عمان – يكشف رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران، في حلقة اليوم، تفاصيل شيقة عن سلسلة من اللقاءات التاريخية، التي جرت في نهاية سبعينيات القرن الماضي، بين الراحل الملك الحسين والراحل الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، والتي كان بدران شاهدا عليها. مستعرضا جهود الوساطة الأردنية لتقريب وجهات النظر بين القاهرة ودمشق.
ويؤكد بدران، في حلقة اليوم من سلسلة حلقات “سياسي يتذكر” مع “الغد”، بأن السادات أخفى عن الملك الحسين وعن حافظ الأسد نيته القيام بالزيارة الشهيرة للقدس، لكن انفعال السادات في لقاءين منفصلين كشف نواياه مبكرا.
ويذكر بدران بأن الراحل الحسين خلال زيارته للقاهرة ولقائه بالسادات، وهو اللقاء الذي كان فيه الأخير متوترا جدا، نادى الحسين بدران وعبد الحميد شرف، إلى خارج الغرف في قصر عابدين، وجلسوا في الحديقة، وقال لهم: بأنه يشعر بأن انفعال السادات، وراءه أمر خطير، ومن المستحيل إلا أن يكون وراءه خطب جلل، وأنه يخطط ويدبر لأمر ما.
ويؤكد بدران بأنهم بعد مغادرتهم للقاهرة توجهوا فورا إلى دمشق، للقاء حافظ الأسد، عند الساعة 11 ليلا، وهناك تم أخذ موافقة الأسد على دعوته للسادات للقاء في دمشق.
ويصف بدران اللقاء، وفق ما نقل له سوريون، بأنه كان لقاء ساخنا، بين الأسد والسادات، وكان اللقاء بداية لقطع العلاقات المصرية السورية، قبل زيارة السادات للقدس وخطابه في الكنيست الإسرائيلي.
ويكشف بدران اليوم، لأول مرة، موقفا حادا جرى بينه وبين الراحل الحسين، على خلفية برقية أراد الحسين أن يرسلها للسادات، وجهود بدران في إحباط تلك الرسالة، التي كانت بضغط أميركي على الحسين.
وعن اتفاقية كامب ديفيد، أكد بدران بأن الحسين رفضها، وكان غاضبا مما قام به السادات، وأكد بأن السادات غرر به، وقال له بأنه، إذا لم يأخذ بكامب ديفيد، ما يريده، فلن يوقع على اتفاقية السلام مع اسرائيل.
وعن الضغوط الأميركية التي مورست على الأردن خلال مفاوضات كامب ديفيد، يؤكد بدران بأن الحسين كشف له رسالة وجهها الرئيس الأميركي جيمي كارتر، وجاء فيها: “أن هناك خطورة عليك من ذهابك إلى كامب ديفيد، لكن أريدك أن تعلم، بأن الخطورة ستكون أكبر في حال عدم ذهابك”، لكن الحسين لم يضعف تجاه التهديدات الأميركية تلك.
وكان بدران قد تحدث في حلقة أمس عن جانب من تفاصيل لقائه الأول بنائب الرئيس العراقي وقتها صدام حسين خلال قمة بغداد، كما تحدث عن تحمل الحسين لبعض انفعالات بدران خلال عمله، كما كشف السبب الحقيقي وراء إحباط مشروع دولة الوحدة بين الأردن وسورية.
وفيما يلي نص الحلقة التاسعة عشرة:
* سبق لك أن كنت مع الراحل الحسين في زيارات للرئيس المصري انور السادات، وسعيتم من خلالها للتأثير عليه والوساطة لعدم خروج مصر عن الصف العربي، خصوصا بعد ما ألمح السادات لزيارته المرتقبة للقدس نهاية السبعينيات؟
– صحيح؛ قبل ذلك، ونحن في ذروة التنسيق المشترك مع السوريين، ذهبنا في احدى المرات في زيارة إلى القاهرة، حتى نحاول ترطيب الأجواء بين المصريين والسوريين.
وصلنا واجتمعنا مع السادات في قصر عابدين، كان باديا على السادات علامات الانفعال الشديد، ولم يكن طبيعيا على الإطلاق، وهاجم السوريين هجوما قاسيا، ولم يأت على ذكر الأسد، لكنه كان غاضبا جدا، من وزير الخارجية السوري، وقتها، عبد الحليم خدام.
تأخر وزير الخارجية المصري عن الاجتماع، ولما دخل اسماعيل فهمي، زاد انفعال السادات، واستمر في نقده القاسي للسوريين.
كان معنا عبد الحميد شرف، رحمه الله، وفي كل مرة يحاول ترطيب الأجواء، يقاطعه السادات، ويعود لنوبة الهجوم على سورية.
فعلا، من شدة انفعال السادات، كنت أشعر كيف أن الغطاء على الطاولة يهتز، عند قدمي، نتيجة اهتزاز قدمي السادات على الأرض.
وما إن توقف السادات قليلا عن الحديث، حتى باغته بالحديث، لكي يتوقف قليلا، فقلت له: أنت والأسد أبطال حرب تشرين، ولم يقولوا بأن الحسين بطلها، انتم الحلفاء في الحرب، ونحن لا نريد الحديث بينكما، وكل ما نستطيع فعله هو تقديم النصيحة.
وطلبت من السادات، أن نعقد اجتماعا بمصر، يرأسه السادات ويحضره الأسد، وندعم المصالحة، بحضور الراحل الحسين وخادم الحرمين الشريفين.
رفض السادات الأمر، فعاودت الاقتراح بأن ينعقد الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية، فقال ليس في مصر، وقلت له نعقده في العقبة، فنحن بحاجة إلى تضامن عربي، فالأردن لا يمكنه الوقوف وحده على الجبهة الإسرائيلية، من غير تضامن عربي يدعم موقفنا.
لم يمانع السادات، ووجدتها فرصة لمحاولة الضغط عليه للقاء الأسد، فتابعت بالقول: لكن الأصح أن تواجها بعضكما كبطلين، فسكت السادات لبرهة، وقال إن دعاني فسأذهب لدمشق.
*وفعلا، هذا اللقاء، الذي جرى بين السوريين والمصريين، قبل أن يتفرد السادات بخطوة التفاوض المباشر مع إسرائيل، وهي الخطة التي رفضها السوريون؟
-بعد اللقاء مع السادات مباشرة، استعددنا بعد العشاء لمغادرة القاهرة، والتوجه لعمان، نادانا الراحل الحسين، أنا وشرف، خارج غرفنا في قصر عابدين، الى الحديقة، حتى لا يتم التنصت على ما سيقوله، وقال بأنه يشعر بأن انفعال السادات، وراءه أمر خطير، ومن المستحيل إلا أن يكون وراءه خطب جلل، بعد هذا الانفعال البادي عليه، وأنه يخطط ويدبر لأمر ما.
ركبنا الطائرة، واستأذنت الحسين أن نتوجه فورا إلى دمشق، بدل عمان، وقال بأن الوقت قد تأخر، فقلت له سننسق مع سفيرنا هناك.
فعلا، توجهنا إلى دمشق، والتقينا حافظ الأسد، وكانت الساعة 11 ليلا، وقلنا له ما حصل معنا في القاهرة، وأن السادات يقبل دعوة الأسد له إلى دمشق، فوافق، وفعلا قام بتوجيه دعوة له.
ثم سألت عبد الحليم خدام، عن سبب سخط السادات عليه، فقال: قد أبلغته بأن قرار حزب البعث من اسرائيل واضح، ولن يكون هناك سلام معها، وهو ما أغضب السادات من خدام.
أنا اتحدث إليك، وكانت التسريبات تشير إلى أن السادات يقترب من موعد صلاة العيد في المسجد الأقصى، بعد زيارته للقدس في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1977.
فعلا حصل اللقاء، وقد كان لقاء ساخنا، بين الأسد والسادات، وكان اللقاء بداية لقطع العلاقات المصرية السورية، قبل زيارة السادات للقدس وخطابه في الكنيست الإسرائيلي.
ذهبت قبل ذلك العيد الأسود، بيوم إلى العقبة، واصطحبت أبنائي وزوجتي معي، في صباح ذلك اليوم، رأيت السادات على التلفزيون وقد فعلها، فضاقت الدنيا بوجهي، ولم استطع أن أغادر من أمام شاشة التلفاز.
طلبني الملك الحسين، الذي كان يقيم في العقبة أيضا في ذلك العيد، فذهبت إليه، وقال بأنه سيبعث ببرقية إلى السادات، فنظرت إليه باستغراب، وقلت ماذا تريد منها، فأجاب أنه يريد الإشادة بشجاعة السادات.
فقلت: وهل في الخيانة شجاعة؟، وأصر الحسين بأنه يريد أن يبعثها، فقلت له بأن القرار ليس له وحده، وأن هناك قيادة موحدة بينه وبين الأسد، وأنه بهذه الخطوة سيضر علاقاتنا مع السوريين، وهم شركاؤنا بالجبهة ضد اسرائيل.
وفعلا، فقد كانت الإذاعة السورية، بدأت بحربها الإعلامية على السادات ومصر، وبدأوا بوصفه بالخائن، فكيف لنا أن نكون على النقيض من ذلك، ونقول بأنه شجاع!.
مباشرة، قال لي الحسين أن أذهب إلى حافظ الأسد، وقال: لكن لا تأتي على موضوع البرقية بصيغة الاستئذان، فقلت له فهمت الرسالة، وسأنفذ الأمر.
مباشرة، توجهت بطائرة خاصة إلى دمشق، نزلت في عمان، وقابلت عدنان أبوعودة، وكان كل من عبد الحميد شرف والشريف زيد بن شاكر في لندن، في عطلة العيد، وسألته عن رأيه وإذ به في حالة انفعال من خطوة السادات، وقدم تحليلا موضوعيا للخطوة.
أبلغته بأني مغادر إلى دمشق، وفعلا اكملت طريقي، واستقبلني رئيس الوزراء السوري عبد الرحمن خليفاوي، وذهبنا للأسد، وبدأنا نتحدث عن الخطوة المصرية الأحادية، وعاتبته على ما تقوم به الإذاعة السورية، وطلبت منه أن تتوقف عن استحضار نموذج أحمد سعيد ما قبل حرب العام 1967، وأن على الحملات الإعلامية أن تحترم عقول شعبينا، وتتوقف عن وصلات الشتم والردح.
وهنا تحدث الأسد، بأنه لم يستمع لنصيحة وزير خارجيته عبد الحليم خدام، بالقيام باعتقال السادات خلال زيارته الأخيرة لسورية، منعا لقيامه من تلك الخطوة، وعرفت وقتها بأن السوريين، كانوا يخططون للأمر، لدى سماعهم عن تسريبات زيارة السادات للقدس والأقصى.
مباشرة سأل الأسد عن الملك الحسين، وقلت له بأنه مستاء جدا مما فعله السادات، ويريد أن يبعث ببرقية له.
قاطعني الأسد، وقال هذا سبب زيارتك، وأنت تريد أن تعرف مني موقفي من البرقية، وأنا سأقول لك بصراحة، إن بعثتم برقية للسادات، فسأعتبر بأن الأمر موقف منكم في دعمه، وبناء عليه نقطع العلاقات بيننا.
انتهى الاجتماع قرابة الساعة 11.30 ليلا، فقال لي الأسد: نام في دمشق، وغدا تغادر إلى عمان، فقلت: عليّ التوجه إلى العقبة، فتأكد من مهمتي بذكائه، وقال بأنه طيار ومن الصعب قيادة الطائرة، وهبوطها في العقبة، فحولها جبال صعبة.
وصلت الطائرة إلى عمان، وفعلا لم يستجب الطيار لطلبي الذهاب مباشرة إلى العقبة، لأن في الأمر خطورة كبيرة.