داخل بيته القريب من قوس النصر، في قلب العاصمة الفرنسية باريس، التقت «المساء» عبد الحليم خدام.. أكثر العارفين بخبايا الملف السوري
فهو الذي لازم الرئيسين حافظ وبشار الأسد كنائب لهما ووزير لخارجيتهما، مكلفا باثنين من أكثر ملفات الشرق الأوسط خطورة وغموضا: الملف اللبناني والملف العراقي
اعترف عبد الحليم خدام، فوق كرسي «المساء»، بأسرار علاقته بنظام الأب والابن «المغرق في الفساد والاستبداد»؛ حكى عن هوس حافظ الأسد بتوريث الحكم لأفراد عائلته، وكيف سعى بشار الأسد إلى مجالسته، حيث بدأ ينتقد نظام والده، وهو يناديه «عمي عبد الحليم». كما استحضر اللحظة التي وجد نفسه فيها رئيسا للجمهورية بعد وفاة حافظ الأسد، وكواليس تعديل الدستور ليصبح بشار رئيسا للبلد، وكيف قرر الخروج من سوريا والتحول إلى أكبر عدو لنظام قال إنه يخطط لإقامة دويلة في الساحل، حيث الأغلبية العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد. كما تحدث عبد الحليم خدام عن علاقته بالحسن الثاني والمهدي بنبركة وكيف تحول الموقف السوري من قضية الصحراء وقال بأن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لم يتخلص من فكر سالفه هواري بومدين
– ما الذي كنت تمثله داخل جبهة الخلاص الوطني التي تأسست في 2006؟
أمثل وضعي، أنا رقم سياسي في سوريا، أمثل وضعي وناسي الذين يناصرونني وأصدقائي.. المهم، نظمنا المؤتمر في يونيو 2006 في لندن، وحضر فيه أناس متعددو الانتماءات، منهم الإخوان المسلمون ومنهم علمانيون. وانطلقت جبهة الخلاص الوطني واشتغلنا ضمن خط واضح؛ ولم أشعر أبدا أن هناك مجموعة تشتغل أو تناقش بمنطق فئوي، بل كنا نمارس المعارضة بأفق إسقاط النظام
– كيف انسحبت جماعة الإخوان المسلمين السورية من الجبهة؟
عندما وقعت جريمة احتلال غزة من طرف إسرائيل في 2009، فوجئت في أحد الأيام بمن يخبرني بأن الإخوان أصدروا بيانا يعلنون فيه عن تجميد عضويتهم في المعارضة السورية
– هل اتصلت لاستفسارهم عن أسباب الانسحاب؟
اتصلت هاتفيا بالأستاذ علي البيانوني، المراقب العام السابق للإخوان المسلمين، وسألته قائلا: يا أبا أنس، ما الذي قمتم به؟ فأجاب: والله ظروف غزة، قلت له: ألسنا حلفاء في الجبهة، لماذا لم تخبرونا بهذا القرار، على الأقل كنا سنتناقش حوله، فأجابني قائلا: والله اتصلت بك حوالي الساعة الثامنة والنصف صباحا فأخبروني بأنك كنت نائما، فأجبته بقولي: أنت تعرف بأني أسهر إلى حدود الثالثة صباحا، وأنت أيضا، وتعرف أن من يسهر الليل لا يستطيع القيام على الساعة السابعة صباحا، فرد علي قائلا: والله، نحن قمنا بهذا الموقف من أجل غزة، فأجبته بقولي: يا أبا أنس، هل بشار الأسد حشد جيشه للذهاب لتحرير فلسطين، وأنتم كنتم تحشدون جيشكم لتحرير دمشق ثم تنازلتم عن ذلك وأوقفتم معارضتكم له لمساندته في تحرير فلسطين؟ فسكت. بعدها عقدنا اجتماع جبهة الخلاص، ناقشنا موضوع انسحاب الإخوان المسلمين، ولم نتخذ قرارا بفصلهم، بل هم الذين صاغوا بيانا في أبريل 2009 أعلنوا فيه انسحابهم من الجبهة. بعدها اتصل بي أبو بشير (فاروق طيفور) وقال لي: يا أبا جمال لا تفصلونا من الجبهة، رجاء، فقد حدث غلط في موقفنا السابق وسنراجعه في مجلس الشورى. ثم عقدوا اجتماعا ولم يصدر عنه شيء، وصارت اتصالات بيننا لعدة مرات، خصوصا بيني وبين فاروق طيفور الذي وجدته متحمسا وأعطاني نفسا آخر للتعاون. الآن، أنا أستغرب تصريح السيد محمد رياض شقفة، المراقب العام الحالي للإخوان المسلمين، فإما أن ذاكرته ضعيفة وإما أن مبادئه ضعيفة.
– كيف تنظر إلى موقف حركة «حماس»، التي هي جزء من حركة الإخوان المسلمين، مما يحدث في سورية؟
حركة حماس هي جزء من الإخوان المسلمين، لكن وضعها حساس، فهي لا تستطيع أن تذهب مع الإخوان المسلمين إلى أبعد مدى، ولا يمكن أن تذهب مع الأنظمة الحاكمة إلى أبعد مدى. هي لها علاقة حسنة بالنظام في سوريا، لكن لم يصدر عنها أي موقف مباشر يدعمه
– إذن، أنت تقدر وضعها وموقفها؟
نعم، وضعها صعب، هناك الاحتلال الإسرائيلي وهناك الصراعات الفلسطينية-الفلسطينية، فحتى محمود عباس لم يتخذ أي موقف ضد أي نظام عربي. ربما كان في سريرة نفسه يحب هذا النظام ويكره ذاك، لكنه يوازن الأمور لأن هناك قضية كبرى بين يديه، وهو محتاج فيها إلى دعم الجميع. حماس، شأنها شأن محمود عباس، معذورة على ما هي فيه
– هل تراه سيسقط حزب الله، القوي في لبنان، بسقوط النظام في سوريا؟
بالتأكيد، إذا سقط النظام في سوريا فإن حزب الله سيسقط، وستجري تغييرات واسعة في المنطقة، سيتغير الوضع في لبنان وفي العراق وستعود إيران إلى حدودها الوطنية
– هناك العديد من التنظيمات اليسارية والإسلامية والمثقفين مازالوا يدعمون النظام السوري، من منطلق أنه نظام ممانعة؟
ممانعة ماذا؟
– ممانعة الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية..
هذه مزحة كبرى، النظام الممانع، أرض سوريا محتلة منذ 1967. حتى بالكلام، لا يتحدث بشار الأسد عن الجولان. وبالنسبة إلى مسألة دعم المقاومة، نجد بشار الأسد يدعم حزب الله، وهو يفعل ذلك لأجل إيران.. بشار الأسد مجرد أداة في يد إيران
– هو أيضا يستضيف حماس والفصائل اليسارية الفلسطينية؟
هو لا يستطيع ترحيل هذه المنظمات، لأنها لا تشكل خطرا عليه، فالفلسطينيون في سوريا لم يسبق لهم أن تدخلوا في الشأن السوري، وبالتالي فوضعهم في سوريا مريح له ويستفيد منه معنويا، مثل قولك الآن إنه نظام ممانعة
– لكنه يجر عليه غضب أمريكا وإسرائيل اللتين تصنفانه كمساند لإيران؟
من جهة كونه حليفا لإيران فالعالم بأسره يعرف ذلك. بشار الأسد في الاجتماعات العربية، عندما كان يناقش موضوع إيران، كان يقول هذا الموضوع لا أريد أن يناقشني فيه أحد. ولولا إيران لكان بشار الأسد انتهى بعد اغتيال الحريري
– بشار الأسد له أيضا موقف مشرف من إسرائيل؟
ما هو موقفه من إسرائيل؟ بشار الأسد لا يتحدث عن احتلال الأرض السورية لأنه لا يريد أن يثير غضب إسرائيل، فهو يخشاها. أعود إلى مسألة إيوائه للمنظمات الفلسطينية، وأتساءل: ما الذي تقوم به هذه المنظمات لمواجهة إسرائيل في سوريا؟ إسرائيل من صالحها أن يضبط لها نظام الأسد هذه المنظمات