تتناول الحلقة الثالثة اختراق إيران للحدود العراقية، ومضمون مداولات وزير الخارجية السعودية الراحل الأمير سعود الفيصل في دمشق، وكذلك فحوى رسالة سعودية نُقلت إلى العاصمة السورية حول تآمر الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي وزعيم “فتح-المجلس الثوري” صبري البنا (أبو نضال) مع ايران لاستهداف منشآت أميركية في السعودية، ورسالة الرئيس الأسد الى الرياض وقوله: “قواتنا في خدمتكم”
في مطلع 1986، تطور الوضع العسكري لصالح إيران، إذ اشتدت هجماتها ضد القوات العراقية ونجحت في اختراق حدود العراق وازداد عدد العسكريين العراقيين الذين استسلموا لقوات طهران، ما أحدث قلقا لدى الكويت ودول خليجية، وترافق ذلك بتوتر في المياه الإقليمية والدولية وتصاعد الغارات على بواخر النفط
وفي 10 فبراير/شباط 1986، وجه وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الأحمد، رسالة إلى وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، هذا نصها
“لا شك أن معاليكم تابعتم معنا أنباء التصعيد الخطير الذي تشهده الجبهة العراقية- الإيرانية، ذلك التصعيد الذي أفرز حتى الآن التطورات المتسارعة التي نجمت عنها أوضاع أثارت لدينا قلقا شديدا بما يمكن أن يؤدي إليه من اختراق لأراض عربية بالقطر العراقي. في الوقت الذي أشير فيه لمعاليكم بما يمكن أن يمثله ذلك من أخطار حقيقية تهدد قطرا عربيا شقيقا وما يمكن أن ينجم عن مثل ذلك التهديد من تعريض الأمن والسلامة لأمتنا العربية لأخطار محققة، أود أن أسترعي اهتمام معاليكم مما سبق وما أعربت عنه الشقيقة سوريا من مواقف قومية تمثلت بتأكيداتكم على قدسية التراب العربي أينما كان وبمعارضتكم لأي اختراق إيراني لأراضٍ عربية. ويهمني هنا أن أتوجه إلى معاليكم من موقع مسؤوليتنا القومية بالتحرك لبذل جهودكم الحثيثة لوضع حد لهذا التصعيد الخطير”
هجوم إيران على البصرة وعزمها احتلالها وتنصيب أنصارها لتقول إن الحرب عراقية- عراقية
وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل
وفي 22 فبراير 1986، استقبل خدام وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، الذي كان في بغداد قبل ذلك، وتركز الحديث حول العلاقات السورية- العراقية والحرب بين العراق وإيران، والوساطة لتحسين العلاقة بين دمشق وبغداد، لأنه “يجب التركيز على الخطر الإيراني المباشر على دول الخليج ودول المنطقة كلها، فهناك احتلال إيراني، وأن الهجوم الأخير على البصرة وعزمهم (الإيرانيين) احتلال جزء من العراق وتنصيب أنصار لهم ليقولوا إن هذه الحرب عراقية- عراقية، فهذا أمر خطير في المنطقة، كما أننا في الحرب لا نستطيع المغامرة، فربما ينهار الوضع في لحظة اختراق، ومعالجة الوضع بعد استفحاله مشكلة بحد ذاتها، حتى لو نجح العراق بحشد قواه العسكرية وجاءته قوات عربية فإن الحرب ستؤدي إلى تفاقم الوضع وتتحول إلى حرب عربية- إيرانية وعندئذٍ أول ما يمكن أن تفعله إسرائيل احتلال الأردن والرجوع إلى سيناء وتحتل ما تريد في لبنان وربما تعتدي على سوريا، وهكذا نكون قد دخلنا في جبهتي حرب”. كانت تلك قراءة الأمير سعود الفيصل للنوايا الإيرانية في عام 1986 وهي تشبه تداعيات الأزمة الحالية اليوم
ثلاث صفحات من وثائق سورية عن لقاء عبد الحليم خدام مع وزير الحرس الثوري الإيراني ولقائه مع الأمير سعود الفيصل، ورسالة وزير الخارجية الكويتي إلى نظيره السوري
وقال الأمير سعود الفيصل للمبعوثين السوريين حينذاك: “إذا كنتم تكرهون صدام فنحن نكرهه أكثر منكم، وأريد أن أؤكد أن سوريا أهم وهي مستقرة في وضعها الداخلي وعلاقاتها الدولية، بعد انتهاء الحرب لن يبقى صدام حسين، نحن نحاول معرفة الحقيقة، هـل نحن واهمون في نظرتنا إلى إيران وأنه من الممكن العمل والاتفاق معهم؟”
وكان تعليق خدام: “هناك مسألتان: الأولى الموقف من إيران. والثانية العلاقات السورية- العراقية. وكلتاهما تؤثر. لو أننا افترضنا اليوم أن سوريا اتخذت موقفا تصادميا مع إيران، ما الإمكانات التي يمكن إضافتها لمعالجة الوضع والتخوفات من إيران؟ هل سيؤدي إلى وقف الحرب وإنهاء التخوفات الموجودة؟ إذا اتخذنا موقفا ضدهم ماذا سيكون تأثيره العملي على إيران؟ وماذا سيكون تأثيره في إزالة قلق إخواننا في الخليج؟”
ويجيب خدام: “إن التصادم مع إيران سيؤدي إلى انهيار العلاقات وإلى إغلاق نافذة يمكن استخدامها في وضع الضرر والحد من الأخطار ومعالجة بعض القضايا الضاغطة”
الأمير سعود سأل عن موقف موسكو. فأجاب خدام: السوفيات لا يريدون هزيمة العراق ولا هزيمة إيران!
وحسب الوثيقة، كان التعليق: “بعد هذه السنوات الست من الحرب العراقية- الإيرانية، لم نعد نستطيع أن نتكلم عن نقطة بدايتها، بل عن الوضع الحالي الذي يهدد العلاقات العربية- الإيرانية، والذي يهدد هذه العلاقات أنهم يريدون أن يحتلوا وأن يغيروا الحكومة العراقية ويأتوا بحكومة بديلة لكي تحكم في العراق. فعلينا أن نتخذ موقفا، وإلا سيتحول الأمر إلى حرب فارسية- عربية. أو ربما يكون العكس- إذا انحسروا هم- بأن يحتل العراق أراضي في إيران، ويتعقد الأمر وتكون الدوافع توسعية عربية، فنصبح في وضع نرغب فيه أن نحرر عربستان أو غيرها، وهذا يمكن أن يحصل، وهو ما نرغب في أن نتجنبه، ليس لدينا نحن أبدا أية دوافع، والوسيلة التي نرغب في أن نصل فيها إلى تجنب هذا الصراع الفارسي- العربي، أن نأتي ونقنع إيران بأن تغير وجهة نظرها بحل سلمي يستجيب لمطامحها الذاتية وكبريائها دون أن يمس الأمر وحدة واستقلال العراق. لذلك نعالج الموقف من منظورهم ومنظوركم، أي إما أن يتغير شيء على المستوى العسكري، وهذا ما نرغب في أن نتجنبه، وإما أن يتغير شيء في المعادلة السياسية”
قلق من احتلال إيران للعراق
وجرى نقاش حول إمكانية تدخل القوات الأجنبية واحتمال تدخل الأميركيين والاتحاد السوفياتي. وسأل الأمير سعود عن الموقف السوفياتي، فأجاب خدام: “السوفيات لا يريدون هزيمة العراق ولا هزيمة إيران، فهم في تقديرهم أنه إذا هزمت إيران سوف ترجع قاعدة أميركية، وإذا انتصرت إيران بما تطرحه من سياسة سوف يشكل لهم هذا الوضع إرباكات سياسية في الجمهوريات الإسلامية من الاتحاد السوفياتي، لذلك أنا أعتقد أنهم بما يعلنون نضعه جانبا، ولكنهم يرتاحون إلى أن لا يتم انتصار، ولكن إذا كان الثمن استمرار الحرب فإنهم ليسوا بهذا التوجه”.
وأضاف خدام: “السوفيات يمدون صدام ويطعمونه لكي لا يموت، وفي الوقت نفسه يمدون الإيرانيين ولا يعطونهم أسلحة مباشرة، بل تقوم بالمهمة دول اشتراكية”
تآمر ثلاثي ضد السعودية
في 27 مارس/آذار 1986، سلم رفيق الحريري خدام رسالة سعودية: “هناك معلومات بأن اتفاقا جرى بين القذافي وأبو نضال والإيرانيين لضرب منشآت أميركية في الكويت والسعودية، وطبعا أنتم (سوريا) لا علاقة لكم بأبو نضال، ويمكن أن يقوم بعمليات. ففي السعودية لا توجد منشآت أميركية، هناك منشآت سعودية يعمل بها أميركيون، وأي ضرب لها يعتبر ضربا للسعودية”
نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام يلتقي رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في دمشق في 18 سبتمبر 2001
الأمر الثاني في الرسالة، كان يتعلق باتصال الرئيس الإيراني علي خامنئي بخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز. وكان الاتصال لأول مرة، و”كان الكلام جيدا جدا وممتازا ورائعا، ومدح السعودية ومواقف السعودية، وامتدح الملك. والملك فهد يعتبر هذه المبادرة الإيرانية نتيجة جهود السيد الرئيس حافظ الأسد، وهو يشكره على ذلك ويعتبر هذا الموضوع تطورا إيجابيا ويؤكد أن السعودية ليست طرفا في المشكلة الإيرانية- العراقية.. السيد الرئيس قال كذا مرة إننا لا يمكن أن نرضى أن تضرب إيران أي بلد عربي وخاصة دول الخليج، كما أكد الرئيس أن أي اعتداء من إيران على الدول العربية هو اعتداء على سوريا، والملك لا شك لديه علم بهذا الكلام، ومتأكد أن سوريا مع السعودية، إذا تعرضت لأي اعتداء من إيران أو غير إيران، والوضع في المنطقة إذا مست إيران أي بلد يعتبرون أنها تمسهم جميعا، أي لن يجعلوها تأكلهم واحدا بعد الآخر”
وكان رد خدام للحريري: “موقفنا واضح وقد أكدناه لكم مرارا”
أجاب الحريري: “هذا الأمر يحتاج إلى تأكيد”. عقب خدام: “سأعرض الأمر على الرئيس”
سياستنا ثابتة تجاه أي عدوان تتعرض له دول الخليج والسعودية، وإيران في الصورة ولن تفاجأ بموقفنا
الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد
يقول خدام في أوراقه إنه بعد عرض اللقاء على الرئيس الأسد، “في نفس اليوم ناقشنا خلفيات طلب التأكيد على الموقف السوري. وطلب الأسد من خدام إبلاغ السعودية الآتي
“1- سياستنا ثابتة تجاه أي عدوان تتعرض له دول الخليج والمملكة العربية السعودية، وإيران في الصورة ولن تفاجأ بموقفنا. مستعدون لإرسال قوات وبالحجم الذي يريـدون وتوضع هذه القوات بأمرة الملك فهد، وإذا نشبت معركة سنرسل الحجم المناسب للمعركة، ونستبعد تورط إيران لأنهم يعرفون موقفنا، ودائما في الأحاديث مع الإيرانيين كنا نؤكد على العلاقات مع السعودية وهي علاقات مميزة، في زيارة وزير الخارجية الأخيرة إلى طهران، من جملة النقاط التي حمله إياها السيد الرئيس، موضوع علاقاتنا المميزة مع السعودية. أعود فأؤكد أن سوريا ثابتة بهذه السياسة، وأرجو إبلاغ ذلك إلى الملك فهد.
2- أما بالنسبة لجماعة أبو نضال، فسنتحدث معهم وبصورة قوية وواضحة وسنقول لهم إن أي شيء ضد السعودية هو ضدنا، وإذا سمعتم أية أخبار أرسلوها لنا
3- فيما يتعلق بسياستكم النفطية، (ردا على تعليق إيراني) قال السيد الرئيس، برأينا حصة السعودية يجب أن لا تترك ولا برميل، ونحن نؤيد سياسة السعودية تجاه موضوع الأسعار، ونرى أن الحفاظ على حصتها في الإنتاج فيه مصلحة للجميع”