دمشق: ما من لبناني إلا ويعرف مكتب نائب رئيس الجمهورية العربية السورية السيد عبد الحليم خدام في حديقة السبكي في دمشق وإن لم يزره بالفعل. فمشهد المكتب وأرائكه البيضاء الواسعة مطبوع في الأذهان من خلال الصحف التي قلما تخلو من صوره بمناسبة زيارة كبار المسؤولين أو النواب أوالقياديين أو رؤساء الأحزاب والتنظيمات اللبنانية له وهم كثيرا ما يفعلون.
وعبد الحليم خدام حين يتحدث عن لبنان تشعر به وكأنه يتحدث عن سورية. تقرأ في عينيه وحركات وجهه مدى تألمه من النزيف اللبناني الذي تابع مراحله لحظة بلحظة طيلة 15 عاما. وهو يقولها بالفم الملآن: «أمن لبنان من أمن في سورية. . . وعلاقات سورية ولبنان لا بد أن تكون مميزة». ويبسط أسباب ذلك بالحجج التالية:
«طبيعة العلاقات القومية والاستراتيجية بين البلدين تفرض هذه النتيجة. أن ما يصيب لبنان شئنا أم أبينا ينعكس على الوطن العربي عامة وعلى سورية ولبنان بصورة خاصة. فنحن شعب عربي واحد. تطلعاتنا واحدة وآمالنا واحدة. وما خلقه الله لا يمكن للأيدي البشرية أن تقتله أو تمزقه. بالإضافة إلى ذلك لو أخذنا موقع لبنان البشري والجغرافي والسياسي لاستنتجنا بوضوح صحة هذه المقولة. ومن هنا فلقد كان أحد العناصر الأساسية لاستقلال لبنان ولقيام الدولة اللبنانية في عام 1943 و1944. وكلنا نذكر المناقشات التي دارت آنذاك والتي كانت تأخذ بالاعتبار أن لا يكون لبنان مقرا وممرا لما يلحق الضرر بالعرب عامة وسورية خاصة.
ولا أريد أن أشير إلى التأثيرات الأمنية السلبية من خلال طبيعة التشابك السكاني بين البلدين، فهذا الأمر نعرفه جميعنا. ولكن أريد أن أشير إلى أمر أبسط كثيرا لأنه يرتبط ليس فقط بالأمن الوطني لسورية بل بالأمن القومي العربي. وهو احتمال اختراق لبنان من قبل العدو الإسرائيلي وتهديد سورية. وهذا الأمر حدث فعلا عام 1982، وعبر لبنان، حيث وصل العدو الإسرائيلي إلى قرية دير العشائر اللبنانية التي تبعد قرابة 25 كيلومترا عن دمشق. كما وأن التحرك الإسرائيلي الغازي عام 1982 دفع سورية إلى إرسال قوات إلى لبنان للتصدي للعدو. وتمكنت هذه القوات السورية، حيث دخلت، من وقف الغزو الإسرائيلي. لذلك فإن قواتنا التي كانت موجودة آنذاك في لبنان كانت منتشرة انتشارا أمنيا وليس انتشارا قتاليا. وهي موزعة في معظم الأراضي اللبنانية. إن تمكن العدو الإسرائيلي من السيطرة على لبنان سيطول الجبهة السورية معه، بالإضافة إلى أن هذا العدو سيصل إلى مواقع تهدد خاصرة سورية، كما تهدد بأحداثها الجغرافية. ومن هنا لا نستطيع أن ننظر بلا مبالاة إلى مثل هذه التهديدات، ولا نستطيع تحت أي اعتبار أن نمتنع عن اتخاذ الإجراءات الضرورية لتفادي هذا الوضع.
إن كل هذا يؤكد مقولة تأثير الأمن المتبادل بين البلدين سواء بالمعنى الضيق لكلمة الأمن أو بمعناها الاستراتيجي الشامل، سيما وأن هناك مجموعة تعاملت مع العدو الإسرائيلي، ولا تزال. وبهذا التعاون خرجت عن الالتزام الوطني اللبناني القاضي بعدم التعامل مع العدو الإسرائيلي، كما خرجت عن التزامات ومقومات الدولة اللبنانية، وهي أن لا يكون لبنان موضع تهديد أو قلق لسورية. في هذا الأمر لا يستطيع أحد أن يطلب منا تجاهله في أي تطور مقبل لإعادة بناء لبنان واستعادة وحدته الوطنية وإقامة مؤسساته الدستورية.
أما مسألة العلاقات المميزة بين البلدين فهي من بديهيات الأمور. نحن كنا ولا زلنا وسنبقى شعبا واحدا. وكوننا نعيش في دولتين لا يلغي كوننا شعبا واحداً. ولست بحاجة إلى العودة إلى التاريخ البعيد أو القريب، فالذين يريدون فصل لبنان عن أمته العربية وينسبونه إلى الفينيقية لا يعرفون التاريخ جيداً وعليهم أن يعرفوا من قراءة بسيطة للتاريخ أن الفينيقيين عرب، وأن دولتهم كانت تمتد على الشواطئ السورية كلها، كما وصل امتدادهم إلى بعض الأقطار في شمال أفريقيا. فإذا قالوا إنهم فينيقيون فالفينيقية أشمل من لبنان وتضم سورية. ويتحدثون أحيانا عن فخر الدين المعني كرمز اللبنانية، وينسون أن فخر الدين المعني عربي الانتماء كما أنه لم يكن لبنان في عهده دولة مستقلة لأنه كان جزء من الدولة العثمانية ووصلت حدود ولايته إلى عمق سورية. وإذا عدنا إلى التاريخ القريب فإن القادة اللبنانيين آنذاك كانوا يعملون في ظل الدولة العثمانية للاستقلال العربي وليس للاستقلال اللبناني، والذين شنقوا في السادس من مايو (أيار) وفي ساعة واحدة في دمشق وبيروت كانوا سوريين ولبنانيين (من لبنان الحالي) مسلمين ومسيحيين. ولعل ذكر اسم شكري غانم والذي سميت ثكنة الفياضية باسمه، والصفة التي حملها في باريس تكفي للتأكيد على أن المزاعم حول لبنانية لبنان وليس على عروبته غير صحيحة. فشكري غانم كان يرأس الجمعية السورية في باريس، لم يكن يرأس الجمعية اللبنانية وكافة المؤتمرات التي حدثت في باريس وغيرها خلال الحكم العثماني كانت تضم مسلمين ومسيحيين سعوا من أجل الدولة العربية وليس غير ذلك. ولو تابعنا سير الزمن لرأينا وقائع تؤكد بما لا يقبل الشك طبيعة هذه العلاقات وخصوصيتها وتميزها.
فالمرحوم رضا الصلح كان وزير داخلية الحكومة العربية في دمشق، وهو والد رياض الصلح. والمرحوم أمين الحكيم وهو من الكورة في شمال لبنان كان وزيرا في الحكومة السورية الأولى. وبعد ذلك تتالي مسؤولون لبنانيون عديدون في سورية أو سوريون في لبنان. ففي العهد الوطني كان الوزيران جورج صحناوي وحنين صحناوي أحدهما وزير فى سورية والثاني في لبنان. ثم المرحوم الأمير عادل أرسلان كان وزيرا فى سورية وقريبه المرحوم الأمير مجيد أرسلان كان وزيرا في لبنان. وفي الوقت الذي كان فيه المرحوم رياض الصلح رئيس وزراء في لبنان كان المرحوم عفيف الصلح أحد قادة الكتلة الوطنية في سورية. المرحوم شوكت شقير بقى لفترة طويلة رئيساً لأركان الجيش في سورية، كما أن الفريق عفيف البزري كان قائداً للجيش في سورية. بالإضافة إلى عشرات الأسماء من كبار الضباط. ففي عام 1941 كان بهيج تقي يشغل منصب رئاسة الوزراء في سورية وهو منصب رئيس حكومة المديرين. الأن هناك نائبان أحدهما في دمشق والآخر في بيروت، عنيت بهما كريكور أبلغتيان، وملكون أبلغتيان. السيد أدمون رباط وهو من كبار الشخصيات القانونية في لبنان اليوم كان واحداً من الشخصيات البارزة في حلب وكان نائبا فيها وأصبح نائباً في البرلمان اللبناني. وإذا أردت أن أعود فهناك مئات الأمثلة. إضافة إلى ذلك فحتى عام 1950 كانت لنا مصالح اقتصادية واحدة وجمارك واحدة ونقد واحد. فهل جاء كل ذلك من الفراغ أم ارتكز على معطيات حقيقية وواقعية. وبطبيعة الحال لا أريد أن أشير إلى وقائع جرت في لبنان تؤكد هذه الحتمية ومن أبرزها المؤتمر الذي عقد عام 1936 في منزل المرحوم سليم سلام. والذي ضم أبرز القيادات السياسية والشعبية في لبنان آنذاك. ومن أراد أن يتذكر التاريخ وقد نسي وقائعه فليعد إلى وقائع هذا المؤتمر وما جرى فيه من مناقشات.
* وقبل أن يختتم نائب الرئيس السوري تفسيره لما تعنيه العلاقات المميزة بين سورية ولبنان يذكّر أيضا بهذه الواقعة، فيقول:
ـ في العام 1976 ومع اندلاع الحرب في لبنان وصل إلى سورية 800 ألف مهجر لبناني، 200 ألف منهم نزلوا في الفنادق، أما الباقون فباتوا عند أقاربهم أشهراً، وهذا يؤكد الصلات العائلية بين أبناء البلدين.
* ما تعليقكم على ما توصل إليه النواب اللبنانيون الذين اجتمعوا في الطائف؟
– إن ما تم إنجازه في اجتماعات النواب اللبنانيين في الطائف أمر مهم لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان، ويتطلب من جميع اللبنانيين العمل الجاد والمخلص لتنفيذه لأن وثيقة الوفاق الوطني تشكل القاعدة والإطار لإعادة بناء الدولة اللبنانية وإزالة العوائق التي حالت دون تحقيق هذا الهدف.
وسورية بتوجيه من الرئيس حافظ الأسد ستعمل كل ما تستطيع من أجل وضع اتفاق الطائف موضع التنفيذ.
لقد حرص الرئيس الأسد خلال الأزمة اللبنانية على التاكيد أن لا حل لهذه الأزمة إلا عبر وفاق وطني بين اللبنانيين وبذلت سورية خلال السنوات الماضية جهوداً كبيرة في هذا الاتجاه. إننا نأمل أن تفتح وثيقة الوفاق الوطني الباب واسعاً أمام الأمن والسلام والاستقرار في لبنان، وأمام استعادة لبنان لوحدته الوطنية وإعادة بناء مؤسسات الحكم وفق الأسس الواردة في وثيقة الوفاق.
* ولكن هناك من يقول بوجود نوايا سورية بضم لبنان؟
ـ ليست لسورية أي نوايا بضم لبنان، لا بشكل ولا بآخر. سورية من دعاة الوحدة العربية والوحدة العربية هي عقيدة الدولة السورية والمجتمع السوري، لكن الوحدة العربية شيء ومزاعم الضم شيء آخر. نحن نعمل لتحقيق الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج. وقد تتحقق الوحدة بين سورية وبين بلد عربي يبعد عنها آلاف الأميال قبل أن تتحقق بين سورية ولبنان.
وهذا حدث فعلا فقامت الوحدة بين سورية ومصر ولم تقم بين سوريا ولبنان.
ومسألة الوحدة العربية الجزئية أو الشاملة مرتبطة بعوامل موضوعية لا يمكن القفز فوقها. وأذكر هنا أن الرئيس كميل شمعون طرح علينا في عام 1978 مشروعا لاتحاد كونفدرالي وتمت مناقشة الأفكار معه ولكن لم نتابع هذه المناقشة في المراحل اللاحقة بسبب بعض التطورات في المنطقة الشرقية. وإذا كانت هناك عوامل موضوعية لا تجعل قضية الوحدة العربية مطروحة الآن إلا أن هذا لا يمنع قيام علاقات جيدة ومميزة بين سورية ولبنان أو بين أي قطرين عربيين. إن الذين يطرحون مثل هذه الادعاءات يهدفون إلى تغطية مشاريعهم الهادفة إلى إبقاء لبنان واللبنانيين في وضع قلق من شأنه أن يخدم إسرائيل.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس الراحل إلياس سركيس كان يسعى لتحسين العلاقة بين سورية والجبهة اللبنانية ولا سيما مع حزب الكتائب، وخاصة مع بشير الجميل، الذي الذي كان قد أحكم قبضته على «القوات اللبنانية»والمنطقة الشرقية. وبناء على طلب من الرئيس سركيس فقد تم لقاء بين مسؤول سوري وبشير الجميل، وخلال اللقاء عرض بشير الجميل على المسؤول السوري التخلي عن مناطق واسعة من لبنان والإبقاء له على منطقة الجبل والمناطق التي يعيش فيها المسيحيون في الشمال وبيروت ومساعدته في تصفية وليد جنبلاط وجماعته، وكذلك في تصفية الفلسطينيين في لبنان. وبطبيعة الحال فقد صعق المندوب السوري سماعه هذا العرض الذي رفضه بشدة. وبعدها بأيام اجتمعت مع المرحوم إلياس سركيس وعرضت له موقف بشير الجمل فامتقع لون الرئيس سركيس واستغرب واستدعى أحد كبار معاونيه وأطلعه على الأمر وطلب إليه الذهاب إلى بشير للتحقق في الموضوع، فعاد المسؤول اللبناني ليقول للرئيس سركيس إن العرض صحيح.
* لكن الرئيس سركيس عمل لإيصال بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية؟
ـ قبل الغزوالإسرائيلي للبنان كانت تحكم سياسة سركيس المعادلة التالية:
لا تفريط في العلاقات مع سورية. لا تفريط في مصالح الجبهة اللبنانية.
لا موافقة على ضرب الوجود الفلسطيني في لبنان.
وقد تصرف خلال رئاسته على أساس هذه المعادلة. وهذا ما أدى إلى جمود الوضع وعدم تحركه. بعد الغزو نشأ في لبنان وضع نعرفه جميعا. فريق صغير من اللبنانيين تعامل مع الغزو الإسرائيلي وأراد تحقيق مكاسب. وغالبية رفضت الغزو ورفضت التعامل مع نتائجه. في مثل هذا الوضع وعلى ما أعتقد، لأنني لم أر الرئيس المرحوم إلياس سركيس منذ الغزو الإسرائيلي، بات الأخير يعتقد أن بشير الجميل يمكن أن يلعب دورا في الوضع الذي نشأ آنذاك. وقد يكون سبب هذا الاعتقاد أن الرئيس سركيس كان في الأيام الأخيرة لولايته من جهة، ووسط ضغوط تحيط به من جهة ثانية. وربما كانت هذه الضغوط قد جعلته يرى بأن وصول بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية قد يساعد على رحيل الإسرائيليين عن بيروت. وهذا الأمر عبارة عن استنتاج لا يستند إلى وقائع ملموسة. لكن الرئيس سركيس مورست عليه ضغوط كبيرة.
* هناك من يطالب بانسحاب الجيش السوري فورا من لبنان، فما هو موقفكم من هذا المطلب؟
ـ هؤلاء الذين يتحدثون عن الجيش السوري يحاولون إخفاء قضية أساسية، هذه القضية هي قضية الإصلاحات في لبنان. فهم يرفضون النظر في الإصلاح السياسي. وكما قال أحدهم إما أن نكون حاكمين للبنان أو نهاجر إلى الولايات المتحدة وكندا واستراليا. أي إما أن نكون حكاما أو مهاجرين. وهذا يكشف طبيعة العلاقة الوطنية ما بين أصحاب هذه المعتقدات وبين الوطن. فالذي لا يتمسك بالوطن إلا إذا كان حاكماً، لا يختلف إطلاقاً عن البيض في جنوب أفريقيا. وهذه عقلية عنصرية لم تعد صالحة في مثل هذا العصر. فالجيش السوري دخل لبنان لأهداف معينة أولها حماية وحدة لبنان لأن وحدة لبنان خط أحمر لا يمكن التفريط به.
وثانيها المساعدة لإعادة الوفاق الوطني إلى البيت الشقيق.
وثالثها ما كشفته التطورات اللاحقة من تهديد لأمن سورية. وهذا الدخول لم يكن رغبة سورية. لأن سورية تستطيع دون أن يكون لها جندي واحد في لبنان أن تجد الوسائل التي تمكن اللبنانيين من الحفاظ على وحدتهم. فهذا أمر يجب أن يستنتجه الجميع، ولكننا دخلنا إلى لبنان برغبة لبنانية شبه جماعية. رغبة رسمية من قبل الحكومة اللبنانية آنذاك. ففي أيار 1971 طلب الرئيس سليمان فرنجية وحكومته بمساعدة عسكرية سورية لوقف القتال ورفع الحصارات التي كانت تهدد بعض المناطق والقرى منها زحلة والقبيات وعندقت وغيرها. وجاء إلى دمشق في ذلك الوقت ولدعم هذا الطلب وفد من زحلة على ما أذكر يضم جميع نواب زحلة ورجال الدين فيها والقيادات الشعبية. وجاءت وفود من حزب الكتائب ضمت بيار الجميل، وولديه أمين وبشير، وجورج سعادة، وكريم بقرادوني، وجوزف أبو خليل، وجوزف الهاشم. وجاء وفد من الوطنيين الأحرار برئاسة كميل شمعون وتكررت زيارات وفود مشتركة من المنطقة الشرقية.
إذن نحن دخلنا بناء على طلب الحكومة واستغاثة اللبنانيين وفي مقدمتهم جماعة الشرقية. ولكن على ما يبدو، وبعد أن دخلنا وأوقفنا القتال أراد البعض استخدام سورية لتحقيق اختلال في التوازن الداخلي لصالحهم وتصفية الوجود الفلسطيني في لبنان، وكذلك ضرب القوى الوطنية اللبنانية.
وعندما رفضنا ذلك وأكدنا أن سورية لا يمكن أن تقبل بتصفية الوجود الفلسطيني في لبنان، وإضعاف المقاومة الفلسطينية أو إقصائها عندئذ بدأت الحملة ضد سورية في وقت كنا نعمل فيه لتحقيق وفاق وطني وحل المشكلة اللبنانية الفلسطينية. وحل المشكلة اللبنانية اللبنانية. عندئذ راحت الأيدي الممدودة إلى إسرائيل توسع نشاطاتها وخرجت إلى العلن فكان غزو إسرائيل للجنوب عام 1973 ثم الغزو الإسرائيلي للبنان 1982.
إن سورية لم ترسل قواتها إلى لبنان لتبقى فيه إلى الأبد. فلهذه القوات مهام أخرى ولكن هذه القوات ستبقى إلى أن ينفذ الوفاق الوطني وفق الوثيقة المقترحة من اللجنة العربية. أي ضمان تنفيذ الوفاق الوطني والإصلاحات الدستورية، وكذلك ضمان أمن سورية. وقد يقول البعض: ما علاقتكم بمسألة الوفاق وما علاقتها بأمنكم؟ وجوابنا هو أن حكومة الوفاق الوطني هي التي تعيد الاستقرار إلى لبنان ليتحقق الأمن فيه. نحن نتمسك بتحقيق هذا الهدف.
إذن الأمر مرتبط بتحقيق الوفاق الوطني الذي يشكل ضمانة أمنية للبنانيين وضمانة أمنية لسورية. وسورية تؤيد ما ورد في وثيقه الوفاق الوطني المقترحة من اللجنة العربية الثلاثية، سواء ما يتعلق منها بالعلاقات المميزة بين البلدين، لأن تنظيم هذه العلاقات فيه مصلحة للبنان كما فيه مصلحة لسورية، أو لجهة مساعدة سورية لحكومة الوفاق الوطني.
* لكن هناك قيادات لبنانية طلعت من طهران أثناء وجودها في العاصمة الإيرانية مؤخرا بتصاريح تنتقد فيها اجتماع الطائف وتعلن رفضها لبنود الوثيقة الوفاقية التي أعلنتها اللجنة العربية الثلاثية، فكيف تفسرون هذا الأمر والقيادات المعنية هنا، وأخص بالذكر منها وليد جنبلاط ونبيه بري، على اتفاق مع سورية؟
ـ حسب ما أعلم فإن القوى الوطنية اللبنانية تؤيد المساعي العربية لحل الأزمة اللبنانية، ولكن من الطبيعي أن يكون لهذه القوى منظورها للحل. كما أن لكل تنظيم في لبنان منظوره للحل. وأعتقد أنه حين تتمكن اللجنة العربية من الوصول إلى القواسم المشتركة فالوطنيون اللبنانيون كما أعلم سيدعمون هذه النتائج وبطبيعة الحال فإن القواسم المشتركة هي التي تضمن إصلاحات جدية للنظام السياسي وتحقق المساواة بين اللبنانيين في الحقوق والواجبات.
إننا نعرف جيدا أن القوى الوطنية راغبة في تحقيق الوفاق الوطني وبحل سياسي للأزمة اللبنانية وهذا ما يدعو إلى الاطمئنان. وبطبيعة الحال لا يجب أن نرى فقط ما يتحدث به بعض القادة الوطنيين في إطار عدم ثقتهم بالطرف الآخروبمناوراته. ولكن يجب أيضا أن نرى ما يصرح به بعض الأشخاص من الطرف الآخر الذي يواجه القوى الوطنية. ونتابع ما يقوم به من ممارسات عملية لتعطيل الوفاق الوطني ولعرقلة الحل العربي.
* هناك تخوف لدى بعض الفئات من فقدان الامتيازات التي كانت تتمتع بها، وقد طالبوا بضمانات لحفظها فما هو رأيكم في هذا التخوف؟
ـ من تحليل جميع الوقائع والأحداث التي مر بها لبنان منذ الاستقلال يستنتج الإنسان بموضوعية أن أي بلد يكون فيه لفئة امتيازات لا يتمتع بها المواطنون الآخرون فهذا البلد لن يشهد الاستقرار. ولذلك من الطبيعي أيضا أن تؤدي عملية الوفاق الوطني إلى إنهاء جميع أشكال الامتيازات والتميز في لبنان بما يجعل اللبنانيين متساوين في الحقوق والواجبات ومرتبطين بمصالحهم وتطلعاتهم وآمالهم بالوطن وليس بالطوائف. والامتيازات التي يتحدث عنها البعض قد تكون وفرت لأفراد أو تنظيمات مصالح معينة. ولكنها أتت بالويلات على شرائح عريضة من الذين تمارس الامتيازات باسمهم. أما الحديث عن الضمانات فهو يخفي الرغبة في الحفاظ على الامتيازات. فلا أحد يستطيع أن يعطي ضمانة لأحد في وطن المواطنون فيه بعضهم قاهر وبعضهم مقهور، بعضهم ظالم وبعضهم مظلوم. والضمانة الحقيقية للجميع في التخلي عن الامتيازات وبناء دولة ديمقراطية. من الظلم أن يقال أن الطائفة المارونية قلقة على مصيرها. فالمواطنون الذين ينتمون إلى هذه الطائفة لم يكونوا هم أصحاب هذه الامتيازات بل كان بعضهم يتمتع بها. فالذين يعيشون في المناطق الوطنية ليسوا أكثر رفاهية من إخوانهم الذين ينتمون إلى الطوائف الأخرى. فالامتيازات في الحكم يتمتع بها الأفراد الحاكمون ومن حولهم، وغالبا ما صبت هذه الامتيازات في مصالح شريحة محدودة استقطبت الامتيازات لخدمة هذه المصالح سواء كانت سياسية أو اقتصادية. فإذا كان المتمتعون بهذه الامتيازات قلقين عليها وخائفين من سقوطها فما هي الامتيازات التي يتمتع بها المواطنون اللبنانيون من الطائفة السنية. إنهم يعانون الحرمان مع عدم المساواة كغيرهم من اللبنانيين. وإذا كنت تعتبر رئاسه الوزراء امتيازا فما هو هذا الامتياز، وما قيمته، إذا كان رئيس الوزارة لا يملك أن يرأس مجلس الوزراء ولا يستطيع أن يغير أو يبدل لا ضمن المؤسسة ولا خارجها. وهناك أمثلة حسية على ذلك. جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على لبنان جعلوا من مدنهم عواصم. فهل تستطيع وأنت من مدينة طرابلس في لبنان والرئيس المرحوم رشيد كرامي بقي رئيس وزراء فترة طويلة، هل تستطيع أن تشير لي إلى عمل كبير أو صغير تحقق لطرابلس من خلال رئاسة أحد أبنائها للحكومة. أنا أسمع بموضوع معرض طرابلس الدولي منذ ربع قرن فهل استطاع رئيس الحكومة أن يخطو خطوة جدية في هذا الاتجاه.
لنقارن ما أنفق من ميزانية الدولة في أي منطقة رئاسية وما أنفق في طرابلس حيث نجد أن رئاسة الوزراء لم تكن امتيازا وهي عبارة عن موقع بروتوكولي فقط. وليس هناك فرق بين رئيس الوزارة وأي وزير في مجلس الوزراء سوى بالترتيب البروتوكولي.
وهناك مثال آخر وهو الرئيس صائب سلام. وكلنا نعلم أن «أبا تمام»رجل قوي وهو من بناة لبنان الأوائل وله وزنه السياسي والاجتماعي في لبنان ومع ذلك عندما اقتنع أن قائد الجيش لم يقم بواجبه تجاه بعض الأحداث في بيروت طلب تغييره واستبداله بقائد آخر، لكن رئيس الجمهورية رفض الطلب آنذاك فماذا كانت النتيجة؟ رحل رئيس الوزراء القوي ذو النفوذ الكبير وبقي قائد الجيش. فأي امتياز هذا يجب الحديث عنه. ثم هناك شخص واحد يصبح رئيس وزراء ويتمتع بهذا الامتياز، ولكن ماذا عن مئات الألوف من المحرومين في مختلف المدن والقرى اللبنانية.
* اغتيل في مناطق التواجد السوري عدد من القادة السنيين وفي مقدمتهم مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد. وهذه الحوادث أثارت العديد من التساؤلات حولها فما هي وجهة نظركم في هذه القضية؟
ـ نعم، وقعت اغتيالات في مناطق تواجد القوات السورية، ونعتقد أن أعداء الوفاق الوطني في لبنان وأعداء مسيرة السلم هم وراء هذه الاغتيالات تحركهم بعض أجهزة المخابرات المقيمة في المنطقة الشرقية. إن وقوع مثل هذه الاغتيالات في مناطق التواجد السوري أمر ممكن حدوثه. ففي سوريا مثلا وقعت عشرات حوادث الاغتيالات عامي 1979 و1980. وفي الولايات المتحدة الأميركية اغتيل الرئيس جون كينيدي. وجرت محاولة اغتيال الرئيس ريغان. فوقوع حوادث جرمية في مناطق تواجد القوات السورية أمر ممكن حصوله كما يمكن حصوله في أي بلد من البلدان الأخرى.
* هل هناك إثباتات تؤكد اتهامكم للأجهزة المشار إليها؟
ـ هناك مؤشرات.
* هل ألقي القبض على أحدهم؟ هل هناك أسماء محددة؟
ـ ليست لدي معلومات بهذا الشأن لأنني لا أتابع القضايا الأمنية.
* سؤال أخير، كيف تفسرون دخول عدد من حراس الثورة الإيرانية إلى لبنان؟
ـ أولا، إن عدد هؤلاء لا يزيد عن 400 عنصر. وهم موجودون في لبنان منذ عام 1982 أبان الغزو الإسرائيلي للبنان. وكلنا يعرف أن هناك تنظيمات سياسية في لبنان لها علاقات مع إيران وتتلقى منها المساعدات لعملياتها ضد إسرائيل.
* سؤال آخر أخيراً: هل أعطيتم ضمانات للعماد عون؟
ـ لم نعط ضمانة لأحد. وضمانة كل لبناني هي الوفاق والالتزام به والإقلاع عن الأحلام