ما هي وجهة نظرك على حركة من أجل الحرية في العالم العربي (تونس ومصر وليبيا)، ولكن أيضا على الحركات الشعبية في شبه الجزيرة العربية والبحرين واليمن وسوريا؟
الجواب : العالم العربي يمر بمرحلته الجديدة ذلك أن النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي لم يستطع التلاؤم مع احتياجات الشعوب و تطلعاتها ولا سيما تطلعها إلى الحرية والعدالة والمساواة وأدى كل ذلك إلى إطلاق ثورة الشباب في معظم الدول العربية وهذا الأمر لم تأخذه الحكومات العربية مأخذ الجد وتمسكت بالأوضاع الراهنة التي لم تعد ملائمة لشعوبها فالصراع في الواقع هو بين الأجيال الشابة المتطلعة إلى مستقبل مزدهر وآمن وبين أنظمة لا تتلاءم مع تلك التطلعات .
هذا الأمر جزء من حركة الحياة وعلى الجميع أن يدرك أن الأوضاع الراهنة انتهى وقتها ويطل عصر جديد يجب العمل على مساندته ودعمه وليس على قمعه وقتله لأن القمع لهذه التطلعات يعني قتل المستقبل والدخول في ظلمات ستكون أسوأ على الشعوب من ظلمات القرون الوسطى .
في عهد الرئيس حافظ أسد، كنت تشغل منصب مهم في الحكومة وكنت نائب الرئيس وبعد وفاته أصبحت الرئيس المؤقت لأن بشار الأسد لم يكن قد بلغ السن المناسب للرئاسة وذلك حسب المادة 83 من الدستور السوري وقد عدل الدستور واستلم بشار الحكم وقيادة الجيش ماذا حصل ولماذا اضطررت إلى مغادرة سورية بعد فترة من الزمن؟
الرئيس حافظ الأسد ارتكب خطيئتين كبيرتين وهما الانفراد بالسلطة والعمل على توريثها لأحد أبنائه مخالفا بذلك كل القيم الوطنية والسياسية السائدة في مجتمعنا ورتب خلال أكثر من 15 عاماً لهذه الوراثة وبنى كل الظروف التي تجعلها حتمية عبر ترتيب الأوضاع في القوات المسلحة وفي الحزب .
يوم وفاته كنت خارج دمشق وعند عودتي ذلك اليوم إلى دمشق أبلغت أن الدكتور بشار الأسد ينتظرني في منزل والده فأدركت عندئذ أن الرئيس حافظ قد مات أو قد يكون في حالة الموت فذهبت إلى المنزل ودخلت قاعة الاستقبال فوجدت أعضاء القيادة القطرية فأبلغني أحدهم أن الرئيس حافظ قد توفي وأن القيادة القطرية قد اتخذت قرارا في ترشيح الدكتور بشار وفي تعديل الدستور وبالتالي فقد حسمت القيادة ا وهي مركز القرار الموقف ولم يكن في ذلك الظرف من الملائم مناقشة هذا الأمر وبالفعل تم تعديل الدستور وتمت الإجراءات الأخرى .
كانت معرفتي محدودة بالدكتور بشار الأسد ومع ذلك حرصت على مساعدته أملاً في أن يقدم على اتخاذ قرارات جدية باتجاه الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري والقضائي ومحاربة الفساد المستحكم في الدولة وبالفعل قدمت له حزمة من المشاريع الإصلاحية لإصلاح النظام السياسي والاقتصادي ومؤسسات الدولة وأجهزتها ومؤسسة القضاء ومؤسسة التعليم وأقرت جميعها في القيادة القطرية ولكن مع الأسف رغم إقرارها فإن الدكتور بشار كان يتهرب من التنفيذ مستمراً في نهج والده والذي كنت معارضاً لسياسته الداخلية والتي حرمت السوريين من حقوقهم الأساسية التي كفلها الدستور والشرعة العالمية لحقوق الإنسان وجملة دعوات في مؤتمرات الحزب واجتماعات قياداته باتجاه الإصلاح وكان الرد كان يأتي من قبل أجهزة الأمن بنشر حملات لتشويه سمعتي .
أدركت بعد سنوات من التعامل أن ليس في ذهن بشار الأسد السير في تحقيق إصلاحات جدية والأمر ازداد سوءا وتعقيدا وخاصة مع ازدياد فعالية الفاسدين في الدولة والمجتمع وازدياد قمع أجهزة الأمن لحريات المواطنين فقررت إعلان خروجي من النظام عند مؤتمر الحزب وبالفعل وقد تم ذلك في الخامس من حزيران عام 2005 فأعلنت استقالتي من مواقعي القيادية في الحزب والسلطة وشرحت الأسباب مركزا على الأخطاء الكبرى في السياسة الخارجية والخلل المقلق في السياسة الداخلية.
بعد مغادرتك سورية عام 2005، نظمت عدة اجتماعات في عام 2006 في عدد من العواصم الأوروبية (مثل مدريد ولندن ولوكسمبورغ وبروكسل) مع ممثلين من عدة أطراف من المعارضة السورية في المنفى ، و أعلنتم إنشاء تحالف “جبهة الخلاص الوطني في سوريا” وذلك بهدف تشكيل حكومة بديلة في حال سقوط النظام في دمشق. أين أنت الآن في خطة العمل الخاصة بك؟
بالفعل بعد خروجي أجريت اتصالات مع عدد من أطراف المعارضة السورية ومنهم جماعة الإخوان المسلمين وأعلنا تشكيل جبهة الخلاص الوطني واعتمدت برنامجا للعمل من أجل تحقيق التغيير السلمي للسلطة وبناء دولة ديمقراطية مدنية يتساوى فيها المواطنون بالحقوق والواجبات بعض النظر عن الدين أو الطائفة أو الجنس أو العرق وقطعنا خطوات جيدة في العمل غير أن صعوبات واجهت قوى المعارضة أدت إلى عدم تحقيق أهدافها في تلك المرحلة .
لم يكن الهدف إعلان حكومة في المنفى ولكن الإعداد لتشكيل حكومة انتقالية عندما يبدأ انهيار النظام .
تعلمون أن شباب سورية أطلقوا ثورتهم للتحرر من النظام الذي قمع الحريات خلال سنوات طويلة وأدت ممارسات هذا النظام إلى إضعاف البلاد وزيادة معاناة الشعب وانتشار الفقر وانحدار مستوى المعيشة وشكل كل ذلك مناخا ملهماً لشباب سورية لتحقيق التغيير ولبناء مستقبل آمن جديد.
أستطيع القول بكل وضوح أن شباب سورية نجحوا في إطلاق مسيرة التغيير ومن حقهم على جيل الآباء أن يدعمهم وأن يساندهم وليس أن يكون عقبة في وجه بناء سورية الجديدة فسورية الجديدة هي مستقبلهم ومن حقهم أن يقودوا هذا المستقبل ولذلك فإن دور الآباء من وجهة نظري وفي كل أطياف المعارضة السورية وخارج المعارضة أن يساندوا هؤلاء الشباب ويدعموهم ومن حقائق الحياة ألا يحل جيل محل جيل ، جيلنا أصبح جزءا من تاريخ سورية وجيل الشباب هم تاريخ حاضر ومستقبل سورية.
في 17 آب 2008 حكمت عليك المحكمة العسكرية بالسجن مدى الحياة ووجهت إليك 13 تهمة منها محاولة تغيير النظام في سورية و إعطاء معلومات كاذبة بهدف تشويه صورة سورية الخارجية والتي رددتم عليها بأن هذا يدل على أن سورية أصبحت سجن كبير والسوريون يرزحون تحت ضغط كبير من النظام . عندما ترى المظاهرات الحالية في سورية بماذا تفكر ؟
النظام في سورية عود نفسه على خداع النفس ومحاولة خداع الناس وكما هو معروف فإن جميع الأجهزة القضائية والإدارية في سورية أجهزة ملحقة في دوائر الأمن فهي التي توعز بالتوجيهات الآتية إليها لأعضاء مجلس الشعب بالتصويت وهي التي توعز بالتوجيهات للأجهزة القضائية والمدنية وكان الهدف من الاتهام محاولة تشويه سمعتي وتحديتهم في أن يسموا الدولة الأجنبية التي اتصلت بها وبالتالي فإن هذا الحكم لا يساوى صفوة سيجارة .
كما أشرت في إجابتي في السؤال السابق فإن التظاهرات التي تطالب بالحرية والعدالة والكرامة هي تعبير عن الحاجات الملحة للشعب السوري المقموع بأجهزة أمن من لون واحد ومن رئيس تربى في بيت لم يتعلم فيه غير ما أخذه من والده من استئثار في السلطة واعتماد الأجهزة الأمنية في حماية النظام .
إن شباب سورية يعبرون عن الحاجة التاريخية للتغيير والانتقال من نظام سجن البلاد وحطم الحياة السياسية وصادر الحريات ، الحاجة بالانتقال من نظام ظلامي إلى نظام يشع فيه نور الحرية وتتحقق العدالة والمساواة ويسقط نهج التمييز والإقصاء والعزل وتزوير إرادة الشعب .
يزداد عدد السوريين المشاركين بالاحتجاجات للمطالبة بالحرية مما أدى الى وقوع الكثير من الضحايا من المحتجين . هل لديك معلومات عن الوضع الحالي في الداخل السوري ؟
الوضع الحالي في سورية متأزم جداً وفي كل يوم يزداد فيه شعور الغضب ضد هذا النظام وضد ما يرتكبه من جرائم وقتل وإبادة وكل ذلك يؤكد أن الشعب السوري مصمم على تحقيق التغيير ومقولة الإصلاح مقولة فاسدة وغير صالحة لأن طبيعة النظام الديكتاتوري لا يمكن أن تفرز إلا الاستبداد والفساد ولا يمكن للنظام المستبد أن ينير شعلة الحرية وأن يعيد السلطة إلى مصدرها الرئيسي وهو الشعب ولن يهدأ الشعب السوري حتى يجري التغيير الذي يؤدي إلى وضع دستور جديد يلغي النظام الرئاسي ويقيم نظاماً برلمانيا يجعل السلطة التنفيذية تنبثق عن الشعب والذي يمارس رقابتها ومحاسبتها عبر المؤسسة الدستورية التشريعية .
إن ممارسات العنف الدموي التي تقوم بها فرق الموت التي يقودها ماهر الأسد شقيق بشار الأسد والعميد حافظ مخلوف ابن خاله ومجموعات من الحرس الثوري الإيراني وعناصر من حزب الله اللبناني تزيد عزلة وحدة العداء للنظام وتضع بشار الأسد وزمرته في عزلة من الشعب .
حسب شهود عيان فان الوضع في سورية أصبح خطير جدا فالأمن منتشر في كل مكان والنظام السوري لا يسمح بالاحتجاجات وفي الجنوب وتحديدا في درعا يحاول النظام الإيهام بوجود متطرفين سلفيين هل هذا صحيح ؟ وما نوع الثورة التي يريدها السوريون هل ثورة دينية أم مدنية ؟
أنتم تعلمون أن الشعب السوري شعب متدين المسيحيون المسلمون منهم ولكنه ليس شعبا متعصبا ومن الطبيعي عندما يكون الإنسان في أزمة تهدد حياته ومستقبله وأمنه يلجأ إلى الله ويدعوه بالعون والنصر فهل كل من يؤمن بالله هو أصولي هذا كلام غير حقيقي وغير منطقي .
السوريون يريدون الحرية حرية الاختيار وحرية الاعتقاد وحرية التعبير وحرية العمل السياسي فهل هذا يعني أن دعاة التغيير هم أصوليون دعني أقول بكل وضوح إن الذي يهدد سورية أولئك الذين أوجدوا الاحتقان الطائفي عبر ممارساتهم وتعاملهم مع الشعب السوري وهم يتحملوا مسؤولية كل معاناة الشعب السوري ، إن هدف السوريين بناء دولة ديمقراطية مدنية تضمن مساواة في الحقوق والواجبات لجميع السوريين بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو الجنس أو العرق .
خلال الاحتجاجات يلجأ المحتجون إلى الجوامع هل لأنهم متدينين أم هربا من بطش السلطة ؟
المسجد في المدن والقرى يؤمه الناس للعبادة ويسمى المسجد أيضاً بالجامع أي يجمع الناس فإن التجمع في المساجد والخروج منها ليس ظاهرة جديدة في حياة السوريين وهي موجودة منذ زمن طويل .
أعلن النظام عن إطلاق جميع المعتقلين في الأحداث الأخيرة ولكن حالة الطوارئ والظلم الاجتماعي والفساد لم يتغير كما منعت الصحافة الأجنبية والعربية من تغطية الأحداث . في رأيك هل النظام الحالي قادر على إجراء الإصلاحات الحقيقية ؟
النظام أطلق بضع مئات من المعتقلين لكنه أعتقل بضعة آلاف والصور التي نشرت في أجهزة الإعلام تظهر الحجم المخيف للتعذيب الذي تعرض ويتعرض له المعتقلون وبينهم أطفال وفتيان صغار وكما أشرت فإن النظام غير قابل للإصلاح فهل إصدار مرسوم بإعادة المعلمات المنقبات إلى التعليم والتي سبق أن تم إخراجهن بمرسوم آخر وهل الاستجابة لطلبات بعض رجال الدين الذين يتمسحون بالسلطة ولا يعملون بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف (الساكت عن قول الحق شيطان أخرس )
فهؤلاء المشايخ الساكتون عن قول الحق ليسوا هم الذين يمثلون الرأي العام وما يصدر لهم من قرارات ليس هو حل أو جزء من حل المشكلة بل حلها في تغيير النظام وفي إلغاء النظام الرئاسي كما أشرت وفي محاسبة المسؤولين عن القمع وعن الاستبداد بالإضافة إلى أن الشعب فقد ثقته برئيس النظام وبكل النظام . مضت على بشار الأسد عشر سنوات في الحكم وهو يزداد توغلا في القمع وفي الاضطهاد وفي الانفراد في السلطة فكيف يمكن أن يتصور أحد أن مثل هذا النظام قادر أو قابل لتحقيق إصلاحات تؤدي إلى استعادة الشعب للسلطة .
السوريون لا يريدون عدم الاستقرار والفوضى، وإنما التغيير . ولكن هناك فئات مختلفة من المتظاهرين : شباب الفيس بوك والمتظاهرين في درعا لا يريدون سماع أي شيء، باستثناء تغيير النظام ولكن من دون عنف. هل هذا ممكن في الوضع الحالي؟
من الطبيعي القول أن شباب سورية يتكونون من شرائح مختلفة ولكنها جميعها متفقة على التغيير ولكن المشكلة أن النظام نفسه بممارسة القمع هو الذي يخدم عملية التغيير فهذا القمع وسفك الدماء لا يمكن أن يؤدي إلا للتغيير ، ليس المتظاهرون الذين خرجوا بمظاهرات سلمية استخدموا القوة ولا يملكون إلا إرادتهم وفكرهم وحناجرهم فتمت مواجهتهم بإطلاق الرصاص وقتل المئات فهل هم يتحملون مسؤولية العنف ؟ في كل الأحوال هذا العنف الذي تمارسه السلطة هو الذي سيحقق التغيير
في سورية بدأت الثورة عند الطائفة السنية والبعض يتخوف من حصول فتنة طائفية وكثير من الناس لديهم هذا التخوف وخاصة في الأوساط المسيحية والعلوية هل تعتقد أن لدى الرئيس الأسد الفرصة لعمل خطوة باتجاه الوحدة الوطنية ؟
المسلمون السنة في سورية يشكلون الأكثرية الساحقة من السكان لم يكونوا يوماً متعصبين بل كانوا دائما حريصين على الوحدة الوطنية ومثال ذلك فقد كان أول رئيس لبرلمان انتخب لسوريا عام 1943 السيد فارس الخوري وهو من أقلية مسيحية بالإضافة إلى أنه ترأس رئاسة الوزارة عدة مرات وأضيف إلى ذلك أن الرئيس حافظ الأسد بعد التغيير عام 1970 قام بجولة في المحافظات السورية واستقبل استقبالاً منقطع النظير وعندما جرى الاستفتاء على رئاسة الجمهورية كانت الغالبية العظمى من السوريين مؤيدة له وهذه الغالبية العظمى تعرف أنه ينتمي إلى الطائفة العلوية أذكر ذلك لأصل إلى القول أن النظام القائم الذي اعتمد سياسة العزل والإقصاء والتمييز مستبعداً أبناء الأكثرية الساحقة من الانتساب إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية أدى إلى إنتاج الاحتقان الطائفي بالبلاد وبالتالي فالمسلمون السنة في سورية لا يدعون إلى العداء مع الطوائف الأخرى الإسلامية او المسيحية لأنهم حريصون على الوحدة الوطنية للبلاد والوحدة الوطنية تأتي في مقدمة أولويات معظم السوريين .
ينشر بشار الأسد في أوساط الطائفة العلوية أن التغيير سيؤدي إلى القضاء على الطائفة بهدف تخويف الطائفة والاحتماء بها وكسب مساندتها في مواجهة ثورة الشباب وهذا الأمر نترك للعقلاء في الطائفة العلوية من سياسيين ورجال دين ومثقفين أن يقدروا خطورة النهج الدموي الذي يسير عليه بشار الأسد وخطورته على الوطن جميعا
عند مغادرتك سورية اتهمت الرئيس بشار الأسد بأنه وراء اغتيال رفيق الحريري على ماذا اعتمدت في توجيهك مثل هذا الاتهام؟
لقد أبديت ما لدي من معلومات ومن تحليل إلى لجنة التحقيق الدولية وملف القضية الآن في يد القضاء الدولي ولا أرى من المفيد الحديث عنه تاركاً الأمر إلى ما سيصدره المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة في لبنان