السيدات والسادة
اسمحوا لي في بداية حديثي أن أشكر السيدات والسادة، الذين عملوا على تحضير هذا اللقاء، وإتاحة الفرصة للمعارضة الوطنية الديمقراطية السورية، للتحدث عن الأوضاع اللاإنسانية والمزرية للشعب السوري، تحت وطأة الإستبداد والظلم، والنهب المنظم للثروة الوطنية، من قبل العائلة الحاكمة، منذ ما يقارب أربعة عقود من الزمن، ولأنقل لحضراتكم تصورات وآفاق عمل المعارضة الديمقراطية والسورية، ورؤيتها لعملية التغيير الديمقراطي من أجل بناء دولة القانون، والعدل الاجتماعي، وترسيخ المشروع الديمقراطي في جميع مؤسسات الدولة الحديثة، (التنفيذية والتشريعية والقانونية والاعلامية).
منذ أربعة عقود والشعب السوري يعيش بكل أطيافه السياسية، والفكرية، والاثنية، والدينية تحت وطأة نظام شمولي وصل الى السلطة بقوة السلاح، وتسلط على المجتمع بدون أن يستمد شرعيته من الشعب، واحتكر السلطة وأنفرد بالقرار السياسي وعطل جميع المؤسسات الدستورية، وألغى الحياة الفكرية، والسياسية، وصادر الحريات العامة والفردية، واستخدم القتل والتشريد، والسجن لمئات الآلاف من الشعب السوري، وحرم الكثير من أبناء شعبنا حقوقهم المدنية، والسياسية، وكذلك حقوق المواطنة (الجنسية).
إن السلطة الأسدية اللاشرعية، قد حولت سوريا الى سجن كبير، يضم مئات الآلاف من المطالبين بالحرية، والديمقراطية من جميع التيارات السياسية والفكرية. فقط أصبحت الكلمة الحرة المطالبة بأبسط الحقوق الانسانية للمواطن السوري، سببا لسجن طويل (كفداء الحوراني- وميشل كيلو- ورياض سيف وغيرهم) فى الفترة الأخيرة.
ان استخدام القمع والقتل من قبل الأجهزة الأمنية، وملاحقة الناس وتخويفهم، قد أدى إلى إبعاد الشعب السوري عن المشاركة الحقيقية فى الحياة السياسية، وبالتالي الى تخلف سوريا إلى عشرات السنين إلى الوراء.
ان الاستبداد والتسلط والقمع والنهب، هي المرتكزات الأساسية التي يقوم عليها النظام الشمولي في سوريا، وإن هذه المرتكزات تسير ضد حركة تطور المجتمع، وضد حركة التاريخ والحضارة الانسانية، فالاستبداد يلغي دور الفرد في المجتمع وقدرته على الإبداع، والانتاج الخلاق، وبالتالي فإن الفرد لا يأخذ دوره الطبيعي في تطوير المجتمع، والمساهمة الفعلية فى تطوير الحضارة الانسانية، ولهذا يصبح المواطن أسير الاستبداد، كما يقول المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي، في كتابه طبائع الاستبداد “يصبح الفرد في ظل الحكم المستبد، خاملا، وفاسدا، وتائها وحائر، لا يدري كيف يقضي ساعاته وأوقاته”. ونتيجة لاستبداد السلطة الاسدية، أصبح المجتمع السوري مهمشا خارج حركة التاريخ والحضارة الانسانية.
إن السلطة الحاكمة ما زالت بسياستها غير المسؤولة والمتعمدة لتصديع الوحدة الوطنية، وشرخ المجتمع السوري على أسس طائفية وعرقية، ما يشكل خطرا كبيراً على مستقبل سوريا شعبا وأرضا. إن التسلط والقمع للعائلة الأسدية بلغ أوجه فى الآونة الأخيرة، وأصبح الاحتقان الشعبي يعبر عن نفسه في مناطق متعددة في الوطن، وما الأحداث التي شهدتها مؤخرا بعض المدن كالقامشلي ودير الزور والزبداني وغيرها، سوى إرهاصات حراك داخلي عميق، سيتسع قريباً مسببا انفجار بركان الغضب الشعبي، ليتمكن الشعب من المشاركة في صنع المستقبل، وتحديد مصيره بنفسه.
إن السلطة الأسدية تستخدم أساليب كثيرة ومتعددة، فى تعميق مأساة وآلام شعبنا السوري، وإلغاء دوره فى المجتمع والدولة فمنها:
- استخدام قانون الطوارئ، الذي يعطي النظام سلطات إستثنائية، تخالف القانون وبالتالي، فإن النظام يحكم البلاد بالقمع، وبأجهزة الأمن، لهذا أصبحت سوريا دولة متخلفة، بعد أن كانت منارة للحرية والمعرفة منذ زمن بعيد.
- إن إطلاق أجهزة الأمن لقمع الحريات، واعتقال المفكرين والمثقفين، في الوقت الذي تهمل فيه واجباتها، لحفظ أمن المواطنين، أدى إلى ازدياد الجرائم وتعددت أنواعها، ومعظمها لم يكن معروفاً في سوريا، ومن أبرزها، جرائم القتل والسلب، والسطو، والسرقة، والرشوة، والتزوير، والخطف المسلح، وقطع الطرقات، ما زاد من قلق المواطنين السوريين.
- ورغم ما ورد في الدستور من مبادئ تضمن الحقوق الأساسية للمواطنين، فإن هذه المبادئ قد تم تعطيلها بقانون الطوارئ، فحرم الشعب السوري من حرية تشكيل الأحزاب، كما حرم من حرية الرأي والتعبير، ومنع السوريين من امتلاك وسائل إعلام خاصة، يعبرون من خلالها عن آرائهم، وأفكارهم، وتطلعاتهم، كما حرم الشعب السوري من حرية الاختيار، فمجلس الشعب يضع أسماء مرشحيه المعتمدين مسبقاً، ما دفع السوريين عن الامتناع عن المشاركة في الانتخابات، لأنهم يعلمون بأن التزوير أمر واقع، ولهذا، فأقصى نسبة لم تتجاوز 10% ، من المسجلين في اللوائح الانتخابية.
- إفساد أجهزة الدولة ومؤسساتها، واتباع سياسات اقتصادية متعمدة لافقار الشعب، وتدهور أوضاعه المعيشية، وتدني قدراته الشرائية، نتيجة لارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، يقدر بأكثر من 70% وانخفاض أجور العاملين في قطاعات الدولة، والمؤسسات الخاصة، وبهذا، تمكنت الأسرة الحاكمة، والمافيا التي تدور فى فلكها من السيطرة على مقدرات البلاد، وامتلاك ما يزيد عن 95% من ثروات البلاد. فعلى سبيل المثال، رامي مخلوف (ابن خال بشار الأسد) أصبح يمتلك خلال أقل من ثماني سنوات، ثروة تعادل قيمتها أكثر من خمسة عشر مليار دولار، ومعدل أرباحه السنوية من المؤسسات والنشاطات الاقتصادية، التي سهل رئيس الدولة، وضع اليد عليها، تجاوزت قيمتها 30% بالمائة من الدخل القومي لسوريا، وتوزع هذه الأرباح على الأسرة الحاكمة بالطبع.
- في إطار ممارسات الأسرة الحاكمة بهدف السيطرة على الثروة، فقد تم تجاوز القوانين، وتحول القضاء إلى أحد الأجهزة الأمنية التي تسهر على تنفيذ توجيهات الحكم، وحماية مصالح الأسرة الحاكمة وأدواتها.
والى جانب هذه السياسة الداخلية والتي سببت معاناة الشعب السوري، فقد (اتّبَعَ) النظام في سياسته الخارجية ممارسات انعكست على حياة الشعب السوري بالكثير من الأضرار ومنها:
- ممارسة الأعمال الإرهابية في لبنان والعراق، وفي مناطق أخرى.
- ارتباط النظام السوري بشكل عميق بإيران ليصبح جزءًا من أدواته الإستراتيجية في المنطقة (ويشكل ممرا لعبورها إلى لبنان وإلى الساحة الفلسطينية) ومن ثم التواطؤ معها للسيطرة على العراق.
- يحاول النظام – بهدف كسر العزلة الدولية – الدخول في مفاوضات مع إسرائيل،
وهو يدرك بأنه غير مؤهل لخوض هذه المفاوضات حتى النهاية، بسبب العزلة الشعبية من جهة، ومن جهة أخرى لانتمائه إلى أقلية طائفية في المجتمع السوري، ترفض أن تتحمل مسؤولية توقيع اتفاقية سلام، كما فعل والده حافظ الأسد، والذي بقي يناور حتى وفاته، دون أن يعقد الاتفاق.
السؤال هنا، إلى أين سيؤدي استمرار هذا النظام بالحكم؟:
- لقد مارس النظام في سياسته الداخلية، نهج العزل، والإقصاء، والتمييز، مما أدى إلى عزل الأكثرية الساحقة في البلاد، وإبعادها عن مراكز الدولة ومؤسساتها، وعن الجيش وقوى الأمن، مما أدى إلى نمو الإحتقان الطائفي في البلاد، إلى جانب بروز المشكلة الكردية.
- إن سياسته الداخلية القائمة على احتكار السلطة، والإنفراد بالقرار، وإلغاء دور الشعب، ومصادرة الحريات، وزرع الخوف، عبر قمع أجهزة الأمن للمواطنين، كل هذا أصبح يشكل عواملا لتزايد الإحباط واليأس اللذان يعززان بدورهما، إمكانية بروز التطرف وهذا أمر شديد الخطورة في المجتمع.
إن تشجيع النظام الديكتاتوري المستبد الحاكم في سوريا والتعامل معه، والصمت عن جرائمه وقمعه، وفساده، تشكل عوامل في نمو التطرف في سورية.
إن المعارضة الديمقراطية السورية التي ينطوي تحت مظلتها سائر القوى السياسية والفكرية (قومية- ليبرالية – يسارية – اسلامية) متفقة على هدف التغيير الديمقراطي، والسلمي، وبناء دولة ديمقراطية مدنية، يكون الشعب مرجعيتها، لدينا قناعة تامة بأن الديمقراطية هي الدواء لمعاناة الشعب السوري. إن الديمقراطية تعني حرية اختيار الشعب لمؤسساته الدستورية، وكذلك تداول السلطة بشكلٍ سلمي، وضمان الحريات العامة، والحقوق المتساوية للمواطنين، بغض النظر عن الديانة، أو الطائفة أو العرق أو الجنس. إن الديمقراطية تعني كذلك، إقامة دولة القانون والمؤسسات، وليست دولة فرد أو أسرة، تعمل على احتكار السلطة وتنفرد بالقرار. الديمقراطية تعني مراقبة السلطة ومساءلتها من قبل المؤسسة المنتخبة.
لذلك كله، فإن جميع أطراف المعارضة، تتبنى الديمقراطية نهجا وقاعدة لبناء سوريا.
إن المعارضة السورية تناشد المجتمع الدولي، حكومات ومؤسسات مدنية وحكومية، ومنظمات حقوق الإنسان تفهم معاناة الشعب السوري، وانعكاسها على مستقبل واستقرار المنطقة، كما تناشدها الملائمة بين مبادئها وقيمها، وبين واقع سياستها.
إننا نطالب المجتمع الدولي دعم نضالنا من أجل الحرية والديمقراطية، والأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
وشكرا