“المجلة” تنشر المحضر السوري للقائهما السري برعاية العاهل الاردني بالعام 1987
في ربيع 1987، توفرت ظروف طوعت الرئيسين حافظ الأسد وصدام حسين لقبول عرض العاهل الأردني الملك حسين، للجمع بين خصمين “بعثيين” على جانبي حدوده. الأسد «المحاصر» والعائد من زيارة محبطة من موسكو «السوفياتية» بعد لقاء ميخائيل غورباتشوف، وصدام الواقع تحت ضغوط الحرب مع إيران المستمرة منذ 1980.
وجدد العاهل الأردني الراحل جهود الوساطة بين الخصمين «البعثيين»، وفي 10 فبراير/شباط وصل إلى دمشق، وقال للأسد إن صدام أبلغه الموافقة في «اجتماع مغلق» بعيدا عن «الرفاق» المعارضين.
وافق الأسد على طرح الملك حسين لعقد “لقاء سري في مطار أردني”، لكنه تحفظ على المكان لـ”عدم إمكانية تأمين السرية في مطار سوري أو عراقي أو أردني”، فاقترح “دولة اشتراكية”.
ويقول نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، في أوراقه التي تتضمن وثائق رسمية سورية ومذكراته وكان نقلها إلى باريس بعد انشقاقه في 2005 وحصلت “المجلة” على نسخة منها: «استدعاني الرئيس بعد حفلة العشاء الحادية عشرة ليلا إلى منزله وسألني رأيي، وأجبته: “الوضع في المنطقة بمنتهى الخطورة ويحتاج إلى عمل شيء جديد. وداخليا مثل هذا اللقاء يترك ارتياحا بين الناس، ونحن محاصرون وبحاجة إلى كسر الحصار، وبعض الدول العربية وأميركا لا يريدون أي تطور إيجابي في الوضع العربي.”
وأضاف خدام أنه اقترح أن نأخذ بالاعتبار ما يلي: “صدام واقع في نفوذ الغرب وتأثيره وإمكانية الغدر والتراجع قائمة، اللقاء قد يفجر الوضع داخل العراق، وهذا مفيد، اللقاء يجب أن يتم في الاتحاد السوفياتي، وهذا يريح السوفيت من جهة، ومن جهة ثانية إذا تسرب نقول إن السوفيت ضغطوا علينا”.
اللقاء (بين الأسد وصدام) يجب أن يتم في الاتحاد السوفياتي، وهذا يريح السوفيت من جهة، ومن جهة ثانية إذا تسرب نقول إن السوفيت ضغطوا علينا.
نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام
وسأل الأسد خدام عن مقترحاته للنقاش مع صدام، فأجاب: “الموقف السياسي من كامب ديفيد (بين مصر وإسرائيل)، وضع إطار للوحدة وبرنامج للوصول إليها (بعد انهيار ميثاق العمل المشترك في 1978 – 1979)، إقامة ربط اقتصادي بين البلدين، إعطاء أي طرف حق التدخل العسكري إذا احتل الطرف الآخر.”
أبلغ الأسد ضيفه الأردني، حسب قول خدام، بأن تكون موسكو مكان اللقاء السري. وفي 21 فبراير/شباط، استدعى خدام السفير السوفيتي وأبلغه مضمون الاتصالات التي جرت مع العراق عبر الملك حسين وطلب منه “إبلاغ غورباتشوف شخصيا”.
وفي 26 فبراير، اتصل الملك حسين بالأسد وأبلغه “موافقة الرئيس العراقي على اللقاء في موسكو والذي يرى أيضا أن يجتمع موفدان، سوري وعراقي، للتحضير للقاء قبل أسبوع وطلب أن يقوم الجانب السوري بإبلاغ موسكو.”
وفي 28 فبراير، تبلغ الأسد من الملك الأردني أن “مهمة الموفدين بحث جدول الأعمال وأن يكون اللقاء بمستوى وزيري الخارجية”، الأمر الذي أبلغه خدام للسفير السوفيتي، وقال: “إننا إذ نضع هذه المعلومات أمام القيادة السوفيتية نود أن نعرف متى يرى أصدقاؤنا الوقت الملائم لموعد لقاء وزيري الخارجية، وهل يرون تحديد موعد في أواخر الأسبوع؟ نرجو أن تقترحوا علينا اليوم، المهم أن يكون خلال هذا الأسبوع وعلى كل حال الاتحاد السوفيتي بلد صديق ولا نرغب تحميل أعباء بروتوكولية عليه، لذلك فاليوم الذي ترونه مناسبا نرجو إبلاغنا وإبلاغ الجانب العراقي حتى يتمكن الوزيران من اللقاء.”
في 26 فبراير/شباط، اتصل الملك حسين بالأسد وأبلغه موافقة الرئيس العراقي على اللقاء في موسكو والذي يرى أيضا أن يجتمع موفدان، سوري وعراقي، للتحضير للقاء قبل أسبوع وطلب أن يقوم الجانب السوري بإبلاغ موسكو.
لقاء عزيز والشرع
وبعد اتصالات “سوفيتية”، عقد اللقاء بين وزيري الخارجية فاروق الشرع وطارق عزيز في 17 مارس/آذار لوضع جدول أعمال القمة. الشرع اقترح: “العلاقات الثنائية، الوضع العربي، الصراع العربي – الإسرائيلي، حرب الخليج”.
اعترض عزيز على الترتيب، وتم الاتفاق على أن يكون “العلاقات الثنائية، الحرب العراقية – الإيرانية، الوضع العربي، والصراع العربي – الإسرائيلي.”
طلب عزيز من الشرع معرفة وجهة نظر سوريا في كل بند من جدول الأعمال، فأجابه الشرع أن مهمة الجانبين وضع الجدول والمناقشة تجري بين الرئيسين، فقال عزيز “نود معرفة وجهة نظركم لأن مبدأ اللقاء متفق عليه، لكن يجب أن يعرف الرئيسان وجهات نظر بعضهما بعضا بصورة مسبقة وحتى لا يدخلان إلى اجتماع ويفاجآن بمشاريع ويتفقان عليها وأفاجأ أنت وأنا باتفاقهما.” أصر الشرع على الموقف وفق التوجيه المعطى له، وتأجل الاجتماع إلى اليوم التالي.
وفي الاجتماع الثاني، تقدم عزيز بأفكار مكتوبة “رفض الشرع استلامها”، فقال عزيز “سأسلمها للملك حسين”. والأفكار هي تكرار للمواقف العراقية السابقة.
وفي 19 مارس، سافر الشرع إلى عمان لوضع الملك حسين بصورة لقاء موسكو واستغرب الملك موقف عزيز، وقال: “هذا الرجل مشبوه وهو عميل لأميركا وسأبحث الامر مع الرئيس صدام وسيبعث موفدا لبغداد من أجل ذلك”.
وفي 28 مارس، وصل وزير الخارجية الأردني زيد الرفاعي إلى سوريا موفدا من قبل الملك حسين، واستقبله الأسد بحضور خدام الذي قال في أوراقه: “تحدث الرئيس الأسد عن التعنت العراقي ومحاولة تعطيل اللقاء وخلق تعقيدات جديدة لا سيما أن الهدف من الاجتماع هو وضع جدول أعمال وليس مناقشة المواضيع لأن الأمر يجب أن يترك للرئيسين”. وزاد: “تحدث الرفاعي عن العقلية العراقية متهما عزيز بالعمالة والتخريب، ثم أبلغ الرئيس رسالة من الملك حسين، وهي تتضمن رسالة صدام إلى الملك حسين حول اللقاء وقد قال زيد، إن الملك اجتزأ من الرسالة لأنها تضمنت بعض الفقرات السيئة وقد أبلغ صدام أنه سيشطب هذه الفقرات فوافق على الشطب.”
تضمنت الرسالة وجهة نظر الجانب العراقي من موضوعي جدول الأعمال، العلاقات السورية – العراقية والحرب العراقية – الإيرانية، حيث “يرى الجانب العراقي تطبيع العلاقات بين البلدين وهذا يتطلب ما يلي: إعادة العلاقات الدبلوماسية، العمل معا في إطار الجامعة العربية ومؤسساتها وفي إطار ميثاق الدفاع العربي المشترك والاتفاقات الاقتصادية العربية، ضخ النفط العراقي عبر سوريا، وقف الحملات الإعلامية بكل أنواعها.”
أما بالنسبة للحرب العراقية – الإيرانية، «كرر الجانب العراقي مبادرة صدام الداعية إلى وقف القتال والانسحاب إلى الحدود الدولية وتوقيع معاهدة سلام تتيح لكل من العراق وإيران القيام بدور إيجابي في أمن المنطقة.”
ناقش الأسد الرسالة مع الرفاعي، وقال له “لا جديد فيها وهي تختلف عما كان صدام أبلغه للملك حسين (في فبراير) بأنه يريد علاقات إستراتيجية مع سوريا، وتساءل الرئيس ماذا تحقق من هذه الأفكار وأين مصلحة سوريا فيها.”
تحدث الرئيس الأسد عن التعنت العراقي ومحاولة تعطيل اللقاء وخلق تعقيدات جديدة لا سيما أن الهدف من الاجتماع هو وضع جدول أعمال وليس مناقشة المواضيع لأن الأمر يجب أن يترك للرئيسين.
نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام
سأل الأسد خدام، فأجاب: “صدام إما أن يكون راغبا بإقامة علاقات جدية وهو غير قادر على ذلك، أو أن يكون غير راغب والرسالة بما تضمنت تتيح له التهرب وليس فيها موقف عراقي جديد معروض علينا ولكن قد تساعد المناقشات الحية والمباشرة على تغيير المعطيات وتساعد في الوصول إلى نتائج جيدة تخدم تطلعاتنا القومية، ومع ذلك فالأمر فيه مغامرة لأنه لا يمكن الركون إلى جدية مواقف الإخوان في العراق، ولا إلى إمكانية قبولهم بما هو معقول ومنطقي، فالأمل ضعيف ولكن المحاولة ليس فيها ضرر كبير والرسالة واضحة وهي تكرار للمواقف العراقية السابقة.”
عاد الأسد وتحدث للرفاعي عن الرسالة وعن استمرار الخط العراقي تجاه سوريا وأن ما ورد فيها ليس فيه شيء مما قاله صدام للملك حسين، عندما التقاه بصورة منفردة دون مشاركة أي من أعضاء القيادة العراقية. وطلب من الرفاعي أن يحاول الملك حسين معرفة الأبعاد الحقيقية للموقف العراقي .وبعد مناقشات طويلة، أشار الأسد إلى “فهمنا الخاص حول موضوعي العلاقات الثنائية والحرب العراقية”، وأنه سيطرح هذا الفهم في اللقاء مـع صدام.
اتهامات متبادلة
في 26 أبريل/نيسان، وصل الأسد الذي كان زار الاتحاد السوفيتي وعقد لقاء صعبا مع ميخائيل غورباتشوف، وخدام والشرع إلى مطار أردني جنوب عمان و”فوجئنا بوجود مستقبلين أردنيين مع الملك حسين وحرس شرف وجماعة الإعلام والتصوير مع أن الاتفاق أن يكون اللقاء في غاية السرية.”
وفي الساعة الثالثة بعد الظهر عقد لقاء مغلق بين الأسد وصدام استمر حتى الساعة الثالثة والنصف من صباح اليوم التالي. ويقول خدام في أوراقه: “عندما التقى الرئيسان وجها لوجه بادر صدام الرئيس بقوله ماكو (ليست هناك) مصافحة وماكو سلام لأننا في خصومة، وإذا اتفقنا يتم السلام بيننا. ضحك الرئيس حافظ من هذه البداية التي بدأها صدام متوترا وبصورة لا تتفق مع أبسط قواعد اللياقة، اتفق الرجلان على أن يعرض كل منهما التطورات الماضية في العلاقات بين البلدين على ألا يؤثر ذلك على وضع تصورات للمستقبل.”
وحسب الأوراق، بدأ الحديث صدام عن خدماته وخدمات العراق لسوريا، فشرح دوره في إعادة تنظيم الحزب في سوريا في عهد الوحدة، وبالتالي دوره في ثورة مارس/آذار، التي قادها الحزب، ثم تحدث عن مشاركة العراق في حرب اكتوبر/تشرين الأول 1973 ودور القوات العراقية في الدفاع عن دمشق، كما تحدث عما قامت به سوريا ضد العراق، من التآمر في يوليو/تموز 1979، عن طريق عدنان حسين ورفاقه مما أدى إلى ضرب مسيرة الوحدة.
وتحدث صدام أيضا عن قيام سوريا بوقف تدفق النفط العراقي عبر أراضيها تنفيذا لاتفاق أبرمه خدام مع الإيرانيين، مرورا بوقف مياه الفرات والأضرار التي أصابت المزارعين العراقيين والاقتصاد العراقي واستمرار التآمر على العراق والوقوف إلى جانب إيران في الحرب وتقديم المساعدات العسكرية للإيرانيين مما ألحق أفدح الأضرار وعظيم الآلام بالشعب العراقي وبذلك تجاوزت سوريا العلاقات الأخوية، وأخلت بالمواثيق والاتفاقات العربية بما في ذلك اتفاق الدفاع المشترك، كما ورد في كلام صدام.
وخلص الرئيس العراقي إلى أن هدف سوريا تدمير العراق وتفكيكه والاستعانة بأعدائه لتحقيق هذه الأهداف.
اقرأ أيضا: كيف بدأت “بعثنة” سوريا والعراق
عندما التقى الرئيسان وجها لوجه “بادر صدام الرئيس بقوله ماكو (ليست هناك) مصافحة وماكو سلام لأننا في خصومة، وإذا اتفقنا يتم السلام بيننا. ضحك الرئيس حافظ من هذه البداية التي بدأها صدام متوترا وبصورة لا تتفق مع أبسط قواعد اللياقة”.
نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام
من جهته، تحدث الأسد، حسب أوراق خدام، حول كل نقطة طرحها صدام بدءا من عام 1970 حتى تم التشاور حول الأحداث الدامية التي جرت في ستبمبر/أيلول 1970 في عمان، مرورا بالمحاولة التي طرحتها سوريا عام 1971 مع بغداد، لوقف الخلل في العلاقات وتصحيحه بما في ذلك موضوع وحدة التنظيمين وإقامة علاقات وحدوية بين القطرين، وكيف كان الرد العراقي سلبيا تضمن شروطا وكأن بين البلدين حربا خرج منها العراق منتصرا وسوريا مهزومة.
وتحدث الأسد أيضا الرئيس عن حرب تشرين والاتصالات واللقاءات التي تمت مع القيادة العراقية قبل الحرب من قبل قائد القوات المشير أحمد إسماعيل وجواب الرئيس (أحمد حسن) البكر آنذاك ورفضه المشاركة، ثم تحدث عن قرار بغداد بالمشاركة خلال الحرب والوقائع التي جرت، ففنّد مزاعم صدام حول هذه المشاركة، ثم القرار العراقي بالانسحاب بعد وقف إطلاق النار وإبقاء ثغرة مكشوفة ورفض العراق إعارة سوريا ثلاثمئة دبابة على أن تعوضها بعد وصول المساعدات السوفيتية.
كما تحدث الأسد عن محاولة العراق “تفكيك اتحاد الجمهوريات العربية والالتفاف عليه، وشرح قضية المياه بين البلدين وتعنت الجانب العراقي في الوصول إلى اتفاق عادل، وكيف عطل الجانب العراقي الوساطتين السعودية والسوفياتية،” ثم تحدث الأسد عن زيارة السادات للقدس ومبادرته للمصالحة مع العراق ورفض العراق هذه المبادرة ورفضه الانضمام إلى جبهة الصمود، وتحدث الأسد عن توقيع السادات على اتفاقيتي كامب ديفيد ورسالته إلى القيادة العراقية التي استجابت لهذه المبادرة الجديدة تحت ضغط الأحداث في إيران.
كما تحدث عن ميثاق العمل القومي والخطوات التي قطعتها سوريا، وفنّد المؤامرة المزعومة التي نسبت إلى سوريا وذهب ضحيتها أعظم إنجاز تاريخي كان يمكن أن يحققه العرب وهو الوحدة بين سوريا والعراق.
وعرض الرئيس الأعمال الدامية التي قامت بها المخابرات العراقية في سوريا والتي أدت إلى قتل مئات المواطنين. ثم تحدث عن الحرب العراقية – الإيرانية وانزلاق العراق في التورط بهذه الحرب والجهود التي عرضها على البكر وصدام في نوفمبر/تشرين الثاني 1978 لإقامة علاقات مع قيادة الثورة الإيرانية من خلال استقبال الخميني للإقامة في دمشق ورفضهما هذا الأمر بشدة، ثم العرض الذي قدمه في يونيو/حزيران 1979 للتوسط بين بغداد وطهران ورفض القيادة العراقية لهذا العرض.
اقرأ أيضا: وثائق خدام: عندما أدرك الأسد أن مغادرة أوجلان أفضل للجميع
“تحدث الرئيس الأسد في اجتماعه مع صدام عن ميثاق العمل القومي والخطوات التي قطعتها سوريا، وفنّد المؤامرة المزعومة التي نسبت إلى سوريا وذهب ضحيتها أعظم إنجاز تاريخي كان يمكن أن يحققه العرب وهو الوحدة بين سوريا والعراق”.
المحضر السوري
وشرح الأسد موقف سوريا من هذه الحرب وأسباب هذا الموقف ومخاطر الحرب على العراق والمنطقة كلها، مؤكدا أن سوريا لم تقدم أية مساعدة عسكرية لطهران لأن مثل هذا الأمر يتعارض مع مبادئها، وأكد الرئيس على خطورة استمرار الحرب وضرورة وقفها لأن مع الاستمرار ستزداد الخسائر.
وتحدث عن تاريخ سوريا القومي العربي. وتطرق أيضا إلى “مشاركة القوات السورية مع القوات العراقية عام 1963 بقمع ثورة مصطفى بارزاني رغم أنها أحداث داخلية”، وأشار الأسد إلى عرض سوريا تقديم مساعدات عسكرية للعراق في عام 1972 عندما توترت الأجواء مع إيران.
وبعد أن استعرض كل منهما أحداث الماضي، سأله الأسد: “ماذا بعد ذلك؟ إننا في سوريا مستعدون لتجاوز كل هذه الآلام وأن نضع إمكاناتنا في خدمتكم لنواجه كل ما يهددنا من مخاطر ونتابع ما بدأناه عامي 1978 – 1979”. وقال: “إنكم الآن في حرب مدمرة مع إيران ومع ذلك نحن مستعدون للمشاركة في تبعات هذه الحرب في إطار وحدوي بين القطرين، إن سوريا عندما تعرض متابعة مسيرة الوحدة والعراق يعاني ظروفا صعبة، فهذا يؤكد جدية سوريا في عرضها لتجاوز آلام الماضي والانطلاق في مسار وحدوي فيه مصلحة لكل من سوريا والعراق والأمة العربية.”
لكن خدام يقول إن صدام رفض بصورة قاطعة بحث العودة إلى قضية الوحدة الحزبية ووحدة القطرين، وعرض من جانبه وقف الحملات الإعلامية، وإعادة العلاقات الدبلوماسية، وطلب الوقوف إلى جانب العراق ضد إيران، وفتح أنابيب النفط أمام النفط العراقي.
وكان رد الأسد أن مجمل هذه الأمور مصالح عراقية، متسائلا: “أين مصالح سـوريا؟ إن المنطق يقضي بتحقيق توازن في مصالح البلدين وهذا التوازن حتى يكون مستقرا يجب أن يكون ضمن أبعاد قومية وفي منظور قومي إن الإطار القومي يضمن جميع مصالح العراق وليست فيه مصالح آنية لسوريا، ولكن سوريا باستعادة المسار الوحدوي تضمن مصالحها من خلال ضمان المصالح القومية”. وانتهى الاجتماع بعد هذه السـاعات الطويلة «دون الوصول إلى نقطة اتفاق واحدة.
“إنكم الآن في حرب مدمرة مع إيران ومع ذلك نحن مستعدون للمشاركة في تبعات هذه الحرب في إطار وحدوي بين القطرين، إن سوريا عندما تعرض متابعة مسيرة الوحدة والعراق يعاني ظروفا صعبة، فهذا يؤكد جدية سوريا في عرضها لتجاوز آلام الماضي”.
الرئيس السوري حافظ الأسد
اجتماع ثان… واقتراح ثلاثي
وفي اليوم التالي استؤنفت الاجتماعات وانضم إلى الرئيسين الملك حسين وطرح عملا وحدويا ثلاثيا أردنيا – سوريا – عراقيا، كمخرج للأمر وبذلك تتكون قاعدة قومية في المنطقة تؤازر العراق وتشكل قوة لكل من سوريا والأردن.
وافق الأسد مباشرة على الاقتراح الأردني واشترط أن يكـون ذا مضمون جدي، وحدثت مناقشات حول هذا الاقتراح وأشكال هذا العمل وبعض التفاصيل كالعاصمة والرئاسة والشكل الدستوري، واقترح الأسد مخرجا أن يكون الشكل كونفدراليا والرئاسة بالتناوب، هنا تدخل صدام، فقال: “إذا كان لا بد من رئيس فالطبيعي أن يكون صدام حسين هو الرئيس، فضحك الرئيس حافظ وسأله: “لماذا صدام حسين؟” فأجابه: “صدام لأسباب تاريخية وإستراتيجية”.
وعندما لم يصل القادة الثلاثة للاتفاق على صيغة تم الاتفاق على أن يقدم الأردن ورقة عمل لعلاقات سورية – عراقية، وورقة عمل لعلاقات ثلاثية.
بعدما انتهى القادة من مناقشاتهم استدعوا كلا من زيد الرفاعي وطارق عزيز وخدام. يقول خدام في مذكراته: “عندما دخلت قلت السلام عليكم، فلم يرد صدام وصافحت الملك حسين ومددت يدي لمصافحة صدام فمدها وبقي جالسا، وكاد لساني يفلت أمامه لأوجه له بعض الكلمات ردا على تصرفه غير اللائق، وإذا بالرئيس حافظ يضحك، ويشير إليّ بالجلوس.”
“فجأة وقف صدام حسين، وقال: الله بالخير وغادر الغرفة دون أن يصافح أحدا فلحق به الملك حسين وأوصله إلى طائرته وعاد لنا، أحمر الوجه، وقال: أمر محزن هذا التصرف الصبياني فكيف يغادر ولا يصافح. أجابه الرئيس حافظ ضاحكا: لا تستغرب، لقد جلسنا ساعات طويلة وعندما دخلت إلى مكان الاجتماع قال لي: نقعد دون مصافحة لأن بيننا خصومة، إذا اتفقنا نتصافح”.
نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام
هكذا انتهت هذه المحاولة إلى الفشل، وهي الفرصة التي كان يمكن أن توقف التدهور وتعود الأمور إلى مسارها الطبيعي، ولكن ضيق النظر والأفكار الثابتة لدى الرئيس العراقي أغلقت الأبواب أمام فرصة تاريخية لتصحيح العلاقات بين البلدين.
ويقول خدام: “طلب مني الرئيس وضع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بصورة الاتصالات مع العراق وقد أمليت على السـيد رفيق الحريري الرسالة التي كان الرئيس حافظ وافق على مضمونها، وتضمنت نقل تحيات الرئيس لخادم الحرمين الشريفين ورواية تفاصيل الوساطة.”
وفي 1 مايو /أيار، عقد اجتماع ثلاثي أردني – سوري – عراقي في الأردن وتقدم الأردن بورقة عمل هي أشبه بالبيان المشترك تتضمن جميع المطالب العراقية ودون إشارة جدية إلى ما طرحته سوريا حول مسألة الوحدة بين البلدين أو العلاقات الوحدوية الثلاثية.
أما فيما يتعلق بالعلاقات السورية – العراقية، فقد أصر الجانب العراقي على الورقة التي قدمها في موسكو ولم يستلمها وزير خارجية سوريا والتي تضمنت عودة العلاقات الدبلوماسية وإدانة إيران والسماح بضخ النفط ووقف الحملات الإعلامية، بحسب خدام، الذي أكد أن الشرع تمسك بموقف دمشق بالعودة إلى اتفاق 1978 – 1979.
وفي الخامس من يونيو/حزيران وصل زيد الرفاعي إلى دمشق حاملا رسالة من الملك حسين حول العلاقات مع إيران تضمنت تمسك العراقيين بورقة العمل التي تقدموا بها بالاجتماع الوزاري الذي عقد في الأردن، ورغبتهم بتطبيع العلاقات وأنهم على استعداد لتوقيع معاهدة عدم اعتداء مع سوريا يضمنها الملك حسين ورؤساء عرب آخرون، وكانت الرسالة ردا على المقترحات التي حملها وزير الخارجية إلى الملك حسين.
أجاب الأسد: “ما يقترحه العراقيون ليس بالاتحاد المطلوب ويظنون كما يفهم من كلامهم أننا خائفون منهم يريدون تطمينا فهذا الأمر غير وارد، ما نريده التزامات متبادلة تضمن مصالح البلدين والدفاع عنها في مواجهة كل الأخطار وأن يؤدي ذلك إلى مشاركة العراق سوريا في مواجهة العدو الإسرائيلي.”
أرسل الرفاعي رسالة إلى طارق عزيز تضمنت مقترحات دمشق التي أشرت إليها سابقا، راجيا دراستها وإبلاغ الأردن فيما إذا كان لدى بغداد أفكار جديدة .
وفي 3 يوليو، رد عزيز على الرفاعي، تضمن رفض صدام إقامة علاقات خاصة أو دستورية مع سوريا للأسباب التي شرحت أكثر من مرة، وأن موقفه هو إقامة علاقات طبيعية في جميع المجالات، وتوقيع اتفاق يضمن عدم التدخل في الشؤون الداخلية بين البلدين وعدم الاعتداء ويمكن أن يضمن هذا الاتفاق الملك حسين أو أي عدد آخر من القادة العرب، وأن صدام مستعد للنظر في مطالب سوريا بالتعويض عن أية خسائر اقتصادية قد تتعرض إليها سوريا نتيجة فك تحالفها القائم مع إيران واتخاذ موقف ينسجم مع الموقف العربي من العدوان الإيراني على العراق.
وجاء في الرسالة: “أما بشأن سؤالكم عن عدم استعداد العراق لبحث أية صيغة وحدوية مع أي طرف عربي طالما أن الحرب مع إيران قائمة فإن السيد الرئيس صدام حسين كان يعني بذلك العلاقة مع الأردن الشقيق ولا صلة لذلك بسوريا.”
والرسالة واضحة بتمسك القيادة العراقية في موقفها، وهكذا فإن الجهود التي بذلها الملك حسين باءت بالفشل ولم تصل إلـى نتائج ملموسة، حسب خدام.
“ما يقترحه العراقيون ليس بالاتحاد المطلوب ويظنون،كما يفهم من كلامهم، أننا خائفون منهم، ويريدون تطمينا. فهذا الأمر غير وارد. ما نريده التزامات متبادلة تضمن مصالح البلدين والدفاع عنها في مواجهة كل الأخطار وأن يؤدي ذلك إلى مشاركة العراق سوريا في مواجهة العدو الإسرائيلي”.
الرئيس السوري حافظ الأسد
إدانة إيران
في منتصف اغسطس/آب 1987 زار دمشق الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في محاولة لإنهاء الخلاف السوري – العراقي ، وعرض الموضوع على الأسد، فرحب بالوساطة.
وبين 8 و11 نوفمبر/تشرين الثاني، عُقدت قمة عربية في عمان، وبعد وساطة قادة عرب عُقد لقاء الأسد – صدام بحضور قادة عرب. ويروي خدام: “كان موقف الرئيس حافظ أن المشكلة لم تبدأها سوريا بل العراق عندما اتهم القيادة السورية بالتآمر وشنِّ حملة عليه ثم ساعد الإخوان المسلمين للقيام بارتكاب مجازر في سوريا وساعد القوات اللبنانية للتعرض للقوات السورية في لبنان”.
وقال الأسد: “نحن لم نغلق الأبواب وجرت لقاءات عديدة وحاولنا العودة بالعلاقات إلى النقطة التي توقفنا عندها، واستشهد بلقائه مع الرئيس العراقي في الأردن، ولقاءاتي مع طارق عزيز ولقاءات الشرع مع عزيز في موسكو.”
كان إصرار صدام مركزا على وجوب وقوف سوريا إلى جانب العراق وإدانة إيران. رد الرئيس حافظ قائلا: “إذا اتخذت سوريا موقفا عدائيا من إيران فكيف نستطيع أن نساعد العراق؟ إن العراق بحاجة إلى وقف الحرب وعلاقاتنا مع إيران الجيدة هي التي تساعد في العمل على وقف الحرب وفتح الطريق أمام الجانبين للتفاوض، ورفض بصورة قاطعة اتخاذ موقف سوري يؤدي إلى انهيار العلاقات بين دمشق وطهران.”
وخلال هذا اللقاء تم الاتفاق على وقف الحملات الإعلامية بين دمشق وبغداد.
في القمة العربية في عمان، وافق الجانب السوري على قرار بعد ضغوط من الرؤساء العرب، تضمن إدانة لإيران. لكن دمشق سرعان ما سعت لتطمين طهران بالاقنية الدبلوماسية.
وفي القمة، وافق الجانب السوري على قرار بعد ضغوط من الرؤساء العرب، تضمن إدانة لإيران. وبعد إعلان قرارات القمة بثت وسائل الإعلام أخبارا تفيد بأن سوريا غيرت سياساتها وانحازت إلى جانب العراق، مما اضطر دمشق لإعلان بيان في 12 نوفمبر، جاء فيه: “سوريا أكدت في مناسبات مختلفة على علاقاتها القوية مع الجمهورية الإيرانية وهي لم توافق على أية عبارة تشكل إساءة واستفزازا لإيران ولم تساوم أحدا ولم يساومها أحد على هذه العلاقة.”
ويضيف خدام: “في الوقت الذي عملنا لاحتواء ردود فعل الدول العربية الشقيقة، كان علينا أيضا تطمين طهران وإزالة أي فكرة تكون نشأت لديهم حول صدقية موقفنا”.
ولذلك طلب الأسد من الشرع توجيه رسالة إلى القيادة الإيرانية عبر سفيرهم في دمشق في 14 نوفمبر. وقال فيها: “فيما يتعلق بموقفنا في مؤتمر القمة اعترضنا على إدانة إيران في كل ما ورد من قرارات، وكل اعتراضنا على البيان الختامي حول هذه الفقرة بالذات، البيان الختامي لم يوزع علينا مسبقا بل قُرأ في الجلسة الختامية من قبل الرئيس (أمين عام الجامعة العربية آنذاك) الشاذلي القليبي.”
وهكذا انتهت قمة عمان دون حدوث تغيير في العلاقات السورية – العراقية.