مضى عامان ونصف العام ، على الخيار الهادئ والمدروس الذي اتخذه نائب الرئيس السوري السابق الأستاذ عبد الحليم خدام ، في رحلة الإصلاح والتغيير , التي حاول البدء بها من داخل النظام السوري نفسه , وعلى جميع المستويات بدءاً بمنظومة حزب البعث مروراً بالاقتصاد والإدارة .
الخطوات الإصلاحية التي حاول السيد خدام القيام بها داخل بنية النظام , وبتشجيع من إدارة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك , لم تلق آذاناً صاغية , بل وضرب بها بعرض الحائط , ما سبب حنقاً شديداً لشيراك نفسه , الذي كان استبشر خيراً في أول عهد الرئيس بشار الأسد , لكن سرعان ما كشفت الساحة اللبنانية الملتهبة عن الخلل وقصر النظر .
استحالة الإصلاح من الداخل , حتمت على خدام السير على طريق التغيير , رغم وعورته وخطورته , ودفعت به إلى الخروج من جلد النظام , فضرورة التغيير تبلورت في نظر خدام بالتزامن مع حركة المتغيرات الدولية , التي بدأت فعلياً بسقوط الاتحاد السوفيتي , بما كان له من قوة وثقل يوازي ثقل القوة الأميركية , التي انفردت بسياسة أحادية القطب , شعارها العالم الجديد , الذي لا يرحم الجمود , ولعل حرب الخليج الثانية من أبرز نتائج هذه السياسة الأميركية الجديدة , فكان خدام هو السياسي الوحيد الذي استطاع قراءة هذه المتغيرات المتسارعة , وفهمها فهماً عميقاً من موقعه السياسي والديبلوماسي , وللأسف لم يشاطره في هذا الفهم أي من أركان النظام فيما بعد , على الرغم من أهمية موقعه آنذاك .
وتبين لاحقاً أن التخبط في لبنان خلال السنوات الأربع الماضية , سببه الارتجال المحاط بوهم الممانعة , وانعدام القدرة على قراءة هذه المتغيرات , فكان زلزال القرار الدولي 1559 بالمرصاد , وتفاعلات هذه القرار لازالت مستمرة على الأرض , ولا يعلم أحد متى تنتهي , أو بماذا ستنتهي ؟.
باعتقادنا , كل هذه الأسباب الظاهرة وغيرها , شكلت أمام خدام جسر العبور إلى الضفة الأخرى , إلى المعارضة , وهو ما كان متوقعاً في أي لحظة , نظراً للهوة العميقة بينهما واختلاف رؤية خدام عن رؤية النظام للملف اللبناني , وازدادت عمقاً باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ,إضافة إلى سوء الفهم المتعمد وحملة التشويه الشعواء بسمعة خدام , وإلصاق كل تهم الفساد بظهره , لإظهاره بأنه المسؤول الوحيد عن الفساد في سورية ولبنان .
تهم الفساد وملفاته السوداء التي ألصقت بالسيد خدام , أثبت فشلها وبطلانها , فحتى الآن وحديث النظام عن ملفات الفساد لم يكن مقنعاً , لأنه غير قادر على فتحها , ولا نعرف لماذا , ربما لأن هذه الملفات ليست موجودة أصلاً , فحملة الاتهام المأجورة لم توفر خدام وهو ضمن صفوف المعارضة , بل وحتى داخل النظام , فالشائعات المغرضة لا زالت تسري إلى عقول عامة الناس البسطاء بطريقة جاهلة وغبية , للقول إن السبب الرئيسي للفساد وغياب الإصلاح , هو الحرس القديم الذي كان يرأسه خدام .
السؤال الآن , إذا كان السيد خدام بموقعه المعارض , لم يعد حرساً قديماً , فأين الإصلاح , ولماذا استمر الفساد , ومن هو الفاسد إذن ؟.
هذا التشويه لم يعدم خيارات السيد خدام , ولم يسر مفعوله على المعارضة التي دخل إليها بصدر رحب , معيداً لها بعض التوازن والثقة المفقودة , لأنها باتت تملك الإجابة عن السؤال الكبير , مَن هو الفاسد الحقيقي المسكون بحب الثروة ؟ إلا أن بعض المعارضة الرافض وغير المقتنع بمعارضة خدام , مهووس بدافع حب الذات والدوران في فلك الماضي .
على روافض المعارضة وحمقى النظام أن يكفوا عن هلوستهم , ويدركوا جيداً أن المعارضة الحقة , هي التي تنظر إلى المستقبل بعين الغد , رغم كل حملات التجريح والتشويه الباطلة .