خدام في كتابه: اتفاق بين أبو نضال والإيرانيين لضرب منشآت كويتة وسعودية(4)

الناشر: ايلاف

تاريخ نشر المقال: 2010-12-21

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

لحريري أبلغني موفدا من الملك فهد في مارس 1986 معلومات عن اتفاق بين القذافي وأبو نضال والإيرانيين لضرب منشآت في الكويت والسعودية

“عندما قررت كتابة هذا الكتاب، أخذت على نفسي أن أكون موضوعيا في عرض الوقائع وفي تحليلها بعيدا عن العواطف والمؤثرات، وطرحت على نفسي مجموعة من الأسئلة ووضعت أجوبتها بعد التفكير”، هكذا يقول النائب السابق للرئيس السوري عبدالحليم خدام في الفصل الأول من كتابه “التحالف السوري – الايراني والمنطقة” الصادر قبل أيام، الذي يعد باكورة مذكراته السياسية.
ويعرض السياسي السوري “المثير للجدل”، بعضا من أحداث شاهدها أو شارك فيها أو عرف عنها، ويكشف كيف فتحت دمشق أراضيها أمام نشاط طهران وساعدتها على عقد تحالفاتها الاقليمية في مناطق ملتهبة من باكستان وأفغانستان حتى العراق ولبنان وفلسطين.
وقبل أن يعود الى تفاصيل العلاقات السورية الايرانية، يشير خدام الى تصاعد الاهتمام الأميركي بايران منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبدء الحرب الباردة مع السوفيات، وتقديم أميركا مساعدات كثيرة لشاه ايران، باعتبار أن بلاده تشكل الخط الأول في وجه التمدد السوفياتي.
ثم يعرض كيف تستخدم واشنطن الملف النووي الايراني غطاء لقضايا كبرى تثير قلق وخوف الغرب، وأهمها طبيعة النظام الاسلامي.
ويرى خدام ان الخلاف بين واشنطن وطهران لم يبدأ بسبب احتجاز الرهائن الأميركيين في سفارتها في ايران، وانما بدأ في اللحظة التي انهار فيها نظام الشاه ووصل الخميني الى طهران، ووصف أميركا بأنها “الشيطان الأكبر”.
وفي رأي خدام، تشكل الولايات المتحدة واسرائيل عقبتين أمام تحقيق ايران أهدافها الاقليمية، لكنه يشير الى صعوبة الرهان الأميركي على تفجير الأوضاع الداخلية في ايران، باعتبار أن التوترات الخارجية ستضعف قدرة المعارضة الداخلية.
وفي مرتكزات العلاقات السورية ـ الايرانية، يتتبع عبدالحليم خدام البدايات الأولى للعلاقات بين دمشق وقادة الثورة، وكيف كان لرئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان السيد موسى الصدر، الدور الرئيسي فيها، وكيف بدأت علاقة صاحب المذكرات بايران حتى الاستقرار السوري على توقيع معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفياتي، واقامة تحالف مع الجمهورية الاسلامية.
وكشف أهداف سورية من التحالف مع ايران، التي كان أبرزها اسقاط النظام العراقي الذي وضع دمشق في حال حرب معه في الوقت الذي كان يحارب ايران.
وقال خدام: “رغم التناقض العقائدي بين النظام العلماني في سورية والاسلامي في ايران، فان ذلك لم يؤد الا الى ترسيخ التحالف باعتبار أن القضايا الرئيسة لم يكن هناك خلاف حولها”.
ويعترف بأن “طبيعة النظام في دمشق لم تكن تسمح بأن تكون لسورية استراتيجية بعيدة المدى، وانما أنتجت ساحة يستطيع فيها النظام المناورة، وهو ما أدى الى تفكير سورية في خوض حرب لتحرير الجولان بسبب العجز في بناء الدولة وبناء مؤسساتها”.
وفي مناطق مهمة من المذكرات، يحكي خدام عن طبيعة علاقة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد مع الساسة اللبنانيين ومدى ثقته فيهم، ولماذا كان لا يأمن للسياسيين المسيحيين والمسلمين السنة في أغلبهم؟
كما يشير الى قصة الدخول الايراني الأوسع والفاعل الى لبنان خلال الاجتياح الاسرائيلي لأراضيه العام 1982، ويسرد كيفية صعود ونمو النفوذ الايراني في لبنان وطبيعة المهام التي يقوم بها الحرس الثوري الايراني في أراضيه.
ويروي كيف كان الرئيس حافظ الأسد غير قلق من النفوذ الايراني، ولم يكن في ذهنه طموحات ايران التوسعية، كما يحكي عن الدعم السوري المستمر لـ “حزب الله” باعتبارها السند القوي الداعم له منذ تأسيسه.
ويكشف تفاصيل الخلاف بين دمشق والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكيف زادته ايران اشتعالا. ويسرد خدام نص محادثة بينه وبين السفير الايراني في بلاده ضمت عتابا من دمشق الى طهران وصل الى حد التساؤل: هل من المعقول أن يكون وزن “حزب الله” لدى ايران أكبر من وزن سورية؟
وفي فصل مهم من المذكرات، يحكي خدام عن محاولات حافظ الأسد وقف الحرب الايرانية ـ العراقية في أيامها الأولى بسبب تعنت صدام حسين، وتوقع البعض في الخليج تحقيق العراق لنصر سريع، وهو ما أدى مع أحداث أخرى الى حدوث خلل في العلاقات السورية – الخليجية وصل في بعض الفترات الى مرحلة التوتر.
ويكشف عن الدور الذي لعبه شخصيا في تقديم تطمينات لدول الخليج في شأن النوايا الايرانية تجاهها، ومضمون زيارته لقادتها، وكيف كانت الأجواء في المنطقة وطبيعة العلاقات بين دولها، وكيف كانت المصالحة العراقية – الايرانية أسهل بكثير من المصالحة بين دمشق وبغداد.
“الراي” تنشر في “4” حلقات فصولا من كتاب خدام، وفي ما يلي الجزء الرابع والأخير:

تحت عنوان “نحن والخليج وإيران”، جاء الفصل الرابع من كتاب نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام “التحالف السوري – الإيراني والمنطقة”، راصدا انعكاسات كبيرة على الأوضاع الإقليمية وعلى العلاقات السورية مع دول الخليج العربية.
وكتب خدام: “كانت الحكمة تقتضي العمل على وقف هذه الحرب قبل تطورها، وهذا ما حاوله الرئيس حافظ الأسد في الأيام الأولى من خلال اتصالات أجراها مع كل من السعودية والكويت والجزائر، ولكن هذه المحاولة فشلت بسبب تعنت الحكم في العراق من جهة، وتوقع الأشقاء في الخليج، النصر السريع للعراق في حربه ضد إيران.
وهو الاختلاف في الرؤية وفي العمل السياسي الذي أحدث خللا في العلاقات السورية – الخليجية، ووصل الخلل مع بعض الأشقاء لمرحلة التوتر.
ورغم الاختلاف في المواقف، فقد ميزنا بين النظام العراقي وعلاقاتنا بالدول العربية الأخرى، وفي مقدمها دول الخليج، وكنا نجد العذر لتلك الدول في مواقفها بسبب هواجسها من الثورة الإسلامية في إيران.
ويستطرد: “عملنا على خطين متوازيين: الأول احتواء الاختلاف مع دول الخليج من خلال الحوار وتقديم التطمينات والتعهدات بأننا سنكون معها في أي صراع تخوضه مع إيران أو غيرها، والخط الثاني التركيز مع القيادة الإيرانية بوجوب العمل على طمأنة دول الخليج وعدم القيام بأي عمل يثير مخاوفها”.
ويتابع: “في العاشر من يناير 1982، وبطلب من الرئيس حافظ الأسد، توجهت إلى السعودية، حيث استقبلني وليّ العهد ـ آنذاك ـ الأمير فهد بن عبد العزيز لإطلاعه على نتائج زيارة الوزير الإيراني لدمشق، وتأكيده أن الآراء الرسمية للثورة الإسلامية الإيرانية لا يعبر عنها إلا الخميني، أو رئيس الجمهورية، أو رئيس الوزراء، أو وزير الخارجية، وأكد استعداد إيران لإرسال بعثة حسن نوايا إلى كل من السعودية ودول الخليج واستقبال بعثات مماثلة في طهران، وهم يطالبون بوقف التدخل في الحرب إلى جانب العراق، وقد ناقشه الرئيس حافظ الاسد وأبلغه أنه سيبلغ المملكة مضمون هذه المحادثات.
فأجابني الأمير فهد بأن المملكة تتفق مع هذا الخط لتلافي الصّدام والتوتر في المنطقة، وهذا تصور ممتاز أمام الأمر الواقع، وأنا مرتاح لرسالة الرئيس وجهوده ونشكر جهوده لإزالة التوترات، ونتمنى أن يتابع جهوده متمنيا له النجاح والصحة.
وفي اليوم الثاني توجهت إلى الكويت في المهمة نفسها التي أبلغتها للأمير فهد بن عبدالعزيز، واجتمعت مع أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد بحضور وزير الخارجية آنذاك (سمو الامير الحالي) الشيخ صباح، وعرضت محادثات الوزير الإيراني التي أجراها في سورية والتي سبق أن عرضها على الأمير فهد بن عبد العزيز”.
ويقول خدام: “وافق الرئيس حافظ على الوساطة وطلب مني السفر إلى طهران، فتوجهت إلى طهران يرافقني وزير الخارجية، وعرضت الوضع على الرئيس الإيراني، ومخاطر توسيع الحرب واحتمالات لجوء الدول الخليجية إلى دعوة قوات أميركية بكل ما في ذلك من خطر يهدد كلا من إيران وسورية، وتحدث الرئيس الإيراني عن رغبتهم في عدم توسيع الحرب، لكنهم يرون أن السعودية ودول الخليج يقدمون مساعدات كبيرة إلى العراق، فهم يقدمون المال والتسهيلات العسكرية والدعم السياسي، والمطلوب منهم أن يقفوا على الحياد، لأنهم بمساعدتهم للعراق إنما يطيلون أمد الحرب، وهذا ليس في مصلحتهم ولا مصلحة المنطقة كلها، وأبدى استعداده للتعاون طالبا منا الضغط على الدول العربية الخليجية لوقف مساعداتها للعراق”.
وتابع: “وبعد عودتنا من طهران طلب مني الرئيس السفر إلى جدة لإطلاع الملك فهد على مجرى المحادثات مع القيادة الإيرانية، فتوجهت في 26 مايو 1984 إلى جدة وقابلت الملك فهد، وأبلغته أن الرئيس حافظ بعد أن تسلم رسالتكم التي حملها الشيخ عبد العزيز التويجري، طلب مني التوجه إلى طهران، ونحن هناك… وبعد وصولنا فوجئنا بخطاب لصدام حسين وبقصف لباخرتين إيرانيتين في الخليج”.
لقاء مع الملك فهد
وتابع خدام: “وأكملت مهمتي، والتقيت الملك فهد لأطلعه على ما دار. سألني الملك: ماذا قالوا؟
أجبته: قالوا (الايرانيون) إنهم يريدون في شكل جدي أن تكون علاقاتهم مع دول الخليج جيدة، وهم مستعدون لكل شيء لتحسين هذه العلاقات، لكن الدول الخليجية تقدم مساعدات لصدام، ولولا هذه المساعدات لما استطاع التنفس، ويحاربهم بهذه المساعدات، وهم يعتقدون أن ضرب صدام لجزيرة خرج يتم بالاتفاق مع الدول الخليجية، ويستشهدون على ذلك بتصريح للسيد أحمد زكي اليماني، لصحيفة تصدر في بروكسيل.
قال الملك: سألنا زكي اليماني عن هذا التصريح، فنفى أنه أدلى به، وقلنا له يجب أن تكذّب ذلك.
أجبته: أردت وضعكم بصورة وجهة نظرهم، كما قالوا إن زكي اليماني صرح أيضا في الكويت بأن الطيارين العراقيين لا يستطيعون تمييز جنسية الطائرات عند ضربها، وذلك تبريرا لضرب العراقيين ناقلة سعودية.
– إذا هم يعتبرون هذه الظواهر مساعدة لصدام: المساعدات وضرب الناقلات.
– بذل المساعي مع الدول الأخرى لعدم شراء النفط الإيراني، مثل الوفد الذي ذهب إلى اليابان في سبيل هذا الهدف.
– يعتقدون أيضا أن تسهيلات تقدم من السعودية للطائرات العراقية لتهبط فيها ثم تضرب الناقلات، كما أن السعودية بواسطة طائرة الأواكس تساعد العراق في جمع المعلومات.
رد الملك: هذا غير صحيح.
وأوضح الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية (الذي كان حاضرا) أن الأواكس مصممة لمراقبة الطيران المنخفض ولا تكشف الناقلات”.
فتابعت: “نعرض عليكم وجهة نظرهم حتى نعرف كيف يمكن معالجة الموضوع، كما لاحظنا أنهم لا يعتقدون أن هناك احتمالا كبيرا للتدخل الأميركي والغربي، حتى إذا حصل هذ التدخل فلا مانع أن تقاتلوا الأميركيين في إيران.
قلنا لهم: هناك مشكلة بينكم وبين العراق، ولا علاقة لدول الخليج بهذه الحرب سوى المساعدات”.
قال الملك: نعم، المساعدات معروفة”.
تابعت العرض: “قالوا (الايرانيون) إننا نوافق على وقف كل شيء في ما يتعلق ببواخر النفط، أي أن أمن بواخر النفط للجميع، والدول الخليجية قادرة على الضغط على صدام لوقف ضرب الناقلات في الخليج، فأوضحنا لهم: إنكم تقولون إن صدام مجنون وجبار وعنيد، فإذا لم يستجب للضغط ما هو الحل؟
ورد الملك: فعلا لم يستجب للضغط.
قلت: هنا كان في ذهننا الحديث الذي دار بين السيد الرئيس والشيخ التويجري بأن المملكة مستعدة لوقف المساعدات، فقلنا لهم إذا لم يستجب صدام للضغط لوقف ضرب الناقلات فيمكن عندئذ قطع المساعدات عنه، ويصدر موقف شجب لضرب السفن في الخليج.
لقد كان هناك انطباع يروّجه العراق بأن إيران تريد احتلال العراق أولا، ثم تحتل دول الخليج العربي بعد ذلك”.
ويتابع خدام: “خطأ إخوتنا في إيران أنهم بدأوا يهددون دول الخليج ويخوفونهم، إخواننا في إيران يقولون إن المقصود صدام… صدام هو نفر في العراق.
وقال الأمير عبدالله بن عبدالعزيز: أردنا ضرب الطائرة الإيرانية ولكن جلالة الملك أوقف ذلك.
وتابع الملك: نعم أوقفت العملية ونفينا أننا طاردنا الطائرات الإيرانية.
كل ما فعلناه أنقذنا الركاب من السفينة المضروبة، لقد لجأ طيار إيراني إلى المملكة مع طائرته فلم نُحدث ضجة، وطلبنا من إيران تسلم هذه الطائرة. نحن لا نهاجم إيران في إذاعتنا أو صحفنا، ونلوم الكويت لقيامها بذلك، نحن نستطيع مطاردة الطائرات الإيرانية، لكن لا نريد أن نخلق مشكلة، فقبل أيام دخلت طائرة إيرانية محملة بالصواريخ أراضي المملكة، فطار فوقها الطيران السعودي وأنذرنا الطائرة بالعودة خلال دقيقتين فعادت، لم نكن نريد أن نخلق مشكلة وإلا كنا نستطيع ضربها، وأبلغنا هذه الحادثة الى القائم بالأعمال الإيراني، فأجابنا بان الطيار أخطأ.
كيف يخطئ وهو يحلق على مسافات واسعة فوق المملكة؟ لدينا صواريخ تضرب من الطائرة على بُعد 100 كيلومتر ولا تخطئ شبرا واحدا، لكن لا نريد استعمال هذه الأسلحة ضد إيران، إننا ندخرها لكم.
وقال الملك أيضاً: هذا يحتاج الى دراسة وتدقيق، العراق يقول ان جميع منشآتي النفطية على الخليج دمرتها إيران، ولم يبق عليّ إلا أن أموت،أو أمّوت إيران معي، نحن لا نستطيع منع إيران من ضرب العراق ولا منع العراق من ضرب إيران، لكن هل هناك أمل في حل ما؟ أم أن إيران تصر على احتلال العراق لأخذ صدام، لأنه لن يُسلم نفسه للإيرانيين، إنهم يقوّون صدام.
وتابع الملك: من الممكن أن يقول السيد الرئيس للإيرانيين إن دول الخليج تستميت الآن لمنع دخول القوى الأجنبية إلى الخليج، فلماذا تضربون ناقلاتهم وتضغطون عليهم، اضربوا العراق كما تشاؤون لكن لا تضغطوا على دول الخليج، واتركوا هذا النفط يذهب إلى أوروبا واليابان حتى لا نخلق لهم مبررا لاحتلال الخليج.
سألت الملك: في ما يتعلق بالكلام الذي أحضره الشيخ عبد العزيز حول المساعدات؟
رد الملك: منذ مدة لم نقدم لهم مساعدات، لكن إذا رأينا العراق يدفع دمه فسنقدم له المساعدات، وهذا أفضل من أن يأتي الأميركيون، من الممكن أن نفعل أي شيء بهدوء وبطرق خاصة، إذا توقفت الحرب نحن على استعداد لمساعدة إيران ولن نبخل عليها بشيء، يجب أن تهدأ الأمور حتى نستطيع التصرف”.
ونشر خدام نص رسالة الشيخ صباح الأحمد وزير خارجية الكويت (انذاك) التالية إلى وزير خارجية سورية بتاريخ 10 /2 /1986، جاء فيها: “لا شك أن معاليكم تابعتم معنا أنباء التصعيد الخطير الذي تشهده الجبهة العراقية – الإيرانية، ذلك التصعيد الذي أفرز حتى الآن التطورات المتسارعة التي نجمت عنها أوضاع أثارت لدينا قلقا شديدا، بما يمكن أن تؤدي إليه من اختراق لأراض عربية بالقطر العراقي، وفي الوقت الذي أشير فيه الى معاليكم بما يمكن أن يمثله ذلك من أخطار حقيقية تهدد قطرا عربيا شقيقا، وما يمكن أن ينجم عن مثل ذلك التهديد من تعريض الأمن والسلامة لأمتنا العربية لأخطار محققة، أود أن أسترعي اهتمام معاليكم بما سبق أن أعربت عنه الشقيقة سورية من مواقف قومية، تمثلت بتأكيداتكم قدسية التراب العربي أينما كان وبمعارضتكم لأي اختراق إيراني لأراض عربية.
ويهمني هنا أن أتوجه إلى معاليكم بموقع مسؤوليتنا القومية بالتحرك لبذل جهودكم الحثيثة لوضع حد لهذا التصعيد الخطير”.
وتابع خدام في كتابه: “وبالنسبة للعراق، لا يريدون هزيمة للعراق خوفا من جميع النقاط التي نتكلم فيها، ولا يريدون انتصارا لصدام، لأن انتصاره يعني أن إيران أصبحت مع أميركا. لذلك، تلاحظ أن السوفيات يمدون صدام ويطعمونه كي لا يموت، وفي الوقت نفسه يمدون الإيرانيين ولا يعطونهم أسلحة مباشرة، بل تأتي من دول اشتراكية”.
واضاف: “استمر النقاش بيني وبين الأمير سعود من دون طائل، لأن المطلوب سورياً من العراق كان مرفوضا من بغداد، والمطلوب عراقيا من سورية كان مرفوضا من دمشق، لأن عمق النزاع بين حكومتي البلدين كان عظيما وتراكمت السلبيات خلال أكثر من 18 عاما، وخلال هذه الفترة كادت الحرب تقع مرتين إضافة إلى دعم ومساندة الحكم في العراق لأعمال القتل في سورية، وإضافة أيضاً إلى دعم خصوم سورية في لبنان.
وكانت المصالحة العراقية – الإيرانية أسهل منها بيننا وبين الحكومة العراقية ما جعل الوساطات العربية غير مجدية بسبب اختلافنا في فهم طبيعة النظام العراقي وأخطاره”.
لقاء والحريري
ويتابع نائب الرئيس السوري السابق: “في 27 مارس 1986، استقبلت السيد رفيق الحريري موفدا من الملك فهد بن عبد العزيز، وأبلغني ما يلي:
هناك معلومات بأن اتفاقا جرى بين القذافي وأبو نضال والإيرانيين لضرب منشآت أميركية في الكويت والسعودية، وطبعا أنتم لا علاقة لكم بأبو نضال، وممكن أن يقوم بعمليات.
ففي السعودية لا توجد منشآت أميركية، هناك منشآت سعودية يعمل بها الأميركان، وأي ضرب لها يعتبر ضربا للسعودية، والأمر الثاني، قبل ثلاثة أيام اتصل الرئيس الإيراني علي خامنئي (مرشد الجمهورية الاسلامية الحالي) بالملك فهد، وكان الاتصال للمرة الأولى، وكان الكلام جيدا جدا وممتازا ورائعا، ومدح السعودية ومواقف السعودية ومدح الملك.
والملك فهد يعتبر هذه المبادرة الإيرانية نتيجة جهود السيد الرئيس حافظ الأسد وهو يشكره على ذلك، ويعتبر هذا الموضوع تطورا إيجابيا، ويؤكد أن السعودية ليست طرفا في المشكلة الإيرانية – العراقية، ومن جهة أخرى أنت تعرف أن السيد الرئيس قال – كذا مرة – إننا لا يمكن أن نرضى أن تضرب إيران أي بلد عربي، وبخاصة دول الخليج، كما أكد الرئيس أن أي اعتداء من إيران على الدول العربية هو اعتداء على سورية، والملك لا شك لديه في هذا الكلام، وهو متأكد أن سورية ستدافع عن السعودية إذا تعرضت لأي اعتداء من إيران أو غير إيران، والوضع في المنطقة إذا مست إيران أي بلد يعتبرون أنها تمسهم جميعا، أي لن يجعلوها تأكلهم واحدا بعد الآخر”.
ثم أضاف لقاء آخر بتاريخ 12/8/1986، وقال: “استقبلت السيد رفيق الحريري وأبلغته فيه ردا على ما سبق أن كنت أبلغته نتيجة لزيارة فاروق الشرع وزير الخارجية إلى طهران، وهذه هي النقاط:
– في ما يتعلق بجزيرة سري، إن المملكة لا علاقة لها – لا من قريب ولا من بعيد – بهذا الموضوع، ولا يمكن للمملكة أن تقوم بعمل كهذا على الإطلاق، وبالتالي فإن كلام الإيرانيين عن أن المملكة ساعدت العراق لضرب جزيرة سري كلام غير صحيح ولا يستند إلى أي حقيقة والمنطق يرفضه، ولو كانت المملكة تساعد العراق بالشكل الذي يقوله الإيرانيون لتغيرت أمور كثيرة في الحرب.
– وفي ما يتعلق بالأنبوب العراقي المارّ بالأراضي السعودية، فهذا أمر مفروغ منه وغير قابل للنقاش، وقد مضت عليه سنوات عدة وإثارته الآن هو من قبيل التشويش لا أكثر، إن المساعدات المالية للعراق قد توقفت منذ زمن بعيد ونحن ندعو دائما لوقف هذه الحرب التي تدمر البلدين الإسلاميين.
– أما في ما يتعلق بموضوع الحقائب والمتفجرات، فهذا أمر واضح، وقد كشفها رجال الجمارك السعوديون، والتحقيق لا يزال مستمرا مع هؤلاء الأشخاص الذين أتوا بها ونحن لا ندري من الذي دسها، ولكن إذا كانت إيران فعلا لا علاقة لها بالحقائب التي جاءت مع الحجاج الإيرانيين القادمين من أصفهان إلى جدة، فكيف نفسر ضرب البواخر قبل عملية جزيرة سري وبعدها؟
تبين لنا في تحليلاتنا السابقة المشتركة ما يلي:
– أن مصلحة صدام حسين توسيع رقعة الحرب في المنطقة لتشمل دولا أخرى، وبالتالي لتقوية جبهته بإشراك أكبر عدد من الدول العربية، لأن من شأن ذلك أن يوفر له دعما واسعا وأن يشغل الثورة الإيرانية في سلسلة من الحروب والمعارك الهامشية.
– إن من مصلحة الإمبريالية العالمية لاسيما الإمبريالية الأميركية توسيع الصراع ليشمل دولا عربية أخرى ما يزيد حاجة هذه الدول إلى الحماية والمساعدة الأميركية بشكل كامل في دائرة القرار الأميركي، ليستخدمها لتطويق الثورة الإسلامية في إيران ومحاصرتها واستنزافها وضربها ومحاصرة القوى التقدمية العربية.
– إن استمرار ضرب البواخر السعودية أو القادمة إلى السعودية أو الخارجة منها قد يؤدي إلى ردود فعل سعودية بالتصدي للطائرات الإيرانية وضربها، وبالتالي فإن ذلك يعني توسيع الحرب”.
ويخلص خدام إلى أن “الاتصالات بين سورية وجميع دول الخليج كانت مستمرة، وكان دائما موضوعها الأساسي إيران، فأي عمل تقوم به إيران كان يثير القلق لديهم ويعتبرون أن هذا العمل الإيراني يجب ألا يقع رغم وقوفهم الكامل إلى جانب العراق، وكانت سورية هي الجهة التي يجري الحديث معها بحكم العلاقات القائمة بيننا وبين طهران”.
ويتابع: “في تلك المرحلة كثرت التوترات بين المملكة العربية السعودية والكويت من جهة، وإيران من جهة ثانية بسبب مسألة ناقلات النفط ومفرزات الحرب مع العراق، إضافة إلى أحداث الحج في سنتين متتاليتين. وفي الأخيرة وقع صِدام بين الحجاج وأجهزة الأمن السعودي أدى إلى مقتل مئات الأشخاص.
في جميع هذه الظروف كان دور سورية إطفاء الحريق وتهدئة الأوضاع خوفا من تطورها، وهذا الأمر كان بالغ الخطورة”.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

مقالات حديثة


مذكرات ووثائق خدام ..عرفات يستسلم ويغادر بيروت… ومبعوث ريغان يزور دمشق سرا ويلتقي الأسد (5 من 5)

2024-05-25

تنفيذ الخطة الأميركية… هكذا أسدل الستار على الوجود الفلسطيني في العاصمة اللبنانية المجلة بعد مفاوضات على وقف النار في بيروت ومفاوضات دبلوماسية في عواصم عربية وفي نيويورك، تبلورت الخطة الأميركية وحُلحلت “عقدها” بين أوراق وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام نص الخطة الأميركية لـ”رحيل قيادة ومكاتب ومقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية” من بيروت، وهي كالآتي 1 […]

مذكرات ووثائق خدام ..أول رسالة خطية من عرفات للأسد… والرئيس السوري يحذره: أنا لست الرئيس سركيس أو الملك حسين (4 من 5)

2024-05-24

خدام يكذّب رئيس “منظمة التحرير” ويقول إن إسرائيل تريد “تحويل المقاومة الفلسطينية من مشكلة لإسرائيل إلى مشكلة لسوريا” المجلة في 7 أغسطس/آب، أرسل رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات أول رسالة إلى الأسد بعد حملات إعلامية وعسكرية بينهما، هذا نصها: “السيد الرئيس حافظ الأسد، كما تعلمون سيادتكم، بناء على قرارات جدة، جرت بيننا وبين الحكومة […]

مذكرات ووثائق خدام ..”رسالة طمأنة” من بشير الجميل الطامح لرئاسة لبنان الى الأسد… و”عقد” أمام خطة المبعوث الأميركي (3 من 5)

2024-05-23

استمرت المفاوضات بين عرفات والإسرائيليين عبر المبعوث الأميركي والرئيس الوزان إلى أن تم التوصل إلى اتفاق في مطلع أغسطس 1982 المجلة تفاصيل رسالة من بشير الجميل، عدو سوريا اللدود، إلى الأسد لطمأنة دمشق خلال سعيه إلى الرئاسة، إضافة إلى تفاصيل خطة حبيب لإخراج عرفات ومقاتليه إضافة إلى التقارير التي كان يرسلها رئيس جهاز الاستخبارات السورية […]