قال إنه كان من الصعب الخروج عن النظام السوري لأنه نظام شمولي يقتل الصديق قبل العدو
داخل بيته القريب من قوس النصر، في قلب العاصمة الفرنسية باريس، التقت «المساء» عبد الحليم خدام
أكثر العارفين بخبايا الملف السوري، فهو الذي لازم الرئيسين حافظ وبشار الأسد كنائب لهما ووزير لخارجيتهما، مكلفا باثنين من أكثر ملفات الشرق الأوسط خطورة وغموضا: الملف اللبناني والملف العراقي.
اعترف عبد الحليم خدام، فوق كرسي «المساء»، بأسرار علاقته بنظام الأب والابن «المغرق في الفساد والاستبداد»؛ حكى عن هوس حافظ الأسد بتوريث الحكم لأفراد عائلته، وكيف سعى بشار الأسد إلى مجالسته، حيث بدأ ينتقد نظام والده، وهو يناديه «عمي عبد الحليم». كما استحضر اللحظة التي وجد نفسه فيها رئيسا للجمهورية بعد وفاة حافظ الأسد، وكواليس تعديل الدستور ليصبح بشار رئيسا للبلد، وكيف قرر الخروج من سوريا والتحول إلى أكبر عدو لنظام قال إنه يخطط لإقامة دويلة في الساحل، حيث الأغلبية العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد. كما تحدث عبد الحليم خدام عن علاقته بالحسن الثاني والمهدي بنبركة وكيف تحول الموقف السوري من قضية الصحراء وقال بأن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لم يتخلص من فكر سالفه هواري بومدين.
– كيف كانت علاقة حافظ الأسد بالدين؟
كان من يجالسه يعتقد أنه خريج الأزهر، كما كانت علاقته برجال الدين واسعة، فقد كان يدعمهم ويساعدهم، لكن الممارسة لم تكن تتفق مع ذلك، فدعمه لرجال الدين كان لتغطية أمور أخرى كان يمارسها في الخفاء، وبالفعل فجميع رجال الدين كانوا يقفون على المنابر ويدعون له بدوام الصحة وطول العمر.. كانوا مجرد منافقين.
– كيف كانت علاقته بالتدين كممارسة؟
كان يقصد المسجد للصلاة في المناسبات وأعياد المسلمين، وباستثناء ذلك لا شيء.. كان يصلي فقط في المناسبات.
– يقول الصحفي الأمريكي توماس فريدرمان، في كتابه «من بيروت إلى القدس»، إن رفعت الأسد، شقيق حافظ الأسد، قال للضباط الذين كانوا تحت إمرته، أثناء مجزرة حماة 1982: لا أريد أن أرى بيتا في حماة لا يحترق؛ ما مدى صحة هذه الرواية؟
رفعت الأسد كان قائد سرايا الدفاع التي لعبت دورا كبيرا في ما جرى في حماة. لكن، هل قال رفعت هذا الكلام أم لم يقله؟ لم تكن لدي معلومات عن ذلك.
– ولكن، هل فعل ذلك؟
في واقع الأمر صار ذلك. انفجرت مشكلة في حماة، على إثر قيام الإخوان المسلمين بعمليات إرهابية واغتيالات ضد رموز النظام، فجاء التدخل. نعم، ارتكبت جرائم، غير أن الحل ليس هو تدمير مدينة. الدولة يجب أن تكون عادلة ورحيمة، الحل هو معالجة الأمر بهدوء ضمن قواعد معينة، لأن مسؤولية الدولة هي حماية الناس وليس قتلهم. كان على الدولة ألا تقصف المدينة بتلك الطريقة وتهدمها فوق رؤوس ساكنيها، ولو تطلب الأمر أن تحاصرها لعشرين سنة.
– ما هي مسؤوليتك، أنت الذي كنت تشغل منصب نائب الرئيس، عن مجزرة حماة؟
صدقني، قيادة الحزب كلها لم تعرف بالذي حدث في حماة إلا بعد مرور أكثر من شهر.
– كيف ذلك؟
لأن المدينة كانت مطوقة والأخبار مقطوعة، وقيادة الحزب لم تعرف بذلك إلا بعدما اتخذ حافظ الأسد قرارا بإعادة إعمار حماة، وكان يحتاج إلى مبلغ من المال، وبالتالي يحتاج إلى ميزانية إضافية، وهذا يحتاج إلى قرار من قيادة الحزب. هنا فقط عرفنا أن حماة مدمرة، ثم بدأت تتوالى الأخبار. وطبعا، كان الكل متألما.
– إذا طلبت منك أن تقدم نقدا ذاتيا عن مرحلة تحملك المسؤولية إلى جانب كل من حافظ وبشار الأسد، فما الذي يمكنك قوله؟
أقول، أولا، أنا كنت مسؤولا عن السياسة الخارجية، وأتحمل كل مسؤولية عما وقع على هذا المستوى، ثانيا، أتحمل المسؤولية إذا جاء سوري واحد واتهمني بأني أسأت إليه أو أسأت إلى أحد. أما في نظام شمولي، نظام يقتل الصديق قبل العدو، فلم يكن معقولا أن أخرج عن النظام في تلك المرحلة وسكين الذبح موضوعة على رقبتي.
– ألا تعتبر أنك كنت متواطئا، ولو بالصمت، مع نظام حافظ وبشار الأسد؟
لا أبدا، لأن فردا لا يصنع شيئا، الصمت صمت الحكومات والشعوب. أنا أعطيك ثلاثة أمثلة: الأستاذ صلاح بيطار، أحد مؤسسي الحزب، كتب مقالا ينتقد فيه النظام فاغتيل في فرنسا؛ محمد عمران، أبرز قائد عسكري بعثي، كان له دور في حركة 8 مارس 1963 (انقلاب حزب البعث على الرئيس المنتخب ناظم القدسي).. اختلف محمد عمران مع النظام وبدأ ينشط سياسيا في طرابلس (لبنان) فجرى اغتياله؛ صلاح جديد اختلف مع حافظ الأسد فوضعه الأخير في السجن 25 سنة ولم يخرج منه إلا ميتا. الشعب السوري في هذه الفترات لم يكن مستعدا للثورة، فقد كان الخوف مزروعا في عقل كل سوري وكان الناس يخافون من ظلهم. هل تظن أنه كان علي، في ظل كل هذا، أن أتوجه إلى حافظ الأسد وأقول له: يا مجرم. من يجرؤ على فعل ذلك فهو كمن يذهب بنفسه للانتحار.
– من كان حافظ الأسد يكره أكثر، الإسلاميين أم الشيوعيين؟
الشيوعيون كانوا حلفاء له.
– لكنه سجن عددا كبيرا منهم؟
لم يقم بسجن أعضاء الحزب الشيوعي، فهذا الحزب كان شريكا في الحكم، بل قام بسجن أعضاء من منظمة العمل الشيوعي، وهي تيار ماركسي جديد آنذاك؛ بالمقابل، كان كرهه للإسلاميين المتطرفين كبيرا.
– هل ما يزال هناك من دور يمكن أن يلعبه حزب البعث السوري في سوريا ديمقراطية، ما بعد زوال نظام الأسد؟
أعتقد أن حزب البعث إذا لم يطهر نفسه ويحاسب كل الذين ساهموا في الجرائم وفي الفساد مع النظام، فلن يكون له مستقبل. لكن حزب بعث نظيفا، غير ملوث الأيدي بجريمة ولا بفساد، سيكون من بين باقي الأحزاب، لكنه سيحتاج إلى زمن طويل، طويل جدا، حتى يستعيد الدور الأساسي في الحياة السياسية.
– هل مازلت تعتبر نفسك بعثيا؟
أنا تركت الحزب.
– أقصد من الناحية الفكرية؟
فكر أي مرحلة؟ لا يجب أن ننسى أن الحزب مر بالعديد من المراحل، فكر الحزب المقرر في الوثائق لست معه، لأنه تبنى النهج الماركسي، وبالرغم من الفساد الذي صار لم يتم تعديل العديد من المبادئ التي لا علاقة لها بالواقع.
– ما هو المبدأ أو الفكرة التي مازالت تؤمن بها من جملة الأفكار والمبادئ البعثية؟
لم يعد يربطني بهذا الفكر أي شيء.
– ولا فكرة واحدة؟
باستثناء فكرة الحرية، لأن حزب البعث قام على ثلاثة مبادئه هي: الوحدة العربية، الحرية، الاشتراكية.