عبد الحليم خدّام.. والخيار بين الوطن والنظام.. وبين الكلام والانتحار

الناشر: الراية

الكاتب: خير الله خيرالله

تاريخ نشر المقال: 2006-01-03

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

كانت مفاجأة المفاجآت أن يخرج السيد عبد الحليم خدام عن صمته وأن يذهب بعيداً في مهاجمة النظام السوري الي حدّ جعله يعترف بأن الوطن أهم من النظام.

هل بلغ اليأس من النظام بخداّم حدّ أقدامه علي مثل هذه الخطوة التي لا يقدم عليها عادة سوي الكبار الكبار

لا يمكن اعتبار عبد الحليم خدّام مجرد شخص عادي في سوريا، خصوصاً اذا اخذنا في الاعتبار طبيعة العلاقة التي ربطته بالرئيس الراحل حافظ الأسد الذي لا شك في أنه وضع في العام 1970 الأسس للنظام القائم في سوريا، ذلك النظام الذي ورثه بشّار الأسد وسعي الي المحافظة عليه بطريقته الخاصة التي قد لا تكون لها علاقة بالطريقة التي اعتمدها والده

 في حديثه الطويل الخارج عن المألوف الذي أدلي به الي العربية ، اظهر عبدالحليم خدام  انه يمتلك حدّا أدني من الوفاء للرجال الذين خدموا سوريا وعملوا من أجل اخراجها من المآزق التي مرت بها.

 لم يجد خدّام مفرّاً من أن يقول كلمة حق في رفيق الحريري، ذلك العروبي الأصيل الذي عمل كل ما في وسعه من أجل حماية سوريا في ظروف أقل ما يمكن أن توصف به أنها في غاية الصعوبة.

ولكن أبعد من إعطاء كل ذي حق حقّه وكل شخص حجمه الحقيقي، خصوصاً السيد فاروق الشرع وزير الخارجية الذي يفهم في كل شيء ربما، باستثناء السياسة الخارجية، لجأ عبد الحليم خدّام الي تعرية النظام السوري بصراحة ليس بعدها صراحة.

 لا داعي للعودة الي ما قاله في المقابلة التي يظل أهم ما فيها أنه أكد بما لا يقبل الشك أن الحريري تلقي تهديدات مباشرة من أركان النظام على رأسهم الرئيس بشار الأسد في الأشهر التي سبقت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق وزعيم السنة في لبنان.

 لم يفت نائب الرئيس السوري السابق الذي كان مع العماد حكمت الشهابي رئيس الأركان أقرب الناس الي حافظ الأسد، الإشارة الي البعد السني لعملية اغتيال الحريري. قال ذلك صراحة عندما أشار الي أن من بين مآخذ النظام السوري علي رئيس الوزراء الراحل، سعيه الي تكتيل أهل السنة في لبنان حول شخصه. ولم يفت خدّام لفت النظر في هذا السياق الي أن النظام السوري يغض النظر عن الأحزاب الأخرى في لبنان وكلها أحزاب مذهبية مثل (أمل) أو (حزب الله) وغيرهما، ولا يرى خطأ الاّ في تجمّع أهل السنة وتكتلهم حول الحريري، علماً بأنه كان من الأفضل لو أكد نائب الرئيس السوري السابق أن الحريري لم يسع يوماً الي أن يكون زعيماً سنياً، بل كان حريصاً كل الحرص علي البعدين الوطني والعربي لما كان يقوم به في لبنان وخارج لبنان.

 في كل الأحوال والظروف، يشكل كلام عبد الحليم خدام (أبوجمال) نقطة تحول على ثلاثة صعد أولها تركيبة النظام السوري، وثانيها مجري التحقيق في اغتيال رفيق الحريري والشخصيات اللبنانية الأخرى التي ذهبت ضحية الارهاب في السنة ،2005 وثالثها الغطاء العربي والدولي الذي كان يتمتع به النظام حتي لحظة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق في 14 فبراير 2005.

علي صعيد تركيبة النظام، كشف كلام خدّام للمرة الأولي عمق الأزمة الداخلية في سوريا وكيف أن القرار صار في يد رجل واحد بات أسير المحيطين به من أعضاء الحلقة الضيّقة التي تتمتع بكل أنواع النفوذ وألوانه.

 وكان خدام واضحاً في سعيه الي اجراء مقارنة مع ما كانت عليه الأحوال في عهد حافظ الأسد. ما لم يقله النائب السابق للرئيس السوري الذي كان مسؤولا عن ملف لبنان أنه صحيح أن الاسد الأب كان صاحب القرار النهائي، الاّ أن الصحيح أيضاً أنه لم يكن يتخذ قراره بطريقة انفعالية كما الحال الآن. وبكلام أوضح، يشكل الموقف الذي اتخذه خدام أقوى ضربة توجه الي النظام خصوصاً أنها تأتي بعد أسابيع من انتحار اللواء غازي كنعان الذي كان وزيراً للداخلية ولكنه كان قبل ذلك الحاكم الفعلي للبنان طوال عشرين عاماً. فضّل غازي كنعان الصمت على الكلام الكبير، وفضّل على الأرجح الانتحار بدل الإعلان صراحة عما يجول في خاطره وما عانى منه في السنوات الأخيرة.

 أما خدّام فقد فضّل الكلام على الانتحار، وليس مستبعداً أن يحذو آخرون حذوه والسؤال الكبير يتعلق بما سيفعله العماد حكمت الشهابي الموجود منذ فترة خارج سوريا على صعيد التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري، جاء كلام خدّام ليعزز النظرية القائلة ان التحقيق يسير في اتجاه كشف الحقيقة. والحقيقة تتلخص بكل بساطة بأن الذين اتخذوا قراراً بالتخلص من رئيس الوزراء اللبناني السابق لم يدركوا أنهم لم يرتكبوا مجرد جريمة عادية ستمر علي غرار مرور جرائم أخري في لبنان وغير لبنان. لم يدرك المخططون والمحرضون والمنفذون، بسبب غبائهم أوّلا وروح الإجرام والحقد التي تسيرهم ثانياً، أن العالم تغيّر من جهة وأن رفيق الحريري ليس مجرد شخصية لبنانية يمكن أن تزاح بسهولة وان تستمر الحياة كما لو أن شيئاً لم يكن من جهة أخري.

 لقد ثبُت بعد الكلام الذي قاله عبد الحليم خدام أن اغتيال رفيق الحريري كان زلزالا على الصعيدين اللبناني والسوري وأن هذه المصيبة على خلاف المصائب الأخرى التي تبدأ كبيرة ثم تصغر هي من المصائب التي تبدأ كبيرة ثم تكبر أكثر. انها زلزال بكل معني الكلمة، زلزال أدى، بين ما أدى اليه، الي خروج القوات السورية من لبنان بطريقة أقل ما يمكن أن توصف به أنها غير مشرّفة، طريقة كان يفضل أي عربي ان تكون مختلفة. ولكن ما العمل مع نظام يعتقد أن الغاء الآخر وسيلة من وسائل الحوار

 يبقى الصعيد العربي. ما قاله عبد الحليم خدام يظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن الغطاء العربي رُفع عن النظام السوري. وإذا أردنا أن نكون أكثر تحديداً، أمكن القول أن المملكة العربية السعودية رفعت الغطاء عن نظام كان يعتبر الي ما قبل فترة قصيرة ابنها المدلل. يتبين بعد بث” العربية” لحديث خدام بكل ما فيه من قنابل، أن الخيار السعودي بات واضحاً فيما يتعلق بالذهاب الي النهاية في معرفة من قتل رفيق الحريري ومن قتل شخصيات أخرى في لبنان من باسل فليحان، الي سمير قصير، الي جورج حاوي، الي جبران تويني…

 ان لعبة التوازنات الإقليمية التي كان يتقنها حافظ الأسد صارت جزءاً من الماضي. وهذا ما أدركه عبد الحليم خدام الذي كان يعرف قبل غيره أن سوريا ما كانت لتدخل الي لبنان لولا الغطاءين العربي والدولي. صارت من دون الغطاء الدولي بعد صدور القرار 1559,. وفقدت الغطاء العربي بعد اغتيال رفيق الحريري.

 كشف حديث عبد الحليم خدام كم هي عميقة أزمة النظام السوري. حاول الرجل أحياناً الإبقاء علي شعرة معاوية مع الرئيس بشّار الأسد، لكنه ما لبث أن قطعها، خصوصا عندما قال أن ليس في استطاعة أي جهاز سوري تنفيذ جريمة في حجم اغتيال رفيق الحريري من دون معرفة الرئيس.

 في النهاية ترك أبو جمال القرار النهائي للتحقيق الدولي مدركاً أن الحقيقة ستظهر عاجلاً ام آجلا. اكيد أنه أخذ في الاعتبار ردود فعل النظام بما في ذلك الكلام الذي ردده نواب بدوا كأنهم أتوا من عالم آخر في جلسة مجلس الشعب السوري التي تلت حديثه التلفزيوني. اكتشف هؤلاء النواب فجأة أن هناك فساداً في سوريا. واكتشفوا أن عبد الحليم خدام عنوان لهذا الفساد. انها خطوة الي أمام لعلهم يتبعونها بخطوة أخري تؤدي الي كشف الحقيقة في اغتيال رفيق الحريري والشخصيات الوطنية اللبنانية الأخرى بدل الاستمرار في اللف والدوران هرباً منها. نعم ان الحديث عن الفساد جيد خصوصاً إذا كان هناك من يتجرأ في الذهاب الي أبعد من شخص عبد الحليم خدّام… الي معرفة الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة. كل ما تبقي مناورات لا طائل منها لا تقدم ولا تؤخر وهو ما أدركه عبد الحليم خدّام عندما نفض يديه من النظام وفرّق بينه وبين الوطن واتخذ قراراً بالكلام بدل اللجوء الى الانتحار

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

مقالات حديثة


مذكرات خدام …”رسائل غرام وتهديد” بين ريغان والأسد… أميركا تنسحب من لبنان وإسرائيل تتراجع وسوريا “تستفرد”

2024-10-28

دمشق تطلق سراح الطيار الأميركي وسط جولات مكوكية لرامسفيلد مبعوث البيت الأبيض… وواشنطن تفشل زيارة سرية لحكمت الشهابي   وسط تبادل القصف العسكري الأميركي–السوري في لبنان ومرض الرئيس حافظ الأسد وطموح العقيد رفعت في السلطة وتصاعد الحرب العراقية–الإيرانية، التقى وزير الخارجية السوري عبدالحليم خدام والسفير الأميركي روبرت باغانيللي في دمشق خلال شهر ديسمبر/كانون الأول عام […]

مذكرات خدام …صدام أميركي – سوري في لبنان… ومبعوث ريغان يطلب لقاء رفعت الأسد بعد مرض “السيد الرئيس”

2024-10-27

خدام يهدد سفير واشنطن بـ”الطرد الفوري”… وتبادل القصف السوري-الأميركي   حاول الرئيس رونالد ريغان احتواء الأزمة مع الرئيس حافظ الأسد بعد تفجير “المارينز” والقصف، وأرسل مبعوثه الخاص دونالد رامسفيلد إلى دمشق في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1983. كان رامسفيلد وزيرا سابقا للدفاع في عهد الرئيس جيرالد فورد، قبل أن يعود إلى المنصب نفسه في عهد الرئيس […]

مذكرات خدام …تفجير “المارينز” قبل حوار جنيف اللبناني… وأميركا تتهم إيران بالعمل “خلف خطوط” سوريا

2024-10-26

واشنطن تتهم طهران بالوقوف وراء هجمات بيروت وتنتقد دمشق لـ”تسهيل الدور الإيراني” عاد روبرت ماكفرلين نائب رئيس مكتب الأمن القومي في الولايات المتحدة الأميركيةإلى دمشق في 7 سبتمبر/أيلول، مكررا ما قيل في السابق، عن ضرورة الانسحاب السوري من لبنان بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي. وفي الثاني والعشرين من الشهر نفسه قدم إلى سوريا مجددا وقال إن […]