رسائل خدام الثلاث

الناشر: الحوار المتمدن

الكاتب: جهاد الرنتيسي

تاريخ نشر المقال: 2006-01-03

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

قد تكون نظرية المؤامرة الاكثر اغراء للباحثين عن تفسيرات مقنعة للتصريحات التي ادلي بها النائب السابق للرئيس السوري عبدالحليم خدام بعد خلاف صامت مع العهد الجديد توزعت فصوله بين دمشق ، وبيروت ، وباريس .
فما زال التفكير التآمري يحكم اليات العلاقة بين اجنحة وتيارات الحكم في دول العالم الثالث حيث يتداخل السلوك التوتاليتاري مع التعددي، والثيوقراطي مع العلماني ، وتتزاوج مظاهر الديمقراطية مع الجوهر الديكتاتوري ، وتوجهات الانفتاح مع الممارسات البوليسية تحت شعارات الاصلاح ، والخصوصية والاولويات .
وتلتحم ثنائيات التناقض هذه مع عزلة لا تكسر حدتها ثورة الاتصالات التي حولت العالم الي قرية كونية .
ويزيد من اغراء التفسير التآمري للاحداث سهولته ،فهو لا يحتاج لاكثر من بضعة اتهامات جاهزة يتم اسقاطها علي الظواهر المراد تحليلها ، ومقاربات قد تكون غير منطقية ، وبضعة اشارات الي جهات خارجية باعتبارها اطرافا وقوي تتربص بالمنطقة وشعوبها .
ولسوء حظ شعوب المنطقة ان هذه التفسيرات تراكمت للحد الذي اكسبها طابعا نمطيا ، وحولها الي ما يشبه التراث النظري لمحللين ينتجون المعرفة .
ويعاد انتاج هذاالتراث علي حساب التفكير الهادئ الذي يمتلك الحد الادني من مقومات التفسير العلمي .
وعلي هذه الارضية وجد البعض اوجه شبه بين شخصيتي سياسي مخضرم تمكن من التقاط لحظة التحول الكوني وانعكاساتها علي المنطقة مثل عبد الحليم خدام ، وعسكري بائس قاده مزاجه الحاد وعنجهيته الي حتفه مثل الفريق حسين كامل .
ولا يخلو الامر من ملابسات ساعدت علي هذه المقاربة ، فالمعروف عن خدام انه كان صاحب وجهة نظر رافضة لـ ” الجمهوريات الوراثية ” وعبر عن وجهة نظره بمعارضته لتغيير الدستور بعد وفاة الرئيس الراحل حافظ الاسد .
ومنذ ذلك الحين بات علي خدام ان يدفع فواتير وجهات نظره ورؤاه السياسية ليجد نفسه في المحصلة خارج دائرة التاثير .
ورغم ضريبة الموقف حرص نائب الرئيس السوري السابق علي ان يكون له صوته المختلف في عاصمة الامويين .
وعبر خدام عن حرصه علي ان يكون له مثل هذا الصوت بزيارته للوزير والنائب مروان حمادة في مستشفي الجامعة الاميركية في بيروت اثر تعرضه لمحاولة الاغتيال ، وتقديمه العزاء برئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري رغم الاجواء المشحونة التي خلفها اغتياله .
وبمغادرته الي باريس ابتعد خدام خطوة اخري عن النظام الذي ساهم في وضع مداميكه الاولي وعايش تحولاته التي تراوحت بين الهدوء والصخب .
وتنطوي مغادرة شخصية ساهمت في صناعة احداث مفصلية مثل عبدالحليم خدام الذي استحق لقب المفوض السامي في لبنان ، واشرف علي العلاقات السورية ـ الايرانية الي باريس ما بعد صدور القرار 1559 علي مخاطر يدركها العهد السوري الجديد جيدا وان كان يدرك ايضا ان التعايش مع نائب رئيس العهد القديم لم يعد ممكنا .
ولتوقيت تصريحات خدام دوره في اذكاء تفسير المؤامرة ، فالمعلومات التي جري تداولها خلال الاسابيع الماضية تفيد بمصادرة العهد السوري الجديد املاك نائب الرئيس السابق وابنائه في سوريا.
وترافقت المعلومات مع اتهامات رسمية سورية لخدام تفيد بانه افشي كل ما في حوزته من معلومات للقاضي الالماني ديتليف ميليس والرئيس الفرنسي جاك شيراك .
ولا يخلو الامر من اشارات الي تلقي نائب الرئيس السوري السابق تحذيرات فرنسية من التجول الحر في باريس مما ادي الي الحد من حركته .
ولكن حمي الاتهامات و التفسير التآمري لا تقلل من اهمية الرسائل التي وجهها نائب الرئيس السوري السابق من خلال تصريحاته التي شغلت راصدي المشهدين السوري واللبناني علي مدي الايام الماضية .
فمن شان الاشارات التي تنطوي عليها رسائل توجهها شخصية بحجم خدام ان تكون مقدمة لتسريع حركة الاحداث علي مختلف المسارات السورية ـ اللبنانية المتشابكة الي حد استحالة الفصل بينها علي المدي المنظور .
ولعل ابرز هذه الرسائل ما يتعلق بالشبهات التي تحيط بدور سوري في اغتيال الرئيس الحريري .
فما جاء علي لسان خدام قبل ايام من تسلم القاضي البلجيكي سيرجي براميريس رئاسة لجنة التحقيق يعطي الشبهات المحيطة بالاجهزة السورية زخما تفتقر اليه بعد محاولات مكثفة لتمييع تقريري ميليس .
وتاتي قوة الزخم من حجم المعلومات التي يملكها نائب الرئيس السوري السابق بحكم موقعه في النظام والمهام التي كانت موكلة اليه خلال وجوده في ذلك الموقع .
ولمثل هذا الزخم نتيجة واحدة هي دوران براميريس في ذات الدائرة التي كان يتحرك فيها ميليس.
وبناء علي المعلومات التي اوردها خدام سيكون من الصعب علي راس النظام السوري القيام بتحركات سياسية لاستثناء بعض المشتبه بهم من التحقيق .
ومن غير المستبعد ان تتسع دائرة تحقيقات خليفة ميليس لتطال الرئيس بشار الاسد الذي اكد في تصريحات صحفية سابقة ان ادانة احد الاجهزة الامنية تعني ادانته شخصيا لانه من غير المعقول ان ينفذ احد هذه الاجهزة عملية الاغتيال ذات التقنيات العالية والتي استخدمت فيها امكانيات ضخمة دون علمه .
ولا يوجد ما يمنع امتداد الفاتورة لتشمل الاغتيالات ومحاولات الاغتيال الفاشلة التي سبقت واعقبت اغتيال الحريري .
ففي اكثر من مناسبة المح ميليس ـ الذي امتدح خدام مهنيته ـ لوجود رابط بين اغتيال الحريري و الاغتيالات التي طالت شخصيات تجاوزت ظلالها الجغرافيا اللبنانية مثل جورج حاوي وسمير قصير وجبران ثويني.
والي جانب الدفعة القوية التي منحتها تصريحات خدام لمهمة براميريس تركت بصمة واضحة علي ملف رئاسة الجمهورية اللبنانية الذي لم يغلق منذ التمديد للرئيس اميل لحود بضغط سوري .
فالمعلومات التي اوردها خدام حول دور الرئيس لحود والدائرة المحيطة به ـ حينما يتعلق الامر بعلاقة الرئيس الحريري مع دمشق ـ تدعم توجه قوي 14 اذار الداعية لاستقالة الرئيس اللبناني وتضعف موقف رافضي اسقاط رئيس الجمهورية عبر تحرك الشارع وليس من خلال المؤسسات .
والتسريبات التي يجري تداولها تفيد بان رغبة الاستقالة راودت الرئيس لحود اكثر من مرة الا انه كان يتراجع عن اتخاذ مثل هذه الخطوة تحت الحاح النظام السوري الذي يحاول الاحتفاظ بما يستطيع الاحتفاظ به من اوراق في لبنان .
ولا شك في ان الرسالة الثالثة التي وجهها نائب الرئيس السابق خلال حديثه التفزيوني الاكثر اثرا لا سيما وانها تتعلق بالداخل السوري الذي يزداد تفاقما منذ تقويض ربيع دمشق الذي كان من الممكن ان يقود الي نتائج مختلفة لو توفرت له ظروف الاستمرار .
فقد حرص علي اظهار راس النظام السوري بصورة المتردد ، والضعيف ، والمتفرد في قراراته ، وغير القادر علي قراءة الاحداث , والتوصل الي نتائج صحيحة ، تقود الي قرارات صائبة .
كما لعب علي وتر الفساد باعتباره حالة متجذرة يتاثر بها المواطن السوري بشكل مباشر و لا يستطيع النظام التخلص منها .
وتعني مثل هذه التوصيفات للشارع السوري ـ الذي لا يخلو من الحراك السياسي اليومي ـ الشئ الكثير .
فهي لا تضيف جديدا لتوصيفات طبقة الانتلجنسيا السورية ونشطاء المجتمع المدني واحزاب المعارضة بتلاوينها المختلفة .
ولكنها في المقابل تعطي جرعة قوة لمصداقية الاحتجاجات التي يتعامل معها الشارع السوري بقلق وهو يستحضر نموذج التغيير العراقي .
ويطال اثر تصريحات خدام اطر الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة التي تحرص كادرات فاعلة فيها علي الاحتفاظ بخطوط اتصال مع قوي معارضة خارج سوريا حتي لا تلقي مصيرا مشابها للمصير الذي واجهه البعثيون في العراق بعد الاطاحة بنظام الرئيس صدام حسين .
ويتيح الحراك السياسي في الشارع السوري تفسير حالة القلق التي لا يخفيها الحكم والتي جري التعبير عنها في الاجراءات الامنية التي يجري تشديدها يوما بعد يوم في دمشق والمحافظات .
كما ظهرت حالة القلق واضحة من خلال ردود الفعل الصاخبة التي ظهرت في مجلس الشعب لدي مناقشته تصريحات خدام .
وفي حال تجنب الطابع الانفعالي لجلسة مجلس الشعب التي بحثت تصريحات خدام يبدو واضحا انها كانت تهدف بالدرجة الاولي للحيلولة دون تحولات ديناميكية في حركة الاستقطاب والفرز التي تشهدها البلاد .

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

مقالات حديثة


مذكرات خدام …”رسائل غرام وتهديد” بين ريغان والأسد… أميركا تنسحب من لبنان وإسرائيل تتراجع وسوريا “تستفرد”

2024-10-28

دمشق تطلق سراح الطيار الأميركي وسط جولات مكوكية لرامسفيلد مبعوث البيت الأبيض… وواشنطن تفشل زيارة سرية لحكمت الشهابي   وسط تبادل القصف العسكري الأميركي–السوري في لبنان ومرض الرئيس حافظ الأسد وطموح العقيد رفعت في السلطة وتصاعد الحرب العراقية–الإيرانية، التقى وزير الخارجية السوري عبدالحليم خدام والسفير الأميركي روبرت باغانيللي في دمشق خلال شهر ديسمبر/كانون الأول عام […]

مذكرات خدام …صدام أميركي – سوري في لبنان… ومبعوث ريغان يطلب لقاء رفعت الأسد بعد مرض “السيد الرئيس”

2024-10-27

خدام يهدد سفير واشنطن بـ”الطرد الفوري”… وتبادل القصف السوري-الأميركي   حاول الرئيس رونالد ريغان احتواء الأزمة مع الرئيس حافظ الأسد بعد تفجير “المارينز” والقصف، وأرسل مبعوثه الخاص دونالد رامسفيلد إلى دمشق في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1983. كان رامسفيلد وزيرا سابقا للدفاع في عهد الرئيس جيرالد فورد، قبل أن يعود إلى المنصب نفسه في عهد الرئيس […]

مذكرات خدام …تفجير “المارينز” قبل حوار جنيف اللبناني… وأميركا تتهم إيران بالعمل “خلف خطوط” سوريا

2024-10-26

واشنطن تتهم طهران بالوقوف وراء هجمات بيروت وتنتقد دمشق لـ”تسهيل الدور الإيراني” عاد روبرت ماكفرلين نائب رئيس مكتب الأمن القومي في الولايات المتحدة الأميركيةإلى دمشق في 7 سبتمبر/أيلول، مكررا ما قيل في السابق، عن ضرورة الانسحاب السوري من لبنان بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي. وفي الثاني والعشرين من الشهر نفسه قدم إلى سوريا مجددا وقال إن […]