ثانياا: موقف عبد الحليم خدام من تحولات الصراع العربي الإسرائيلي 1973 – 1974
كان من اهم القرارات التي اتخذها مؤتمر القمة العربي الذي عقد في 26 تشرين الثاني 1973في الجزائر بأنه يجب ان تكون منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في مؤتمر السلام الذي تقرر عقده في جنيف ,اذ وجهت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي بعد انعقاد مؤتمر القمة العربي في 27 تشرين الثاني 1973 دعوة إلى كل من مصر وسورية والأردن والكيان الصهيوني للاشتراك في مؤتمر السلام الذي تقرر عقده في 21 كانون الأول 1973في جنيف وكانت الدعوة تستند إلى قرار 338 .
وفي ضوء ذلك بدأ كيسنجر يتنقل بين الدول العربية المعنية بالصراع مع إسرائيل من أجل تأييد عقد المؤتمر من أجل أقناعها في المشاركة في المؤتمر ففي 7 كانون الأول توجه الى دمشق والتقى لأول مرة بالرئيس حافظ الأسد محاولة منه للحصول على موافقة سورية على حضور المؤتمر وبعد مباحثات أستمرت ست ساعات أصر فيها الرئيس السوري على ضرورة مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية كطرف رئيسي وعلى قدم المساواة مع بقية أطراف النزاع ولابد من الانسحاب الكامل من أراضي الجولان في حين أن كسينجر قد اكد على مؤتمر السلام دون النظر الى مطالب الرئيس الاسد
وفي 8 كانون الاول 1974اعلنت سورية رفضها حضور المؤتمر في حالة اعتبار موضوع الافراج عن اسرى الحرب جزءا من اتفاق وقف اطلاق النار، لان سورية لم تبحث هذا الموضوع الا في اطار خطة انسحاب إسرائيل الكامل من الاراضي المحتلة ولن يكون هذا الموضوع قابلا للبحث على أية جهة كموضوع منفصل عن خطة الانسحاب بالكامل من الاراضي العربية .
وفي السياق نفسه أعلن عبد الحليم خدام امام الوفد البرلماني الفرنسي الذي زار دمشق في 11كانون الاول 1974ان سورية لن تشترك في مؤتمر السلام الدولي إلا اذا مثلت فيه دول أوربا وأفريقيا ولم يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي اللذان يجعلان الأمور تسير لصالحهما .
ومن جهة اخرى زار كيسنجر إسرائيل للتشاور معها حول عقد مؤتمر جنيف، وكانت القيادة الإسرائيلية قد وضعت شروطاً لاشتراكهم في مؤتمر جنيف، أولها انه يجب ان لا يكون تحت اشراف الامم المتحدة، وثانيهما عدم استعدادهم للجلوس مع السوريين في مكان واحد، ناهيك عن عدم اشتراك الفلسطينيين في المؤتمر.
تمكن كيسنجر من اقناع إسرائيل حضور المؤتمر بعد ان اقنعهم بسحب الشرط الاول لان اشراف الامم المتحدة هو شكلي فقط، اما الشرط الثاني فلا ضرورة له لان السوريين غير راغبين اصلا في حضور المؤتمر، وبالنسبة للشرط الثالث فقد أكد لهم بأن الفلسطينيين غير مدعوين للمؤتمر.
امام هذا أصدرت سورية بيانا في 17 كانون الأول 1973 أعلنت فيه رفضها حضور مؤتمر جنيف معللة ذلك بان منظمة التحرير الفلسطينية صاحبة الشأن لم تدعى لحضور المؤتمر وبذلك تكون مقررات المؤتمر لصالح إسرائيل على حساب المصالح العربية .
وزيادة على ذلك توجه عبد الحليم خدام في جوله إلى الدول العربية في 20 كانون الأول 1973 ونقل على اثرها رسائل موجهه من الرئيس حافظ الأسد الى اشقاءه العرب تتعلق بالوضع الراهن في المنطقة العربية مبررا فيها أسباب رفض بلادة الاشتراك في مؤتمر جنيف مؤكدا موقف سوريه المبدئي من العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي العربية وشرعية كفاح الشعب الفلسطيني .
ويبدو ان سورية كانت تدرك ان الولايات المتحدة ارادت ان تجعل من المؤتمر واجهه رسمية تخفي وراءها مشاريعها المبيتة, والالتفاف على قراراتها بخصوص القضية الفلسطينية مما يفسح المجال لتنفيذ إسرائيل لسياستها العدوانية وفرض هيمنتها في المنطقة.
وهكذا عقد مؤتمر جنيف في 21 كانون الأول 1973 من دون مشاركة سورية ومنظمة التحرير , بقصر الامم بجنيف بمشاركة من وزراء خارجية مصر والأردن وإسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي فيه ,وفي نفس اليوم الذي انعقد فيه المؤتمر أعلنت الحكومة السورية في بيان لها ان سورية مستعدة للمشاركة في أي جهد لتنفيذ قرار مجلس الأمن 338 الذي ينص على وقف أطلاق النار والبدء في محادثات السلام وتنفيذ القرار 242 .
أختتم المؤتمر أعماله في 22 كانون الأول 1973 دون أي إشارة إلى حقوق الشعب الفلسطيني فقد أخفق في تحقيق النتائج المطلوبة , ونظرا للموقف المبدئي والثابت الذي اتخذته القيادة السورية لجأت الدبلوماسية الامريكية إلى تركيز جهدها وقواها على الجبهة المصرية من اجل التوصل إلى عقد اتفاق جديد لفصل القوات في سيناء .
ازاء هذه التطورات توجه عبد الحليم خدام في 7كانون الثاني 1974في جولة إلى دول الخليج العربي شملت )ابو ظبي ,مسقط , قطر, عمان ,الكويت اكد خلالها اهمية دعم صمود سوريه وشرح سبب رفضها حضور مؤتمر جنيف لكونه لا يشير إلى أمكانية تحقيق اي من المطالب السورية في حين استبعد خدام اي دوله من دول المواجهة في حل جزئي ,واكد على ضرورة ان يتم فصل القوات كمرحلة أولى من الانسحاب في وقت واحد على الجبهتين المصرية والسورية معتبراً تحقيق الفصل على جبهة واحدة إخراجاً لها وانفراد قوات العدو في الجبهة الأخرى .
وعلى غرار ذلك حققت الولايات المتحدة مسعاها وفق ما تبنته من دبلوماسية في مؤتمر جنيف فتم عقد اتفاق مصري اسرائيلي في 18 كانون الثاني 1974 اتفاقية الكيلو متر , على طريق القاهرة السويس الذي تم الاتفاق فيه على وقف أطلاق النار بين مصر واسرائيل في البر والبحر وإجراء عملية فصل القوات العسكرية .
نددت القيادة السورية بالاتفاقية المصرية الإسرائيلية وذلك على اساس انها تسوية منفردة ، فقد اسهمت في اضعاف الموقف العربي وادت إلى تجميد القتال على الجبهة المصرية وإلى مضاعفة الخطر الإسرائيلي على الجبهة السورية، ازاء ذلك زار الرئيس حافظ الأسد موسكو في 19 كانون الثاني1974
لمواجهة التطورات التي قد تحدث على الجبهة السورية بعد الاتفاق المصري – الإسرائيلي ,فأبدى الرئيس الأسد للمسؤولين السوفييت تخوفه من قيام إسرائيل بعدوان على سورية
بعد الاتفاق مع مصر , معلنا أن سورية تقبل بالاتفاق المصري الإسرائيلي أذ كان مرحلة أولى للانسحاب الإسرائيلي الكامل عن الاراضي العربية ولضمان حقوق شعب فلسطين , كما ناقش مسألة الضمانات السوفيتية من أجل تأمين انسحاب ( إسرائيلي) من الجولان .
وفي السياق نفسه صرح عبدالحليم خدام أثناء مباحثاته مع وزير الخارجية الامريكي هنري كيسنجر الذي زار دمشق في 20 كانون الثاني 1974 قائلاً: (( أن سورية لن تكن ضد اتفاق فك الارتباط في سيناء لكنها تعتبر أن فك الارتباط في سيناء يجب أن يرتبط بمثله على الجبهة السورية )) , موضحاً بأن مصر وسورية تضامنتا في الحرب , ويجب أن يستمر هذا التضامن في نطاق المعركة السياسية .
وبذلك كان موقف عبدالحليم خدام من المفاوضات الجارية بين مصر وسورية من جهة ( وإسرائيل ) من جهة أخرى اتصف برفض التوصل الى حل جزئي منفرد بين دول المواجهة وبين إسرائيل في حربهما ,وكان يرى لابد من الاستمرار في القتال حتى يتم تحرير جميع الاراضي العربية المحتلة وفي حالة التوصل الى حل لابد ان يكون حل شامل تشترك فيه سورية ومصر.
لقد حاولت الدبلوماسية الأمريكية التوصل الى عقد اتفاق مماثل للاتفاق المصري (الإسرائيلي) على الجبهة السورية ,إذ أستعان وزير الخارجية الامريكي كيسنجر بالرئيس أنور السادات ليضغط على الرئيس حافظ الأسد بالموافقة على عقد اتفاقية مع إسرائيل لأجل السلام بينهما , فقد كانت الولايات المتحدة راغبة في استقرار الوضع في الجولان من أجل رفع الحظر عن النفط العربي المصدر اليها لذلك بذلت الجهود من أجل عقد اتفاق فصل القوات على الجبهة السورية .
وقبل ان تدخل سوريه في مفاوضات بشأن عقد اتفاق فك الاشتباك مع اسرائيل اخذت تعمل دبلوماسيا لتعزيز موقفها للحصول على تأييد ودعم عربي ,فقد ارسلت في 24كانون الثاني 1974اللواء حكمت الشهابي لمناقشة التطورات الأخيرة مع الرئيس الجزائري هواري بوميدين كما ارسلت مندوبين الى العراق للغرض نفسه .
اما على الصعيد الداخلي عقد مؤتمر قطري مصغر لحزب البعث في 28 كانون الثاني 1974برئاسة الرئيس حافظ الاسد وعبد الحليم خدام لمناقشة موضوع فصل القوات على الجبهة المصرية وأثاره على ساحة الحرب ,كما فسر المجتمعون ان الاشتباكات الأخيرة التي جرت على جبهة الجولان بين القوات السورية والإسرائيلية بعد عقد اتفاق فصل القوات المصري الإسرائيلي ماهي الا وسيلة للضغط على سوريه لعقد اتفاق فض الاشتباك على الجبهة السورية .
لذلك دخلت مسالة فك الارتباط على جبهة الجولان مرحلتها الدقيقة في شهر شباط ,حيث انعقد مؤتمر رباعي لرؤساء كل من مصر والسعودية والكويت في الجزائر في 13 شباط 1974 وتم الاتفاق فيه على رفع حظر النفط في حال إنجاز فك الارتباط على جبهة الجولان , كما ناقش المجتمعون اهمية تنفيذ قرارات قمة الجزائر لعام 1973 وبناء على ما تم مباحثته بعث المؤتمر بمندوبين عنه لمباحثة الولايات المتحدة ودول اوربا في تحريك مسألة فك الارتباط على جبهة الجولان تزامنا مع ذلك زار وزيرالخارجية السوفيتي أندرية جروميكو
في 28 شباط 1974دمشق فألتقى بالرئيس حافظ الأسد وعبد الحليم خدام وتباحث معهما في آخر
التطورات فيما يخص موضوع فصل القوات في منطقة الجولان وتأكيد أهمية مشاركة السوفييت وضمانها أي تسوية تتم بمبادرة أمريكية وفي نهاية المباحثات أصدر بيان مشترك أكد فيه الجانبين مطالبتهما بانسحاب( إسرائيل ) من جميع الاراضي المحتلة وبضمان حقوق شعب فلسطين وبضرورة ربط مسألة فك الارتباط في الجولان بجدول زمني لانسحاب إسرائيل من كامل الاراضي المحتلة وضرورة مشاركة الاتحاد السوفييتي في الجهود المبذولة من أجل التوصل الى حل في المنطقة ,وأكد وزير الخارجية السوفيتي ان فصل القوات بالنسبة إلى السوفيات هو أقل المسائل أهمية وسيأتي السوفيات بوزنهم لبحث الموضوع الفلسطيني أو ما يسمونه واجب إسرائيل في إعادة حقوق الشعب الفلسطيني
وفقا للتطورات الجارية وما اقره المؤتمرون في الجزائر , فقد أعلن الرئيس نيكسون في 7 آذار 1974في مؤتمر صحفي عقده في واشنطن استعداد كل من سورية ) وإسرائيل ( لإرسال ممثلين الى واشنطن , للتباحث في فك الارتباط واستعداد الولايات المتحدة الأمريكية لاستخدام كل الوسائل للوصول الى الاتفاق .
امام ذلك اعلن عبد الحليم خدام ان سورية تعتبر انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة والاعتراف بالحقوق الوطنية لشعب فلسطين شرطاً مسبقاً لأي أتفاق يستهدف فصل القوات على جبهة الجولان , كما صرح الرئيس حافظ الأسد في 8 آذار 1974 ان سورية مع قرار 242 الذي أكد تحرير ما أحتل سنة 1967 واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني لأن فلسطين ليس جزء من الوطن العربي وإنما هي الجزء الأساس من جنوب سورية .
رافق تلك التطورات اعلان وزراء العرب في فينا رفع حظر تصدير النفط الى الولايات المتحدة في 18 آذار 1974فعارضت سوريه وليبيا القرار ,اذ عبر عبد الحليم خدام عن ذلك الرفض في مؤتمر صحفي عقده في تونس في 27آذار من العام نفسه, حمل مصر مسؤولية ترك سوريه معزولة امام العدو المشترك ,ثم اكد ضرورة تنفيذ قرارات الجزائر واشار الى استعداد سوريه لعقد فك الارتباط على جبهة الجولان في حال ضمان انسحاب اسرائيل من القنيطرة عاصمة الجولان ,واكد على معارضة سوريه لرفع حضر تصدير النفط الى الولايات المتحدة قبل تنازل اسرائيل واستعدادها للانسحاب من الاراضي المحتلة واعترافها بحقوق شعب فلسطين .
وفي 8 نيسان 1974 زار وزير الخارجية الامريكي كيسنجر دمشق محاوله منه لدفع سوريه للتفاوض المباشر مع إسرائيل فالتقى بالرئيس حافظ الأسد ووزير خارجيته عبد الحليم خدام اللذان اوضحا ان الموقف السوري مصراَ على ضرورة انسحاب اسرائيل من القنيطرة ,وعلى ان تتعهد بالانسحاب من كل الاراضي بحسب جدول زمني, فاخبرهما كيسنجر ان اسرائيل مستعده للانسحاب من القنيطرة لكنها متمسكة بثلاثة مواقع استراتيجية في التلال في الجولان .
و مع بداية شهر آيار بدأت المرحلة الأخيرة في المفاوضات لفك الارتباط اذ عاد كيسنجر إلى دمشق واستمر في مفاوضاته مع الرئيس حافظ الأسد ووزير خارجيته عبد الحليم خدام في جولته الخامسة في المنطقة في 3ايار1974 التي بقي فيها 23 يوما , يتنقل فيها بين سوريه واسرائيل حتى تمكن من التوصل إلى موافقه سورية على عقد اتفاقية فصل القوات بين سوريه وإسرائيل على جبهة
الجولان , اذ شارك عبد الحليم خدام في مفاوضات الاتفاقية التي وقعت في 28ايار 1974 , التي جرى توقيعها في قصر الأمم المتحدة في جنيف و جرى تبادل الاسرى في اليوم نفسه ,وقد انجز تنفيذ الاتفاقية في أربع مراحل كان اخرها 26 حزيران 1974، والتي تم على اثرها انسحاب إسرائيل من احدى وعشرين موقعا محصنا في الجولان جميعها وراء الخط البنفسجي اي خط وقف اطلاق النار قـبـل حـرب 1973 .
ومما تجدر الإشارة اليه ان سورية تمسكت خلال مفاوضاتها لعقد فك الارتباط على جبهة الجولان، بحقوق الشعب الفلسطيني، وبضرورة انسحاب إسرائيلي من الاراضي الفلسطينية المحتلة ، فكشفت رحلات كيسنجر من سورية واليها له انه امام الرئيس حافظ الاسد الرجل المتزن الذي يعرف ما يريد ويحاول الوصول اليه وهذا جعله محط اهتمام مائدة الضوء الاعلامية في العالم يشاركه وزير خارجيته عبد الحليم خدام بنفس الاهداف ويعد محطة افكاره ويمثله في المؤتمرات والقمم التي تعد صيحاته فيها مسايره لما يريده الرئيس الاسد فكان الاسد وخدام يتعاملان مع حكومة الولايات المتحدة تعامل الند للند رافضا التفاوض مع إسرائيل التي تدعمها الولايات المتحدة وحق سورية في المطالبة بحقوقها كاملة والدفاع عن سيادتها.
لذلك اعلن عبد الحليم خدام في 1حزيران1974ان أتفاق فصل القوات لن يمنع اية عمليات فدائية فلسطينية على الحدود السورية وان موقفها لن يتغير وهو دعم ومساندة وحماية المقاومة الفلسطينية , كما أكد في تصريح للصحفيين في 4 حزيران 1974 أحقية الشعب الفلسطيني في استعمال جميع أساليب النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي ودعم سورية لمنظمة التحرير الفلسطينية في أنها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني بعد عقد فك الاشتباك على الجبهة السورية واصلت سورية تحركها السياسي من أجل استكمال مسار التسوية وعقد مؤتمر جنيف بحضور الأطراف المعنية ومنها منظمة التحرير الفلسطينية , وفي هذه الأثناء بدأت المباحثات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي من اجل
الإسراع في عقد مؤتمر جنيف لإقرار السلام على أساس قرار مجلس الأمن رقم 338
تزامنا مع ذلك ساد العالم شعور عام لابد من إيجاد حل للنزاع العربي الإسرائيلي فوجدت المقاومة الفلسطينية نفسها بحكم علاقاتها الأساسية وتأثيرها بأي حل للنزاع معنية مباشرة بشكل التطورات الجارية ونتائجها اذ أصبح للقرار الفلسطيني دور حاسم يستطيع ان يؤثر في مسار التسوية المطروحة على الساحة العربية ومن خلال ذلك أهتمت سورية بالقضية الفلسطينية ودعم موقفها ولابد ان تكون منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد والشرعي للفلسطينيين لان سورية ترى في استبعاد التمثيل الفلسطيني تحييدا للمسألة المحورية للقضية الفلسطينية والتي تشكل في الواقع جوهر الصراع الـعربـي- الاسرائيلي وبـالتالـي فـشل تـسوية جوانـب الصـراع .
ازاء ذلك اجرى الرئيس حافظ الاسد مشاورات بينه وبين ياسر عرفات في 25 تموز 1974 أكد فيها عن دعمه للمقاومة الفلسطينية واعتبر منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، وفقا لقرارات مؤتمر القمة العربي في الجزائر، وطالب بالإسراع في عقد مؤتمر القمة العربي وذلك لمراجعة المواقف العربية الخاصة بمقررات مؤتمر القمة العربي السادس بالجزائر المتعلقة بمنظمة التحرير الفلسطينية مؤكدا من يريد السلام لابد ان يناقش منظمة التحرير الفلسطينية في مسألة الحق الفلسطيني .
ومن اجل تحقيق ذلك عقد مؤتمر وزراء خارجية العرب الذي عقد للتحضير لمؤتمر القمة العربي في 24 تشرين الاول 1974 ,الذي عرض فيه عبدالحليم خدام التطورات في الصراع العربي الإسرائيلي منذ حرب تشرين الاول , وقدم ورقة عمل تضمنت مقترحات حكومته من الناحيتين السياسية والعسكرية التي سبق وأن ناقشها مع الرئيس الامريكي جيرالد فورد , خلال زيارته لواشنطن في 22آب 1974ولقائه به,التي اعرب فيها الرئيس الامريكي لخدام فيه عن تقديره للرئيس حافظ الأسد وحصانته السياسية التي أدت إلى عقد أتفاق فصل القوات بين سورية وإسرائيل في مرتفعات الجولان كخطوة نحو أحلال سلام دائم وعادل في المنطقة وأكد عن التزام الولايات المتحدة الذي لا عودة عنه بالإبقاء على التحرك نحو إيجاد تسوية دائمة في المنطقة ,اذ بادره عبد الحليم خدام نفس الاتجاه واكد ان بلاده تسعى في عقد مؤتمر جنيف في اسرع وقت ممكن لبحث مسألة السلام تحضره جميع الدول بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي وتنفيذ قرار مجلس الامن) 338(بما يضمن حقوق العرب بالانسحاب الكامل من الاراضي المحتلة وضمان حقوق الشعب الفلسطيني ,التي تدعو إلى تحديد اهداف النضال العربي في المرحلة الراهنة بتأكيد مؤتمر القمة الاخير بخصوص تحرير كل الاراضي التي احتلت في حرب حزيران وتحرير مدينة القدس والالتزام باستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني , والالتزام العربي الجماعي بالقضية الفلسطينية , وتدعو كذلك إلى تعزيز القوى الذاتية و العسكرية والاقتصادية والسياسية للامة العربية وتحقيق تنسيق عربي في كل هذه المجالات, وفي اليوم التالي ناقش المجتمعين ورقة العمل التي تقدم بها عبد الحليم خدام التي تضمنت مخططا لدعم دول المواجهة ومنظمة التحرير الفلسطينية .
وفي 26 تشرين الأول 1974 أفتتح مؤتمر القمة العربي السابع في الرباط الذي شاركت فيه كل الدول العربية باستثناء العراق وليبيا لمعارضتها قرار وقف اطلاق النار في حرب تشرين الاول1973, الذي قدم فيه ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية إلى الملوك والرؤساء العرب نص الوثيقة الموقعة من قبل عشرات الشخصيات المتمثلة في المناطق المحتلة، تدعو المؤتمر إلى التأكيد على ان منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني
وفي الجلسة الختامية للمؤتمر طالب الرئيس حافظ الاسد والرؤساء العرب بضرورة التجاوب مع مطالب منظمة التحرير الفلسطينية مؤكدين جميعهم أن تكون المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني , وتم اتخاذ عدة قرارات ساهمت في مساندة منظمة التحرير في صراعها من اجل انتزاع اعتراف عربي بها .
وعلى صعيد آخر كان مجلس جامعة الدول العربية قد اتخذ قراراً في 12 أيلول 1974 ادرج فيه القضية الفلسطينية كبند مستقل على جدول اعمال الدورة التاسعة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة .
ومن جانبه أكد عبد الحليم خدام في 14 ايلول 1974أن الرئيس الاسد قد أعطى تعليمات الى الوفد السوري الذي غادر دمشق الى الامم المتحدة لطرح القضية الفلسطينية بأبعادها التاريخية والسياسية كقضية مستقلة ، والتركيز على خطورة استمرار إسرائيل في احتلال الاراضي العربية ورفضها الالتزام بقرارات الامم المتحدة, كما أكد أن وفد منظمة التحرير الفلسطينية سيدعى بأكثرية جيدة إلى الجمعية العامة, ويأتي اهمية هذا القرار في ان المجتمع الدولي يعود للبحث في القضية الفلسطينية من جديد, بعد ان طويت القضية الفلسطينية عام 1952, واصبحت منذ ذلك الوقت تدرج ضمن تقرير مفوض وكالة غوث اللاجئين العام .
ونتيجة للتضامن العربي والمجهود العربي المشترك في إطار مؤتمرات القمة العربية وجامعة الدول العربية اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم( 3236) الذي جاء فيه :
- حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للصرف في فلسطين.
- يؤكد حق الفلسطينيين غير القابل للتصريف في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها واقتلعوا منها ويطالب بإعادتهم.
- يشدد على أن الاحترام الكلي لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف واحقاق هذه الحـقوق لحل قضية فلسـطـيـن .
- يعترف بان الشعب الفلسطيني طرف رئيس في اقامة سلام عادل ودائم في الشرق الاوسط.
- يعترف كذلك بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه الكاملة لكل الوسائل وفقا لأهداف ميثاق الامم المتحدة.
ومما يمكن القول إن من أهم تداعيات حرب تشرين 1973 على القضية الفلسطينية هو بروزها كقضية أساسية في الصراع العربي الإسرائيلي من خلال انتزاع اعتراف دولي بها بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وكان لسورية دورها المساند في ذلك ممثله بوزير خارجيتها عبد الحليم خدام الذي سعى جاهدا لتحقيق المطالب الفلسطينية وجعلها في مقدمة المسائل التي تجرى مناقشتها في مؤتمرات القمه العربية حتى تم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية المثل الشرعي للشعب الفلسطيني ويعد ذلك خطوة جديدة في مسار التسوية التي اثارت كل من الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وجعلها تركز جهودها لعقد اتفاق منفرد مع مصر وعزلها عن ساحة الصراع العربي الاسرائيلي.
خاتمة البحث
وفقا لما تقدم ارتكزت مساعي عبدالحليم خدام اتجاه الصراع العربي الاسرائيلي بدوره بحرب تشرين الاول عام 1973التي خاضتها سورية الى جانب مصر اللذان اشتركا معا في خوض غمار الحرب وفقاً لما تم الاتفاق عليه بين البلدين منذ بداية برنامجهم السياسي الذي حدد معالمهِ أتحاد الجمهوريات العربية فكان عبدالحليم خدام حلقة وصل بين بلاده والبلدان العربية والاجنبية الاخرى لنقل قضية بلاده وما يدور على الساحة العربية الى مختلف انحاء العالم وايضاح مظالم إسرائيل نحوها وهذا كان ضمن اطار عمله في السياسة الخارجية السورية الذي جعله ينصب لخدمة جميع ابناء بلاده ,اذ كان رافضاً الاتفاقيات المنفردة التي عقدتها مصر مع )إسرائيل ( التي عدها انتهاكاً لما تم بناءه من قبل البلدين وخروجاً عن القاعدة الاساسية التي تؤكد على محاربة إسرائيل ليس مفاوضتها والتنازل عند مطالبها التي لا مطالب لها عند العرب وانما لدى العرب حقوق واراضي مغتصبة من قبلها وكان يحبذ الاستمرار في القتال لتحرير جميع الاراضي العربية .