كشـفـت رسائل “ســريـة” ومحاضر اجتماعات نقلها نائب الرئيس السوري الـراحـل عبد الحليم خدام من مكتبه إلى باريس، لدى مــغادرتـه سوريا في عام 2005، عن عرض قدمه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، إلى حافظ الأسد، لضمان “حياد” سوريا إزاء توجيه ضــربــة أمريكية للعراق تحت ذريـعـة وجود أسلــحة دمــار شامل
وجاء في الحلقة الخامسة والأخيرة من السلسلة التي تنشرها صحيفة “الشرق الأوسط”، أن كلينتون عرض بوضوح “حياد” الأسد إزاء توجيه ضــربــة للعراق بالعمل على استئناف مفـاوضـات السلام مع نتنياهو “من حيث توقفت” في عهد سلفه شيمون بيريز في 1996، عندما أبدت إسرائيل التزامها بالانـســحــاب الكامل من مرتفعات الجولان السورية المـحتلـة إلى خط 4 حزيران (يونيو)
إذ كتب كلينتون للأسد، في 21 شباط (فبراير) 1998، “إذا ما أجبَرَنا صدام على اتخاذ إجــراء عسـ.ـكري، سيكون من المـهم لسوريا أن تبقى ملتــزمة بأن يمتثل العراق كلياً لقــرارات الأمم المتحدة… إنني واعٍ تماماً لجهودنا السابقة (في مفاوضات السلام السورية- الإسرائيلية) ولست مستعداً للعــودة إلى نقطة الصفر. غير أنه، وتأسيساً على محادثاتي مع رئيس وزراء إسرائيل (بنيامين نتنياهو)، فإنني أؤمن بأنه يبقى ممكناً، حتى في هذه الآونة، أن ننجز اتفاق سلام. وستكون المرونة مطـلوبــة من كلا الجانبين”
وأضاف كلينتون: “لقد ساعد قراركم بالانضمام إلى ائتـلاف حــرب الخليج عام 1991 في تقوية علاقاتنــا الثنائية وفي تشجيع التقدم نحو هدف آخر نتقاسمه، سلام شامل في الشرق الأوسط (…) بمواصلة العمل سوياً، يمكننا معاً أن نضع حداً لتهديد صدام حسين الماثل مجدداً، وأن نجدد سعينا من أجل سلام إقليمي”
رد الأسد
ردّ الأسد على رسالة كلينتون في 13 آذار (مارس) 1998، قائلاً: “لاحظتم مدى القـلق والتــوتـر الذي ساد الرأي العام، وعلى الأخص في العالمين العربي والإسلامي، بــسبــب احتمال قيام عـمل عسكري ضـد العراق يزيد من المعانـاة”
وأضاف مخاطباً كلينتون: “إنني ملتزم بالتــعـاون معكم من أجل تحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط. وأريدكم، السيد الرئيس، أن تعلموا أن سوريا لو لم تتحلَّ بالمرونة الكافية خلال مسيرة السلام منذ مؤتمر مدريد لما استمرت هذه المسيرة حتى الآن، ولما تحققت تحت رعايتكم إنجازات مهمة”
وتابع: “لكن استئناف المفاوضات من غير النقطة التي توقفت عندها ومتابعة البناء على ما تم إنجازه على المسار السوري، لا يعتبر فقط هـدراً لخمس سنوات صـعبة من الجهود الأميركية والسورية والإسرائيلية، وإنما سيـؤدي إلى إخـراج المـفاوضات عن مسارها”
تنسيق بين دمشق والقاهرة
سبق تبادل الرسائل بين دمشق وواشنطن، اتصال الأسد بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وتبع الاتصال زيارة لخدام ووزير الخارجية السوري الأسبق فاروق الشرع إلى القاهرة، في 17 شباط (فبراير) 1998، حيث تم الاتفاق على إرسال وفد مشترك للعراق، لإبــلاغ صدام حسين أن “سوريا ومصر درستا الوضع الخـطيــر، لأن جميع المـعطيـات التي لدينا تقول إن هذا الحـشد الأميركي جدي، والفرصة متوفرة لتجـنّب الضـربـة، والمخرج هو الاتفاق مع الأمين العام للأمم المتحدة”، كما تم الاتفاق على سفر وزيري خارجي البلدين إلى السعودية لإطلاع قادتها على خلفية التحرك
وبعد أيام من رحلة القاهرة، وصل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان إلى بغداد، وأجــرى محادثات مع القيادة العراقية أدت إلى توقيع اتفاق قبلت به تلك القيادة شروط مجلس الأمن للرقابة والتفتيش
وحول العــلاقـة مع العراق، يقول خدام إن “التـوجّهـات المعطاة للجانب السوري في جميع الزيارات واللقاءات (مع الجانب العراقي)، كانت بعــدم الدخـول في مـناقشـة العـلاقات السياسية، لأن الأرضية لمثل هذه المـناقشـات غير متوفرة لانــعــدام الثقة بين الجانبين. لذلك كان الحديث السياسي خلال اللقاءات مع المسؤولين مركزاً على مسألة الحـصـار والعمل على إزالــتــه”