لعل ابرز ما يبقى في اذهان الناس عن عبد الحليم خدام، صورة رسخت بكاءه وهو يواسي آل الحريري بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري.
كانت دموعًا سخية على صديق العمر، ربما هذه الدموع بالذات ام الندم هو ما دفعه الى اطلاق جملة مواقف امس على قناة العربية، اكد فيها انشقاقه عن النظام السوري، هذا النظام الذي عايشه حتى النهاية ولم يستطع المضي فيه.
مما لا شك فيه ان القائد السوري عبد الحليم خدام لعب دورًا بارزًا في الحياة السياسية السورية واللبنانية، هذا المحامي الذي ولد في بانياس في طرطوس العام 1932، دخل العمل السياسي من باب السلطة الواسع، في السنوات الأولى من حكم حزب البعث.
كان في الثلاثين من عمره أو أكثر قليلًا عندما تولى مناصبه الاولى كمحافظ لمحافظة حماه. وأمضى حياته السياسية في ثلاثة مناصب كمحافظ ووزير ونائب رئيس جمهورية.
عين محافظا لحماة ومن ثم القنيطرة وعام 1965 محافظًا لمحافظة دمشق ثم وزيرًا للاقتصاد والتجارة الخارجية في وزارة الدكتور يوسف زعين 1969. وبعد الحركة التصحيحية صار وزيرًا للخارجية 1970، ونائبًا لرئيس الجمهورية 1984.
في 23 شباط/فبراير 1966، كان في عداد الحركة المذكورة، وفي 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، كان من رجالات الصف الأول للحركة التصحيحية. ليس عسكريا، لكنه في صف العسكر دائمًا، يتبادل معهم التغطية والإسناد.
وبرز ذلك جلياً في أزمة الصراع على السلطة 1984، عندما شكل خدام الواجهة السياسية للكتلة العسكرية – الأمنية في مواجهة رفعت الأسد. وأثناء أحداث العنف والعنف المضاد التي جرت في البلاد مطلع الثمانينات، كان وزير الخارجية عبد الحليم خدام جنرالًا بلباس مدني، وفي صف الجنرالات الصقور. واستحق لقب “جنرال الحزب” عن جدارة. وربما كان ذلك من بواعث اللقاء العميق والطويل الأمد بينه وبين الرئيس الراحل حافظ الاسد، والذي بدأ من بداية تعارفهما، واستمر حتى رحيل الأخير في حزيران/يونيو 2000.
لم يكن خدام مثل الآخرين من رعيل “الحركة التصحيحية” مجرد ظل لقائدها، ناطق باسمه وامتداد لأفكاره ونهجه. بل كان الرجل الثاني في الحركة بدور مميز ومهمات متميزة. لم يكن مجرد راكب في حافلتها، إنما أحد راسمي خطها، ومهندسي أساليبها وصانعي سياساتها . إنه شريك من نوع خاص ، شريك الموقع الثاني بشراكة لا يمكن تجاوزها وغير قابلة للانفضاض. إنها الشراكة التي انتهجتها الحركة التصحيحية وسياساتها وعلاقاتها التي فرضت على السلطة ورجالها وعلى الدولة ومؤسساتها، فاعتمدها الجميع. ومن هنا لا يتحدث الرجل عن ما جرى ويجري في سورية كشاهد إنما كفاعل.
خدام والراحل رفيق الحريري
نائب لرئيسين
في 10/6/2000، أعلن عن وفاة الرئيس الراحل، واجتمع مجلس الشعب وأقر تعديل المادة 83 من الدستور لتلائم ترشيح نجل الرئيس لمنصب الرئاسة. وفي اليوم التالي أصدر نائب رئيس الجمهورية عبد الحليم خدام القانون رقم /9/ تاريخ 11/6/2000 القاضي بتعديل المادة المذكورة التي تحدد عمر المرشح لرئاسة الجمهورية بإتمامه الرابعة والثلاثين من عمره. بعدما قام بترقية العقيد بشار الأسد إلى رتبة فريق وتعيينه قائدًا عامًا للقوات المسلحة.
وبين 17- 21/6/2000 انعقد مؤتمر لحزب البعث وأعلن عن قيادة قطرية جديدة وانتخاب بشار الأسد أمينًا عامًا لها وترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية. في 10/7/2000 جرى الاستفتاء على منصب الرئاسة وأعلن فوز المرشح الوحيد بنسبة 97,3%. كان عبد الحليم خدام في القلب من هذه الحركة والإجراءات وأهم صناعها ومهندسيها. وامسك بالملفات الإقليمية الهامة كالملف اللبناني والملف العراقي إلى جانب دوره في الملفات الحزبية والداخلية. وكان مبعوث الرئيس حافظ الأسد إلى لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ولعب دورًا في التوصل إلى اتفاق الطائف عام 1989
مواجهة ساخنة
على أثر الحراك السياسي والثقافي الذي شهدته البلاد في النصف الثاني من عام 2000 والذي اتسم بتوجهات ديمقراطية معارضة أعلنها القادة السياسيون ونشطاء المجتمع المدني والمثقفون، وأنتجت ولادة المنتديات والجمعيات واللجان التي بدأت تشهر بالفساد وتطالب بالحريات العامة. قاد نائب الرئيس اجتماعًا حزبيًا في جامعة دمشق لشرح عمليات “الإصلاح” في الدولة والتحديات التي تواجهها. سمع في ذلك الاجتماع كلامًا حادًا عن الفساد والتخريب وعن “المسافة التي طالت بين المواطن والسلطة”.
خدام… كاتبًا
“النظام العربي المعاصر، قراءة الواقع واستشفاف المستقبل” كتاب من ثمانية فصول وعلى مدى ثلاثمائة وسبع عشرة صفحة، يشرح فيه عبد الحليم خدام رؤيته السياسية لمجريات المنطقة ومعاناتها الحاضرة. ويصف هذه المرحلة بأنها “مرحلة مظلمة من تاريخنا” لأنها تتسم بـ”حالة التفكك القومي الراهنة” وبـ “الأخطار التي تهدد الوحدة الوطنية”. وعندما يدخل في تفاصيل المحنة العربية المعاصرة، يسابق المعارضين في تحليلاتهم، ويزايد على تقرير التنمية الدولية في وصف آثار التدمير على الحياة العامة. إذ يتحدث عن “ازدياد المعاناة وتعاظم الفقر ونهب الثروات وضياع الحق” ثم يتساءل:” إلى أين تسير هذه الأمة؟ وما المصير؟. ويتطرق للحديث عن “أهمية المؤسسة الدستورية المنتخبة في تحقيق الرقابة والمساءلة” ويشرط ذلك بـ “ألا تنزلق هذه المؤسسة لتكون إحدى أدوات السلطة أو واجهاتها”،
ويقدم الكتاب صورة لكاتب سياسي تدرج في المؤسسات الدستورية الديمقراطية واكتشف أهمية المشاركة الشعبية في المساءلة والرقابة واتخاذ القرار. ويهم خدام بالبدء في ترتيب الآلاف من أوراقه وملاحظاته التي دونها مدى اكثر من 35 سنة من عمله في الشأنين الحزبي والسياسي العام. وستكون من أهم المذكرات التي تلقي الضوء على مرحلة مهمة من تاريخ سورية وعلاقاتها العربية والاقليمية.
خدام بين بري وبهاء الحريري
الاعفاء من مهامه
ي 12 تموز (يوليو) 2005 اصدرالرئيس السوري بشار الاسد قرارًا أعفى بموجبه كلًا من نائب رئيس الجمهورية السابق عبد الحليم خدام وعضو القيادة القطري السابق في حزب البعث سلام الياسين ومحرم طيارة القيادي في الحزب الوحدوي الاشتراكي من مناصبهم في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية.
واتت هذه التغييرات بعد مرور أكثر من شهر على انتهاء اعمال المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث، وبعد نحو 20 يومًا من تغييرات جرت في المؤسسات الامنية، كان أبرزها نقل رئيس الفرع الداخلي في ادارة المخابرات العامة اللواء بهجت سليمان الى المقر العام، وتعيين اللواء هشام الاختيار رئيسًا لمكتب الامن القومي في القيادة القطرية لحزب البعث.
وبموجب التغيرات، بات خدام خارج أي منصب في حزب البعث والدولة، ما عدا عضويته في القيادة القومية لحزب البعث، ويحتاج خروجه منها الى مؤتمر قومي .
مصادرة املاكه
وفي6 كانون الأول 2005 ذكرت صحيفة السياسة الكويتية “ان سلطات النظام السوري صادرت جميع ممتلكات عبدالحليم خدام، نائب رئيس الجمهورية السابق، واولاده، وبموجب هذا القرار لم يعد لخدام ما يملكه في بلده.
وقد حلت هذه العقوبة بالرجل لاقتناع اركان النظام الحاكم بأنه افشى بكل المعلومات المتعلقة بجريمة اغتيال الحريري، لكل من الرئيس الفرنسي جاك شيراك، ولديتليف ميليس رئيس لجنة التحقيق الدولية في الجريمة ويقول ركن كبير من أركان النظام ان خدام اعطى معلومات عمن امر وخطط ونفذ جريمة الاغتيال، وحدد المشبوهين بالاسم، وكان ذلك في تاريخ السادس من سبتمبر الماضي.