أخرجت انتفاضة السوريين عبدالحليم خدام، نائب الرئيس السورى السابق، عن صمته، ليعترف لـ«المصرى اليوم» بأنه كان جزءا من النظام السورى، مؤكداً استعداده للمثول أمام أى لجنة تحقيق أو محكمة عربية أو دولية فى أى من ملفات الفساد المتهم فيها.. «المصرى اليوم» حاورت «خدام» فى العاصمة البلجيكية «بروكسل» حيث يقيم.
■ ما مدى جدية النظام السورى فى إصلاحات تستجيب لتطلعات الثورة السورية؟
– لا أحد من السوريين يتوقع أن تكون هناك إصلاحات. كلمة إصلاح سمعها السوريون منذ يوليو 2000 وحتى الآن ودائماً كان بشار يتهرب من الإصلاح. صدرت قرارات مهمة من المؤتمر القطرى للحزب فى يونيو 2005 تبنت اتجاه الإصلاح فى الدولة والمجتمع والحزب، وفى مقدمتها إطلاق الحريات العامة وحرية الإعلام ووضع حد لتدخل الأمن فى شؤون البلاد، ومع ذلك مضت 6 سنوات، والمقررات محفوظة فى الملفات.
■ لكن الرئيس الأسد قال إن الإصلاح يتطلب وقتا؟
– مشروع قانون الأحزاب موجود فى ملفات الحزب منذ عام 2005، ومشروع قانون الإعلام أيضاً منذ 2005، أى دراسات؟ المسألة لا تتعلق بدراسات، التذرع بدراسات هو تهرب بهدف تجاوز مرحلة معينة ثم الانكفاء عليها.
■ فى الخطاب الأول للأسد أمام مجلس الشعب تحدث عن مؤامرة وعن فتنة تعصف بالبلاد.. ما حقيقة هذه المؤامرة وتلك الفتنة؟
– «المؤامرة» تعبير مسجل فى رأسه كما تسجل شريطاً على الهاتف أو على آلة تسجيل. مؤامرة ممن؟ المؤامرة من النظام! يعنى هل الشعب هو من يقمع نفسه؟ هل الشعب الذى يتعرض منذ 40 سنة للقمع والاضطهاد والإفقار وامتهان الكرامة والإرهاب هل هو المسؤول
■ إذن تتهم النظام السورى بالمؤامرة على شعبه؟
– المؤامرة موجودة فى عقل النظام، والآن نرى هذه المؤامرة كيف يخرجها! يخرجها باتهام الشباب الذين انطلقوا للمطالبة بالحرية والذين يخشون على مستقبلهم ومستقبل البلد ونادوا بالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة فاتهمهم بالمؤامرة، إضافة إلى ذلك اتهم بعضاً منهم بالارتباط بمنظمات إرهابية لقتل متظاهرين وقتل أفراد من الأمن. القاعدة المعروفة فى كل الأنظمة الديكتاتورية دائماً ووسيلة الحاكم هى القمع وفتح الدرج وإخراج قانون اسمه قانون المؤامرة واتهام الآخر بالتآمر.
■ برزت فى الأحداث السورية ظاهرة «الشبيحة» أو البلطجية، فمن هم؟
– الشبيحة هم عناصر من الحرس الجمهورى ومن لواء «فدائيو الأسد» فى الجيش ومن أجهزة الأمن، إضافة للمجموعات التى تعمل فى التهريب، وبدأت ظاهرة الشبيحة فى الظهور بعد مجىء حافظ الأسد للسلطة، وكان الأسد يتحدث ضد الفساد لكنه لم يتخد إجراءات ضد أقربائه، وهذا الأمر وسع الدائرة وانتقلت إلى مواقع أخرى فى الدولة، وبعد أن ذهب الآباء جاء الأولاد، وكل ولد شكّل مجموعة مسلحة للتهريب.
■ أنت تعترف بأنك جزء من النظام السورى بل أحد مهندسيه فهل لى أن أقول بناء على كلامك إنك أحد أطراف المؤامرة فى سوريا؟
– أولاً، طرف المؤامرة الرئيس الذى هو صاحب القرار، أنا لم أكن صاحب القرار ولم يكن لى دور فى السياسة الداخلية، القرار فى السياسة الداخلية كان لرئيس الدولة، وأداته الأساسية أجهزة الأمن، كما يستعين أحياناً برئيس مجلس الوزراء أو ببعض الوزراء، أما فى السياسة الخارجية، فنعم كنت أنا المسؤول، لكن لم أكن أنا صاحب القرار بل شريكاً فيه وكنت أعد البرامج والأعمال لتنفيذ السياسة الخارجية، وأنا فخور بكل ما قدمته فى القضايا الأساسية والجوهرية، النظام لم يقع فى سقطات كبيرة، فيما يخص السياسة الخارجية، ولم يقدم تنازلات لأى دولة تنال من سلامة الأرض أو من سيادة الدولة.
■ لكنك كنت مسؤولاً عن الملف اللبنانى، وهناك الكثير من الأخطاء التى ارتكبت فى لبنان.. إذن تتحمل المسؤولية؟
– نعم، نعم، نعم.. كنت مسؤولا عن الملف اللبنانى، وعن الإدارة السياسية للملف اللبنانى، أما المسائل الأمنية فلم تكن اللجنة التى كانت تدير الملف هى المسؤولة عنها، لأن كل أجهزة الأمن فى سوريا مرتبطة مباشرة برئيس الدولة، وشعبة المخابرات العسكرية، على سبيل المثال، مفترض أنها مرتبطة برئيس الأركان أو وزير الدفاع فى حين أنهما لا يعرفان شيئاً عن نشاط شعبة المخابرات العسكرية إلا ما يريد أن يبلغه رئيس الشعبة لهما. كل التقارير تذهب مباشرة إلى الرئيس وهو يقرر، ووزير الداخلية مثلاً غير مسؤول عن شعبة الأمن السياسى رغم أنه مسؤول عنها قانوناً، فى حين تقارير رئيس الشعبة ترفع مباشرة إلى رئيس الجمهورية. صحيح كان معنا فى اللجنة رئيس فرع الأمن والاستطلاع فى لبنان وكان قبله رئيس شعبة المخابرات العسكرية، لكن لأسباب موضوعية رفض رئيس شعبة المخابرات العسكرية العمل فى اللجنة، وتم تكليف اللواء عازى كنعان، الذى كان يشارك فى مناقشة القضايا السياسية والاتصالات مع المسؤولين فى لبنان. يعنى أنا شخصياً أو العماد حكمت الشهابى لم نتصل مباشرة بأى مسؤول لبنانى عبر أجهزة الأمن.
■ لكنك كنت نائباً لرئيس الجمهورية.. ألم يكن لك دور فى فرض أو طرح رأيك للرئيس الأسد الأب أو الابن عن دور الأجهزة الأمنية فى لبنان وتجاوزاتها؟
– أنا تركت الملف اللبنانى منذ عام 1998، كانت هناك دورة انتخابية لرئيس الجمهورية وكان الرئيس حافظ الأسد متوجهاً نحو العماد إميل لحود. وكان من وجهة نظرى أن مجىء العماد لحود سيربك سوريا لأن لبنان لا يتحمل رئيساً عسكرياً، وناقشت الموضوع مع الرئيس حافظ مراراً لكنه أصر على موقفه، بعد انتخاب لحود أبلغت الرئيس بأننى لا أستطيع أن أتابع الملف اللبنانى لأن الرئيس لحود يعرف موقفى من انتخابه وهذا لا يخدم العلاقات، لأن كل أمر سيرده إلى موقفى منه، ولذلك تخليت عن الملف اللبنانى، لكن أحياناً كانت تبرز بعض المصاعب التى تحتاج لتدخلى مع بعض الأطراف اللبنانية كنت أستدعيها وأناقشها وهكذا.
■ تحدثت عن الفساد وملفاته فى سوريا.. لكنك أيضاً متهم كأحد أركان النظام فى قضايا فساد؟
– أتحدى النظام أن يبرز ملف فساد واحداً فيه إدانة لى أو لأحد أقربائى حتى الدرجة عشرين. أتحداه إن كان هذا الأمر موجوداً. أتحداه بتشكيل لجنة تحقيق عربية أو دولية.
■أو وطنية؟
– لا.. «وطنية» ستعمل تحت إشراف النظام والأمن. أقول «عربية ودولية» على أن تجرى تحقيقات فى كل عمليات الفساد فى سوريا. فأقدم ما لدىّ من معلومات وليقدم بشار ما لديه من ملفات، لنرى من هو الفاسد.
■ وإذا تغير النظام السورى، وتشكلت لجنة تحقيق وطنية نزيهة، هل ستكون مستعداً فى هذه الحالة للمثول أمامها؟
– طبعاً.. طبعاً.
■ وماذا لو تمت إدانتك.. هل أنت مستعد لقبول النتائج؟
– طبعاً إن كانت هناك إدانة لى فيجب أن أعاقب، وإذا كنت مرتكباً لأى عمل يسىء للبلد وللشعب ولمصالحه، أنا أو أحد أفراد عائلتى حتى الدرجة العشرين، فأنا المسؤول.
■ إذن لا يخشى عبدالحليم خدام من الاعتقال أو المحاسبة؟
– لا أخشى إطلاقاً، بل أؤكد لك أن الشعب السورى قريباً سيضع القتلة واللصوص فى السجون.
■ هل تنكر أنه كان لأبنائك شركات ومصالح واستفادوا من موقعك فى السلطة لتسهيل مصالحهم؟
– ابنى الكبير يعمل فى السعودية، والثانى أسس شركة هو وثلاثة شركاء غير سوريين، وليست لهم علاقة بسوريا، حتى إنتاجهم لم يكن يبيعونه لأى مؤسسة سورية.
■ ألم يستفد باقى أبنائك من وجودك فى السلطة؟
– بماذا يستفيدون؟ أنا كلما أبديت وجهة نظر تتعارض مع الخط العام كانت أجهزة الأمن تشن حملة علىّ وتتهم أولادى وأنا. أتحداهم أن يأتوا بملف واحد يديننى.
■ تعترف بأنك جزء من النظام السورى سيد خدام
– نعم أنا جزء من النظام.
■ وتتحمل المسؤولية؟
– نعم أتحمل المسؤولية الأدبية كونى جزءاً من النظام، هذا صحيح ولا أنفى ذلك، ولكن لا أقبل أن يقال إننى أنا المسؤول أو جزء من المسؤولية فيما يتعلق بالجرائم التى ارتكبها النظام.
■ ما مصير حزب «البعث» باعتقادك إذا سقط النظام؟
– يجب أن نميز بين حزب البعث فى الخمسينيات، حيث كان البعثيون دعاة لم تجرهم السلطة، كانوا يدافعون عن الناس وعن حقوقهم وقضاياهم القومية، فى جميع الظروف التى كانت تمر لم يكونوا متعنتين عندما تعرضت البلاد للخطر، شاركوا فى حكومة وحدة وطنية، وكانت المسؤولية الوطنية هى التى تحركهم
■ و«البعث» الحالى؟
–حزب البعث الحالى فى سوريا بدستوره وقيمه وشعاراته انتهى موضوعياً بحل الحزب فى 22 فبراير 1958 عند قيام الوحدة بين سوريا ومصر.. البعثيون السابقون شكلوا 4 أحزاب وكلهم من القياديين السابقين فى الحزب، ولهم تاريخهم و«كل منهم يعتقد أنه هو الصح».
■ ما تصورك بالنسبة لمستقبل الثورة فى سوريا؟
– هؤلاء الشباب سينجحون فى تحقيق أهدافهم، وسوريا ستستعيد نظامها الديمقراطى، وسيستعيد السوريون كامل حرياتهم وسوف يمارسون حقوقهم الأساسية كمواطنين فى الحقوق والواجبات.
■ وماذا عن مستقبل النظام بعد نجاح الثورة
– كمستقبل الأنظمة التى تلاحقها الشعوب.. مطلوب محاسبتهم.
■ ومستقبل «خدام»؟
– أقول لك بكل صراحة ووضوح أنا منذ أعلنت استقالتى من مواقعى القيادية فى الحزب والدولة قررت الخروج من ساحة العمل السياسى، لأننى أمضيت أكثر من 60 عاماً من عمرى فى النشاطات السياسية، لذلك قررت العمل الوطنى وأنا أخدم وطنى فى الحقل الذى أستطيع دون أن أمارس أى موقع قيادى فى الدولة أو فى أى حزب سياسى، علينا ترك المجال للأجيال الشابة لتأخذ دورها وتبنى مستقبلها مثلما كنا فى أعمارهم.
■ إذن عبدالحليم خدام يترك العمل السياسى؟
– هذه الثورة ثورة الشباب، وواجب عبدالحليم خدام وواجب كل الآباء الذين عملوا فى السياسة أن يفسحوا الدور لهؤلاء الشباب وأن يكونوا عوناً لهم لا عبئاً عليهم.