سيادة نائب الرئيس الأستاذ عبد الحليم خدام
نحن نقدر كثيراً هذه الفرصة التي أعطيتنا إياها في هذا الوقت بالذات الذي فيه ضغط كبير، وأيضاً تطلعنا نحن لشخص عارف بالجوانب السياسية والتنظيمية والأيديولوجية وله إطلالة على الفكر والأدب يجعلنا سعداء جداً في اتحاد الكتاب العرب بلقاء مع سيادة الأستاذ عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية العربية السورية لنتحدث لمجلة تهتم بالفكر السياسي على امتداد الكلمة، في تركيز على جوانب الفكر القومي والوضع السياسي وما يتصل به عربياً ودولياً ثم على الجانب الدبلوماسي. نعتقد أن الحياة العربية تحتاج إلى نوع من التغطية في هذا المجال وننتظر في المستقبل، مبادرات متعددة تجعلنا نرصد تجربة السياسيين والدبلوماسيين العرب، نفتح حواراً على صفحات هذه المجلة للجميع، ونتطلع اليوم إلى أن يتفضل الأستاذ عبد الحليم خدام مشكوراًً بالإجابة عن ما يرى من أسئلة مجلة الفكر السياسي
خدام : يسعدني أن يتم هذا اللقاء، ويسعدني أن أساهم بشكل أو بآخر في عمل مجلة من شأنها أن تساعد على تنمية الشعور القومي وتوضيح آفاق العمل القومي وأنا جاهز لكل الأسئلة
سؤالنا الأول إذا تكرمتم. السياسة فن الممكن شعار يشير إلى الواقعية والبراغماتية معاً، ما الذي يحكم السياسة أكثر بنظركم، المصالح أم المبادئ، وأين يتمفصل الحد الأخلاقي والإنساني في ذلك. وهل له وزن في العملية السياسية بشكل عام؟
لا يمكن أن تكون غير واقعية، ما هي السياسية ..؟ إنها إدارة مجموع الشؤون العامة والقضايا التي تهم البلاد، والسياسي هو الذي يساهم في إدارة هذه الشؤون أو لديه نهج لإدارتها ويعمل على تحقيقها
فالسياسة هي تعامل مع الواقع أو العمل على خلق واقع جديد
وعندما يكون النهج السياسي ذا أهداف مستحيلة التحقيق يكون هذا النهج خيالياً، وأصحابه يعيشون خارج واقعهم فيهدرون الجهد ولا ينجحون في تحقيق ما يصبون إليه
وهنا يجب أن نميز بين النهج غير الممكن تحقيق أهدافه لأنه مستحيل، وبين النهج الذي تكون أهدافه ممكنة التحقيق ولكن الوسائل غير متوفرة، ففي مثل هذه الحالة تكون السياسة واقعية والنهج واقعياً إذا عمل أصحابه على توفير السبل المؤدية إلى تحويل ما هو غير ممكن إلى ممكن
ويجب التميز بين مفهوم الواقعية في السياسة، وبين مفهوم تقديم التنازلات تحت شعار الواقعية، ذلك أن عدم القدرة الراهنة على تحقيق الهدف ومن ثم العمل على توفيرها شيء والرضوخ والتفريط شيء آخر ، وهذا لا يقع تحت مفهوم الواقعية في السياسة بل تحت مفهوم الانكسار
وتقديم تنازل ما أو تراجع خطوة إلى الوراء لدفع ضرر أكبر يصيب المصالح العليا للبلاد يجب أن لا يدخل في مفهوم التفريط شرط أن يأتي في إطار مرحلي للأعداد لمرحلة أخرى وإقامة واقع آخر يتم خلاله استعادة ما تم التنازل عنه ، وبصورة رئيسية فإن سياسات التفريط تؤدي دائماً إلى خلق سلسلة من الإشكالات وأحياناً الحروب لأن من فرط في حقوق الأمة مغلوباً على أمره أم غير مغلوب ! سيأتي يوم لا يكون فيه في سياسة البلاد من يقبل استمرار التفريط أو التنازل
وما يكون مكسباً لفريق وخسارة للفريق الآخر قد يتحول في مرحلة أخرى إلى خسارة للأول ومكسب للثاني وهذا مرتبط بالسياسة التي يمارسها الثاني في الإعداد والتدبير والتعبئة
مفهوم المبادئ ومفهوم المصالح مترابطان وهما مرتبطان بالزمان والمكان
فالمبادئ هي مجموعة الأهداف والأسس التي تتحدد على أساسها سياسة الدولة، والمصالح هي مجموعة الأعمال لتحقيق هذه الأهداف
ليست هناك مبادئ واحدة تحكم سياسات كل دول العالم لأن لكل دولة مصالحها
أهداف السياسة في سورية مثلاً تحقيق الوحدة العربية وتحرير الأراضي المحتلة وبناء مجتمع عربي جديد يمكننا من الحفاظ على حقوقنا وصيانة كرامتنا وتعزيز إمكاناتنا في النهوض والتقدم
إذن مصالحنا مرتبطة بتحقيق هذه الأهداف وبالتالي فإن سياستنا مبنية على مبادئنا
إسرائيل تهدف إلى استمرار العدوان والتوسع في الأرض العربية وتبني ذلك على معتقدات دينية، فسياساتها مرتبطة بهذه المبادئ والأهداف، لذلك كما نرى في زمن واحد هناك تناقض في السياسة بين كيانين لتناقض الأهداف والمصالح، وما هو مبدئي وأخلاقي بالنسبة لسورية غير مبدئي وغير أخلاقي بالنسبة لإسرائيل
وكذلك الأمر بالنسبة للمجتمع الواحد ما قد يكون مبدئياً وأخلاقياً في مرحلة قد لا يكون كذلك في مرحلة أخرى، وذلك تبعاً لتغير الظروف لأن لكل زمن عوامل تؤثر في تطور المجتمع وسياساته
وهكذا يمكنني القول أن مسألة المبدئية والأخلاقية ليست مسألة أممية وإنما مرتبطة بالمبادئ والأهداف التي تحكم مجتمعاً ما، وبالمرحلة التاريخية لهذا المجتمع
فالمعيار الموضوعي في السياسة هي مصالح البلاد، وعندما تنحرف السياسة عن مصالح البلاد لتحقيق مصلحة لفرد فهي سياسة انتهازية، وعندما تستخدم القمع في تحقيق الانحراف فهي سياسة قمعية، وعندما تفرط بهذه المصالح لحساب الأجنبي أو تؤدي هذه السياسة لإضعاف البلاد في وجه أعدائها عندئذ هي حالة من الانحراف الوطني
والسياسة أي إدارة الشؤون العامة للبلاد تتطلب وجود نهج مبني على رؤية للمصالح القائمة والمستقبلية للبلاد وغياب النهج يعني أن السياسة عشوائية
إذا أخذنا وضع القطر العربي السوري كقطر يتبنّى قضايا قومية، ودفاع عن مبادئ وثوابت قومية، هذه الثوابت أو المبادئ إذا أخذنا قضية فلسطين مثلاً مكلفة جداً للقطر العربي السوري بوصفه جغرافية سياسية محددة، ولكنه يقدم تضحيات كبيرة من مصالحه، خدمة لهذه المبادئ وتنفيذاً لها، ولو أراد أن يقول مثل أي دولة أخرى : أنا أهتم بالمصلحة السورية فوق المصلحة القومية لكان كسب أشياء كثيرة في مجال المصلحة وخسر أشياء كثيرة في مجال المبدأ، وقس على ذلك في مجالات أخرى عديدة.
في هذا الأمر حالتان، الأولى إذا كانت تتعلق بقطر عربي، والثانية إذا تعلقت بدولة أجنبية
في المثال الذي أشرت إليه وهو القضية الفلسطينية وفلسطين قطر عربي والشعب الفلسطيني شعب عربي، فليس من الممكن القول أضمن مصالح سورية وأغلق الملف
سورية جزء من الأمة العربية، وضمان مصالح الجزء يكون في ضمان مصالح الكل، والضرر الذي يصيب الجزء يصيب الكل، وهذا ما ميز سورية في سياستها وميز قائد سورية الرئيس حافظ الأسد
حاول البعض أن يقول آخذ حصتي أو بعضها وأخرج، فهل انتهى الصراع، وهل استطاع فعلاً الخروج ..؟ وهل بقي بعيداً عن مؤثرات هذا الصراع وتبعاته ..؟
لنرى ماذا يحدث في فلسطين، منذ أكثر من عقدين سلك فريق في المنظمة سياسة فلسطنة القضية وتجويفها من مضمونها القومي، وآثر بعد مؤتمر مدريد الانفراد في مفاوضات سرية مع إسرائيل خارج إطار عملية السلام، فوقع اتفاقية أوسلو، فهل حقق الانفراد السلام للفلسطينيين ..؟
عندما تكون القضية ذات صلة بالأمة فليس من حق الجزء التصرف أو الانفراد فهو يلحق الضرر بنفسه وبالأمة
أما الحالة الثانية عندما تتعلق المصلحة بالقطر في علاقته مع دولة أجنبية لا تؤذي الأمة فعندئذ تحقيق مصلحة القطر فيه مصلحة للأمة
وفي القضايا التي تهم الأمة هناك من هو في خط التماس المباشر مع متطلبات هذه القضية وأمر طبيعي أن يكون أكثر تنبهاً وأكثر استعداداً ولكن هذا لا يعني أن الأقطار الأخرى التي ليست على تماس من حقها القول أن الأمر لا يعنيها ذلك أن الضرر سيصيبها بغض النظر عن القرب أو البعد
أعود للقول أن المكسب الذي ينفع الجزء ويضر الأجزاء الأخرى من الأمة ليس مكسباً بل فيه ضرر كبير
معلوم أن العلاقات بيننا وبين الحكم في العراق سيئة منذ فترة طويلة، وعندما تعرض العراق لمؤامرة تستهدف تفكيكه فقد بادرت سورية إلى سياسة حازمة لدفع الضرر عن العراق، وعندما اجتاحت القوات التركية العراق وقفت سورية بصورة واضحة ضد ذلك
سيادة النائب إذا أخذنا مثلاً غير عربي، الإدارات الأمريكية المتعاقبة هي تلون الخلقي والإنساني بلون المصلحة الأمريكية وأحياناً تتذرع بالديمقراطية أو بحقوق الإنسان لأداء سياسي يؤدي بالنتيجة لخدمة مصالحها وعندما تتعارض أحياناً القضايا الديمقراطية مع المصالح الأمريكية تغض النظر عن الديمقراطية وعن حقوق الإنسان وتتبع المصالح، هنا أخذنا جانب من السياسة البراغماتية، والمصالح فوق كل شيء، متى نستطيع أن نحكم سياسياً على فعل دولة ما أو إدارة ما في دولة على أن فعلها غير أخلاقي وأيضاً غير إنساني فيما إذا كان أمنت مصالح لكنها خربت بالعلاقات الإنسانية كثيراً، يعني مصالح هتلر مثلاً، في فترة من الفترات غير ما أدت إليه الحرب العالمية وإذا أخذنا بتفريعة جانبية مصر في عهد السادات قال إن مصلحة مصر تقتضي أن يبعد مصر عن الأمة العربية والقضية الفلسطينية. في عهد عبد الناصر كانت القضية معاكسة أن يتحمل العبء القومي لأنه يرى أن مصر تكبر بأمتها ولا تكبر على حساب أمتها، هنا المفصل إذا تكرمت
الإنساني والأخلاقي ليس قضية مجردة في السياسة وهو بالنسبة للسياسة الخارجية للدولة مرتبط بالمصالح وبقواعد السلوك المحددة بميثاق الأمم المتحدة والاتفاقات الدولية المبرمة بين الدول والمتعلقة بالكثير من القضايا التي تهم مختلف شعوب العالم
في كثير من الحالات تبرز قضايا لا علاقة لها بالاتفاقات الدولية ولكنها تتعارض مع القواعد العامة ومع ذلك فهذه الدولة أو تلك تتصرف بما يتعارض معها وتبرير ذلك نظرية المصالح
الولايات الـمتحدة تـضع سـورية على لائحة الإرهاب لأن سورية تستضيف التنظيمات الفلسطينية، ولكن الولايات المتحدة في الوقت نفسه تشكل غطاء لإسرائيل التي ترتكب كل يوم أعمالاً عدائية تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقات الدولية والقواعد الدولية العامة، ويأتي الموقف الأمريكي في نطاق المصالح الأمريكية وهذا يفقد السياسة الأمريكية بعدها الإنساني والقانوني، وبهذا فإن سياسة الولايات المتحدة مبنية على تعدد المعايير في علاقاتها الدولية وفي تقويمها للأحداث والوقائع، ما يخدم مصلحتها فهو إنساني وأخلاقي وما يتعارض مع مصالحها وينسجم مع قواعد السلوك الدولي تعتبره غير أخلاقي وغير إنساني
لكن هناك معيارية دولية وضعت في ظل انتصار قوى في الحرب العالمية الثانية ومنها مثلاً الخلل الحاصل في تكوين مجلس الأمن لأن خمسة لهم أصوات وهم ينتمون إلى، أربعة منهم ينتمون إلى أو يمثلون عشرة بالمئة من سكان العالم بينما بقية سكان العالم ليس لهم هذا الحق حق النقض أو الفيتو، فالمعيارية أحياناً تكون مختلفة لصالح الأقوياء.
في العلاقات الدولية تحدد المواقف في ضوء توازن القوى وفي ضوء ظروف كل مرحلة
نتائج الحرب العالمية الثانية أحدثت تشكيلاً معيناً لمجلس الأمن فأخذت الدول الخمس الكبرى حق النقض وحرم منه غيرها، وهذه الصيغة كانت محصلة لوضع القوى آنذاك في الساحة الدولية
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة زالت الأسباب التي أفرزت الصيغة الراهنة في مجلس الأمن وعملياً مجلس الأمن يعكس الوضع الدولي الراهن الذي يتسم بالقطب الواحد، وهذا ما يجعل مجلس الأمن إلى حد بعيد أسير القطب الواحد الذي هو الولايات المتحدة الأمريكية
وعندما يبرز وضع دولي آخر وتنشأ قوة دولية ذات طاقات اقتصادية وعسكرية وعلمية كبرى قادرة على تحقيق توازن معين في الساحة الدولية سيكون مجلس الأمن في وضع مختلف عما هو عليه الآن
ومن الصعب في الوضع الدولي الراهن تحقيق ديموقراطية في مجلس الأمن لغياب التوازن ولأن الوضع الراهن يعطي الولايات المتحدة الهيمنة في مجلس الأمن وخارجه مستفيدة من كونها القوة العسكرية والاقتصادية والعلمية العظمى ومستفيدة أيضاً من تأثر مصالح الدول الأخرى بحركتها السياسية والاقتصادية والأمنية . ولكن الحالة الراهنة في الساحة الدولية هي حالة مرحلية لاستحالة تحولها إلى حالة دائمة، ذلك أن تناقض المصالح والضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة حتى على حلفائها، والوضع الاقتصادي الدولي وتراجع النمو في الدول النامية، كل ذلك يشكل عوامل لإنضاج مرحلة أخرى في الساحة الدولية بدت مظاهرها في دعوة كل من فرنسا وروسيا والصين إلى عالم متعدد الأقطاب
والوضع الذي يفتقد العدالة والمساواة ولا تراعى فيه مصالح الشعوب سيفرز تغييرات في مناطق كثيرة من العالم ومنها الوطن العربي لأن كل مرحلة تحمل نقيضها وعوامل تحللها وسقوطها والأمر مرتبط بالزمن وتفاعل العوامل التي تسرع أو تؤخر عملية بروز النقيض وتحقيق عملية التحول
ننتقل إذا تكرمتم إلى سؤال ثان كيف تنظرون إلى علاقة السياسي بالثقافي، وكيف يمكن أن تتضافر جهود أطراف تلك العلاقة في وضع أمتنا وما تواجهه من تحديات وما تخوض فيه من تسويات وكيف تتصورون تلك العلاقة حين تتنازع الأمة حقائق التاريخ ومعطيات الواقع وهي تواجه تحديات وتخوض مفاوضات وتسوية وعلاقات في إطار السلام؟
العلاقة بين ما هو سياسي وما هو ثقافي علاقة عضوية، وإذا كانت السياسة إدارة الشؤون العامة في الدولة فهي ثقافة لأن السياسة أو قيادة المجتمع تتطلب مجموعة من المعارف والعلوم ودونها تكون السياسة مرادفة للجهل وفي ذلك كل الضرر لقضايا ومصالح البلاد
وإذا أخذنا السياسة بمعناها الشامل فهي تتناول كل مجالات الحياة، التربية والتعليم والاقتصاد والدفاع والأمن إلى غير ذلك، وجميعها مجالات تحتاج إلى المعرفة في قيادتها ووضع نهج لإدارتها
مجموعة المعارف هذه هي الثقافة ،وبهذا المعنى فالثقافة هي روح السياسة
ومن الصعب الفصل بين ما هو سياسي وبين ما هو ثقافي، وإن كان الفصل ممكناً بين رجل السياسة ورجل الثقافة، ذلك أن الأول بالضرورة مثقف والثاني ليس بالضرورة مهتماً بالسياسة، وهنا الفارق بين المثقف الملتزم وغير الملتزم
ودور الثقافة بمفهومها الشامل دور سياسي هام لاسيما عندما تكون الأمة في مواجهة مع تحديات مصيرية، فالتعبئة الفكرية والنفسية والاستدلال بالتاريخ وقراءة المستقبل وتحصين ا لناس ضد الغزو الثقافي والتلويث السياسي والتركيز على المحاور الأساسية التي تهم الأمة كل ذلك للثقافة دور أساسي فيه
إن دور المثقف كبير وبهذا المعنى فكل مثقف يجند فكره وعلمه ومعرفته لخدمة مصالح البلاد فهو سياسي وهذا ما يمكن التعبير عنه بالثقافة الملتزمة والمثقف الملتزم
هل هناك مجال أو هامش أوسع لتحرك المثقف في قضية مثل القضية القومية، قضية صراعنا مع العدو الصهيوني حيث يكون المثقف أكثر تشبثاً بالحقوق التاريخية والثوابت المبدئية بينما يمارس السياسي المرونة، ويكون هناك تفاهم وتعاون وتنسيق في هذا الإطار بين الثقافي المبدئي والسياسي التكتيكي ؟
في قضية الصراع العربي – الإسرائيلي ليس هناك فاصل بين السياسي وبين المثقف، وليس من المقبول القول أن هذا أكثر تمسكاً بالحقوق التاريخية من ذاك، لأن كل منهما يعمل من منطلقات واحدة هي خدمــة مصــالح البلاد
في الساحة السياسية هناك تعامل مع واقع قائم ومتحرك، والسياسة تأخذ بالاعتبار الواقع ولكن ضمن منظور المصالح العامة القائمة والقادمة، ولا تعني المرحلية في العمل السياسي القبول بما يتعارض مع الحقائق التاريخية ومع المصالح العليا للبلاد، وأعطي على ذلك المثال التالي : المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر قبل مشروع روجرز وزير خارجية الولايات المتحدة في حزيران عام /1970/ وهناك سياسيون ومثقفون رفضوا هذا المشروع فهل يعني ذلك أن عبد الناصر فرط والرافض كان الأكثر تمسكاً بالحقوق الوطنية والقومية ..؟
:وهناك أمثلة عديدة
يجب أن لا يكون هناك تناقض بين الموقف السياسي والموقف الثقافي إذا كان كلاهما ينطلق من ذات المبادئ والقواعد والرؤية، ولكن قد يكون لأحدهما هامش أوسع في مجاله
في قضية التفاوض من أجل السلام، إذا أدى التفاوض للإضرار بمصالح البلاد وحقوقها يشكل ذلك انحرافاً وطنياً، ولكن التفاوض بحد ذاته وبإطار تحقيق الهدف الوطني أمر مشروع وصحيح، وفي الوقت نفسه فإن رؤية المثقف يجب أن لا ترتكز على أساس تجريم التفاوض لأننا في مرحلة ما وفي ظروفها كنا نرى التفاوض أمراً ليس صحيحاً
ولكن كل ذلك يجب أن لا يقيد المثقف في الربط بين الحقائق التاريخية والواقع ورؤية المستقبل، ويجب أن لا تطغى المرحلية السياسية لتشكل مرحلية ثقافية، لأن في ذلك تأطير لواقع فيه خلل وإضعاف لمستقبل فيه الكثير من الطموح والأمل
ويمكن إعطاء مثال على ذلك الوضع العربي
من ناحية الحقائق التاريخية والحضارية، العرب أمة واحدة، ومن ناحية الواقع يعيشون في دول متعددة
السياسي يتعامل مع الواقع الراهن، وهذا لا يعني إلغاء الحقائق التاريخية والمثقف يتعامل مع الحقائق التاريخية في تعبئة كي تتحول إلى واقع قائم، ولكن إذا تعامل المثقف مع الواقع الراهن كحقيقة مستمرة ورسخ الواقع يكون قد ارتكب خطأً كبيراً
هنا السؤال يأتي تقريباً مكمّلاً للأول أو على هامشه، كيف تنظرون إلى دور المثقفين العرب في رفض الاعتراف بالعدو الصهيوني وتطبيع العلاقات معه في ظل المفاوضات والتوجه السياسي العربي نحو التسوية الذي بدأ من قمة فاس واستمر حتى الآن؟
يجب أن لا ننظر إلى قضية التسوية السياسية أو المسيرة السلمية من زاوية الجلد الذاتي ولا ننظر إليها من جانب آخر
منذ قيام إسرائيل والعالم في قناعة أنها تريد السلام وأن العرب يريدون الحرب، وقد أعطاها ذلك دعماً متعدد الجوانب، ولم يأخذ العالم دعوة العرب إلى السلام مأخذ الجد إلا في مرحلة متأخرة، وقد تدعمت دعوتهم بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الراهنة حيث تشكلت قناعة لدى معظم الأطراف الدولية أن إسرائيل تعطل عملية السلام مما أدى إلى عزلة إسرائيل والتي إذا استمرت ستكون بالغة الأثر على الدولة العبرية
وفكرة الحل السياسي للصراع العربي – الإسرائيلي لم تبدأ في قمة فاس وإنما بدأت قبل ذلك بعد حرب عام /1967/ عندما قبلت كل من مصر والأردن القرار /242/ وبعد حرب تشرين عام /1973/ عندما قبلت سورية القرار/338/ والذي يتضمن القرار /242
والنشاط الثقافي العربي في مقاومة التطبيع أمر يخدم المصالح القومية، ذلك أن إسرائيل تسعى لأخذ كل مكتسبات السلام مع الإبقاء على الاحتلال وعلى سياسة العدوان، ومع الأسف فإن بعض الساسة العرب تحت تأثير الضغوط الخارجية سارع للتطبيع تحت شعار مضلل انه يخدم العملية السلميةوإذا كانت الحركة الصهيونية والكثيرون في إسرائيل يدعون إلى إسرائيل الكبرى فليس من حق أحد أن يمنع السياسي أو المثقف من الدعوة إلى الحقوق التاريخية للأمة العربية
إن العملية السلمية في إطار تحقيق مصالحنا يجب أن لا ينظر إليها كمسألة تدعو إلى الريبة لأن مثل تلك النظرة تفتقد الموضوعية
إن ما ميز سياسة سورية بعد تشرين الثاني /1970/ هو التعامل مع الواقع في إطار رؤية شاملة للمستقبل
إن الانكماش تحت ذريعة الحقوق التاريخية يشكل سداً منيعاً أمام التحرك نحو تلك الحقوق، ودائماً يجب أن ننطلق من قناعة أن تحرير الأرض أفضل كثيراً من بقائها تحت الاحتلال شرط ألا يكون هذا التحرير شكلياً ويؤدي إلى توسيع فعلي لرقعة الاحتلال
هناك نقطة إذا تكرمتم أن نتوقف عندها قليلاً، أن المجتمع الدولي والعالم ليس مع الحروب في الظرف الحالي ولا أحد، أصلاً، يحب الحروب لكن الملاحظ أنه بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم تقريباً لم تتوقف الحروب بأشكالها المختلفة والخسائر البشرية في هذا المجال تشكل أرقاماً مذهلة وإسرائيل ذاتها تخوض باستمرار حروباً عدوانية ضد العرب، ومع ذلك الرأي العام الأمريكي أو الغربي يحاول أن يغطيها وأن يغير من صورتها وأيضاً لا يعاملها إطلاقاً كمعتد ولم يطبق عليها في يوم من الأيام قرارات على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة كيف يمكن أن نوفق بين رأي عام يرفض الحروب وممارسات مستمرة بأشكال من الحروب؟
إسرائيل حالة شاذة في الساحة الدولية، فهي كل يوم تخرق ميثاق الأمم المتحدة وترفض الالتزام بقراراتها وتمارس العدوان ومع ذلك فهي في حماية من كل إجراء دولي
هنا يجب أن نعود إلى الخلفية التي قامت عليها الدولة الإسرائيلية وإلى دورها في المنطقة وإلى طبيعة علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية
وفي الوقت الذي تحاصر فيه ليبيا وكذلك العراق وإلى حد كبير السودان، نجد أن الأبواب مفتوحة أمام إسرائيل
ببساطة هي الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط وما بعده شرقاً
في مرحلة الحرب الباردة كان الغرب يعتمد على الأحلاف، ومع سقوط النظام العسكري في باكستان في عقد الستينات تعطل الحلف، فاعتمدت الولايات المتحدة بصورة أساسية على قواعدها السياسية والعسكرية والأمنية في إسرائيل وإيران الشاه وتركيا
وبعد سقوط الشاه وقيام الثورة الإسلامية في إيران سقطت أخر قلعة متحالفة مع الغرب في المنطقة وبقيت إسرائيل
الولايات المتحدة لا ثقة لها بأصدقائها من العرب وغير العرب لتأمين مصالحها واضطرت في حرب الخليج الثانية إلى استخدام قواتها لإخراج العراق من الكويت، فهل من الممكن أن تستمر في حالة من الاستنفار العسكري في المنطقة لحماية مصالحها وضمانها..؟
من هنا تأتي أهمية إسرائيل ومن هنا يأتي حجم الثمن الذي يدفعه العرب لحماية مصالح تؤخذ من ثرواتهم وأرضهم وسيادتهم ، ولذا فإن إسرائيل ستبقى بحماية أمريكية إلى أن يقوم توازن دولي جديد أو وضع عربي جديد تصبح معها المهمة الإسرائيلية مهمة مستحيلة وعندئذ تتوازن السياسة الأمريكية
لماذا إسرائيل وليس غيرها من دول المنطقة ..؟ لأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تستطيع أن تستغني عن الدعم الأمريكي مهما كان الحزب الحاكم فيها حتى ولو كان شيوعياً
القطرية في الوطن العربي أصبحت صيغة اعتراضيه أو شبه اعتراضيه على القومية وعلى العمل الوحدوي في الوطن العربي ما رأيكم في ذلك؟
:في واقع الحال القطرية حالة متجذرة في الواقع العربي، ولذلك أسباب عديدة
أول هذه الأسباب أن التجزئة ترسخت في ظل الاستعمار الأجنبي، فرنسا مثلاً كانت تحكم المغرب العربي كله ومع ذلك فقد أبقته في ظل حكمها في حالة التجزئة
وثاني الأسباب أن الدول التي نالت استقلالها الوطني وقعت تحت ضربات الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والضغوط الخارجية، مما أدى إلى نشوء سلسلة من الاهتمامات القطرية أثرت على إطارها القومي
وثالث الأسباب هو المصالح الضيقة لبعض الفئات الحاكمة في الوطن العربي منذ نشوء الدولة القطرية، في ظل ازدواجية مقيتة، ممارسات قطرية وشعارات قومية وتغلبت مصلحة القطر الآنية على مصلحة الأمة الشاملة
ورابع هذه الأسباب البنى الاقتصادية والثقافية والاجتماعية في كل قطر والتي في معظمها اتخذت الطابع القطري مما خلق جملة من التعارض في المصالح بين هذا القطر وذاك
وخامس الأسباب عدم نجاح التيار القومي في الساحة العربية في بلورة نظام عربي جديد يأخذ بالاعتبار الواقع القطري ويفتح الطريق أمام الآفاق القومية ولعل أبرز أمثلة على هذا الفشل، انهيار الجمهورية العربية المتحدة، ثم ميثاق الوحدة الثلاثية بين سورية ومصر والعراق والذي تم التوصل إليه في نيسان عام /1963/ وعدم النجاح في تحقيق الوحدة بين سورية والعراق في ظل ثورتي رمضان في العراق وآذار في سورية، ثم انهيار اتحاد الجمهوريات العربية وبعده انهيار الميثاق القومي بين سورية والعراق
وأعتقد أن من المهام الأساسية الملقاة على عاتق المفكرين والمثقفين العرب العمل على إعادة تأهيل فكري في الساحة العربية لدفع قضية الهوية والانتماء والمصالح القومية إلى واجهة العمل السياسي والثقافي، وخاصة بعد أن تأكد فشل نظام الأقطار في تحقيق الحماية الدنيا لهذه الأقطار أو في ضمان مصالحها من جهة ومن جهة ثانية بعد بروز واضح لسياسة معادية للعرب هادفة ليس إلى تأجيج صراعاتهم ومنازعاتهم بل إلى تفكيك الوحدة الوطنية لكل قطر عربي
والدعوة إلى تعزيز الانتماء القومي ليست فقط ملحة لإعادة البحث عن نهج للارتقاء من القطر إلى الوطن ولكن لحماية كل قطر لوحده أيضاً لاسيما في ظل الوضع الدولي الراهن والتطورات المرعبة في الساحة الدولية بما فيها التطورات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية
سيادة النائب هناك حوار وتواصل قومي إسلامي ناشئ في الوطن العربي بعد قطيعة وصراعات مرة وضعت العروبة مقابل الإسلام والإسلام مقابل العروبة مما أضعف التيارين معاً ومن ثم الأمة بكاملها، ما هي آفاق هذا التوجه الجديد وهل هو عمل مرحلي من قبل التيارين أم تجسيد لاختيار استراتيجي؟ وكيف يمكن أن تتعزز الثقة بين التيارين من وجهة نظركم بعدما كان بينهما؟
عملية الفصل أساساً لم تكن جزءاً من متطلبات مصالح الأمة بل جاءت نتيجة ظروف معينة وفي مراحل مختلفة
:عملية الفصل بين العروبة والإسلام ليست جديدة وبدأت في مطلع هذا القرن في ظل الدولة العثمانية، وقد مرت بمرحلتين
الأولى عندما كانت الدولة العثمانية دولة إسلامية، ولا يعامل في ظلها مواطنوها المسيحيون كما يعامل المسلمون ماعدا الذين كانوا في حماية القناصل الغربيين، فقد أدى ذلك الوضع إلى تحسس قومي لدى بعض المثقفين من المسيحيين العرب والذين آثروا الأمة على الارتماء في حضن الأجنبي فكانوا أول دعاة للاستقلال العربي عن الدولة العثمانية
والمرحلة الثانية ظهرت في ظل سيطرة حزب الاتحاد والترقي في تركيا على مقاليد الحكم ومحاولته فرض التتريك على شعوب الدولة العثمانية بمن فيها العرب فتحركت المشاعر القومية لدى عدد من المثقفين العرب وبينهم رجال دين ضد التعصب القومي الطوراني الذي كان برز في ظل حكم حزب الاتحاد والترقي
في تلك المرحلة بدأ تأسيس الجمعيات العربية وكان معظم قادتها من المثقفين الذين تأثروا بالمفاهيم القومية في الغرب وهي علمانية بسبب الآلام والمآسي التي خلفتها الحروب الدينية في أوروبا
لقد كان حلم القوميين العرب في تلك المرحلة وفي ما تلاها من مراحل إقامة دولة عصرية وفصل الدين عن الدولة مما أدى إلى نشوء هوة بين القوميين وبين رجال الدين ومن ثم الإسلاميين، وتداخلت العوامل الثقافية مع العوامل السياسية والاجتماعية فاتسعت الهوة
لقد اخطأ القوميون في نظرتهم للإسلام، ولم يستطيعوا أن يدركوا أن العروبة هي الهوية وأن الإسلام هو حضارة العرب ورسالتهم التي حملوها إلى الأمم الأخرى، وخسر القوميون جماهيرهم المتدينة بسبب عجزهم عن فهم معادلة العلاقة بين العروبة والإسلام
كان القوميون يحملون طموحات الجماهير ولكنهم وضعوا حاجزاً بينهم وبين جماهيرهم عندما لم يربطوا بين العروبة وبين تاريخها وحضارتها وثقافتها في الوقت الذي كان يجب أن يقيموا روابط قومية بين ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم
وعندما أقول القوميين لا أريد التعميم لأن في التعميم ظلم لحقائق ووقائع عديدة، فكثير من القوميين رأى طبيعة العلاقة بين العروبة والإسلام ودعا لها وعمل من أجلها، ولكن هؤلاء لم يضعوا الأساس الفكري والمنهجي للتيار القومي
أول جمعية تأسست على أساس الدعوة للوحدة العربية ووضعت منهجاً تضمن حدود الوطن العربي والأسس التي يجب أن تقوم عليها دولة الوحدة تأسست في مصر عام /1936/ وكان من بين مؤسسيها عبد الستار الباسل وعبد الرحمن عزام ومنصور فهمي ومحمد علي علوية وأسعد داغر
ويعتبر ميثاق هذه الجمعية من حيث الشمول القومي والامتداد الجغرافي أهم وثيقة سياسية قومية قبل الإعلان عن مبادئ حزب البعث العربي عام /1947
:وفي نشرة تثقيفية لهذه الجمعية ورد ما يلي
الدولة العربية دولة قومية لا دينية والأديان عندها هي سبيل المرء إلى خالقه
لقد وزعت النشرة في مصر وفي مجتمع الدين فيه قوام أساسي وفي مرحلة فُهم فيها أن الدولة اللا دينية هي دولة ملحدة كافرة فلنتصور العقبات التي نشأت بسبب ذلك وهكذا كان التيار القومي تياراً ثقافياً
وفي تقديري فقد خسر التيار القومي أهم وسيلة للإعلام للدعوة إلى مبادئه وإلى برنامجه وهي المسجد الذي كان أهم وسيلة للاتصال بالجماهير
وإذا كانت هذه ثغرات التيار القومي فإن مثلها ارتكبه التيار الإسلامي بفعل عدم إدراك طبيعة العلاقة بين العروبة والإسلام أو بسبب التحجر القومي لدى بعض قادة التيار الإسلامي والذين لم يكونوا من أصول عربية فاعتبروا الدعوة إلى العروبة دعوة تتخطى الآخرين في الوطن العربي، في الوقت الذي كانت فيه الدعوة القومية بعيدة عن العنصرية
لم يدرك أولئك الإسلاميون أن الإسلام حضارة العرب وثقافتهم وأن الله أعز العرب بالإسلام عندما أنزل القرآن باللغة العربية واختارهم ليكونوا أول دعاة ينشرون الدين الجديد والحضارة الجديدة في مشارق الأرض ومغاربها
وإذا كانت الخطوات التي سارها القوميون والإسلاميون متأخرة جداً فخير أن تأتي متأخرة من ألا تأتي أبداً
أعتقد أن التيارين أدركا خطورة التناقضات الهامشية بينهما وأثرها البالغ على التناقض الرئيسي مع أعداء الأمة مما يضعف الأمة في مواجهة التحديات القائمة والمقبلة
إن توجيه الجهد ضد المخاطر الرئيسية والابتعاد عن الاستنزاف الداخلي وتجنب الخلافات الهامشية وكذلك أسلوب وضع الطاقات في موضعها من الأمور التي يجب التركيز عليها
ولا يجوز بحال من الأحوال اعتبار أية فئة قومية أو إسلامية تضعف الأمة وتشغلها عن عدوها، هي في إطار قومي أو إسلامي
في الدولة العثمانية قامت الطورونية ومن طورها من علماء غربيين أخذوا أسماء تركية واندسّوا داخل الصف الطوروني وكذلك اليهود الدونما لعبوا دوراً في إنعاش القومية الطورونية على حساب القوميات الأخرى إلى أن أصبحت نوع من العدائية للقوميات فتفجر الإطار على أرضية قومية إلى أي مدى كان هذا فعلاً استعمارياً مخططاً له، ضد الإسلام وضد القوميات التي احتواها الإسلام ؟
يجب أن ننظر إلى هذه القضية نظرة موضوعية، الدولة العثمانية أسسها الأتراك ولكنها كانت دولة إسلامية بغض النظر عن نظام الحكم الاستبدادي والذي كان سائداً في تلك المرحلة في أوروبا كلها وفي معظم بلدان العالم
لم يكن السلطان العثماني استبدادياً وكان قيصر روسيا ديموقراطياً، هكذا كانت أنظمة الحكم
ولكن يجب أن نذكر أن الدولة العثمانية توسعت غرباً فأخذت القسطنطينية وحولتها عاصمة لها، ثم واصلت تقدمها في قلب أوروبا الوسطى ونشرت الإسلام هناك
هذه الدولة أخذت في مرحلة تضعف إلى أن وصلت إلى مرحلة الوهن فازدادت الأطماع الغربية فيها وفي الوقت نفسه برزت الحركة الصهيونية وسعت إلى شراء فلسطين من السلطان عبد الحميد الذي رفض العرض بقوة
تحالف الأطماع الغربية مع أطماع الصهيونية بدأ العمل لتفكيك الدولة العثمانية، وحزب الاتحاد والترقي كان إحدى الأدوات حيث لعب اليهود دوراً مهماً في قيادته ودفعه باتجاه تتريك الشعوب غير التركية فساهم في بروز المشاعر القومية لدى تلك الشعوب
وظل الغرب يراقب، كل دولة لها أطماعها حتى كانت الحرب العالمية الأولى فسقطت الدولة المريضة وتوزع المنتصرون المغانم وبدأت مرحلة جديدة من الصراع في سبيل الاستقلال الوطني من جهة ومقاومة الحركة الصهيونية من جهة ثانية
تعرض التضامن العربي، والحلم القومي العربي معاً إلى عمليات تراجع وإحباط لاسيما بعد حربي الخليج الأولى والثانية كيف تنظرون إلى مستقبل العمل العربي المشترك والأحلام القومية الكبرى، التحرير، الوحدة، الحرية التي حركت جهد أجيال عربية في العقود السابقة من هذا القرن؟
الواقع العربي لا يدعو إلى الارتياح، فالخلافات العربية تعصف بين هذه الدولة وتلك، في الوقت الذي تركز فيه القوى الأجنبية لاسيما الصهيونية على زيادة حالة التفكك، لأن ضمان إسرائيل وضمان برنامجها يكون في تفسخ العرب وزيادة تناقضاتهم وأشغالهم بأمور لا علاقة لها بمصالحهم الأساسية
عندما تواجه أمة مخاطر في الخارج أو الداخل فإن أبسط ما يجب أن تتوجه له هو استعادة الوضع الصحيح والتخلي عن التناقضات الهامشية لمواجهة التناقض الرئيسي الذي يهدد الهوية والأرض وينذر بمستقبل مظلم
عندما يتحد العرب على قاعدة حماية مصالحهم الأساسية وتجاوز المسائل الفرعية يستطيعون أن يحموا مصالحهم وأن يواجهوا كل المخاطر التي تعصف بهم
السؤال الذي يجب أن يطرحه كل عربي، مسؤولاً كان أم خارج المسؤولية الرسمية، هل يمكن مواجهة التحولات الدولية والمخاطر المحدقة بالعرب والأطماع في أرضهم وثرواتهم في ظل استمرار الوضع العربي الراهن ..؟
من المؤسف القول أن الفترات التي شهدت استقراراً في العلاقات العربية وتعاوناً كانت قصيرة ولكنها كانت كافية لاستخلاص الدروس
في مطلع السبعينات شهدت الساحة العربية حالة من التضامن والتعاضد وفي ظلها تمكن العرب من وقف ضخ النفط إلى الولايات المتحدة وهولاندا، فهل في وسعهم الآن التحكم بثرواتهم ..؟
من المؤلم أن الأجنبي أدرك قوة وفاعلية التضامن العربي، وأهمية الوحدة العربية في مجمل الأوضاع الدولية، فتسلل حيث استطاع فخسر العرب تضامنهم. وهم إذا لم يدركوا خطورة الوضع ويستعيدوا تضامنهم وتعاضدهم فسيخسرون كل شيء
إذا نظرنا إلى الساحة العربية الآن وفي ظل حالة القهر والظلم التي تمارس على العرب فثمة مؤشرات على إدراك خطورة الوضع الراهن، فقد رفضت معظم الحكومات العربية التوجهات الأمريكية بالمشاركة في مؤتمر الدوحة
هذا في المجال الرسمي أما في المجال الشعبي فإن صورة أخرى تتكامل نرى من خلالها نمواً متصاعداً لوعي عربي، وبات الشارع العربي أكثر يقظة من السنوات السابقة
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحكومات العربية إذا لم تتحسس نبض الشارع العربي وتجاهلته فإن مناخاً سلبياً سيسود الوطن العربي، وسيكون لذلك انعكاسات عميقة على الاستقرار في المنطقة
في الواقع التضامن العربي لم يتراجع بعد حربي الخليج وإنما قبل ذلك، مع التأكيد على أن حربي الخليج كانت لهما تأثيرات سلبية عميقة في العلاقات العربية استفاد منها جميع خصوم العرب
أعتقد أن مجمل التطورات الدولية والإقليمية والعربية ستفرز وضعاً جديداً في الوطن العربي يقوم على أساس وحدة المصير والمصالح، وليس هناك مفر من ذلك وإلا فالسقوط في أحضان التفكك الوطني وغياب الإرادة الوطنية الحرة، ووضع كهذا سيكون نقيضه بديلاً عنه لكن سيكون الثمن مكلفاً
ولابد من الإشارة إلى أن الطموحات الكبرى ستبقى أحلاماً بعيدة المنال وإذا لم تقترن بالكفاح اليومي لتحويل الطموح إلى واقع
جميعنا أصبحنا بحاجة إلى إعادة تأهيل ليتمكن أولئك الذين حجبت بصيرتهم مصالح ضيقة محدودة، من رؤية الواقع واستعادة الأمل في المستقبل واستعادة الطريق الصحيح لتحقيق الطموحات الكبرى في مشرق الوطن ومغربه
ولعل من أهم العقبات أمام الحفاظ على الهوية ورؤية الطموحات الكبرى هي إغفال دور الجماهير في كثير من بقاع الوطن الكبير فأغرقت في قضايا جزئية فتعطلت قدراتها على السير نحو الأهداف الكبرى
لقد قاوم الغرب الاستعماري المشروع القومي العربي ووقف ضد أشكال الوحدة وفتت مظاهر التضامن هل يغير الغرب اليوم نظرته ومواقفه من المشروع القومي العربي مع ظهور الصحوة الإسلامية وبمواجهتها؟ وكيف ينظر القوميون والإسلاميون إلى الغرب اليوم؟
نحن نحّمل دائماً تقصيرنا للأجنبي والذي له دور كبير في كثير مما نعاني
ولكن دور الأجنبي يكبر أو يصغر بقدر ما يصغر دورنا أو يكبر والأمة التي تصمم على امتلاك زمام مصيرها لن تستطيع قوة خارجية هزيمتها وكسر إرادتها
إن أخطر أعداء العرب ما يعيش في داخلهم من عوامل الفرقة والانقسام وغلبة الأمور الجزئية على الأمور الكلية وهذه جميعها مظاهر لأمراض أصابت جسم الأمة عبر قرون من الزمن
حقائق التاريخ ومضامين الواقع تؤكد لنا أن سبيل الأجنبي لتحقيق أطماعه تفكيك العرب وزرع التناقضات فيما بينهم، مما يجعل الفريقين المتخاصمين موظفين في خدمة مصالح الأجنبي
الذي يرى في الوجود الأجنبي حماية له يخسر إرادته ويكبل نفسه، والذي يتصرف بما يعطي الأجنبي مبررات الدخول يكون قد فتح الأبواب بيديه للأجنبي لينال منه ومن شقيقه المتنازع معه فيخسر الإنسان وتضيع مصالح الأمة وتهدر حقوقها
هل سيغير الغرب توجهه فيبتعد عن اللعب على أوتار الخلافات العربــية .. ؟
هنا وموضوعياً الغرب غير موحد في هذه المسألة، وإن كانت تشكل سياسة التفريق في الماضي الأساس في سياساته الاستعمارية
بعض الغرب نعم، وبعضه الآخر تفرض مصالحه والوضع الدولي الراهن أن يكون على صلة حسنة مع العرب، فغير خطابه السياسي من مضمون العداء إلى مضمون استنكار الظلم الواقع على الأمة العربية لاسيما في قضية الصراع العربي – الإسرائيلي … والبعض الذي يعمل على سلب العرب حريتهم والهيمنة على وطنهم وقرارهم وسيادتهم فريق منه يعمل في ظل ضمان مصالحه، وفريق متأثر بالإرث الاستعماري وما يتركه من عداء للعرب
التوقيع بين سوريا والسوق الأوروبية المشتركة ماذا يرتب ذلك علينا؟ وماذا يفيدنا؟ وما هي انعكاساته السياسية بحكم العلاقة بين الاقتصاد والسياسة؟
هناك تفاهم بيننا وبين الاتحاد الأوروبي لإجراء حوار من أجل الوصول إلى شراكة بين سورية وبين الاتحاد الأوروبي، حتى الآن لم تبدأ المفاوضات لذلك لا نعرف بالضبط ما هي متطلبات الشراكة، نحن نريد الشراكة لأننا نعتقد أنها تخدم مصالحنا ولذلك من السابق لأوانه التحدث عن طبيعة هذه الشراكة ومتطلباتها
لكن نحن، من حيث قدرتنا كسوق سورية، من حيث الإنتاج ودرجة المواصفات في الإنتاج هل تؤهلنا هذه القدرة لدخول شراكة مع سوق أوروبية فيها إنتاج متقدم وفيها مواصفات عالية، وكيف يمكن أن تكون صورة المزاحمة أو صورة التواصل؟
المنافسة شرط أساسي للوصول إلى الأفضل، المنافسة في صف مدرسي تحسن ظروف الطلاب، والمنافسة في الصناعة تحسن الإنتاج من حيث النوع والسعر ،
أن أفضل ما في اقتصاد السوق هو عامل المنافسة، وأسوأ ما فيه غياب دور الدولة وهو مطلوب لتحقيق التوازن السياسي والاجتماعي
يجب الملاءمة بين بعض العناصر في اقتصاد السوق وبين مسؤولية الدولة في حماية المجتمع
إن الحماية الاقتصادية ضرورية لنمو الصناعات، ولكن فتح باب المنافسة ضروري لاستمرارها. هذا مع العلم أن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تتطلب مرحلة انتقالية لتأهيل صناعاتنا لتكون قادرة على المنافسة واختراق الأسواق الأجنبية وفي غير ذلك فإن خسائر الاقتصاد الوطني ستكون كبيرة
تعاني أقطار عربية من حصار مباشر تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مجلس الأمن الدولي، وتعاني بعض الدول العربية من حصار غير مباشر جراء ضغط وتضييق عليها ومنعها من الحصول على ما تطور به قدراتها وتدافع به عن نفسها مثل سوريا على سبيل المثال. كيف السبيل إلى مجاوزة هذا الوضع عربياً ودولياً في ضوء المعاناة من جهة وضخامة التحديات من جهة أخرى؟
أخطر حصار يواجهه العرب هو حصار أنفسهم، بانقسامهم وقبولهم ما يفرض عليهم في الوقت الذي تتحلل إسرائيل من كل التزامات يفرضها مجلس الأمن والشرعية الدولية وقواعد السلوك الدولية، وليس هناك قطر عربي لا يعاني حالة من حالات الحصار حتى تلك ذات العلاقات الوثيقة بالولايات المتحدة
عندما تتمكن الحكومات العربية من التغلب على خلافاتها وتدرك أن قوتها في التضامن والتعاضد عندئذ تسقط كل حالات الحصار تلقائياً
هذا الكلام الذي تفضلتم به يطرح منذ زمن وتتخذ فيه قرارات على مستوى القمة منذ زمن ولكنه لا يجد طريقه للتنفيذ، كيف يمكن أن نطور الوضع العربي من شعار جيد إلى أداء جيد؟
النظام العربي نفسه ثغراته تعطل قرارات مؤسساته، وأهم الثغرات هو عدم وجود ضوابط وآليات للتنفيذ، ومثال ذلك في القمة العربية التي عقدت في القاهرة في حزيران /1996/ تم اتخاذ قرارات تتعلق بالتطبيع مع إسرائيل في حال عدم إقدام الحكومة الإسرائيلية على تغيير نهجها، وبالطبع فإن هذا القرار لا يجيز عقد مؤتمر اقتصادي تشارك به إسرائيل
في الواقع بعض الحكومات العربية لم تلتزم بالقرار رغم انه صدر بالإجماع تحت ذريعة السيادة، واستخدمت السيادة بشكل ساذج لتغطية موقف غير ساذج، ذلك أن ميثاق الجامعة العربية ينص على أن القرارات الصادرة بالإجماع ملزمة والصادرة بالأكثرية ملزمة للموافقين عليها
وفي قواعـــد القانون الــدولي الـــدولة الـــتي تنتمي إلى منظمة دولية – والجامعة العربية منظمة دولية – فإن الدولة العضو تكون قد تنازلت بصورة مسبقة عن جزء من سيادتها لصالح الشراكة
والملفت عندما يتعلق الأمر بالالتزام العربي تبرز قضية السيادة وعندما يتعلق بمصالح دولة أجنبية يغيب هذا المفهوم
نلاحظ ضموراً في الوجدان القومي العربي أو تضييقاً عليه في التعبير عن مواقفه حيال القضايا القومية وما يجري في بعض القضايا العربية بشكل عام ما هو تعليلكم لذلك؟ وما هي سبيل إعادة الحيوية والسلامة ولو نسبياً لذلك الوجدان؟
كلمة ضمور في الوجدان غير واقعية لأن الوجدان تعبير عن الوجود والهوية، في الشارع العربي إحباط وليس ضمور في تحسس المسؤولية القومية وسببه هذا الحجم من الظلم والقهر والعدوان الذي يمارس على العرب وهذا الحجم من الغفلة عن رؤية المخاطر والانصراف إلى قضايا غير ذات صلة بالمصير الوطني أو القومي، وإذا أضفنا إلى ذلك الحرب النفسية الموجهة ضد المواطن العربي استطعنا أن نرى أسباب الإحباط الذي يعاني منه الشارع العربي
وإلى جانب الضغوط الخارجية يبرز عامل الكبت سواء كبت السلطة في بعض أقطار الوطن العربي أو ضغط الظروف المعيشية
والكبت السياسي أدى إلى تغيب دور الجماهير، وهذا أدى إلى غياب الرقابة الشعبية والمحاسبة وعندما تغيب الرقابة الشعبية والمحاسبة ليس هناك حدود للخطأ، وكلما ازدادت الأخطاء ازدادت الضغوط على ا لجماهير
لكن سيدي ألا تلاحظون أن الشارع العربي بالذات كان سابقاً، في فترة الخمسينيات حتى الستينيات كان يتحرك عفوياً للتعبير عن موقف قومي حيال قضية ما ويتعرض لكثير من.. يعني دكتاتورية الشيشكلي مثلاً كان يتعرض لها البعثيون ويتلقون رصاصاً.
اختلفت من كافة وجوهها السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما أن الوضع في مرحلة الخمسينات كان يختلف بين قطر عربي وأخر وفق طبيعة النظام السياسي الذي كان قائماً، ولا يمكن تطبيق ذات المعايير على كل الأنظمة العربية التي تختلف من حيث تكوينها باختلاف أوضاعها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية
في عام /1955/ تظاهر الطلبة في سورية وضربوا وزيري الاقتصاد والداخلية بسبب صفقة قمح أبرمتها الحكومة السورية آنذاك مع فرنسا في وقت كان يشتد فيه القتال في الجزائر، ولكن اليوم عندما تكون سياسة الدولة متطابقة تماماً مع تطلعات الجماهير وطموحاتها فإن دور الشارع بات مختلفاً فهو مطالب أن يكون يقظاً لحماية هذه السياسة
وإذا أخذنا قضية الصراع مع العدو الصهيوني، بعض العرب أبرم اتفاقاً مع إسرائيل وبعض هذا البعض فرط وبعضهم وفي مقدمتهم سورية تتمسك بحقوقها الوطنية والقومية، فدور الشارع في سورية دعم سياسة الدولة التي تتلاءم مع عقيدته وطموحاته، ودور الشارع في الدولة الأخرى هو النضال ضد مفرزات اتفاق لم يصن الحقوق
الحقيقة، إذا سمحت لي في العودة إلى نقطة الجماهير، الحالة التي شخصتها حضرتك، هل هي، بالنسبة للجماهير، غياب، أم تغييب أم استقالة؟
الحالة ليست غياب أو تغييب أو استقالة، هي مرحلة في التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الوطن العربي، هذه المرحلة لها عواملها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كما لها عواملها الخارجية، هناك مراحل في تاريخ الأمم كل مرحلة وليدة المرحلة التي سبقتها وفي غالب الأحيان هي نقضيها، ومن الاستحالة بمكان القول أن هذه المرحلة القائمة أبدية ومستمرة
سيدي نحن الآن في عالم، فيه سيادة قطب واحد، لكن أيضاً توجد فيه قضية العولمة بأبعادها الاقتصادية والسياسية والثقافية. ما هي نظرتكم إلى العولمة؟ وكيف ترون انعكاساتها على الوطن العربي ومصالح أبنائه؟ وعلى قضاياهم بشكل عام؟
الوضع الدولي الراهن مرحلة انتقالية في الحياة الدولية وهو انعكاس للقوى القائمة فعلاً. في ظل الحرب الباردة كان العالم عالم القطبين، وفي ظل توتراتهما نشأت قوى وحركات ومؤسسات دولية مستفيدة تارة من ذلك الوضع وتارة أخرى تكون مهددة بأضراره
ومن الطبيعي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أن تجد الولايات المتحدة نفسها قوة وحيدة مع قوى ثانوية مرتبطة بها دون أن تكون للولايات المتحدة مقومات قيادة العالم لأنها بحكم الواقع ومنطق الحياة محكومة بمصالحها وبالتالي فإن مصالح الأطراف الأخرى محكومة بضمان مصالح الولايات المتحدة الأمريكية
وعندما تتحكم المصالح ويغيب الردع الدولي فليس هناك حدود لفعل القوة ودورها في سياسة الولايات المتحدة مما يجعل العالم دون ضوابط ودون قواعد، ويفرض على الشعوب استعادة قدرتها بالكفاح للدفاع عن بقائها ومصالحها في غياب نظام دولي مبني على حق الشعوب بتقرير مصيرها والتطور السلمي دون تدخل خارجي وبعيداً عن العدوان أو التهديد به، وإذا كان العالم اليوم يسير دون ضوابط موضوعية فهل يسير نحو العولمة السياسية والاقتصادية ..؟
:هناك جهود كبيرة من قبل الدول الصناعية الكبرى لتحقيق عالمية الاقتصاد وإزالة الحواجز أمام انسياب منتجاتها إلى الدول الأخرى ولذلك أسباب عديدة منها
1) التطور التقني الهائل واستخداماته في مجال الصناعة التي أدت إلى تقليص اليد العاملة البشرية
2) زيادة الإنتاج مما شكل فوائض كبيرة مع تقلص في الأسواق
3) ضعف قدرات الدول النامية على تحقيق نمو مقبول وبالتالي عدم قدرتها على شراء منتجات الدول الصناعية
4) دخول دول شرق آسيا والهند والصين إلى السوق العالمية بمنتجاتها
وقد وضعت مقررات مؤتمر مراكش حول التجارة العالمية عدداً من القواعد لتحرير الأسواق بالإضافة إلى ذلك السعي للوصول إلى كلف متقاربة مما يفقد الدول النامية القدرة على الصمود وبالتالي القدرة على المنافسة
ومن المفيد الإشارة إلى أن الوضع الاقتصادي في الدول الصناعية سيؤدي إلى مزيد من المنازعات بين تلك الدول، فإطلاق المنافسة سيترافق مع إجراءات أخرى تستخدمها كل دولة من الدول الكبرى لإضعاف الدولة الأخرى وخلق الأزمات لها حتى تخرج من السوق .. هذه التطورات بحد ذاتها ستؤدي إلى وضع اقتصادي معقد يصبح من الصعب فيه تحقيق عالمية الاقتصاد بغير انهيارات جدية في معظم الدول الصناعية كما أن من الصعب بقاء السياسة الدولية معقودة قيادتها لدولة واحدة
لكن الذين يدفعون باتجاه العولمة لا ينتظرون الآخرين إلى أن يقيموا التوازن، الجانب الثاني من الموضوع هو مخاطر هذه العولمة المكتسحة على الهويات القومية، الثقافية، وغير الثقافية وعلى استقلالية الأوطان
إذا نظرنا إلى الساحة الدولية في هذه المرحلة ماذا نرى ..؟
ازدياد الحروب المحلية على أساس عرقي أو ديني كما في يوغوسلافيا السابقة والصومال وافغانستان، ونمو العصبيات القومية كما في الهند وانبعاث العصبيات القبلية كما في بعض الدول الأفريقية
السير في العولمة سيؤدي بالضرورة إلى ردود فعل بالاتجاه الآخر لأن الذين يسعون للعولمة سيعملون على إزالة هوية الآخرين طالما هويتهم ومصالحهم مضمونة بفعل القوة العسكرية والاقتصادية والعلمية وبفعل تفوقهم
هذا الوضع يتطلب جهوداً كبيرة للحفاظ على الهوية وتأكيد الذات القومية والوجود الوطني وخاصة أن المواطن في معظم دول العالم بات متلقياً للأخبار والأفكار وعلينا من أجل الحفاظ على الشخصية القومية أن نكون الناقل الأول عبر وسائل الإعلام وجميع وسائل الاتصال بالجماهير
الأصالة والتاريخ. حول الاختراق الثقافي
هناك، يعني، في مجال حقيقة اختراق ثقافات الآخرين، كما قال الرئيس بوش بعد انتهاء حرب الخليج الثانية أن القرن القادم هو قرن انتشار الثقافة الأميركية والقيمة الأميركية وأنماط السلوك الأميركي، فهي مرافقة لعولمة أو لأمركة أكثر منها عولمة في العالم. الولايات المتحدة الأميركية في موازنة عام 1998 وضعت في بند المساعدات الخارجية 222 مليون دولار لمن تسميهم فيلق السلام، وفيلق السلام مرتبط بسلام أوسلو وبتلك الاتفاقيات، لكنه يعمل في مجالات ثقافية لإحداث اختراقات في الوطن العربي تحديداً، وفي الثقافة العربية تحديداً، منهم جماعة كوبنهاجن، وجماعة غرناطة، وجماعات أخرى وتلاحظ، مع هذا، مع صيغة العولمة والزحف على الثوابت القومية انتشار جماعات أو عودة جماعات اليونز والروتاري في إطار الماسونية وكل هذا ينسق ويتعاون ويدفع له، لكن بالمقابل لا نجد، لا سياسة ثقافية عربية موحدة ولا دعم لسياسة ثقافية تستطيع أن ترفع رأسها لمواجهة هذا الضخ الكبير وهو حقيقة يشكل خطورة لأن هناك تواصل بين الثقافي والاقتصادي السياسي
أشاركك الرأي حول الزحف الثقافي الموجه للمواطن العربي عبر وسائل متعددة وأهمها وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، وعملياً فإن أمركة الثقافة في العالم لم تبدأ حديثاً وإنما بدأت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ولعبت السينما دوراً كبيرا في ذلك
الرد الطبيعي هو العودة إلى الأصول، إلى الثقافة العربية وإلى التراث العربي والربط بين ماضي الأمة وحاضرها بصورة تعزز الثقة بالنفس وتحصن المجتمع كما تحصن الفرد
سيدي تقيم الآن الفرانكوفونية مؤسسة دولية ذات أبعاد سياسية وثقافية تحديداً، وربما اقتصادية في المستقبل، هل تتوقعون تعارضاً في المصالح والأهداف بين الفرانكوفونية والأنكلوفونية وما هي انعكاسات ذلك على منطقتنا، ثقافتنا؟
ليس هناك مؤسسة انكلوفونية، والفرنكوفونية إطار عملت فرنسا على إقامته لتحقيق التعاون بينها وبين مستعمراتها السابقة بهدف تأمين مصالحها من جهة وكذلك الحفاظ على ثقافتها في تلك البلدان، وتطور هذا الإطار إلى أن أصبح – مؤخراً – لها أمين عام، ومع ذلك فهي لم تصل بعد إلى وضع مؤسسة دولية رغم سعي أعضائها لتحقيق تعاون اقتصادي فيما بينهم
أما صيغة الكومنولث فهي أمر مختلف بينما نرى الدور الفرنسي بارزاً في الفرنكوفونية من خلال نفوذ فرنسا ومساعداتها الاقتصادية، فليس لبريطانيا مثل هذا الدور والنفوذ
ننتقل إلى سؤال آخر بعد حرب الخليج الثانية وانتهاء الحرب الباردة برزت في العالم ظاهرتان سيادة القطب الواحد والعولمة، ما هي انعكاسات سيادة القطب الواحد في العلاقات الدولية وتأثيرها على قضايا الشعوب وقضايا التحرر الوطني ومر شيء من التعريج على هذا..؟
حالة القطب الواحد بدأت تواجه تمرداً في الساحة الدولية، فرنسا وروسيا والصين أعلنت كما أشرت سابقاً أنها تدعــو إلى عالم متعــدد الأقطاب، ولاشك فإن وهج القطب الواحد بدأ بالانحسار والتراجع، ومع زيادة تعقيدات الاقتصاديات في الدول المتقدمة ستزداد التناقضات وسيصبح العالم قريباً من مرحلة أخرى غير هذه التي تسوده الآن
كيف تنظرون إلى التحالف التركي الإسرائيلي بإشراف الولايات المتحدة الأمريكية؟ وما هي مخاطره على أمن المنطقة، ومستقبل علاقات دولها وشعوبها، وما هي سبل مقاومته والرد عليه؟
التحالف الإسرائيلي – التركي – الأمريكي في المنطقة قد يكون من أخطر ما تواجهه دول المنطقة وآسيا الوسطى في هذه المرحلة
هذا الحلف موجه ضد العرب وضد إيران فهو ضمان لمصالح إسرائيل وتأكيد لدور قيادي لها في المنطقة، وضمان لمصالح تركيا والولايات المتحدة في جمهوريات آسيا الوسطى
فالعلاقات الجديدة بين تركيا وإسرائيل تحت مظلة الولايات المتحدة منظومة أمنية بأبعاد سياسية واقتصادية لضمان مصالح هذه الدول والمصالح الأمريكية وبالتالي فهي تهديد مباشر للأمن القومي العربي والإيراني وأمن جمهوريات آسيا الوسطى
والبعد المؤلم في هذه العلاقة تركيا الدولة المسلمة والجارة التي لها حجم كبير من المصالح والعلاقات مع الدول العربية
هل من المتوقع أن تركيا تستطيع فكاكاً ولو بشكل ما من وظائفها في حلف الأطلسي التي يأتي التحالف التركي – الإسرائيلي جزءاً من الأمر الأمريكي في هذا المجال ؟
التحالف التركي – الإسرائيلي ليــس جزءاً من حلف الأطلسي
جزء من الأمر الأمريكي للمنطقة
أولاً دور تركيا في حلف الأطلسي انتهى، لأن الحلف الأطلسي منظومة أمنية أنشئت في مواجهة السوفييت، الآن الحلف الأطلسي تحول إلى منظومة سياسية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية من أجل المخاطر المحتملة المستقبلية وفي مقدمتها احتمال نهوض روسيا مرة ثانية، الآن الدور الراهن لتركيا في الحلف الأطلسي انتهى، العملية التركية – الإسرائيلية هي مصلحة إسرائيلية – أمريكية، فلذلك ،الأمر لا يتعلق بحلف الأطلسي، والكثير من دول حلف الأطلسي هي لا ترغب بإقامة مثل هذا الحلف بين تركيا وإسرائيل
كيــف ترون سبل تطوير عمل جامعة الدول العربية ومؤسسة القمة؟ هل هناك ضرورة لعقد قمة عربية حالياً ؟ وما هي نظرتكم إلى مشروع الاتحاد العربي المطروح على جدول القمة القادمة من مؤتمر القمة السابق ؟
لاشك أن الجامعة العربية أصبحت بحاجة لمراجعة، بعد خمسين سنة لابد من وقفة، أين تقدمت وأين تراجعت ؟ ماذا حققت وماذا لم تحقق؟ أين عوامل القوة وأين عوامل الضعف ؟
هذا الأمر كان مطروحاً، الواقع، قبل حرب الخليج الثانية، كان هناك لجنة، حرب الخليج نتج عنها وضع عربي، الوضع الراهن، عطّل البحث الجدي في هذا الموضوع، لكن نأمل أن يأتي الوقت الملائم لمثل هذه المراجعة، موضوع مؤتمر قمة عقده أو عدم عقده مرتبط بالظروف
هل يمكن قيام علاقات عربية إسلامية تؤدي إلى سوق اقتصادية مشتركة وتعاون سياسي فعال وكتلة متمايزة على أرضية المشترك العربي الإسلامي، أو المشترك في العالم الإسلامي ؟
في مطلع الحديث، تحدثنا عن السياسة الواقعية، والسياسة غير الواقعية، الآن أعتقد يجب أن نركز على تصحيح العلاقات العربية وإقامة السوق العربية والشراكة العربية الاقتصادية مع البحث عن إمكانية التعامل والتعاون الاقتصادي مع الدول الإسلامية، بالنسبة للدول العربية ونحن أمة واحدة وعلينا نفس المخاطر ولنا نفس المصير ونفس المستقبل، لازلنا نبذل جهوداً كبيرة حتى نصل إلى الحد الأدنى، الدول الإسلامية أيضاً لديها مشاكلها ومصاعبها وتعقيداتها لكن مع ذلك، العمل على خلق أطر التعاون في المجالات الاقتصادية من شأنه أن يساعد هذه الدول ويساعدنا في إزالة الكثير من التعقيدات، فالبنى الموجودة والجغرافية المنتشرة وطبيعة الأنظمة الاقتصادية والسياسية لا تجعل من اليسير الآن البحث في السوق الإسلامية
ينعقد قريباً مؤتمر القمة الإسلامية في طهران، هل يمكن أن تحل هذه القمة بعض الخلافات العربية الإسلامية والإسلامية الإسلامية وكيف يمكن تفعيل مؤسسة مؤتمرات القمة الإسلامية والانتقال بها إلى حيز أقرب إلى التنفيذ
الذي يحدث عملياً، هذه المؤتمرات الدولية، تأخذ طابع التضامن السياسي، في المؤتمرات الإسلامية يذهب العرب، يطرحون قضاياهم يجري تفهم لها وبالتالي تأخذ حيزاً في القرارات والبيان وتأتي هذه الدولة الإسلامية وتلك .. الخ
وعقد المؤتمر في هذه الظروف مناسبة جيدة للبحث في العديد من القضايا التي تهم العالم الإسلامي وأيضاً هو فرصة، وممكن اللقاء بين رؤساء الدول والبحث الجانبي على هامش المؤتمر في القضايا التي تهم هذه الدولة مع تلك، طبعاً هذا الأمر منوط برغبة الدول أن تستفيد من عقد المؤتمر ويلتقي رؤساؤها لحل الاشكالات التي قد تكون قائمة فيما بين هذه الدولــة والأخرى، والسؤال هل يمكن تطوير هذه المنظمة ؟
المنظمة تطورت جداً. إذا تذكرنا أول مؤتمر إسلامي عقد من أجل حريق المسجد الأقصى، ثم تحولت إلى مؤتمرات عقدت في هذه المناسبة أو تلك إلى أن تم الاتفاق على تحويلها إلى منظمة ،لها نظامها، لها قانونها، لها ميثاقها وقامت بدور كبير، في الواقع منظمة المؤتمر الإسلامي لعبت دوراً كبيراً في دعم القضايا العربية في المجال الدولي في الأمم المتحدة في حركة عدم الانحياز، وبالتالي السعي لتطويرها مفيد الآن ليست هي منظمة سياسية فقط، هناك منظمة الإعلام الإسلامي هناك منظمة التربية الإسلامية، هناك البنوك الإسلامية، انبثق عدد من المنظمات إلى جانب المنظمة السياسية الأم وهناك خطوات تجري بين الدول ويجري تحقيق تقدم قد يكون بطيئاً، لكن بالتأكيد الوضع الراهن في العلاقات بين الدول الإسلامية أفضل من الماضي بكثير، وآفاقه المستقبلية كبيرة ومصلحتنا نحن كعرب أن نسعى لتكون هذه المنظمة إطاراً جيداً لنمو العلاقات بين الدول الإسلامية بعضها مع بعض في جميع المجالات
هل تتوقعون ضربة أمريكية للعراق بعد الخلاف الأخير حول جنسية أعضاء لجان التفتيش والذي سوِّي مؤقتاً ؟ وما هو رد الفعل العربي المتوقع على ذلك ؟ لاحظت أن أمريكا لازالت تحشد قوى
هذا الموضوع انتهى، حالياً انتهى، بعد المبادرة الروسية وقبول العراق واجتماع جنيف. ولكن يجب عدم استبعاد توجيه ضربة والأمر مرتبط بالمصالح الأمريكية في المنطقة ومصالح إسرائيل، وإذا حدثت الضربة فإن ذلك عمل بالغ الخطورة
ما معنى حشد القوات المستمر ؟
طبعاً لا نستطيع أن ننفي أن تقع في المستقبل ضربة، لكن قد يكون هذا الحشد في إطار الضغط، في إطار الضغط على العراق، وفي كل الأحوال يجب أن يكون الوضع مقلقاً للعرب
تضع الإدارة الأمريكية سورية في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب بسبب دعمها للمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، ما هو ردكم على ذلك؟ وما هي رؤيتكم للمقاومة وللإرهاب ؟ وإلى أين وصلت الجهود السورية في عقد مؤتمر دولي للتميز بينهما، بين المقاومة والإرهاب ؟
الواقع كما أشرت في غير هذا المكان عندما يتعلق الأمر بإسرائيل يكون للولايات المتحدة الأمريكية معيار آخر في الأمور. في أفغانستان، منظمات المجاهدين التي كانت تقاوم الحكم الشيوعي آنذاك كانت منظمات وطنية وتلقت مساعدات ضخمة مليارات الدولارات من الولايات المتحدة وأصدقائها، لكن عندما يتعلق الأمر بالعرب وإسرائيل تكون نظرة مختلفة، في هذا الأمر نحن لا ننتظر أن تقيمنا هذه الدولة أو تلك، لا ننتظر أن تأتينا شهادة من هذه الدولة أو تلك، نحن مقتنعون أن من حق أي شعب يتعرض للعدوان والاحتلال أن يدافع وأن يكافح من أجل تحرير أرضه إذا أردنا أن نطبق المقاييس المطروحة في بعض الدول الغربية يجب إعادة كتابة تاريخ الغرب ومحاكمة القيادات الغربية التي قاومت الاحتلال النازي، قيادات المقاومة، لماذا يحق للفرنسي أن يقاوم الاحتلال النازي ولا يحق للعربي أن يقاوم الاحتلال الإسرائيلي ؟
برأينا المقاومة حق مشروع طبعاً، دعت سورية لمؤتمر لتعريف ولتحديد التعريف لكل من الإرهاب والمقاومة، هذا المؤتمر لم ينعقد لأن بعض الأوساط الدولية لا ترى أن لها مصلحة في ذلك لكن مع ذلك نجحنا في جميع المؤتمرات الدولية أن نركز على أن مقاومة الاحتلال ليست عملاً إرهابياً
هل ترون أن المقاومة الوطنية في جنوب لبنان، في هذا الإطار، قد اكتسبت شرعية المقاومة وزالت عنها صفة الإرهاب باعتراف أمريكي بعد اتفاق نيسان وتشكيل اللجنة؟
طبعاً المفاوضات التي جرت في نيسان والتي أدت إلى اتفاق /26/ نيسان كان حزب الله طرفاً أساسياً فيها ،ثانياً : نص الاتفاق تعترف بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية بشرعية المقاومة، عندما يرد نص أن على الطرفين تجنب ضرب الأماكن المدنية، المقاومة أخذت شرعيتها بنضالها
انعقد مؤتمر الدوحة في قطر في ظل مقاطعة وغضب عربيين وتصميم أمريكي على تحدي الإرادة العربية، كيف تنظرون إلى مثل هذه المؤتمرات في ظل تعثر عملية السلام وتنكر الكيان الصهيوني لما يلتزم به ويوقع عليه وفي ظل الانحياز الأمريكي لإسرائيل ؟
طبعاً موقف سورية واضح، نحن منذ إطلاق المبادرة الأمريكية والاتفاق على مؤتمر مدريد رفضنا كل المؤتمرات متعددة الأطراف والمؤتمر الاقتصادي حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو متعدد الأطراف، موقفنا ليس جديداً بواقع الحال، مؤتمر الدوحة، انتهى، ويجب أن يكون في الماضي ويجب أن لا يبقى في إطار التجاذبات في الساحة العربية، لقد فشل وانتهى، لم نعد نعتبره مشكلة وبالتالي نختلف من مع مؤتمر الدوحة ومن ضده ؟ المؤتمر انتهى، يجب أن لا نسقط أو نعطي إسقاطات لمؤتمر الدوحة على الساحة العربية ويستمر الخلاف، طالما المؤتمر انتهى ولن يعقد بعده مؤتمر آخر كما أعتقد
الكونغرس الأمريكي أرض محتلة من قبل اللوبي الصهيوني ومجلس الأمن الدولي أرض محتلة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، ما رأيكم في هذا القول من خلال مواقف الكونغرس الأمريكي من القدس والتهويد، والاستيطان والمفاوضات ومن خلال مواقف مجلس الأمن الدولي من القضايا العربية وسياسة الكيل بمكيالين ؟
أرض محتلة. كلمة غير دقيقة، لكن هناك نفوذ للوبي الصهيوني في الكونغرس، هناك نفوذ، بالإضافة إلى ذلك كما أشرت هناك علاقة تحالفية عضوية بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين إسرائيل من منطلق هذه العلاقة يجب أن نفهم ونفسر مواقف الكونغرس وغير الكونغرس، مجلس الأمن أرض محتلة من قبل الولايات المتحدة، الولايات المتحدة بحكم كونها عضوة دائمة تستطيع أن تعطل مجلس الأمن ولكن ليس بالضرورة قادرة أن تأخذ أي قرار من مجلس الأمن، تستطيع أن تمنع مجلس الأمن من اتخاذ قرار ولكن ليست بالضرورة قادرة أن تلزم مجلس الأمن على أن يتخذ أي قرار وبصورة خاصة مع بدء وعي روسيا لمصالحها، مع سياسة الصين الثابتة حول مجمل قضايا العالم وهي في كثير منها تتعارض مع السياسة الأمريكية حتى الدول الأخرى غير دائمة العضوية هناك من لا يتأثر وهناك من يتأثر، الأمر منوط بكل حالة لكن بكل الأحوال تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية منع صدور قرار والدليل منع صدور قرار فيما يتعلق بعدوان قانا وغيرها، يعني بكل ما يتعلق بإسرائيل تستطيع أن تحصل على تعطيل القرار ولكن لا تستطيع أن تأخذ قرارات من مجلس الأمن لصالح إسرائيل
القرارات التي اتخذت لصالح إسرائيل، بشكل غير مباشر في الوطن العربي يعني، القرارات المستمرة بأشكال مختلفة سواء ضد المقاومة، ضد حق الشعب العربي الفلسطيني، ضد
في مجلس الأمن لا يوجد قرارات، لا يوجد قرارات إطلاقاً لا ضد المقاومة ولا ضد أي دولة يوجد ضد العراق وضد ليبيا فقط، حتى موضوع السودان ما استطاعت الولايات المتحدة استصدار قرار. لجأت هي إلى القرار الأمريكي بالحصار، بالمقاطعة
المشروع الصهيوني الاستيطاني مستمر وهو يتحول من إسرائيل الكبرى إلى إسرائيل العظمى مع المحافظة على الطبيعة العنصرية للصهيونية، ما هي معالم المشروع النهضوي العربي الذي يناحر أو يرد على، أو يقف في وجه المشروع الصهيوني، وما هي مقوماته وآفاق الوصول إليه ؟
الواقع المشروع النهضوي العربي هو في طور النمو، سورية تمتلك رؤيا لهذا المشروع وسياستها مبنية على هذا المشروع، المشروع النهضوي بأبعاده يجب أن يكون مشروعاً اقتصادياً، مشروعاً سياسياً، مشروعاً ثقافياً، مشروعاً جماهيرياً أيضاً، وهذه مسؤولية جميع الأطراف العربية، حتى الآن ما يجري فقط هو القرار العربي الرسمي في إطار العملية السلمية لكن إلى جانب ذلك، هناك مشروع شعبي آخر ينمو إلى جانب العملية السلمية وهي مقاومة التطبيع، الدعوة إلى السوق العربية المشتركة، التلاحم الجماهيري في الساحة العربية الوعي الشعبي العربي، مجمل هذه الحالات هي التي ستزكي المشروع وتشكل المشروع النهضوي العربي والذي سيتكامل. يعني كل مرحلة ستفرض خطوة جديدة في هذا المشروع
مرجعية مدريد، بِفَرَضِ احترام الصهاينة لها، تؤدي إلى تثبيت حق ودولة لليهود في فلسطين على حساب الفلسطينيين أو على حساب جزء منهم، هل يمكن أن يقوم سلام في المنطقة مع وجود سيادة صهيونية في فلسطين وبقاء فلسطينيين خارج أرضهم ؟
أولاً هذا الأمر اعتقد لا يناقش بهذا الشكل ومسألة السلام لا ينظر لها من زاوية يقبل أو لا يقبل، معظم الأطراف الفلسطينية اختارت، كل العناصر الفلسطينية أو معظمها قبلت بالعملية السلمية، كل الفصائل الفلسطينية التي شاركت في مؤتمر الجزائر قبلت بالعملية السلمية، في الداخل وفي الخارج لكن هل هذه الأطراف تستطيع أن تلزم الشعب الفلسطيني بالتنازل عن حقوقه ؟ أعتقد هذا الأمر يقرره الشعب الفلسطيني ولا أحد يستطيع أن يلزم شعباً بالتفريط بحقوقه، الآن المسألة ليست مسألة سيادة أو عدم سيادة، المسألة كيف يستطيع الشعب الفلسطيني استعادة وحدته الوطنية التي تفككت خلال هذا المسار الطويل، كيف يستطيع أن يواجه المشروع الصهيوني الهادف إلى السيطرة الكاملة على كل الأرض الفلسطينية وإلى توسيع الاستيطان وإلى التهجير وإلى التصفيات يعني يجب عدم القفز لما هو بعيد عما هو قائم، الآن نرى ماذا يواجه الشعب الفلسطيني؟ وماذا يواجه العرب؟ ونوفر المنهج للمواجهة في هذه المرحلة. إذا نجحنا في إعادة الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني في بعدها القومي، نكون قد هزمنا قسماً كبيراً من المشروع الصهيوني الهادف إلى جعل كل فلسطين إسرائيل، يجب عدم القفز إلى الأمور البعيدة والتي تبدو كحلم ونتجاهل الأمور القائمة والتي تبدو هي الخطر، اليوم، أهم خطر هو الاستيطان، أهم خطر هو ما يجري في الأراضي الفلسطينية، في الانقسام الفلسطيني، في احتمالات هذا الانقسام، فريق يقاوم وفريق يساعد في إضعاف المقاومة. أعتقد هذه المسألة الأهم لأنه عندما يتفكك الشعب الفلسطيني، وتضيع هويته وبعده القومي تصبح كل القضايا الأخرى منتهية، الآن المرحلة كما هي، مرحلة الحفاظ على الهوية العربية، المهددة بالمخاطر، يجب أيضاً أن تكون مرحلة الحفاظ على الهوية الفلسطينية التي توضع تحت السحق
هل ترون أن هذا ممكن أن يتم بدون نقض أوسلو الذي أعلن عن فشله ولكنه لم يدفن ؟
الواقع، أوسلو لم يفشل، وكل ما تريده إسرائيل من أوسلو يتحقق ومع الأسف، أعتقد حتى أن بعض القيادات الفلسطينية التي دعمت أوسلو لم تقرأ الاتفاق وإذا قرأته لم تستطع أن تدرك ما في هذا الاتفاق كلنا نذكر في المؤتمر الصحفي الذي عقد بين السيد رئيس الجمهورية وبين الرئيس مبارك بعد الاتفاق مباشرة سُئل رئيسنا عن الاتفاق، قال هذا الاتفاق كل بند فيه يحتاج إلى عشرين اتفاقاً، طبعاً عندما يكون هناك غموض في الاتفاق، هذا الغموض يفسر دائماً لمصلحة الطرف القوي
هل يمكن استعادة البعد القومي للقضية الفلسطينية مع وجود أو استمرار أوسلو؟
أنا برأيي، البعد القومي لم يسقط عند الشعب الفلسطيني لكن سقط عند بعض العناصر في الساحة الفلسطينية التي لم تستطع تحمل متابعة عبء النضال
إلى أين وصلت المفاوضات الثنائية بين سورية والكيان الصهيوني؟ وهل ترون ضوءاً في نهاية نفق هذه المفاوضات ؟
في الواقع … كل شيء متوقف، متوقف لأننا كما أعلنا مراراً نحن جاهزون لاستئناف المفاوضات من حيث توقفت والجانب الإسرائيلي يريد استئناف المفاوضات من حيث يقف هو وهذا غير ممكن، هل هناك في الأفق شيء ؟ لا يبدو أن في الأفق أي شيء
العلاقة اللبنانية – السورية كيف هي اليوم؟ وما هي آفاق المستقبل لاسيما في ضوء المطالبة بتنفيذ ما جاء في الإرشاد الرسولي وما تركته زيارة أولبرايت وتحرك المعارضة الذي يستند إلى تلك المعطيات ؟
أولاً الوضع في لبنان جيد، والعلاقات بين البلدين جيدة، وليس هناك عوامل جدية، قادرة على تغيير الوضع في لبنان، أولاً هناك إجماع في لبنان حول الموقف من الاحتلال الإسرائيلي، هذا الأمر لم يكن في الماضي هناك إجماع في لبنان حول هوية البلد، هذا الأمر كان موضع تنازع في الماضي، هناك إجماع حول العلاقة مع سورية والخلاف ليس حول العلاقة الخلاف من يكون أقرب إلى سورية، يعني حتى المعارضة أي واحد منهم، هو جاهز لعلاقة وثيقة جداً مع سورية لكن شرط أن تتخلى سورية عن الآخرين، طبعاً نحن لا نتعامل مع لبنان على أساس أن سورية لهذا الفريق ضد هذا الفريق نحن نتعامل مع البلد ككل، اللبنانيون متفقون حول القضايا الأساسية والجوهرية ومع ذلك ستبقى اختلافات في وجهات النظر حتى ضمن المؤسسات، الحكم في لبنان والحكومة في لبنان ليست حكم حزب واحد هي حكم ائتلاف قوي وكل قوة لها وجهة نظرها، يتفقون، يختلفون، لكن في النهاية محكومون بالاتفاق، أحياناً من يقرأ الصحف اللبنانية يعتقد أن الدنيا خربت، لكن الواقع العملي غير ذلك، لبنان استطاع خلال السنوات الماضية أن يحقق خطوات كبيرة جداً، لبنان قبل الحرب الأهلية، وخلال الحرب كان منقسماً كل طائفة في لبنان كانت منقسمة خلال الحرب كانت هناك منطقتان كل منطقة لها إدارتها، كان هناك مشروع تقسيمي في لبنان لكن اليوم ليس هناك في لبنان من يطرح موضوع التقسيم، حدثت تطورات مهمة، طبعاً في كل مرحلة يكون للناس طموحاتهم كانت الحرب. وخلصوا من الحرب نسوا مرحلة الحرب، صار طموحهم تحقيق أفضل الشروط في حياتهم وهذا حق مشروع لكن هذا الأفضل المطموح في تحقيقه له أيضا متطلباته الموضوعية وشروطه الموضوعية والتي يجب أن يعملوا على تحقيقها، فالوضع اللبناني تطور بشكل جيد
آخر سؤال سيادة نائب الرئيس، أتعبناك كثيراً
لا أبداً
تتحمل سورية تاريخياً مسؤولية مباشرة في النهوض القومي والصراع العربي – الصهيوني كيف السبيل إلى تفعيل أداء المواطن العربي عامة والمواطن العربي في سورية خاصة، مع وجود إحباط، تهافت، في الأداء العربي العام، أزمات مالية وروحية كثيرة ووجود فساد أيضاً في بعض الأماكن ؟
أولاً أنا أريد أن أتحدث عن سورية برأيي في سورية هناك يقظة قومية كبيرة، وهناك شعور كبير بالمسؤولية، اليوم الدولة، القيادة في سورية تنهج نهجاً سياسياً يكاد يكون فريداً في المنطقة ،تتحمل عبءاً كبيراً تواجه ظروفاً صعبة، وهي لم تكن تستطيع أن تنتهج هذه السياسة لو كان الشعب في حالة أخرى غير ملائمة، بالعكس لو أن القيادة في سورية نهجت نهجاً آخر كان الوضع الشعبي في واد ووضع الحكم في واد آخر، من الصعب على أي دولة أن تسلك نهجاً وتتحمل عبء نهج فيه الكثير من المخاطر إذا كانت جبهة هذه الدولة ليست متماسكة وليست على ذات الخط هذا النهج يحملنا أعباء، هذا العبء ينعكس على الوضع المعاشي ومع ذلك الشعور الوطني عند الناس والقناعة بسلامة النهج السياسي هي التي تجعل أولوية الصمود تتقدم على أولوية المعاش، هناك أخطاء في هذا المجال أو ذاك قد تكون، لكن الخطأ عندما يكتشف يعالج، هناك بعض الأفراد ذوي خلق سيء موجودون في كل مجتمع وفي كل المراحل لكن – بالتأكيد – من يكشف يحاسب، إذا كان هناك شخص لم يحاسب هذا لا يشكل معياراُ ولا مقياساً، لكن بالمجمل، لو أخذنا سورية بظروفها، بمواردها بما يحيط بها، بلد أمامه إسرائيل في جنوبه وفي شماله تركيا، في ظل وضع عربي غير مريح، في ظل وضع دولي معقّد مع ذلك القيادة السورية تأخذ هذا النهج الوطني القومي، هذا ما كان يمكن أن يتم لولا القناعة الجماعية عند الشعب في سورية
شكراً جزيلاً نحن، في الحقيقة استفدنا واستمتعنا بهذا اللقاء وسوف ننقله بكل الأمانة إلى قرائنا. وهذه المجلة، مجلة الفكر السياسي، تتطلع إلى عون كبير وتفهم عميق وأفق مفتوح،لنتمكن من أداء رسالتها ولنا فيكم ما نتطلع إليه من ذلك.
شكراً سيادة الأستاذ عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية العربية السورية