حوار مع عبد الحليم خدام، نائب رئيس الجمهورية العربية السورية المنشق

الناشر: وكالات

تاريخ نشر المقال: 2016-08-07

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

لا شك أن الحصول على لقاء مع شخصية مثل عبد الحليم خدام، تمثل للصحفي – أي صحفي – فرصة لا تتوفر كلَّ يوم، فهو – وبحكم الدور السياسي الذي لعبه تاريخياً، منذ سيطرة حزب البعث على السلطة عام 1963، وصولاً إلى انشقاقه عن النظام عام 2005 وما تلا ذلك – يمثل مصدراً استثنائياً للكثير من المعلومات والتفاصيل التي كان شاهداً عليها أو جزء منها.

لكن بالنسبة لي، فقد قصدت عبد الحليم خدام، الرجل السياسي صاحب الخبرة الطويلة في العلاقات الدولية والعمل الدبلوماسي، بحثاً عن الاستفادة من هذه الخبرة لفهم ما يحيط بالقضية السورية التي أصبحت شديدة التعقيد اليوم.

لذلك كنتُ متردِّداً في طرح أسئلة تتعلق بالتاريخ، وزاد من تردُّدي أنني أردت الخروج بأعلى حصيلة ممكنة من الآراء وليس المعلومات التي سبق للسيد خدام أن تحدث حولها في كثير من اللقاءات التي أجراها عقب مغادرته البلاد، لكن المفاجأة كانت حين وجدته يندفع بلا أي تحفظ للحديث عن هذا التاريخ، وعلاقته بحافظ الأسد وبالمعارضة خلال وجوده في الحكم، والتفاصيل التي يملكها حول العديد من الوقائع، التي أهمها على الإطلاق بالطبع مجزرة حماة، بينما كانت علاقته بالمعارضة بعد الثورة الجزئية الوحيدة التي بدا متحفظاً في الحديث عنها.

 :عبد الحليم خدام

قوى ربيع دمشق لم تشتغل سياسة بل كانت تطالب فقط لمجرد المطالبة وليس لتحقيق نتائج

هدف أمريكا هو تعزيز الهيمنة على الشرق الأوسط، أما روسيا فهي تحاول استعادة المرحلة السوفياتية في في المنطقة

اخترت أن أكون وزير خارجية، ووضعت برنامجاً للسياسة الخارجية في وقت كانت فيه علاقات سوريا مقطوعة مع أغلب الدول العربية

نعم كنت شريكاً لحافظ الأسد ولكنني أول من انشق عن النظام ولهذه الأسباب ابتعدت عن العمل السياسي

 

 :نص المقابلة 

| صدرت تسريبات أخيرة وليست جديدة، تتحدث عن اتفاق أمريكي روسي للتنسيق العسكري في سوريا، ما هي قراءتك لهذه المعلومات ومجمل الوضع في سوريا اليوم؟

دعني أقول في البداية: إن أسوأ ما يحصل اليوم هو الانقسام بين السوريين، فعندما يتعرض أي شعب لأزمة أو عدوان فإنه يلتحم، لكن الذي حصل لدينا هو العكس. الثورة الشعبية تفرض اتحاد الجميع وتكاتفهم، لكن ما حصل أن الانقسامات المجتمعية برزت أكثر، والخلافات بين القوى السياسية والتيارات الفكرية هي التي سيطرت.

أما بالنسبة لسؤالك، فسوريا موقع استراتيجي بالنسبة للروس والأمريكان، لكن الولايات المتحدة جعلت روسيا تنزلق في هذا الموقف، لأنه من الصعب أن يحدث تحالف أو اتفاق جدي بين الدولتين.

| لماذا؟

معروف أنه منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وتشكل القوَّتين المعروفتين، روسيا من جهة والتحالف الأوروبي الأمريكي من جهة ثانية، وما تلا ذلك من حرب باردة بين الكتلتين، لم تقع حرب بينهما بشكل مباشر، بل في أراضي الآخرين، حيث كان الروس خلال هذه الحروب يساعدون جهةً وأمريكا تساعد جهة.

| وهل ما يجري اليوم في سوريا هو امتداد لتلك الحرب الباردة برأيك؟

لا نستطيع القول: إن الروس والأمريكان تحالفوا وأصبحوا أصدقاء؛ فالحرب الطويلة وغير المباشرة بينهما تركت شرخاً عميقاً في العلاقة بينهما لا يمكن تجاوز آثاره بهذه البساطة، وبما يسمح بحصول اتفاق كما يُعتقد، وفي النهاية مازال لكل منهما أهدافه.

| وما هي أهدافهم في سوريا؟

هدف أمريكا هو تعزيز الهيمنة على الشرق الأوسط، أما روسيا فهي تحاول استعادة المرحلة السوفياتية في المنطقة، ولذلك تحالفت مع إيران لتحقيق اختراق كبير تعود به من خلالها.

| لكن الكل متفق أن أمريكا لم تفعل شيئاً في سوريا..

هذا صحيح، أمريكا لم تفعل شيئاً بعدُ سوى التصريحات، لكن الأمريكان يلعبون لعبتهم دائماً على المدى البعيد وباستخدام النَّفَس الطويل، وروسيا أيضاً لها أسلوبها.

| وماذا عن أوروبا؟

الغرب بشكل عام دوره تابع للولايات المتحدة ويدور معها.

| في ضوء كل ذلك، ما الذي لم تلتقطه المعارضة من هذا التعقيد، وما الذي كان عليها أن تفعله برأيك؟

اسأل المعارضة؛ فأنا لا أريد الدخول في هذا الأمر.

| أسألك بحكم خبرتك السياسية وليس بهدف أي سجال

أنا أرى الوضع معقداً، والمعارضة ليس لها دور باختصار.

| مع بداية الثورة ظهرتَ على الإعلام وكان لك حضور، لكن لاحقاً كان الحضور نادراً.. لماذا؟

أول شخص خرج عن النظام هو أنا، حتى قبل أن أغادر البلد عام 2005، فقد اعلنت استقالتي وأسباب هذه الاستقالة في مؤتمر قطري لحزب البعث ثم غادرت سوريا.

بدأت بعدها بالاتصال ببعض الدول وبأشخاص في الداخل من أجل فعل شيء، لكن لم تكن هناك نية بين السوريين للخروج على النظام وقتها، واستمرَّت الأمور على ما هي عليها إلى أن حدث ما حدث في درعا عام 2011، فأصدرت بياناً طالبت فيه المجتمع الدولي والدول العربية بتشكيل قوة عسكرية تدخل إلى سوريا وتنقذ الشعب، هنا شنَّت المعارضة هجوماً واسعاً علي، ولم يبق أحد لم يقل: إن “خدام” يريد أن يأتي بالأجنبي إلى سوريا، وأنا لم أردَّ على ذلك.

| ما الذي جعلك تطلب هذا الطلب بوقت مبكر؟

لأني أعرف ما لدى هذا النظام من قوة، عنده جيش تعداده أكثر من 300 ألف، إضافة إلى قوات الأمن والشرطة، وهذه بمجملها قوة لا يمكن للشعب الأعزل مواجهتها، ناهيك عن أنه مدعوم من إيران بشكل مباشر، لذلك، وبسبب ردود الفعل، فضلت ألا أدخل في أي صراعات.

| لماذا؟.. هل توقعت أن يسبب وجودك انقسامات بين المعارضة بسبب الماضي؟

لأنني أعرف أن اللعبة ليست لعبة وطنية، بل هي أكبر بكثير من المعارضة.

| إلى أي حد كان موقف قوى المعارضة منك بعد الثورة سببه التاريخ، خاصة أن الكثيرين منهم يقولون: إن عبد الحليم خدام هو من تصدى لربيع دمشق؟

قوى ربيع دمشق لم تشتغل سياسة، بل كانت تطالب فقط لمجرد المطالبة، وليس لتحقيق نتائج. كانوا يريدون من بشار الأسد أن يقوم بانقلاب على أبيه!

طلبوا منه إطلاق الحريات وتغيير الدستور وعودة الديمقراطية، كل ذلك دفعة واحدة، وأنا قلت لهم إن ما يطلبونه لا يأتي بهذه الطريقة، بل يتحقق عندما تعرفون كيفية الوصول إلى ذلك.

| بصراحة، ماذا كان هدفك من ذلك؟

كانوا أربعين أو خمسين شخصاً، وليس لهم جمهور، ولا يستطيعون تحريك شيء حتى ليحموا أنفسهم، فضلاً عن أن يضغطوا لإحداث أي تغيير، والجميع يعرف أن أي عنصر أمن كان يستطيع أن يعتقلهم ويضربهم بكل بساطة دون أن يحصل أي شيء.

| لكن هل كنت تريد فعلاً وبقرارة نفسك أن يتحقق ما يطالبون به؟

طبعاً، أنا منذ زمن حافظ الأسد طالبت بأن يتغير الوضع على الصعيد الداخلي واختلفت معه في هذه النقطة.

| سيعتبر الكثيرون أن ما تقوله  هو لكي لا تتحمل مسؤولية تلك المرحلة باعتبارك كنت شريكاً لحافظ الأسد.

نعم أنا كنت شريكاً لحافظ الأسد، وكان لي دور بأن يصبح رئيساً بعد أن اتفقنا على برنامج عمل ينصُّ على إعادة الانتخابات الحرة ومكافحة الفساد، وعندما شكلنا الحكومة، اخترت أن أكون وزير خارجية، ووضعت برنامجاً للسياسة الخارجية في وقت كانت فيه علاقات سوريا مقطوعة مع أغلب الدول العربية ودول العالم، فأعدنا العلاقات بناء على البرنامج الذي وضعته، وجلبنا مساعدات كبيرة، وبهذه المساعدات أقامت الدولة الكثير من المشاريع التي نهضت بالبلد على صعيد البنى التحتية والخدمات، لكن هذه الحركة اقترنت بالفساد، فالمصنع الذي يكلف 20 ملياراً كانت تكلفته تكتب في السجلات 30 ويذهب الفرق للحاشية وأقرباء الأسد.

أستطيع أن أقول: إن مرحلة حافظ أسد كان هناك ما يغطيها؛ فحافظ الأسد ديكتاتور غير بنية الجيش السوري والأمن لكي يحمي النظام، لكن وفي الوقت نفسه حققنا في تلك الفترة أشياء مهمة للبلد بالاستفادة من السياسية الخارجية التي كنت على رأسها.

| لكن تبقى قضية حماة وما عرف بأحداث الإخوان أواخر السبعينات وبداية الثمانينات أبرز وأقسى محطات تلك المرحلة.

صحيح. الذي حدث أن جماعة الإخوان المسلمين احتلوا قلب مدينة حماة وتم إنذار أهل الحماة لكي يخرجوا من المدينة، لكن الإخوان منعوهم؛ فالمعركة كان أساسها مع الإخوان المسلمين.

| لكن الأرقام واضحة وهي تتحدث عن آلاف الضحايا من المدنيين من أهالي حماة ومختلف المناطق الأخرى؟

موضوع حماة كان يمكن تفاديه لو أنه تم إدخال مجموعات من قوات المغاوير لتنهي الاستعصاء.

عموماً هذا حدث بعيداً عن الملف الذي كنت مسؤولاً عنه، وبالتالي لا أملك كل تفاصيله، وبعد خروجي من سوريا أنشأت تحالفاً سياسياً عام 2007 كان معنا فيه الإخوان المسلمون واستمر هذا التحالف لعامين.

| عندما بدأت الثورة هل حاولت القيام بشيء بعيداً عن المعارضة أو قريباً منها؟

كما قلت لك، منذ البداية أصدرت بياناً أطالب فيه العرب والمجتمع الدولي بالتدخل لإنقاذ الشعب السوري، لأنني أردت ألا يسمح لقوات بشار أن تستفرد بالناس، وهذا ما كنت أخشاه ومتأكد من حدوثه.

| النظام اتهمك بتحريض أهالي بانياس التي هي مسقط رأسك على المشاركة في الثورة، ووصف أهالي المدينة – من جملة ما وصفهم به – حين خرجوا في المظاهرات، بأنهم خدّاميون وما إلى ذلك.. هل كان لك فعلاً دور في تحريك أهالي المدينة؟

طالما أن قناعتي هي أن النظام لا يمكن إسقاطه بالمظاهرات، فلم أكن لأورِّط الناس وأدفعهم للتظاهر ضده ومن ثم أتركهم يواجهون بطشه، لكن عندما انفجرت الأمور واختار الناس المضي في هذا الطريق، صعّدت هجومي على النظام.

بانياس هي المنطقة الوحيد في الساحل التي كان عندها القابلية، مع منطقة الحفة، للمشاركة في الثورة، وأهل هاتين المنطقتين شديدو الاعتزاز بالنفس وبتاريخهم، وبالتالي كانوا مهيأين للمشاركة ومندفعين باتجاهها حتى لو قلت لهم أنا أو أي أحد: لا تشاركوا في الثورة فسوف يشاركون فيها.

| هل تقول هذا لأنك كنت مدركاً أن النظام سوف يواجه الناس بأقسى عنف ممكن؟

طبعاً.

| من هذا المنطلق كيف نظرت للتحول من المظاهرات إلى التسلح والعمل العسكري؟

لا يوجد تسليح حقيقي للثورة، ولو كان هناك تسليح حقيقي صدقني “بشار الأسد يسقط في ثلاثة أيام”.

| على أي أساس تعتمد في قول هذا الكلام؟

لأني أعرف بنية الجيش السوري وأعرف الشعب بالمقابل، وقلت إن السوريين إذا أرادوا وصمموا فإن بشار الأسد يسقط.

| يقال إن وزير الدفاع الأسبق علي حبيب ذهب قبل فترة قصيرة إلى أنقرة والتقى بالمسؤولين الأتراك من أجل الترتيب للمرحلة القادمة، ويقال أيضاً إن مناف طلاس يهيَّأ كذلك لدور قادم.. هذا وغيره يتم تداوله بشكل مضطرد، هل لديك معلومات بهذا الخصوص؟ وما هو رأيك؟

أنا لم أسمع بهذا الكلام، وثانياً الأتراك اليوم مشغولون بالتعامل مع الضربة التي يعيشون تفاعلاتها بعد محاولة الانقلاب، ولا أعتقد أنهم جاهزون للخوض في ذلك، وعلي حبيب ليس لديه أي قوة أو معطيات تساعده على ذلك.

هو واحد من أكثر من خمسة آلاف ضابط انشق عن النظام، وأي ضابط يترك قطعته يصبح مثله مثل أي مواطن في الشارع، وعلى هذا الأساس ما الذي يمكن لعلي حبيب أن يفعله؟.. لا شيء.

| ليس هو كشخص، يمكن القول إنه يمثل شخصية توافقية بين القوى النافذة في القضية السورية، فهو شخصية عسكرية وعلوي ولم تطلخ يده بالدم، وبالتالي يمكن أن يشكل ضمانة لجماعة النظام ويكون مقبولاً من المعارضة كما تعتقد الدول التي تسعى لذلك.

هذا غير وارد أبداً.. أولاً هو لا يستطيع أن يغير شيئاً في الوسط العلوي اليوم، والطائفة العلوية نجح بشار الأسد بتوريطها في القتل والدم، ويحتاج الأمر إلى فترة طويلة كي ينسى السنة هذا الحقد الذي زرعه بشار الأسد، والذي لا يستطيع لا علي حبيب ولا غيره أن يمسحه.

لدينا نصف مليون سوري قتلوا وهذه ليست لعبة “فوتبول” تُنسى خسارتها بسرعة

| العمل السياسي والعمل الوطني

سألت السيد عبد الحليم خدام: لو وجهت لك الدعوة للعمل مع المعارضة اليوم هل ستوافق؟ فأجاب:

أنا معتزل العمل السياسي، لكن أقوم بما أستطيع القيام به من العمل الوطني.

قلت له: وما هو الفرق؟

رد: العمل الوطني يحتم علي القيام بما يمكنني فعله لخدمة بلدي، أما العمل السياسي فيعني أن أكون ضمن حزب أو تنظيم سياسي وما إلى ذلك، وأنا جربت هذا لكن الأمور لم تسْر كما خططت.

ويتابع: للأسف، كثير من الناس لا يدركون أن الشعب، أي شعب، إذا تفرق فإنه لن ينهض، وهناك فرق طبعاً بين الأحزاب وبين أن تستخدم الطائفة أو العرق لمصالح سياسية؛ فالحزب يكون فيه أعضاء من كل المكونات والأطياف، ويكون له برنامج عمل.. إلخ، أما الطائفية أو القومية وما إلى ذلك، فهي عامل هدم وليس بناء، وهذا أمر مفروغ منه.

| تصريحات أمريكا.. وتفتيشها!

في إطار حديثه عن الموقف الأمريكي، يشدِّد خدام على ما يتفق عليه الجميع، وهو أن أمريكا لم تقم بشيء لترجمة موقفها المطالب برحيل بشار الأسد، سوى إطلاق التصريحات حول أن عليه أن يرحل، «لكن هذا الرحيل لا يأتي بمجرد التصريح، بل يحتاج إلى قوة» كما يؤكد.

وفي هذا الخصوص يكشف: حين طلبت المعارضة أسلحة ومساعدات من الأمريكان رفضت واشنطن، وعندما ذهب أحد وفود المعارضة إلى الولايات المتحدة لمقابلة المسؤولين فيها، تعرض رئيس الوفد للتفتيش بشكل مسيء، وهذا كان مؤشراً على مدى عدم جدية أمريكا في تعاملها مع المعارضة السورية منذ وقت مبكر.

| الأكراد والتاريخ والمستقبل

بحكم معرفتي السابقة أنه كان من المطلعين على الملف الكردي زمن وجوده في موقع المسؤولية في سوريا، سألت ضيفي حول مآلات ما يقوم به حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني اليوم، على الكرد السوريين وعلى سوريا بشكل عام، فقال:

لا يمكن أن نعمم بالحكم على الأكراد، فهم قسمان، هناك القسم المتطرف، وقد كان في سوريا من أيام حافظ الأسد والنظام كان يحتضنه. أما القسم الثاني الذي يشمل معظم الأكراد، فهو ضد المتطرفين.

وتابع: الأكراد هم جزء من الشعب السوري وجزء من تاريخه ومستقبله، وقسم مهمٌّ من التاريخ صنعه الكرد، فصلاح الدين الأيوبي وغيره حكموا سوريا ليس كأكراد، بل كأبناء بلد ومسلمين، وفي التاريخ الحديث للقادة والشخصيات الكردية مواقف وأدوار مشهورة وطنياً، وفي كل بلد يكون هناك قوميات ومكونات، وبالتالي إذا تعاملت كل الشعوب مع الأمر بمنظار عرقي فسوف تتدمر كل الدول.

| من ورَّط الولد؟!

حين اعتقل فرع الأمن السياسي الذي كان يرأسه ابن عمة بشار الأسد التلاميذ في درعا عام 2011، وذهب وفد من أهالي حواران وقابل الأسد للمطالبة بإطلاق سراح أولادهم، وعدهم بشار بأنه سُيطلق سراحهم غداً، لكن عندما ذهب الآباء لاستلام أبنائهم في اليوم التالي، تم اعتقالهم هم أيضاً.

قصة يعرف تفاصيلها الجميع، ومَن مِن السوريين لم يسمع بها أو يقرأ عنها، باعتبارها اللحظة التي أشعلت الثورة ووضعت نظام الأسد على حافة الهاوية، فكيف إذاً ارتكب هذا النظام غلطته الكبرى تلك؟!

سؤال يجيب عليه الاستاذ عبد الحليم بالقول: هناك من دفع بشكل واضح لكي يتم اعتقال الرجال أيضاً، ويبدو أن هؤلاء أقنعوا بشار الأسد بأن هذا هو الوقت المناسب ليبرز قوته كي تهابه الناس، مثلما ما حدث مع أبيه في الثمانينات، والولد مشى في هذا الأمر، لكن هو شيء وأبوه شيء آخر.

|باول والأسد وحقوق الإنسان!

تحدث السيد خدام كذلك عن المرحلة التي أعقبت احتلال الولايات المتحدة للعراق، وتفاصيل الزيارة الشهيرة التي قام بها وزير خارجية أمريكا الأسبق “كولن باول” إلى دمشق، ولقائه بشار الأسد وما طلبه منه في ذلك الوقت، وهي أيضاً حادثة معروفة للكثيرين، لكنْ خدام كان لديه ما يضيفه أيضاً، حيث يقول:

طلب كولن باول من بشار الأسد ثلاثة أمور معروفة، وهي إغلاق الحدود العراقية السورية، وإغلاق ممثليات الحركات الفلسطينية، وتسليم المعارضين العراقيين، وقد نفذ ذلك باستثناء تسليم العراقيين الذين قيدت حركة بعضهم وبعضهم خرج من سوريا.

سألته: يقال إن باول قد طلب من بشار إطلاق الحريات وتحسين وضع حقوق الإنسان وإلى ما هنالك، فأجاب:

لم يحدث هذا الشيء أبداً.. الأمريكان يتحدثون عن الحريات وحقوق الإنسان في بلدهم، أما في الخارج فهم لا يهتمون بهذه الأمور إطلاقاً، بل تهمهم مصالحهم فقط.

| الأيام الأخيرة في دمشق

يتحدث السيد خدام عن الفترة الأخيرة التي سبقت خروجه من سوريا فيقول: تحدثت في المؤتمر القطري الأخير الذي حضرته للحزب عن الأوضاع الداخلية والفساد والأمن والتسلط على الناس.. إلخ، وكذلك عن الوضع الخارجي والعلاقات العربية والدولية مع سوريا والتي كانت في أسوأ حالاتها، ومن ثم خرجت من المؤتمر.

بعد مغادرتي، جاءني أحد الموظفين من عند بشار الأسد، وقال لي: «إن الكلام الذي قلته يستحق أن يكون برنامج عمل لسوريا في الفترة المقبلة»، لكن أنا في الواقع كنت أعلم أن لا شيء سوف يأخذ به من كلامي، ولذلك رتبت أموري لكي أغادر البلد، فقد حسمت الأمر حتى قبل مقتل رفيق الحريري، وعندما غادرت شنت المعارضة حملة علي، وبينهم من كان في سوريا حتى الأمس وممن لا يمكن تسميتهم بالمعارضة.

| حماة 1964

في إطار الحديث عن مدينة حماة، كشف خدام عن تفاصيل الهجوم الأول الذي تعرضت له المدينة خلال حكم حزب البعث عام 1964 وقد كان وقتها محافظاً عليها.

يقول: سبب ما حصل أن وزير التربية في تلك الفترة نقل مدرسين اثنين من أبناء المدينة إلى محافظة دير الزور في منتصف العام الدراسي، وقد جاء إلي في مقر المحافظة وفد من المدينة وطلب العمل من أجل إلغاء أو تأجيل القرار، فسافرت إلى دمشق وحاولت مع وزير التربية لكنه رفض.

توجهت بعدها إلى محمد عمران رئيس الوزراء وشرحت له الأمر، فقال لي إن القرار خاطئ وإنه سيتحدث بخصوصه إلى القيادة القطرية التي كانت صاحبت القرار فعلياً. وفي اليوم التالي أخبرني عمران أن القيادة رفضت تعديل القرار، فقلت له: إن حماة ستشتعل، ولكن لم يسمع مني أحد، وعندما عدت إلى حماة في اليوم التالي، قابلني وفد الوجهاء وأخبرتهم بما حصل.

بعدها بدأ الحمويون الانتفاضة، واعتصموا في أحد المساجد، فجاء أمين الحافظ الذي كان رئيس الجمهورية في ذلك الوقت إلى المدينة، ومعه أعضاء القيادة القطرية (نور الدين الأتاسي وصلاح جديد)، وذهبوا جميعاً إلى المعتصمين، حيث ألقى أمين حافظ خطاباً مدح فيه أهالي حماة، وطلب منهم إيقاف الإضراب، فخرج شخص أو شخصان بصوت عالي وهددوه، فانفجر أمين الحافظ وأكد أنه سيركعهم بالقوة، وأنه مستعد أن يدمر المسجد فوق رؤوسهم ويبني عوضاً عنه عشرة مساجد..!! وهكذا انفجرت الأوضاع لكن بشكل محدود جداً مقارنة بالثانية، التي كان يمكن تفاديها كما قال.

| خدام وبانياس

سألت ضيفي السؤال الذي اعتدت أن أسأله كلَّ من حاورتهم من المعارضين حتى الآن: كيف شعرت حين شاهدت مظاهرات أهالي بانياس وأنت ابن هذه المنطقة؟ فقال:

هذه بلدي وأنا تربيت بين هؤلاء الناس وعشت بينهم وأعرفهم، وطبعاً شعرت بشعور خاص وأنا أشاهد وأسمع أخبار انتفاضتهم، وهذا أمر طبيعي وهو جزء من شعور إيجابي عام حضرني أمام كل مناطق الوطن الأخرى.

وأضاف: هذا الشعور كان يصاحبه القلق بالوقت نفسه، ومن لا يشعر بالقلق يكون أصم وأعمى وأبكم، لأني كنت أدرك أن هذا النظام، بحكم معرفتي التامة به، سيواجه الشعب بكل القوة والعنف، وهذا الشيء الذي كان يقلقني ودعاني كي أطالب بتدخل المجتمع الدولي ومنعه من ارتكاب الجرائم بحق الناس.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

مقالات حديثة


مذكرات ووثائق خدام ..عرفات يستسلم ويغادر بيروت… ومبعوث ريغان يزور دمشق سرا ويلتقي الأسد (5 من 5)

2024-05-25

تنفيذ الخطة الأميركية… هكذا أسدل الستار على الوجود الفلسطيني في العاصمة اللبنانية المجلة بعد مفاوضات على وقف النار في بيروت ومفاوضات دبلوماسية في عواصم عربية وفي نيويورك، تبلورت الخطة الأميركية وحُلحلت “عقدها” بين أوراق وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام نص الخطة الأميركية لـ”رحيل قيادة ومكاتب ومقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية” من بيروت، وهي كالآتي 1 […]

مذكرات ووثائق خدام ..أول رسالة خطية من عرفات للأسد… والرئيس السوري يحذره: أنا لست الرئيس سركيس أو الملك حسين (4 من 5)

2024-05-24

خدام يكذّب رئيس “منظمة التحرير” ويقول إن إسرائيل تريد “تحويل المقاومة الفلسطينية من مشكلة لإسرائيل إلى مشكلة لسوريا” المجلة في 7 أغسطس/آب، أرسل رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات أول رسالة إلى الأسد بعد حملات إعلامية وعسكرية بينهما، هذا نصها: “السيد الرئيس حافظ الأسد، كما تعلمون سيادتكم، بناء على قرارات جدة، جرت بيننا وبين الحكومة […]

مذكرات ووثائق خدام ..”رسالة طمأنة” من بشير الجميل الطامح لرئاسة لبنان الى الأسد… و”عقد” أمام خطة المبعوث الأميركي (3 من 5)

2024-05-23

استمرت المفاوضات بين عرفات والإسرائيليين عبر المبعوث الأميركي والرئيس الوزان إلى أن تم التوصل إلى اتفاق في مطلع أغسطس 1982 المجلة تفاصيل رسالة من بشير الجميل، عدو سوريا اللدود، إلى الأسد لطمأنة دمشق خلال سعيه إلى الرئاسة، إضافة إلى تفاصيل خطة حبيب لإخراج عرفات ومقاتليه إضافة إلى التقارير التي كان يرسلها رئيس جهاز الاستخبارات السورية […]