ الأسد يختلف مع ابنه، فلو كان موجودا الآن لما ارتكب هذه الخطيئة الكبرى
اسمح لي يا سي خدام، كيف لبوتفليقة أن يدعم المجازر في حق الشعب السوري، وهو رافع راية المصالحة الوطنية في الجزائر بعد سنوات الأزمة في الجزائر؟ ثم إن السياسة الخارجية الجزائرية ترتكز على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
هذا أمر مختلف، هل مساعدة شعب يذبح تدخل في الشؤون الداخلية، أنا لدي سؤال: لو ارتكبت الحكومة الجزائرية مذابح في حق الشعب الجزائر.. ماذا بعد؟
ما هو المطلوب من الحكومة الجزائرية؟
على الأقل أن تأخذ الحكومة الجزائرية موقف غالبية الدول العربية، إدانة القتل، قطع علاقاتها مع النظام وغلق السفارة ومساعدة الشعب السوري.
الجزائر تقيم علاقاتها مع الدول مهما كانت مشاكلها الداخلية.
طيب، ليش الجزائر لا تقيم علاقات مع إسرائيل؟
الشعب الجزائري الذي تتحدث عنه، متعاطف مع الشعب السوري، لكنه في نفس الوقت ضد معارضة يسيرها الخارج وتطالب بتدخل الناتو، وفرنسا على وجه الخصوص.
لا لا، هذا الموقف له سبب ثانٍ، الشعب الجزائري مضلل، حكومته ضللته، وسيكتشف الشعب الجزائري خطورة سياسة الجزائر تجاه سورية، الشعب السوري سينتصر وسيعود إلى الساحة العربية والدولية وهو رافع رأسه، أما قول نحن نتعامل مع الأنظمة، إسرائيل نظام فلماذا لا نتعامل معها أصلا؟ هناك بعض الساسة الجزائريين زاروا حتى إسرائيل منذ بضع سنوات، وقد نشرت في وسائل الإعلام، موقف الحكومة الجزائرية تجاه الشعب السوري ليس موقفا أخويا ولا يشرف أي وطني يحب وطنه.
لكن يا سي خدام مواقف الجزائر ثابتة وهي ضد التعامل مع أطراف المعارضة “غير الواضحة”، وقد رفضت منح مقعد سورية في الجامعة العربية للائتلاف الوطني السوري.
هذا كلام لتبرير الخطإ، كيف أن الأزمة السورية غير واضحة، كل يوم يظهر في الإعلام على الأقل 200 قتيل، من قتل هؤلاء، انتحروا؟ يعني حكام الجزائر أغمضوا أعينهم وسدوا آذانهم، ولا يسمعون فقط إلا ما يقوله بشار الأسد، بشار الأسد انتهى ولن يبقى، ولا ينفع من يدافع عنه.
حسب تصريحات سابقة لك، ترى أن حافظ الأسد يختلف عن ابنه بشار؟
حافظ الأسد، ليس هناك شك أنه يختلف مع ابنه، لقد كان دكتاتورا، لكن كان عنده عقل وكان يحسب، لو كان حافظ الأسد موجودا لن يرتكب هذه الخطيئة الكبرى، لكن جريمة حافظ الأسد أنه طعن مبادئ حزب البعث وطعن القيم السورية وفرض ابنه ليكون وريثا له، ابنه معاق، لو كان بشار الأسد عاقلا ما كان ليتصرف هكذا.
لقد رأينا كيف كانت نتيجة التدخل الأجنبي في بلدان عربية كثيرة، بالعراق وليبيا..
لا، لا، اسمح لي، العراق لم يكن فيه تدخل دولي، بل كانت هناك دولة احتلت العراق. كان صدّام حسين موجودا وكان طاغية، المعارضة كانت غالبية من الأحزاب الشيعية المرتبطة بإيران. إيران دفعت هذه الأحزاب للمشاركة في مؤتمر بدعوة من الأمريكان والإنجليز بلندن في شهر أكتوبر 2002، وهناك طالبوا بالتدخل الدولي وبالتالي طالبوا بالتدخل الأمريكي، لأنه لا أحد كان جاهزا للتدخل سوى الأمريكان، الإيرانيون استقدموا الأمريكان للعراق حتى يتم استنزافهم وقد نجحوا في ذلك.
الحرب الأمريكية في العراق أسقطت صدّام حسين، وتشكلت حكومة انتقالية كان فيها 16 وزيرا من جماعة إيران وكان فيها 7 وزراء من طوائف أخرى. هذه الحكومة وبقرار إيراني قامت بحل حزب البعث والجيش العراقي والأجهزة الأمنية، مما أدى إلى حدوث الفوضى. جاءت إيران ولعبت دورا كبيرا حيث قدمت المساعدات للميليشيات لاستنزاف الأمريكان إلى غاية مغادرتهم للعراق. فإيران “لعبتها صح”، فهي أسقطت صدام حسين وحلّت الجيش العراقي والأمن وصار المهيمن هو الأحزاب الشيعية. الدخول الأمريكي للعراق كان نتيجة الاجترار الإيراني، في إيران ما فيه شك هناك قيادة تخطط وتدرس.
يعني أن الناتو لم يقتل أحدا في ليبيا وتدخله لم يخلف ضحايا؟
هل القوات الأجنبية هي التي قتلت، أم الصراعات القبلية بين الليبيين، في ليبيا هناك مجتمع عشائري غير متماسك، لأن معمّر القذافي كان يساعد عشائر ويبعد عشائر أخرى، يقدم ويؤخر، كان يلعب بالناس. هذا ليس ذنب التدخل الأجنبي، هذا ذنب بنية المجتمع. معمر القذافي لم يسمح لليبيا أن تتطور من مجتمع عشائري إلى مجتمع مدني.
أعتبر الداخل هو الأساس، وتشكيل الائتلاف لحكومة خطأ وهم يدركون ذلك
كيف هي علاقتك مع الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة؟
أنا أحترم كل أطراف المعارضة، لكن أنا أركز جهدي على مساعدة الداخل، أنا أعتبر الداخل هو الأساس، الائتلاف كلف هيتو بتشكيل حكومة. لا يستطيع تشكيل حكومة بدون أرض، يشكل حكومة في الهوى، هذا خطأ من الائتلاف وهم مدركون لصعوبة ذلك. حاليا هناك محاولة لتوسيع أطراف الائتلاف ليشمل كل المعارضة السورية.
لنعد إلى الجزائر، ألم تحاول استغلال علاقاتك القديمة مع المسؤولين الجزائريين لشرح موقفكم من الأحداث في سورية؟
كانت لي علاقات صداقة مع القيادة حول الرئيس هواري بومدين، كانت لي علاقات مع الرئيس بوتفليقة وطالب الإبراهيمي، عبد الحميد مهري، الذي كان سفيرا للجزائر بسورية. بعد استقالتي، ولما جاء عبد العزيز بوتفليقة إلى فرنسا من أجل العلاج سنة 2005، اتصلت به هاتفيا فرد عليّ شقيقه، فقلت له أريد الحديث مع عبد العزيز، إذ كان صديقا، كنا متحالفين في مواجهة من كنا نسميهم بالرجعية. فقال لي شقيقه إنه سيعاود الاتصال بك.. انتظرته طويلا، لكنه لم يتصل فشطبته من لائحة أصدقائي. قلت هذا الصديق لما كان هو بالمنفى اجتمعت معه بسويسرا..
في أي سنة؟
لا أذكر، ولكن كان في مؤتمر من أجل لبنان ودعوته لزيارة سورية، فاستقبلته وقدمت له فيلا ليسكنها في منطقة المزة بدمشق، كنت أراه كل يوم، كان ينزل من البيت ويجلس بمقهى بالشيراطون، وكنت باليوم أراه ساعة أو ساعتين، بعد مدة زارني وقال بأنه يريد مغادرة سورية لأنه أحس بنوع من الملل، فغادر بعدها إلى سويسرا ومن يومها لم أره. ولما حاولت الاتصال به ولم يجبني قطعت صلتي به.
أحمد طالب الإبراهيمي، رجل آخر من نوعية أخرى، يعني لما كنت بسورية كان يتردد علي مرات، وأحمد رجل مثقف ومؤدب و”كويس كثير”.
كانت الجزائر وسورية دولتين متحالفتين، شكلنا الحلف التقدمي ضد الرجعيين (يضحك كثيرا) لكن مع الأسف ما عدنا نعرف من التقدمي ومن الرجعي، اختلطت الأمور كثيرا.
كلمة أخيرة للشعب الجزائري وللرئيس بوتفليقة؟
أتمنى للشعب الجزائري التوفيق والخلاص من كل مشاكله. أما بوتفليقة فلا يعنيني، لقد جرّبت مرة ولن أكررها، أنا انزعجت كثيرا، لقد كنا مثل الإخوة باجتماعات الجامعة العربية بالأمم المتحدة وباجتماعات جبهة الصمود والتحدي التي أسسناها نحن والجزائر وليبيا واليمن الجنوبي، كنا إخوة بكل معنى الكلمة، فجأة هو كسر جناح الأخوة.
أنا أتمنى للشعب الجزائري التقدم والنهوض والاستقرار وأتمنى من إخواننا في الجزائر أن يدركوا حجم محبة الشعب السوري للشعب الجزائري. الجزائر حتى الآن لها مكانة جيدة لدى السوريين رغم ما جرى وما يجري، ولا يحمّل الشعب الجزائري المسؤولية، سورية كانت حريصة جدا في كل المراحل على نهوض الشعب الجزائري، والدليل البعثات التعليمية التي كانت بالآلاف التي شاركت في عملية التعريب بالجزائر، وهناك عدد كبيد منهم لا يزال بالجزائر وتزوج جزائريات. نحن شعبان شقيقان ولا شيء يفصلنا أو يفرقنا إطلاقا، فالحكومات تذهب والشعوب تبقى.