زعيم “الديمقراطي الكردستاني” يحذر دمشق من أن واشنطن “ستعاقب أي دولة تقف ضدها” ويقول: “أبو عدي لديه مناعة ضد الانقلابات”
في الأول من أبريل/نيسان استقبل بارزاني، وبحضور قياديين من حزبه، وفدا من الخارجية الأميركية، برئاسة مساعد الوزير رايان كروكر السفير السابق في سوريا. وقد جدد الوفد موقف أميركا من نظام صدام، واقترح على بارزاني زيارة واشنطن منتصف الشهر نفسه، بالتزامن مع زيارة لجلال طالباني. وحسب الوثائق، قاما بـ”زيارة سرية سوداء” إلى مقر وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي ايه) الأميركية كي يتم إبلاغهما بقرار تغيير النظام العراقي والبدء للإعداد لهذا الغرض. تلك الزيارة كانت مفصلية، وبالغة السرية، حيث لم يعرف بها سوى عدد قليل، حتى إن جوازات سفرهم لم يتم ختمها
وقبل السفر إلى ألمانيا، توقف بارزاني في دمشق. وفي يوم 4 أبريل 2002، قام خدام باستقبال بارزاني وابنه مسرور في حضور هوشيار زيباري، وآزاد برواري، ورئيس مكتبه الحزب في دمشق غازي الزيباري، وذلك في طريقه إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية لزيارة مقر “وكالة الاستخبارات المركزية” ( سي آي ايه) مع زعيم “الاتحاد الوطني الكردستاني” جلال طالباني. وقال بارزاني: “أتى وفد أميركي إلى منطقتنا برئاسة كروكر الذي كان سفيرا في دمشق، هم ينوون عقد مؤتمر لدراسة مستقبل العراق بعد صدام، ولكن متى وأين؟ لم يقرر. ولكنهم سيدعون قوى عراقية للبحث في مستقبل العراق، وهذه كانت النقطة الأساسية، ويبدو أن لديهم قرارا بتغيير النظام بأي وسيلة ومهما كلف الثمن، وإذا حصلت الضربة فلن نستطيع ردها، وخياراتنا إما أن نقف ضد الولايات المتحدة ونلقى ذات المصير الذي يلقاه صدام، وإما أن نتخلف ونصبح آخر القوى، وإما أن نصبح آلة بأيدي أميركا، وإن حصل النقاش سنبدي آراء متصلبة بالثوابت القومية، كي نقلل الضرر ونحافظ على مصالح الشعب العراقي ووحدته”.
تشاور لتقليل الخسائر
وتابع بارزاني أن زيارته لدمشق ترمي إلى “التشاور حتى تكون الصورة واضحة لنا عندما نتباحث مع الأميركيين: أولا، أن نقف ضد الضربة، لا مصلحة في ذلك. ثانيا، أن نقف متفرجين، لا مصلحة في ذلك. ثالثا، أن نصبح جزءا من آلية التنفيذ، هذا مستحيل. رابعا، سنحاول التقليل من المأساة والأضرار، يصعب أن نتوقع ماذا سيطرحون، ولكن بعودتنا إلى سوريا ستكون الأمور أوضح”.
نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام (إلى اليمين) يستقبل مسعود بارزاني، رئيس الحزب “الديمقراطي الكردستاني” في دمشق، 17 أكتوبر 2004
وعلق خدام: “لا شك أن قرارا بتغيير النظام في العراق لدى الولايات المتحدة مأخوذ منذ عام 1991 ولكن لم ينفذ آنذاك لاعتبارات تتعلق بالخوف من سيطرة حلفاء إيران على الحكم وتسلمها العراق أولا. ثانيا، الولايات المتحدة بعد اجتياح الكويت أخذت تنظر بجدية إلى الأخطار التي تهدد النفط، فاتجهت إلى عقد اتفاقات أمنية مع دول الخليج لتتمكن من بناء وجود عسكري في المنطقة. ثالثا، الحصار والضغوط الاقتصادية والسياسية يمكن أن تُسقط النظام. الآن يتحدث الأميركيون عن خطر النظام العراقي على جيرانه، وهذه الذريعة سقطت بعد المصالحة بين العراق ودول خليجية وتحسن علاقات الحكومة العراقية مع معظم الدول العربية، وخرج قرار القمة العربية في بيروت ضد ضرب العراق. يجب أن يتساءل الأميركيون: هل يأخذون في الاعتبار مواقف الحكومات العربية في قمة بيروت؟ ألا يرون الاحتقان الشعبي ضد سياستهم في المنطقة؟ لا أحد يدافع عن صدام حسين، ونحن عملنا معا لإسقاطه، لكن القلق من الحرب بحد ذاتها، لأن الحرب تخلق مشاكل، منها ما هو متوقع، ومنها غير المتوقع، وستكون أضرارها كبيرة على الشعب العراقي وعلى المنطقة”.
وتابع خدام: “بالنسبة لموضوع المؤتمر، كيف يمكن أن يكون هذا المؤتمر وطنيا ويعقد في بلد أجنبي لتشكيل غطاء لحرب ضد العراق؟ الحرب لن تنال النظام وحده بل ستنال العراق الدولة والشعب، وقد تكون حسابات الأميركيين قائمة على استخدام المطارات الجوية لضرب البنية التحتية والمؤسسات العسكرية والروح المعنوية، واستخدام جبهة تحالف كالجبهة التي استخدمتها في أفغانستان. ولكن في مثل ظروف العراق، من الصعوبة إيجاد مثل هذه الجبهة لأن القوة الوحيدة المنظمة فوق أرض العراق هي القوى الكردية، وهذا لن يكون من مصلحتكم. لا تكرروا وقائع تاريخية دفع فيها الأكراد الثمن، تحالفتم مع الشاه (في إيران) واصطدمتم مع بغداد، تصالحت بغداد وطهران فتحولتم إلى لاجئين في إيران. لجوء الولايات المتحدة لاستخدام القوة في سياساتها الدولية يثير ضدها موجة عداء واسعة وشاملة في العالم”.
حرب نفسية
وفي مساء اليوم ذاته، عقد لقاء آخر بين خدام وبارزاني لمناقشة موقف المعارضة العراقية من قرار أميركا. وقال القيادي الكردي: “سيطرح الأميركيون موضوع المؤتمر المزمع عقده ورأينا فيه متى وكيف؟ وهوشيار (زيباري) طرح عليهم السؤال ذاته وقال لهم: إن هذا المؤتمر الذي ترونه هاما ليس من الضروري أن يكون تحت رعاية أميركية، فليكن مؤتمرا للمعارضة دون وجود هذه البصمة الأميركية، لأن ذلك سيحرجنا، وإذا حضرنا سنحضر محرجين. هذا الموضوع سيكون من المواضيع المهمة، كيف سيعقد المؤتمر وتحت أي غطاء؟ وحتى الآن لم يقرر المكان والزمان، من المتوقع أن المكان سيكون في دولة أوروبية وليس في أميركا، والزمان إما أن يكون في نهاية شهر مايو/أيار أو بداية ووسط شهر يونيو/حزيران، وتوقيته في هذه الفترة يعود إلى أخذ الأميركيين في الاعتبار التعقيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي. الحرب النفسية التي تحدثتم عنها ستصل إلى القمة في تلك الفترة التي تحدثت عنها، مسألة التفتيش، مراجعة مذكرة التفاهم، سيكون في دولة أوروبية في شهر مايو أو يونيو”.
سأل خدام بارزاني: “كيف سيكون جدول أعمال المؤتمر ومن سيضع هذا الجدول؟”. أجاب بارزاني: “الأميركيون يشعرون أن الأوروبيين مترددون، لذلك فهم يحاولون إثارة ملف جرائم النظام بحق شعب العراق، البداية ستكون فتح هذا الملف. سألته (خدام): هل سيضعون في الملف أنهم في يوم حلبجة (ضد أكراد شمال غربي العراق) أعطوا (يقصد الأميركيين) الضوء الأخضر للنظام؟ أجاب: يوجد الكثير من المسائل ستثار، وفيها تأكيد على وقائع وأحداث سابقة، لا يوجد شيء جديد. يريدون عمل إعلان مبادئ عامة عن مستقبل العراق والرؤية المستقبلية وتصور الرفاق الحاضرين عن المستقبل في العراق هل هو ديمقراطي أم تعددي، وعن دور الجيش”.
وفي جدول الأعمال، المقترح أنهم سيشكلون فرق عمل لمواضيع عديدة، مواضيع دستورية، ومواضيع اقتصادية، ومواضيع تتعلق بالتربية والصحة، ودور الجيش في المجتمع، حسب بارزاني. وأضاف: “هذه هي العناوين الموجودة ويتوقعون حضور نحو 300 شخص، وحاليا يوجد تقريبا لجنة تحضيرية في واشنطن وتضم الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وجماعة المؤتمر وفيها بعض العراقيين الموجودين في تركيا وكانوا قد دعوا المجلس الأعلى وبعض الضباط العسكريين، نحن لم نتصل بهم لنعرف من حضر ومن لم يحضر، ولكن هذا هو التخطيط للمؤتمر العام”.
وتابع: “المؤتمر سيبحث هل سيتم تشكيل حكومة انتقالية بديلة أم إن دوره محصور فقط في العلاقات العامة؟ دور المؤتمر سيكون صراحة وحسب تفكيرهم هو عمل مؤتمر (بون-2)، مثل مؤتمر بون بالنسبة لأفغانستان في ظل الحرب حين شكلوا الحكومة الانتقالية على عجل، ويوجد تصور عند بعض الأوساط الأميركية في هذا الاتجاه، وأنا شخصيا لا أتصور أنه سيرتقي إلى هذا المستوى”.
جنود من فرقة المشاة البحرية الأميركية بالقرب من صورة صدام حسين في ملعب ببغداد، 10 أبريل 2003
وأضاف بارزاني: “هل الهدف هو تغيير النظام فقط؟ إذا كان يوجد بديل فمن هو هذا البديل وما هي الصيغة المستقبلية؟ وآلية التغيير هل هي انقلاب عسكري؟ وهذا صعب لأنه يوجد عند أبو عدي (صدام) مناعة من الانقلابات، عنده خبرة لا أعتقد أنها موجودة عند غيره، حتى لو وجد ضابط من الحرس الجمهوري أراد قتل صدام، وأقنعته المخابرات الأميركية بذلك فهو محتاط جدا، حتى أقرب الناس له لا يعرفون أين يقيم، وفيما يختص بمسألة الانقلاب فإن عنده خطوطا دفاعية متعددة، والمعارضة العراقية لا يمكن أن تقوم بهذا الأمر من الناحية العملية”.
وبعد انتهاء اللقاء وعد السيد مسعود بارزاني بالعودة لإطلاعنا على محادثاته في واشنطن.
الأسد يشكك
بعد “الزيارة السوداء” لبارزاني وطالباني مع كبار مساعديهما إلى مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في أبريل/نيسان 2002، توقف الجميع في ألمانيا. وقرروا إطلاع حلفائهما في إيران وسوريا: يذهب طالباني إلى طهران لإطلاعها على الموقف. ويذهب بارزاني إلى دمشق للقاء الأسد وخدام وإطلاعهما على الموقف.
في الثاني من مايو/أيار عام 2002 استقبل خدام بارزاني الذي التقى الأسد. وحسب المحاضر، فإن الأسد شكك كثيرا في جدية القرار الأميركي بتغيير صدام، وحذر ضيوفه كي لا يكونوا مثل “تحالف الشمال” في أفغانستان. وكرر بارزاني أكثر من مرة بطريقة غير مباشرة أن “التغيير قادم وأن الأميركيين حسموا أمرهم”، ردا على قول الأسد بأن “عملية التغيير صعبة ومكلفة” للأميركيين.
وفي محضر لقاء خدام وبارزاني، قال الأخير: “بدأت المباحثات مع الأميركيين في ألمانيا التي وصل إليها جلال (طالباني) أيضا، وكانت اجتماعاتنا تتم أحيانا في وجود جلال وأحيانا من دونه. رتبوا لنا زيارة سريعة غير معلنة لأميركا وطلبوا منا عدم الحديث عنها في الإعلام”.
وقال لخدام: “لنبدأ من مباحثاتنا في ألمانيا: قابلنا الخبراء (الأميركيين) من كل الأجهزة، أبلغونا بوجود قرار أميركي بضرب العراق، وقالوا: هدفنا من هذا اللقاء مشاورتكم في كثير من المسائل وأهمها مستقبل العراق. قالوا: نحن بصدد عقد مؤتمر ونريد أخذ رأيكم كيف يكون؟ وفي رأينا أن يكون مؤتمر خبراء. قلنا لهم: بالنسبة للضربة أنتم تقررونها، نحن لا نستطيع منعكم، والسؤال هو: ما الهدف؟ هل الهدف هو تغيير النظام بتدمير العراق؟ إذا كان الهدف تدمير العراق ومؤسساته فنحن لا نستطيع منعكم، ولكن لا نؤيدكم في هذا بصراحة ووضوح. بالنسبة لتغيير النظام، السؤال الذي يطرح نفسه: من البديل؟ هل ستعتمدون على ضابط يقوم بانقلاب أم إنكم ستفرضون بديلا؟ تأتون بشخص مثل (كرزاي) وتفرضونه علينا؟ أم إنكم ستساعدون الشعب العراقي على الخلاص من هذه المأساة وتتركون له اختيار البديل؟”.
تابع بارزاني: “قالوا (يقصد الأميركيين): هذا يتوقف على مدى تعاونكم، إذا تعاونتم معنا فسوف نساعدكم ونوفر لكم الفرصة لاختيار البديل. قلنا لهم البديل الذي نريده هو القادر على تغيير أحوالنا كعراقيين إلى الأفضل. سمعوا هذه الملاحظات، وقالوا: نحب أن تزورونا في واشنطن لفترة قصيرة، وفعلا ذهبنا”.
الاجتماع المنتظر
في واشنطن عقد الاجتماع السري المنتظر بحضور مسؤولين بينهم نائب مدير “وكالة الاستخبارات الأميركية” (سي آي إيه) ماك لوخلين ومسؤول في مجلس الأمن القومي وين داونينغ وممثل الخارجية السفير رايان كروكر. ابلغ بارزاني خدام: “قالوا إن هذا هو رأي الإدارة الأميركية، رأي الرئيس وإدارته: نحن سنتدخل لإسقاط النظام حتى لو تطلب الأمر دخول قوات أميركية، وتوجد دول من المنطقة ستتعامل معهم. سألت عن الدول التي ستتدخل إلى جانب الأميركيين. أجاب: الأردن، الكويت، تركيا. أكدنا على نقطة التدخل الإقليمي وخاصة تركيا. قلنا لهم هذه مسألة حياتية، يجب أن نكون صرحاء وواضحين: نحن لا نقبل بتدخل تركيا لأن هذا سيؤدي إلى تدمير كل ما بنيناه، وسنقاوم التدخل التركي حتى لو عجزنا عن منعه، ولكننا سنقاومه، حتى إن كلفنا ذلك فقدان كل ما لدينا. هذا الموقف عليه إجماع ولسنا بحاجة إلى الرجوع لرأي أحد”.
خدام: الأميركيون يريدون تغيير النظام وليس لديهم صورة عن عراق المستقبل
بالنسبة للنظام: “قالوا: قرارنا حاسم سنعمل على إسقاط النظام حتى لو اضطررنا للتدخل وحدنا، ومن يقف معنا سيكافأ ومن يقف متفرجا لا علاقة لنا به ولكن لا يتوقع منا شيئا، ومن يقف ضدنا سيتحمل نتيجة تصرفه. هذه رسالة لكم وللقوى العراقية ولدول المنطقة”.
سأل بارزاني عن صورة العراق في المستقبل، فأجابوا: “نريد أن يكون العراق ديمقراطيا موحدا، وقالوا إنهم ضد تقسيم العراق، قلنا لهم إننا ضد تقسيم العراق لأننا سنكون الخاسر الأكبر. والنقطة الأخرى الهامة التي ركزت عليها هي تأكيد أن لا يكون البديل طائفيا، فقالوا نحن نؤيد بديلا ديمقراطيا تعدديا ولكن هذا يتوقف عليكم، وإذا توصلتم لصياغة هذا البديل سنؤيد”.
الرئيس صدام حسين خلال القمة العربية في عمان بالأردن في 11 نوفمبر1987
علق خدام: “لنفترض أنهم ضربوا العراق، إذا أرادوا ضرب العراق لا بد أن يأتوا بجيش، هل سيدخلون الجيش الأميركي؟ وما انعكاسات ذلك في العراق والمنطقة؟”. أجاب مسعود: “إن الأميركيين لا يريدون تكرار تجربة أفغانستان إذ إنهم حاربوا وأسقطوا طالبان ولكن لم يكن لديهم البديل. لا يريدون أن يرتكبوا الخطأ نفسه في العراق، وإذا وصلوا إلى مشارف بغداد دون أن يكون لديهم بديل، مع عدم وجود تصور لدى العراقيين، تصبح المشكلة معقدة، لذلك لا بد من أن تكون الصورة واضحة لهم”.
أين الغطاء؟
علق خدام على حديث بارزاني: “إن الأميركيين يريدون تغيير النظام، فما هي الأسباب؟ هم يريدون تغيير النظام وليس لديهم صورة عن عراق المستقبل، هم يريدون أن تعطيهم بعض فصائل المعارضة صورة عن عراق المستقبل وهؤلاء معظمهم غادر العراق منذ فترة طويلة، ألا يدرك الأميركيون هذا الوضع؟ أم إن لديهم صورة وليس لديهم غطاء للضرب؟”.
أجاب بارزاني: “إن الأميركيين لا يبحثون عن الغطاء، عندما تحدثوا معنا كانوا مستغنين عن الغطاء، قالوا بصراحة نحن سننفذ قرارنا حتى إن لم تقفوا معنا، أنتم أو دول المنطقة، وحتى الأوروبيون. ووصفوا المصالحة الخليجية- العراقية في مؤتمر القمة ببيروت بأنها مسرحية إعلامية”. وأضاف خدام: “سألته: هل طُلب منكم المشاركة؟ أجاب: موضوع المشاركة ودخول قوات عسكرية لم يبحث ونحن لم نعطهم ضوءا أو إشارة”.
وهنا تدخل زيباري، قائلا: “هم يخططون لوضع نظام جديد في المنطقة، ويتصورون أن صدام هو العقدة الأساسية وحجتهم ستكون أسلحة الدمار الشامل، هذه هي النقطة المركزية التي سيعتمدون عليها. ويبدو أن هناك عداء شخصيا بين عائلة بوش وصدام حسين. والنقطة الأخرى اليمين المتشدد في الإدارة الأميركية الذي يرى أن وجود أسلحة الدمار الشامل ووجود هذا النظام يهددان الأمن الإقليمي والعالمي، ويخشون أن تقع هذه الأسلحة في أيدي الإرهابيين أو تضرب بها إسرائيل”.
علق بارزاني: “إسقاط النظام ليس عملية صعبة جدا، لكن الصعب ما بعد النظام، هل سيستقر أم ستنشأ تداعيات خطيرة جدا؟ بالتأكيد ما يأتي بعد سقوط النظام هو الأصعب والأخطر. إن دخلت فرق عسكرية أميركية، ودخلت قوات من تركيا والأردن والكويت، وذهب صدام، ماذا بعد ذلك؟ لذلك نحن جئنا للتشاور معكم قبل ذهابنا، وفي العودة نحتاج إلى أن ننسق ونتشاور معكم لأن الموضوع خطير”.
ثم جرى الحديث عن “الاتفاق بين طالباني والسيد (رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) محمد باقر الحكيم للزحف على بغداد”، و”كان استنتاجنا أن مثل هذا التصور ليس عمليا”. وفي نهاية اللقاء قال بارزاني: “يهمنا مواصلة هذا التشاور، ويكون بصورة مستمرة، كلما حصلنا على معلومات. لا نريد التصرف بشكل يضر شعبنا، بل على العكس نساهم في تخفيف الأضرار. لماذا يقيد الإنسان نفسه بأمر غير مطروح عليه، باب التشاور سهل عندما تحصل تطورات نتناقش في النقاط وكيفية مواجهتها. والشيء المهم هو رد أكبر قدر من الضرر عن العراق، هم يريدون تغيير النظام وضرب العراق، كما ذكرت حضرتك سابقا سيدمر المؤسسات العسكرية والمدنية والجسور والطرقات. من سيدفع ثمن هذا؟”.
وبالمناقشة حول توقيت العمليات العسكرية، قال بارزاني: “إن الحرب قرار متفق عليه بين الإدارة والأمن القومي ووزارتي الدفاع والخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية، لم يعطونا تصورا محوريا وإنما التوجه العام”.
يقول خدام: “شكرت بارزاني على إطلاعي على نتائج زيارته واتفقنا على استمرار التشاور. وبدا واضحا أن الولايات المتحدة حددت وسائل عملها في العراق وأن الإخراج هو الذي كان قيد المناقشة”.
وأضاف خدام: “لفت نظري موقف بارزاني الذي كان مشدودا بين أن يبقى خارج المسرح بسبب علاقاته مع بغداد وما أعلنه لنا ولغيرنا من أنه لن يتورط في الحرب ولن يقبل بعمل يلحق الضرر بالعراق، ولكنه كان أكثر ميلا للبقاء لاعبا على المسرح حتى لا يستأثر غيره بالمسرح كله ويخرج هو من ساحة العمل القيادي الكردي، بالإضافة إلى احتمال أن يحقق أكراد العراق وضعا كانوا يتطلعون إلى تحقيقه، وهو نوع من الاستقلالية تحت مظلة الدولة العراقية، لا سيما بعد المعاناة الطويلة والقاسية التي عاناها الأكراد في مراحل مختلفة من تاريخ العراق وخاصة في ظل نظام صدام حسين”.