كان حزب البعث العربي الاشتراكي منذ نشأته في عقد الأربعينيات رائداً في النضال من أجل قضايا الأمة العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين وحركات التحرر الوطني في الأقطار العربية التي كانت لا تزال تحت الحكم الأجنبي وضد مشاريع الأحلاف والهيمنة الأجنبية .
كما كان حزب البعث رائداً في الدفاع عن الحريات العامة والفردية وكان له دور رئيسي في التصدي للحكومات العسكرية وإسقاطها والدفاع عن الديمقراطية .
لقد أتيحت فرصتان للحزب لاستلام الحكم الأولى بعد سقوط نظام الشيشكلي إذ كان للضباط البعثيين الدور الرئيسي في إسقاط ذلك النظام وآثرت قيادة الحزب الطريق الديمقراطي أما الفرصة الثانية كانت خلال عصيان قطعات قطنا عام 1957 حيث تمرد الضباط البعثيون في معظم المناطق العسكرية ضد قرار بنقل وتغيير عدد من الضباط التقدميين وبينهم ضباط بعثييون وكان القرار نتيجة تواطؤ بين قائد الجيش وبعض السياسيين وآثرت قيادة الحزب آنذاك حل المشكلة ورفضت طلب معظم الضباط البعثيين في الموافقة على استلام الحكم .
في تلك المرحلة كانت الضغوط الخارجية شديدة على سورية فعملت قيادة الحزب للعمل على إقامة تحالف وطني واسع وساهمت في حكومة ضمت جميع الأطراف برئاسة السيد صبري العسلي .
كان البعثيون في تلك المرحلة دعاة لمبادئهم مناضلين من أجل ضمان حقوق العمال والفلاحين وصغار الكسبة حافظوا على استقامة سلوكهم وربطوا بين سلوكهم وبين مبادئهم فكسبوا بذلك ثقة الجماهير .
كان الخطر الأول الذي ارتكبته قيادة الحزب الموافقة الذي عقده الوفد العسكري مع الرئيس جمال عبد الناصر لإقامة الوحدة بين الدولتين دون ان يناقش ذلك المشروع بصورة تضمن استمرار الوحدة وقبول القيادة أن يكون النظام فردياً وأن تجمع كافة السلطات بيد رئيس الجمهورية وبالتالي إنهاء الحياة الديمقراطية في سورية وامتداد النظام السياسي والأمني القائم في مصر إلى سورية مما لا يضمن وقوع مفاجآت تؤدي الى انهيار الوحدة دون الأخذ بالاعتبار مكونات الوضع السياسي والاقتصادي في سورية .
كان الخطأ الكبير الثاني الذي وقعت فيه قيادة الحزب قبولها الاشتراك بالسلطة وتغطية مشاركة اللجنة العسكرية في حركة الثامن من آذار عام 1963 ثم قبولها تصفية القوى المشاركة في تلك الحركة والاستئثار بالسلطة .
لم تدرك قيادة الحزب آنذاك ان الانفراد بالسلطة عبر وسائل القوة سيؤدي إلى صراعات داخل الحزب حول السلطة وتحت شعارات مختلفة وبالفعل فقد برزت الصراعات داخل الحزب في الأشهر الأولى وانتهت بانشقاق عميق وواسع في الحزب .
لم تأخذ قيادة الحزب باعتبار جدي مسألة ضعف بنية الحزب بعد ما اصابه من انشقاقات في مرحلة الانفصال وخروج ثلاث احزاب في القطر السوري بعد تلك الانشقاقات وهي حركة الاشتراكيين العرب وحركة الوحدويين الناصريين والتنظيم القطري .
لم تضعف تلك الانشقاقات حزب البعث وحده وإنما أضعفت البلاد وبحكم ذلك الضعف فقد نمت فكرة التغيير الثوري في المؤتمر القومي الثالث وبذلك فقد تخطى الحزب المبادئ الأساسية للحزب المتعلقة بمسألتين الحرية والديمقراطية .
لم يأخذ الحزب الاعتبار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة في البلاد كما لم يأخذ بالاعتبار حالة الصراع العربي الإسرائيلي لأن الهموم الداخلية كان لها منعكسات سلبية في مختلف جوانب الحياة في البلاد .
كان التطور الأكثر خطورة إنفراد الرئيس حافظ الأسد بالسلطة وتكريس ذلك في نصوص الدستور تحت مقولة الحزب قائد المجتمع والدولة .
في تلك المرحلة أصبح دور الحزب دوراً هامشياً تنتظر قيادته توجيهات الرئيس الأمين القطري كما أن الأحزاب الأخرى التي تحالفت مع حزب البعث في الجبهة الوطنية أصابها ما أصاب حزب البعث مما أدى إلى ضعفها وتعدد انشقاقاتها وإلى جانب ذلك فقد همش نهج الانفراد بالسلطة دور المؤسسات الدستورية ليس فقد عبر الصلاحيات التشريعية التي أعطاها الدستور لرئيس الجمهورية وإنما بطريقة تشكيل مجلس الشعب عبر انتخابات صورية .
كان من أخطر ما أنتجه النظام الجديد مسألتين ذادت في ضعف البلاد ومعانات الشعب وهما القمع وتوسع دور أجهزة الأمن فأصبحت العامود الفقري للنظام في ظل قانون الطوارئ مما حول سوربة إلى سجن كبير أما المسألة الثانية فهي الفساد فالفساد الذي بدأه أقرباء الرئيس والمحيطين بهم لم يكن حالة عابرة بل كان سياسة هادفة إلى جمع الثورة بيدي الأسرة وأعوانها وإفقار الشعب لدرجة يصبح معها العمل من أجل رغيف الخبز أهم من العمل على قضايا النهوض والتقدم وبناء العوامل التي تمكن الشعب السوري من تحرير أراضيه المحتلة ودعم الشعب الفلسطيني .
لقد ادى انتهاج سياسة العزل والتمييز والإقصاء إلى إنتاج حالتين خطيرتين أضعفتا الوحدة الوطنية .
الحالة الأولى الاحتقان الطائفي الخطير والذي تجاوزته سورية منذ مطلع القرن الماضي وكافح السوريون معاً لتحقيق استقلالهم الوطني .
إن خطر الطائفية شديد على الوحدة الوطنية على واقع البلاد وأمنها ومستقبلها .
اما المسألة الثانية فهي انتهاج سياسة العزل والإقصاء والتمييز ضد المواطنين السوريين الأكراد مما أدى إلى نمو تيار بين هؤلاء المواطنين وتحت تأثير ممارسات النظام والتطورات الجارية في العراق يدعوا إلى إقامة حالة خاصة تمكن الأكراد من ممارسة حقوقهم السياسية والثقافية بالإضافة إلى حقهم في إدارة شؤونهم وتقرير مصيرهم .
لقد أدت السياسات الاقتصادية والممارسات الفاسدة إلى تراجع حاد بالاقتصاد الوطني رغم الحجم الكبير للمساعدات العربية وفي عام 1981 انهار سعر النقد السوري بصورة مريعة وسريعة فأصبح سعر الدولار أكثر من خمسين ليرة سورية بينما كان قبل وقت قصير يعادل أربع ليرات للدولار الواحد فقد أدى ذلك الانهيار إلى ارتفاع مريع في الأسعار وفقدان السلع وخسارة كبيرة للمدخرين بالنقد السوري .
لقد أدت مجمل تلك الأوضاع التي افرزها النظام بسبب ممارساته وسياساته إلى تنمية حلة التخلف وفقدان المبادرة ونمو الخوف بين المواطنين وازدياد الفقر وانتشار البطالة وظهور جرائم لم تكن معروفة في سورية .
لقد تحول النظام في سورية من نظام جمهوري إلى نظام فردي ثم إلى نظام عائلي وأصبحت الدولة مزرعة تملكها عائلة الرئيس الذين يتحكمون بثروة البلاد وبأمنها واستقرارها .
غابت الدولة عن الحضور وأصبحت مراكز القوة وهي في الأسرة مرجعية البلاد وفي الوقت الذي كان يعاني منه السوريون الخوف والفقر وارتفاع الأسعار كانت شريحة الفساد تتمتع بمزايا هائلة .
أيها الأخوة المواطنون
نتوجه إليكم نحن مجموعة من البعثيين مارس معظمنا السلطة في مراحل مختلفة ناقشنا الحالة المقلقة التي وصلت إليها البلاد وتوصلنا إلى مايلي :
أولاً – إن تجاوز المبادئ الأساسية للحزب والتي اعتبرت الحرية مقدسة وشرطاً أساسياً لنهوض الفرد والمجتمع و يصان بها الوطن فقد كانت تجاوز تلك المبادئ أحد الأسباب الأساسية في ما أصاب البلاد وما تعانيه وكان خطاءً فادحاً ارتكبته قيادات الحزب .
ثانياً – الديمقراطية هي النظام الأمثل لتمكين الشعب السوري من النهوض والتقدم وتحرير ارضه المحتلة والقيام بمسؤولياته الوطنية والقومية والطريق إلى ذلك بناء دولة ديمقراطية مدنية يتساوى فيها الموطنون في الحقوق والواجبات لغض النظر عن الدين أو الطائفة أو العرق أو الجنس ، دولة مؤسسات التي تحترم القانون وتقيم العدل وتحقق مبدأ تكافؤ الفرص وتنهض بالبلاد وتقوم بمسؤولياتها في تحرير أراضيها المحتلة وفي العمل على نهوض العرب وتقدمهم واستمرارهم .
ثالثاً – نتوجه إلى منتسبي حزب البعث في سورية لإدراك حجم ما ألحقه النظام بالحزب وبمبادئه وبالشعب والوطن إن مايجري في سورية تتحملون مسؤوليته وانتم تعرفون أن لا دور للأكثرية الساحقة منكم فترتكب الرذائل باسمكم وتنتهك كرامات الناس وحرياتهم تحت شعار الحرية ويجوع الشعب تحت شعار الاشتراكية وتطعن الوحدة الوطنية تحت شعار الوحدة .
نتوجه إلى الموطنين في سورية وندعوهم إلى التمسك بالوحدة الوطنية وصيانتها وإلى كسر جدار الخوف وإلى التضامن لتحقيق التغيير الوطني في سورية وبناء دولة ديمقراطية يكون شعاراها الدين لله والوطن للجميع .