أكد نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، أن الرئيس الأسد رفض أي محاولة للإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري. ونتيجة لذلك، اقتنع خدام بأن عملية التطوير والإصلاح لن تتقدم، فقرر الاستقالة. وحذر شركاء الأسد من تكرار أخطاء صدام وحث المعارضة على طلب مساعدة الولايات المتحدة لإحداث تغيير في النظام. وسلطت المقابلة مع خدام الضوء على كيف دعا الرئيس الأسد في البداية إلى الإصلاح السياسي، ثم تحول إلى الدعوة إلى الإصلاح الاقتصادي، وأخيراً تخلى عن الدعوة إلى الإصلاح الإداري.
وأوضح خدام أنه قدم دراسة لقيادة الحزب عدة مرات، لكنه أصبح على قناعة بأن عملية التطوير والإصلاح لن تمضي قدما. أدى هذا الإدراك إلى استقالته. ثم تحدث عن أسباب استقالته، مؤكدا أن المناقشات مستمرة منذ أكثر من عام. ورغم انعقاد المؤتمر القطري، لم يتم اتخاذ القرارات اللازمة، خاصة بعد لقاءاته الأسبوعية مع الأسد. وتم التركيز خلال هذه اللقاءات على الضغوط الخارجية والوضع الداخلي، حيث أكد خدام أن سوريا لا تستطيع معالجة الأمرين بشكل فعال في وقت واحد بينما يتم قمع حرية الشعب.
وعن لقاءه الأخير بالحريري، ذكر خدام أن الحديث دار حول علاقاته مع القادة السوريين. ونصح الحريري بالسفر، خاصة بعد إبلاغه بانسحاب القوى الأمنية اللبنانية، ولم يتبق منها سوى ستة أفراد من أصل ستين. واعتبر خدام ذلك إشارة واضحة وشجع الحريري على الرحيل لتجنب المواجهات مع القادة السوريين. لكن الحريري كان مصمماً على عدم الرضوخ لمسألة الانتخابات في بيروت ولبنان، وأشار خدام إلى أن الحريري كان يشعر بالقلق.
واعترف خدام أنه على الرغم من أن قوى المعارضة ليست كثيرة، إلا أن جميع أحزابها وطنية ومخلصة للبلاد. ولم يتخذوا أي إجراء من شأنه أن يضر بالبلاد، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين.
وشدد على أهمية الحوار لوقف كافة الصراعات المحتملة داخل البلاد، وشبهها بكومة قش يجب إدارتها بعناية لمنع اشتعالها. وحتى الإصلاح الإداري كان يتطلب دعماً شعبياً وقرارات جريئة للمستقبل. إن الوحدة الوطنية ضرورية لصيانة عملية الإصلاح وحماية البلاد من الضغوط الخارجية. وأكد أنه اختار البلاد على النظام.
وقال خدام إن امتيازات الهاتف المحمول مُنحت لقريب وصديق، وبلغت إيرادات الشركة 700 مليون دولار، أي ما يعادل سدس الميزانية، والتي استفاد منها بشكل أساسي الأشخاص المقربون من الرئيس، مثل أبناء العمومة والأصدقاء.
ومضى في تسليط الضوء على التغيرات الكبرى التي حدثت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، بما في ذلك انهيار المبادئ والأيديولوجيات وأساليب الحياة، والثورة التكنولوجية، وتنفيذ سياسات العولمة من قبل الإدارة الأمريكية وظهور قضايا خاملة مثل القضايا الوطنية. والأصولية الدينية والطائفية. كان العالم يتحرك في اتجاه مختلف عن الحرب الباردة، وهو ما دفع خدام إلى الاعتقاد بقوة بأن العرب بحاجة إلى إعادة تأهيل أنظمتهم، والنظر إلى الشعب باعتباره مصدر القوة وتعزيز الحرية، لأنه كان القوة الدافعة للتقدم. ومع تحول الأحزاب الشيوعية إلى كيانات ليبرالية، وتحول الصين إلى دولة لم تعد لها علاقة بالماركسية، أصبح من الواضح أنه لم يكن من الممكن العيش في العصر الحالي بأيديولوجيات عفا عليها الزمن. وكان على سوريا أن تواجه عالماً جديداً، حيث لم يعد من الممكن إخفاء المعلومات عن الناس. لقد أصبحت العولمة أمراً واقعاً في كافة المجالات، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي تعرضت سورية لهذه التغيرات.
الحوار مع أميركا
قال خدام إنه قدم للرئيس الأسد استراتيجية للعلاقات الخارجية السورية، مشدداً على أهمية اعتماد سياسة الحوار بدلاً من المواجهة مع الولايات المتحدة. لكنه أكد على ضرورة الالتزام الصارم بالمبادئ الوطنية، لأن المساس بهذه المبادئ سيؤدي إلى سلسلة لا نهاية لها من التنازلات. وكشف خلال كلمته أمام أعضاء الحزب عن ضرورة منح الحريات الأساسية، وهو ما اعتبرته القيادة قطيعة مع أيديولوجية الحزب. وقال: "قد لا أكون صاحب القرار، ولكني كنت مشاركا في عملية صنع القرار. سياستنا الخارجية مصدر فخر، بينما الجميع ينتقد سياستنا الداخلية".
وكشف خدام عن حادثة خلال اجتماع لمناقشة القرار 1559، أكد خلالها أحدهم على أهمية وجود جبهة داخلية قوية. واعترف بأن الشعب السوري يتساءل عن الإجراءات المتخذة لتعزيز البلاد. وأعرب عن قلقه من أن الفرص المتاحة للسوريين للمشاركة في الحكم محدودة، مع تسلق المحسوبيات والانتهازية وانتشار النفوذ. وأضاف أن عشرة أفراد يملكون ثروات تفوق أصول الخزينة السورية. ودعا خدام إلى اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة المظالم الداخلية، وشدد على أهمية حماية الوحدة الوطنية، بما في ذلك التعديلات الدستورية.
وحذر من تكرار أخطاء صدام وحث على عدم إغلاق العقول والآذان أمام الحوار. وشدد خدام على أن مثل هذا التوجه يسمح للمعارضة العراقية المتحالفة مع سوريا وإيران بتوفير غطاء سياسي للتدخل الأمريكي في العراق. وشدد على ضرورة إزالة أي مبرر من شأنه أن يدفع المواطنين السوريين إلى العمل ضد مصلحة البلاد. ويرى أن السيناريو العراقي لن يتكرر مرة أخرى.
وبينما قال إنه من غير المرجح أن تستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية ضد سوريا، أعرب خدام عن قلقه إزاء الضغوط الحالية والعزلة والتهديدات المستمرة التي تواجهها البلاد. ودعا إلى عودة كافة السوريين وتشكيل إجماع شعبي لحماية البلاد. وشكك بأن منع عودة عشرات الآلاف من المواطنين بأنه قد يولد الاستياء ويضر بالوحدة الوطنية. وأكد خدام مجددا أن مصالح البلاد يجب أن تكون لها الأسبقية دائما على مصالح النظام. ووصف الاحتجاجات اليومية بأنها لا تعكس بدقة الوضع الحقيقي في البلاد، مستشهدا بالمسيرات المليونية التي نظمها صدام. وقال إن الناس لا يعبرون بشكل علني عن معتقداتهم الوطنية بسبب رفض النظام تغيير معتقداته والاعتراف بالشعب كمصدر للسلطة.