عبدالحليم خدام : القرار 1559 ألقى بسوريا في أكبر أزمة سياسية

الناشر: البيان

تاريخ نشر المقال: 2006-01-22

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

في حوار أجرته معه أخيراً مجلة «دير شبيغل» الألمانية جدد عبدالحليم خدام، نائب الرئيس السوري السابق، اتهاماته للنظام في دمشق بالتورط في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، غير انه أكد هذه المرة ان الرئيس السوري بشار الأسد هو تحديداً الذي أصدر أمر الاغتيال.

وأثناء الحوار أكد خدام استعداده للتعاون مع أي جماعة سورية سياسية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين السورية، مشيراً إلى عزمه الأكيد على تشكيل حكومة منفى. وفيما يلي نص الحوار:

* لقد قُتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري منذ حوالي عام. والآن انشققت أنت عن النظام السوري في دمشق وتحمّل الرئيس السوري بشار الأسد مسؤولية الاغتيال. ألا تخاف من أن تصبح أنت شخصياً هدفاً للاغتيال؟

ـ على الرغم من أنني ليست لدي معلومات محددة حيال مثل تلك الخطط، إلا أنني أعتقد أن الإمكانية موجودة. ولكنني لست قلقاً من هذا الاحتمال. أنا سأفعل كل ما في وسعي لإنقاذ وطني من هذا النظام.

* من دون أي إساءة لشخصك ما الذي يدفع أي فرد لأن يصدقك؟ لقد كنت لأكثر من 30 عاماً عضواً أساسياً في هذا النظام!

ـ لا يعرف الجميع في الغرب ولكن كل السوريين يعرفون أنني قد نأيت بنفسي كثيراً عن ذلك النظام منذ وفاة الرئيس حافظ الأسد في عام 2000. واليوم يختلف بشكل جذري موقفي حيال جميع القضايا السياسية عن موقف تلك القيادة الموجودة في دمشق الآن.

* يشك المحقق الألماني ديتليف ميليس في أن هناك أعضاءً في الاستخبارات السورية يقفون وراء مقتل الحريري. هل هو محق في ذلك؟

ـ إن تلك الحقيقة التي تفيد ان دمشق أطلقت حملة دعائية ضده تؤكد فعلياً أن ميليس على حق. لقد قدم ميليس سلسلة مقنعة للغاية من الأدلة في هذا الشأن.

* اتهمت الرئيس الأسد بأنه متورط في الهجوم الذي أودى بحياة الحريري. ولكنك إلى الآن لم تتهمه بأنه هو الذي أصدر أمر الهجوم بنفسه. فمن الذي تعتقد أنه أصدر أمر الاغتيال؟

ـ من الناحية اللوجستية يعد اغتيال الحريري عملية معقدة للغاية لا يمكن أن تتم إلا من خلال أعضاء بارزين في هيكل السلطة في لبنان وسوريا. لا يمكن لرستم غزالي، الرئيس السابق للاستخبارات السورية في بيروت، أن يقوم بها من تلقاء نفسه. وإذا كان غزالي هو الطرف الرئيسي في تلك الجريمة.

وهو الأمر الذي تلمح إليه نتائج التحقيق، فإن أمر الاغتيال يمكن أن يكون قد أتى مباشرة من الرئيس بشار الأسد. لقد قال الأسد: «إذا ثبت تورط أي سوري في هذه الجريمة فأنا أيضاً أكون متورطاً». هذه الجملة تحمل قدراً كبيراً من الصحة.

* لقد استدعى خليفة ميليس القاضي البلجيكي سيرج براميرتز، الرئيس بشار الأسد إلى التحقيق بصفة شاهد.

ـ رد فعل الأسد لأمر الاستدعاء يتحدث عن نفسه، فلماذا يرفض أسئلة اللجنة الدولية للتحقيق؟ لقد أثار نقطة السيادة التي يتمتع بها كرئيس دولة. هذا هراء! لقد أدلى الرئيس اميل لحود أيضاً بشهادته أمام اللجنة. فلماذا يتذرع بالحصانة.

 ما الذي يجعلك متأكداً بهذا الشكل من أن اتهامك له صائب؟

ـ إنني مقتنع بأن أمر القتل صدر عن بشار الأسد. إنه رجل مندفع بشكل كبير ويفقد غالباً أعصابه.

* لماذا يُصدر الرئيس السوري مثل هذا الأمر؟ فالأزمة التي تسبب فيها مقتل الحريري لسوريا وللبنان لم تجلب له سوى المتاعب!

ـ إن قضية الحريري كانت بشكل مطلق أول قضية يسيء فيها الأسد قراءة الموقف. فقد لعب هو أيضاً، على سبيل المثال، دوراً مصيرياً في صدور القرار 1559 من الأمم المتحدة، وهو القرار الذي كان له كذلك أثر مدمر على سوريا.

* … لأنه طالب بالانسحاب السوري من لبنان؟

ـ إنني على علم تام بتلك الواقعة. لقد وصلنا وقتها إلى حل وسط رائع مع الأمم المتحدة تمثل في أن تسقط هي القرار 1559 مقابل أن نسقط نحن الرئيس اللبناني الموالي لسوريا اميل لحود. فقد كان هذا أمراً يطالب به كل العالم وقتها.

* ولماذا لم يتم هذا؟

ـ لأن بشار أضاع الفرصة. لقد أمضى وزير الخارجية الإسباني ميخيل أنجيل موراتينوس، الذي كان يقوم بدور الوسيط، أربع ساعات في مفاوضات مع كل من المستشار الألماني وقتها غيرهارد شرويدر والرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير من أجل إقناعهم بتأييد الخطة. وفي الحقيقة نجح الرجل في أن يأخذ موافقة الجميع.

ولكن الأسد سحب العرض في لحظة حاسمة صدر بعدها بساعة قرار مجلس الأمن 1559 والذي ألقى بسوريا إلى غياهب أكبر أزمة سياسية في تاريخها.

* في ضوء تلك الأزمة، لماذا يمكن أن يأمر الأسد بقتل الحريري؟ فالأمر بهذا الشكل هو بمثابة انتحار سياسي!

ـ ولكن هكذا كان الأمر بالفعل؛ الفارق بين بشار الأسد وأبيه كبير للغاية. فحافظ الأسد كان يعوّل على العقل الإنساني، بينما يعتمد ولده على المال وعلى مصلحته المادية.

* من الذي يأخذ القرار في دمشق الآن؟ هل يمسك الرئيس بالفعل بزمام الأمور أم انه دمية كما يدّعي البعض؟

ـ العائلة مسيطرة على الوضع بالكامل. فلتنس البرلمان ولتنس حزب البعث والحكومة، فعائلة الأسد تتحمل مسؤولية كل شيء.

* اتهاماتك تبدو وكأنها تتحدث عن الوضع في العراق تحت حكم صدام حسين!

ـ المقارنة صائبة بالفعل. بشار الأسد يتصرف تماماً كما كان يتصرف صدام. وعائلته تتصرف تماماً كما كانت تتصرف عائلة صدام وتتصرف الأجهزة الأمنية السورية تماماً كما كانت تتصرف عصابات صدام. ولكن هناك اختلاف واحد وهو أن انهيار نظام بشار سيحدث بشكل سلمي بلا غزو عسكري أميركي أو حرب أهلية.

وهذا لأن السوريين يرون دولتهم كينونة واحدة. فنحن السوريين قد صُدمنا بالوضع في العراق ونحن لا نتمنى أن تقسم دولتنا إلى جماعات عرقية ومناطق وملل وطوائف متعددة.

* لكن على عكس دولة صدام فإن النظام في دمشق يحظى بتأييد الشعب!

ـ لقد استنفد النظام السوري سلطته. فالرئيس موجود في السلطة الآن منذ 5 سنوات تزايدت خلالها معدلات الفقر وتدهور الوضع الاقتصادي ولم تعد حالة العزلة التي تعانيها الدولة على المسرح العالمي لم تعد تحتمل. هذا النظام سيختفي بهدوء.

* يقال إنك بصدد تشكيل حكومة منفى؟

ـ هذا صحيح.

* مع من تنوي التعاون؟ مع الإخوان المسلمين الذين تعرضوا إلى هجوم دموي من قبل الرئيس حافظ الأسد في الثمانينات والذين تعيش قياداتهم في المنفى مثلك تماماً؟

ـ إن تأثير الإخوان في سوريا مبالغ فيه. فحركة الإخوان المسلمين تمثل جزءاً واحداً فقط من فسيفساء إسلامية ثرية تشكل بلا شك الشخصية الأساسية لبلدنا. ولكن لماذا لا ينبغي للمرء أن يعمل معهم؟ فأنا لن أستبعد أي جماعة سياسية تلتزم بالقواعد الديمقراطية.

* هل هذا ينطبق أيضاً على حزب البعث الذي نعتك أخيراً بالخيانة وعزلك من الحزب بعد 60 عاماً من العضوية؟

ـ نعم ينطبق. لا يجب أن نكرر مع حزب البعث الخطأ الذي ارتكبته أميركا مع حزب البعث العراقي. فمنذ فترة طويلة تتبنى غالبية البعثيين في سوريا موقفاً معادياً للنظام هناك. إنهم يرون أخطاء النظام ترتكب بشكل يومي هناك.

* وإلى أي اتجاه تنوي أن تسير بالدولة في ظل وجود هؤلاء الشركاء غير المتعادلين. فأنت تحديداً، باعتبار أنك كنت أحد المقربين بشدة من الرئيس حافظ الأسد، لا تمثل نموذجاً للديمقراطية؟

ـ بعد أسبوع من تولي بشار الحكم في صيف 2000، قدمت له مذكرة تدعو إلى التحرير الداخلي. ولكن الرئيس أراد إصلاح الاقتصاد أولاً قبل أن ينظر بأي شكل إلى الإصلاحات السياسية. ومن ثم فإنني قمت بعمل برنامج إصلاحي للاقتصاد.

* ثم ماذا حدث؟

ـ لا شيء. في العام نفسه كتبت تقريراً عن موقف السياسة الخارجية لسوريا، ولكنه لم يقم حتى بقراءته. وهكذا سارت الأمور لسنوات. لم يتم تنفيذ اقتراح واحد. وبالتدريج بدأت أفقد الأمل، وفي النهاية قدمت استقالتي.

* إلى أي مدى يمكن أن يستمر بشار الأسد في الحكم؟

ـ لقد بدأ سقوطه بالفعل. لا أعتقد أن نظامه سيستمر طوال هذا العام. إن الضغوط التي تمارس من الداخل ومن الخارج بسبب التحقيق في اغتيال الحريري آخذة في التزايد أسبوعاً تلو الآخر.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

مقالات حديثة


مذكرات ووثائق خدام ..عرفات يستسلم ويغادر بيروت… ومبعوث ريغان يزور دمشق سرا ويلتقي الأسد (5 من 5)

2024-05-25

تنفيذ الخطة الأميركية… هكذا أسدل الستار على الوجود الفلسطيني في العاصمة اللبنانية المجلة بعد مفاوضات على وقف النار في بيروت ومفاوضات دبلوماسية في عواصم عربية وفي نيويورك، تبلورت الخطة الأميركية وحُلحلت “عقدها” بين أوراق وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام نص الخطة الأميركية لـ”رحيل قيادة ومكاتب ومقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية” من بيروت، وهي كالآتي 1 […]

مذكرات ووثائق خدام ..أول رسالة خطية من عرفات للأسد… والرئيس السوري يحذره: أنا لست الرئيس سركيس أو الملك حسين (4 من 5)

2024-05-24

خدام يكذّب رئيس “منظمة التحرير” ويقول إن إسرائيل تريد “تحويل المقاومة الفلسطينية من مشكلة لإسرائيل إلى مشكلة لسوريا” المجلة في 7 أغسطس/آب، أرسل رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات أول رسالة إلى الأسد بعد حملات إعلامية وعسكرية بينهما، هذا نصها: “السيد الرئيس حافظ الأسد، كما تعلمون سيادتكم، بناء على قرارات جدة، جرت بيننا وبين الحكومة […]

مذكرات ووثائق خدام ..”رسالة طمأنة” من بشير الجميل الطامح لرئاسة لبنان الى الأسد… و”عقد” أمام خطة المبعوث الأميركي (3 من 5)

2024-05-23

استمرت المفاوضات بين عرفات والإسرائيليين عبر المبعوث الأميركي والرئيس الوزان إلى أن تم التوصل إلى اتفاق في مطلع أغسطس 1982 المجلة تفاصيل رسالة من بشير الجميل، عدو سوريا اللدود، إلى الأسد لطمأنة دمشق خلال سعيه إلى الرئاسة، إضافة إلى تفاصيل خطة حبيب لإخراج عرفات ومقاتليه إضافة إلى التقارير التي كان يرسلها رئيس جهاز الاستخبارات السورية […]