خدام يكذّب رئيس “منظمة التحرير” ويقول إن إسرائيل تريد “تحويل المقاومة الفلسطينية من مشكلة لإسرائيل إلى مشكلة لسوريا”
في 7 أغسطس/آب، أرسل رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات أول رسالة إلى الأسد بعد حملات إعلامية وعسكرية بينهما، هذا نصها: “السيد الرئيس حافظ الأسد،
كما تعلمون سيادتكم، بناء على قرارات جدة، جرت بيننا وبين الحكومة اللبنانية مباحثات مكثفة حول خروج القوات الفلسطينية الموجودة في بيروت، وقد أبلغنا خلال هذه المباحثات وكذلك بعد لقاء إخواني في القيادة الفلسطينية مع سيادتكم أن سوريا وافقت على استقبال 1200 مقاتل، بالإضافة إلى القيادات ومكاتبهم، وإننا في ظل هذه الظروف الخطيرة، نرجو من سيادة الرئيس، في حال التوصل مع السلطة اللبنانية إلى اتفاق نهائي أن يتم التعاون مع الإخوة في سوريا في هذا المجال بما يمكننا من حل مشكلة توزيع قواتنا المتفق على خروجها من بيروت، آملين أن تستوعب الشقيقة سوريا أولئك الذين لا يمكنهم أن يقصدوا بلدا آخر ولو بشكل مؤقت إلى أن يتم تأمين الأماكن لهم، ونحن على ثقة أن الروابط القومية بين الثورة الفلسطينية وسوريا الشقيقة ستجعلنا نواجه هذا الظرف بموقف موحد ومسؤولية مشتركة، وإنني لأشكر سيادتكم على هذا الموقف الأخوي الذي عهدناه دوما من الأخ الرئيس حافظ الأسد والشقيقة سوريا منذ انطلاقة ثورتنا”
رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات (يسار) يجتمع مع الرئيس السوري حافظ الأسد في دمشق في 24 نيسان 1988. وهذه كانت الزيارة الأولى لعرفات إلى سوريا منذ عام 1983
ويكتب خدام في أوراقه: “هذه البرقية هي الاتصال الأول الذي يجريه عرفات مع الرئيس الأسد أو مع جهة سوريا بالإضافة إلى أنه حاول ربط مسؤولية الخروج باجتماع اللجنة الوزارية في جدة”
ولدى مناقشة البرقية في القيادة، قرر الأسد تكليف خدام بإبلاغ ممثلي فصائل المقاومة الفلسطينية في دمشق رد القيادة، والذي أبلغه للممثلين في 9 أغسطس 1982 وهذا نصه: “حول رسالة الأخ أبو عمار
1 ـ إنها الرسالة الأولى التي توجه إلى القيادة في سـوريا منذ بدء الأحداث، أي منذ بدء العدوان (الإسرائيلي)
2 ـ لا صحة لما ورد فيها من حيث إن سوريا وافقت على قبول 1200 مقاتل، لقد رفضنا قبول أي مقاتل في كل المناقشات التي دارت معنا، انطلاقا من أن المقاتلين يجب أن يظلوا حيث هم في مواجهة العدو، كما جاء في الإعلان السوري
3 ـ لم نطلع على المفاوضات أو الاتصالات التي كان يجريها أبو عمار بصورة رسمية
أما فيما يتعلق بصلب الموضوع فقد ناقشته القيادة انطلاقا من الاعتبارات التالية
1 ـ أهداف العدوان الإسرائيلي- الأميركي على لبنان لاسيما ما يتعلق بلبنان والثورة الفلسطينية وسوريا، ومن هذه الأهداف
أ- تصفية الثورة وتدجينها وتحويلها إلى مؤسسة تكون مهمتها تصفية القضية الفلسطينية وتغطية الانحرافات القائمة في الوطن العربي
ب- تحويل المقاومة الفلسطينية من مشكلة لإسرائيل إلى مشكلة لسوريا من خلال نقل الوضع القائم في لبنان إلى سوريا وخلق صراعات على الأرض السورية بين سوريا والثورة الفلسطينية، لاسيما أن بعض الأصوات الفلسطينية كانت تشكك في موقف سوريا بينما كانت سوريا تقاتل وقدمت تضحيات بشرية كبيرة بلغت آلاف الإصابات من المقاتلين السوريين وتضحيات مادية كبيرة بلغت المليارات من خبز المواطن السوري في الوقت الذي لم نسمع فيه هذه الأصوات تشير بأي كلمة إلى الدول العربية التي لم تقدم قطرة دعم وبعضها لم يكتف بالصمت بل كان متواطئا مع العدو الإسرائيلي
2 ـ الحرص على الثورة الفلسطينية واستمراريتها كأحد العوامل الأساسية لاستمرار الصراع العربي- الإسرائيلي وذلك منطلق من مسؤولية سوريا تجاه القضية الفلسطينية وحالة النضال الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني وأهمية استمراره في هذا النضال.
مقاتلون فلسطينيون يحملون صور رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات أثناء خروجهم من بيروت في 27 أغسطس 1982
3 ـ الحرص على أن تكون بين سوريا والثورة الفلسطينية علاقات أخوية ونضالية قائمة على أسس واضحة، منها أننا في خندق واحد ولنا قضية واحدة مما يحتم علينا أن تكون لنا استراتيجية واحدة في مواجهة هذا العدو، والصراع التاريخي القائم في المنطقة بيننا وبين الكيان الصهيوني والإمبريالية الأميركية وأعوانها، وكل ذلك يرتب تجنب خطوات أو إجراءات من شأنها خلق مناخ يضعف هذا الارتباط القومي والمصيري بين سوريا والثورة الفلسطينية
ومن هذه الاعتبارات جميعها فإن القيادة توجه لقيادة الثورة الفلسطينية الأسئلة التالية
ـ أولا
أ. ما حجم المقاتلين الذين سيغادرون بيروت؟
ب. ما حجم الذين ليست لهم جهات يتوجهون إليها؟
ج. ما جنسيات هؤلاء المقاتلين جميعا؟
ـ ثانيا: نظرا لأن العدو يحاول أن يجعل من نتائج العدوان مشكلة لسوريا وللثورة الفلسطينية ونظرا إلى الأهمية التاريخية للوضع الراهن ومنعكساته المستقبلية على مجمل الصراع، ونظرا لأهميته وضرورة المحافظة على البعد القومي للصراع، فما هو رأي الإخوان في أن تقوم المنظمة عملا بالمادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية بالدعوة إلى اجتماع طارئ وفوري لوزراء الخارجية لبحث موضوع واحد وهو الخروج من بيروت واتخاذ قرار عربي بتنظيم هذه المسألة بغية اشتراك الجميع في تحمل المسؤولية القومية وانطلاقا من الواجب القومي، لاسيما أنه بعد بيروت ستطرح المسألة بحلقات متتالية للخروج المسلح من لبنان للثورة الفلسطينية، ثم الخروج السياسي ثم الخروج البشري للوجود الفلسطيني من لبنان. إن القيادة تنتظر الإجابة على هذه الأسئلة لتتمكن من اتخاذ القرار الملائم”
ويذكر خدام في وثائقه أنه “في اليوم التالي اجتمعت القيادة القطرية لحزب “البعث” (الحاكم في سوريا)، ودرست الوضع من كل جوانبه بما في ذلك مسألة خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، وتقرر إبلاغ المنظمة أن سوريا ترحب بهم مهما كان العدد، وأنهم سيجدون في سوريا كما كانوا في الماضي الملاذ والسند. وبعد انتهاء اجتماع القيادة، استدعى الرئيس حافظ ممثلي المنظمات وأبلغهم قرار القيادة وكان مفاجأة سارة لهم، فشكروا له وللقيادة وللقطر هذا الموقف القومي والأخوي.
وخلال الحديث تعرض الرئيس الأسد لمسألة الأمن والانضباط، “فأكد عدم إمكانية التساهل في هذه المسائل، وقال: يجب أن يكون واضحا لعرفات، أنا لست الرئيس سركيس، ولا الملك حسين”، في إشارة إلى أحداث “أيلول الأسود” في الأردن التي أدت إلى خروج عرفات ومقاتليه إلى لبنان عام 1970
رسالة ثانية من عرفات
وفي 11 أغسطس تلقى الأسد من ياسر عرفات البرقية التالية: “الأخ الرئيس حافظ الأسد، تحية الثورة والجهاد، وبعد
فقد تسلمت وإخواني قراركم وقرار القيادة القطرية بانتقال جميع إخوانكم المجاهدين في بيروت المحاصرة لمن يرغبون في الذهاب إلى دمشق، بتقدير وارتياح كبيرين، خاصة مع هذه العلاقات الخاصة بين الثورة الفلسطينية وسوريا، تحديدا في هذه الظروف المصيرية الصعبة التي تواجه فيها هذا العدوان الإسرائيلي والمدعوم هذا الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة الأميركية والتي تمده بأسباب جبروته، وقوة عدوانه وتحميه وتغطيه،
إن أمتنا العربيـة تجتاز في هذه الفترة العصيبـة ظروفـا بالغة الدقة والخطورة والتعقيد. وكما هذا العدوان الزاحف أمس، على فلسطين والجولان، واليوم على لبنان، وما لم تتحد جميع قوانا العربية وتتلاحم إرادتنا وتجتمع إمكانياتنا كافة، فإن مستقبل أمتنا العربية سيبقى في هذه الحالة عرضة لهذه الانتهاكات والتعديات والاستباحة”
ويضيف عرفات: “إنني يا سيادة الرئيس أكتب إليك من بيروت الصامدة المحاصرة والتي تصب عليها حمم القذائف جوا وبرا وبحرا، ليلا ونهارا. وإنني لأتوجه إليك يا سيادة الرئيس لتبذل جهدك مع إخوانك القادة العرب لتجمع أمر هذه الأمة أمام هذا الخطر المحدق بها من كل جهة”
ويختم عرفات رسالته بالقول: “أشكركم باسمي وباسم إخواني المجاهدين وباسم منظمة التحرير الفلسطينية وباسم الشعب الفلسطيني على هذه اللفتة الطيبة التي تعودناها منك ومن سوريا الشقيقة. وإنها لثورة حتى النصر”
لم تطفئ هاتان الرسالتان التنافس وعدم الثقة بين الأسد وعرفات، ذلك أن الأخير فضل الخروج إلى تونس عبر البحر بدلا من المرور عبر دمشق بموافقة الرئيس السوري، الذي كرس كل جهد بعد ذلك لاستضافة منافسي وخصوم عرفات في “منظمة التحرير الفلسطينية” وفتح لهم أذرع سوريا ومعسكراتها
خطة الإجلاء… والتعليق السوري
في 12 أغسطس 1982، استقبل خدام العميد سامي الخطيب موفدا من الرئيس اللبناني إلياس سركيس لإطلاعه على نتائج المباحثات مع المبعوث الأميركي فيليب حبيب وتفاصيل اتفاق إخراج عرفات مع سماع تعليقات خدام على كل نقطة
قال الخطيب بحسب ما يروي خدام: “أنا كتبت كل شيء في ورقة وسأقرأ لك محتواها: كلفني فخامة الرئيس سركيس بتقديم تحياته إليكم وإطلاعكم على المراحل التي وصلنا إليها في المفاوضات، مع السيد فيليب حبيب، من أجل إنقاذ بيروت”
خدام: ترى هل تبقى شيء من بيروت؟ والخطيب: قل ماذا تبقى من بيروت لإنقاذه
فسأله خدام: ترى هل تبقى شيء من بيروت؟
الخطيب: “أو قل إن شئت ماذا تبقى من بيروت لإنقاذه؟ لا شك أنكم تعلمون أن مأساة بيروت هي المأساة الإرهابية. والاحتلال والحصار الإسرائيلي الحالي يتمحور كلية حول موضوع خروج المقاومة الفلسطينية قيادة ومقاتلين من بيروت ولبنان، وتعلمون أنه بعد هذا النشاط الطويل توصلنا إلى هيكلية خطة برنامج يكفي أنها قد تنال موافقة الأطراف المعنية، والعمل ما زال مستمرا حتى الساعة لأخذ الموافقة النهائية عليها، وبالتالي الانتقال إلى مرحلة التنفيذ”
والخطة، بحسب ما وردت في وثائق خدام، تعتمد الأسس التالية
“أولاـ إن المقاومة الفلسطينية ومقاتليها في بيروت يغادرونها ولبنان بصورة سلمية إلى مقاصد معدة سلفا لهم أي في برنامج محدد
ثانياـ أن يحافظ على احترام وقف إطلاق النار بصورة حاسمة ونهائية
ثالثاـ تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 516 بشأن القوات الدولية (لدعم عملية الإجلاء)
رابعاـ على كافة القوى العسكرية الموجودة في بيروت (لبنانية- سورية- إسرائيلية) المتابعة الفورية
خامساـ خروج المقاتلين الفلسطينيين وقياداتهم من بيروت ولبنان. والحكومة اللبنانية، وحكومة الولايات المتحدة الأميركية، تضمنان سلامة الخروج وسلامة الفلسطينيين المدنيين الباقين
سادساـ القوة المتعددة الجنسيات: ستؤمن بناء على طلب الحكومة اللبنانية مساعدة للجيش اللبناني وقوى الأمن في تحمل مسؤولياتها الوطنية في عملية تأمين مغادرة الفلسطينيين المقاتلين في بيروت
وتجري الآن الترتيبات لإعداد مجال عمل هذه القوة وتفصيل ترتيبات المغادرة بأدق التفاصيل، حتى عندما يتم الاتفاق النهائي بين الحكومة اللبنانية وباقي الأطراف المعنية ليحدد على ضوئها الفترة الزمنية، وطبعا تحدد الطرق وكيفية سلوكها والتفاصيل التنفيذية
مهمة القوة المتعددة الجنسيات: تأمين مغادرة الفلسطينيين المقاتلين طبقا لبرنامج معد وذلك في مهلة شهر على أقصى تعديل، قابلة للتمديد
سابعاـ على المقاومة مهمة التجمع للمغادرة من بدايتها حتى النهاية
ثامناـ القوات المسلحة اللبنانية وعددها 3500 عسكري مع القوة المتعددة الجنسيات ويصبح مجموع عدد هذه القوات 5000
قصف إسرائيلي على مناطق في غرب بيروت أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، 30 يوليو 1982
تاسعاـ ستؤلف لجنة ارتباط لهذه القوة لتأمين تنفيذ البرنامج المحدد المتفق عليه، بضابط من الجيش اللبناني وضابط من كل قوة مشاركة
تتولى هذه اللجنة عملية الاتصال والتنسيق مع المقاومة الفلسطينية وإسرائيل
عاشرا ـ مدة المغادرة 15 يوما
أحد عشرـ المرور عبر لبنان نهارا دون توقف إلى سوريا، يخلي الجيش الإسرائيلي الطريق عند مرور القوافل مؤقتا، وكذلك الأطراف المسلحة الأخرى
اثنا عشرـ السلاح، حيث يسمح للمقاومة الفلسطينية باصطحاب السلاح الفردي مع ذخيرته، وتترك الأسلحة الثقيلة حاليا التي لدى المقاومة لدى الجيش اللبناني إلى أن تأتي المعلومات المفصلة من أماكن وجود هذه الأسلحة وعددها
ثلاثة عشرـ يمكن للجيش اللبناني الاستعانة بالقوة المتعددة الجنسيات لتأمين هذا العتاد
أربعة عشرـ يزود الفلسطينيون الجيش اللبناني بكافة المعلومات عن الألغام وأماكنها
خمسة عشرـ القيادات الفلسطينية: تتخذ التدابير اللازمة كي تغادر القيادات بصورة نسبية مع كل قافلة في جميع مراحل المغادرة، والمقصود بذلك القيادات السياسية والعسكرية
ستة عشرـ السجناء
أ. يسلم الفلسطينيون بواسطة الجيش اللبناني للإسرائيليين كل السجناء الموجودين لديهم (من أي جنسية كانوا) وكذلك المخلفات والمعلومات عن السجناء الذين قضوا نحبهم، وذلك وفقا لتدابير يتفق عليها مع الصليب الأحمر الدولي”
فقاطع خدام الخطيب متسائلا: “هناك فرق، سجناء أم أسرى؟”
أجاب الخطيب متابعا: “مكتوب سجناء، والخطة ها هي أمامي”
ويتابع
“ب. بالنسبة لقوات الردع في لبنان: هو موضوع منفصل عن قصة الفلسطينيين، ويبحث بين حكومتي دمشق وبيروت على حدة، لأنه في إمكان الرئيس سركيس بالاتفاق معكم طلب استعادة نشر قوات الردع العربية الموجودة في بيروت الآن في أماكن أخرى في لبنان آنفا بالنسبة لموضوع الحرب. ومن هذا المنطلق يظهر الحرص على إنقاذ بيروت، يرى الحكم في لبنان أنه آن الأوان لترتيب هذه الخطة. وعلى هذا الأساس نتمنى التجاوب معنا من قبل فخامة الرئيس لإعطاء التوجيهات اللازمة من الآن في كيفية التنفيذ، علما أن البرنامج الإنقاذي هو مفصل سابقا، بين المقاومة والمبعوث الأميركي والحكومة اللبنانية، وسيحاول الحكم التأثير لإعادة الاهتمام بقوات الردع السورية إلى أقصى حد ممكن ضمن المهلة الزمنية للبرنامج الإنقاذي إياه.
ـ الانسحاب الإسرائيلي: سيبقى القصر مستمرا في العمل لتأمين الانسحاب الإسرائيلي من حول بيروت ومن ثم من كل لبنان والإصرار على تطبيق القرارين 508 و509 الصادرين عن مجلس الأمن الدولي”
سأل خدام: “ليس لديكم التزام بانسحاب إسرائيلي أبدا؟”
أجاب الخطيب: “ليست لدينا أي ضمانة، نحن نعتقد أن كل ما نعمل له سوف يساعدنا على سحب الإسرائيليين من بيروت، ثم من لبنان”
خدام: “والأميركيون، ألم يقولوا شيئا لكم؟”
الخطيب: “لم يقولوا لنا شيئا، لكن الوضع الأميركي واقف”
وتابع العميد الخطيب قائلا
“القسم الرابع: بيان السيادة اللبنانية. رفع كامل الأسلحة عن جميع الأراضي اللبنانية لكنه شامل وموسع لعائلات الفلسطينيين”
خدام: “نحن لن نستقبل عائلاتهم لأن هذا تهجير للفلسطينيين، على الأقل في الظروف الراهنة، نحن نستقبل قياداتهم في سوريا”
الخطيب: “والبند المتعلق بالقوات السورية”
خدام: “عندما تقررون شيئا… المطلوب قرار للتنفيذ الآن”
الخطيب: “منذ شهرين ونصف وشارون يدمر بيروت ولا أحد قادر على أن يفعل شيئا”
خدام: “ما موقف الكتائب؟”
الخطيب: “شارون سيأتي إليهم بسعد حداد (قائد جيش لبنان الجنوبي)”
خدام: “إذن هو انتشار الإسرائيليين في مناطقهم”
الخطيب: “وصلوا الآن إلى جبيل، الطيران اليوم في بيروت يقصف إحدى عشرة ساعة، وثلاث بوارج ونحو خمس عشرة بطارية مدفع، وسأروي لك ماذا حدث بعد قليل، ولكن هناك بعض التفاصيل حول القوة الفرنسية هل تدخل أم لا، أم يدخل الجيش اللبناني أولا؟ الإسرائيليون يقولون لا، يدخل الجيش اللبناني، ولا يزال شارون معلقا على هذه النقطة، الباقي تقريبا 80 في المئة لا بأس، وبخاصة بعد أن ظهرت إيجابيات من البلدان العربية، لكن سألت الرئيس سركيس، فقال: أكد لأبي جمال (خدام) بالنسبة لموضوع جيش التحرير في بيروت إن كان أمرا قد طرأ على البرنامج”
خدام: “لا شيء بالنسبة للبرنامج؟”
الخطيب: “فقط هذا، وطلب مني الذهاب بأسرع وقت ممكن، ماذا نفعل لا يوجد اتصال. لقد حدث في بدء حصار بيروت أن خرجت وفوجئت بحاجز إسرائيلي وكنت أقود سيارة الرانج روفر ومعي عسكري، مع ملازم أول هو صهري- زوج أختي- والأستاذ عبد الكريم، وكنت في الشرقية (شرق بيروت)، سألني عسكري إسرائيلي وقال لي: شرّف. قائلا: من أين أنت قادم؟ قلت: من منطقة بيروت. فقال: أين أنت ذاهب؟ فقلت له: من أنت لتوقفني؟
فإذا به ملازم أول، فقلت له: أنني موفد من فخامة الرئيس لأمر ما، أنا مكلف من قبل فخامة الرئيس بمهمة رسمية
فقال لي: أي اتصال بين الحكومة اللبنانية بإذن منا حتى ولو كان هذا الاتصال عن طريق العميد سامي الخطيب؟ فقلت له: نحن عرب، هذا كلام مرفوض. كنت أتكلم هاتفيا في الحاجز، وأردت أن أتكلم مع فخامة الرئيس، فالاتصال يجري عادة عن طريق (مدير المخابرات) جوني عبده. تكلمت معه بشأن الموضوع بعد ذلك وكنت أود أن أتكلم هاتفيا
فقال: ممنوع
قلت له: أريد أن أتكلم مع المسؤول، فقال: أنا المسؤول
وهنا وصل كولونيل في الجيش الإسرائيلي، فقال: ما الأمر؟ قلت له: اسمي، فقال: أنت سامي الخطيب؟ قلت: نعم
قال: قائد قوات الردع العربية؟ قلت: نعم ومكلف بمهمة إلى الشام
تكلم مع فيليب حبيب الذي تكلم معي حبيب، فذكرت له ما جرى معي، فقال: إن شئت اقعد في بيتك ريثما نرى مايحصل
رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات يظهر في هذه الصورة الأرشيفية بتاريخ 30 أغسطس 1982 في بيروت، محاطًا بإجراءات أمنية مشددة أثناء مغادرته المدينة إلى تونس
وإذا بفيليب حيب يتصل بي ويقول: القصة انتهت تفضل. وتكلمت مع سفيرنا في تل أبيب، فقلت له: هل أمشي الآن أم أنتظر حتى يصل الأمر؟ فقال تحرك فورا، فركبت السيارة ووصلت إلى الحاجز، فقال: ألم نقل لك ممنوع؟ قلت: جاءت الأوامر بالسماح لي. فقال: ممنوع أن تمر من هنا.
وذهبت إلى بيتي وتكلمت مع الرئيس، فقال لي: اذهب من طريق آخر. قلت: ليس لائقا بنا هذا، شارون جعل نفسه حاكما ويريد أن يدمر بيروت والمقاومة لكي يجعل نفسه ملك إسرائيل.
وكان القصف شديدا وقطع فيليب اجتماعاته، ولم يعد يستطيع المتابعة، وبعد الظهر الساعة الرابعة اتصلت بالرئيس وقلت له: أنا سأخرج مع ضابط ارتباط إسرائيلي اسمه كولونيل عودي وننتظر فيليب حبيب على الحاجز، وجاء ضابط الارتباط وسرت”
خدام: “لا بأس، وما هي المظاهر التي لحقت بالقضية للآن؟
الخطيب: “المظاهر، نرى السيارات المدنية في عالية وبحمدون”
خدام: “المواطن العادي كيف هو أمره؟ ماذا يفعل؟”
الخطيب: “المواطن العادي مغلوب على أمره، وبدأ الملل من هذه الحياة”
خدام: “انتخابات الرئاسة ما أخبارها؟”
الخطيب: “حددوا يوم 23 أغسطس جلسة لانتخاب الرئيس، والنصاب لا يكون مشترطا فيها”
خدام: “إذا أصبح بشير (الجميل) أفندي رئيسا للجمهورية، كيف سيقود؟ كيف سيحكم في ظل الاحتلال وما بعده؟ لأن بشير كان يقول للناس كيف ستتم الانتخابات في ظل الاحتلال السوري، ترى الآن ما قوله في انتخابات تجري تحت نير الاحتلال الإسرائيلي”
بالفعل، أصبح الجميل رئيسا في 23 أغسطس قبل أن يقتل في 14 سبتمبر/أيلول من العام نفسه، ليذهب كرسي الرئاسة إلى شقيقه أمين الجميل في 22 سبتمبر
يضيف الخطيب: “ثم بدأوا في المخدرات والحشيش والسرقة ونهبوا القيادة لدي، وسرقوا حذاء للعقيد، وهجموا على المنطقة الحرة ونهبوا ما فيها تماما، نظفوها ودخلوا إلى سوبر ماركت وأخذوا كل شيء في بعبدا، جماعة سعد حداد يشتمون بشير، ثم إن الإسرائيليين دخلوا إلى منطقة سعد حداد، الآن جماعة بشير وضعوا في الكحالة لافتة كتبوا عليها آخر حاجز للقوات اللبنانية، أنا رأيت اللافتة بعيني”
خدام: “ربما على أساس أن الإسرائيليين كانوا سيتراجعون عن بيروت عشرة كيلومترات”
الخطيب: “طبعا، هذا ما يريدون أن يلاحقوا حبيب من أجله، وبأن ينتشر الجيش اللبناني معهم ومع القوات المتعددة الجنسيات خارج بيروت، وحتى يصلوا إلى الأربعين كيلومترا، ويبدأ الجيش الإسرائيلي بالقصف”
خدام: “ماذا سيجري للحركة الوطنية؟”
أجاب الخطيب: “الحركة الوطنية لا أحد يقول عنها شيئا”
خدام: “غدا العماد حكمت (الشهابي رئيس الأركان في الجيش السوري) يعلمني بالأمر، وصباحا في التاسعة أعلمك”
الخطيب: “ليتك تعرف ما آل إليه حال اللبنانيين، دمار وذل وسرقة وأحرقوا لنا البيوت والسيارات والتاكسي، وقاموا بترويج الحشيش وبيع مواد، وأصبح العسكري الإسرائيلي يشتري بالشيكل، وذكر لي النقيب عجلون أن محمد الطويل كان سيأتي معي اليوم مرافقا فقال لي محمد العلي إنهم كانوا في جبيل الساعة الثالثة صباحا إذ جاءته قذيفة ودخلت في بطن محمد وأخذ يصرخ مثل النساء ويولول، فقد أصابته شظية في بطنه وخرجت أقسام من أمعائه وأوصلوه إلى المستشفى”
خدام: “بشأن معركة بحمدون ومعركة من ذهبوا من الشوف باتجاه زحلة، يقول أحد الضباط من القادة الإسرائيليين: تقدمنا بلواء دبابات وفي الطريق أطلق علينا أحد المقاتلين قذيفة صاروخ “آر بي جي”، فلم يصب شيئا، وبعد قليل فوجئنا بوجود كتيبة فاشتبكنا معها وأوقفت تقدمنا ثم فوجئنا بأن السوريين يطلقون النار علينا على بُعد أربعة أمتار، والسوريون أو الجندي السوري مقاتل ممتاز يحسن استخدام السلاح بشكل جيد، أي وصف وصفا ممتازا وذكر كم ضابط قتل لديهم وكم جندي”
الخطيب: “الآن يا أبا جمال لم تعد تعرف الشوارع، كله دمار، وبيروت لم تعد بيروت”