شرت القبس، في عددها الصادر في 25 يناير 1976، تقريراً عن المشهد اللبناني والذي أسفر عن محاولة لاغتيال السيد رشيد كرامي رئيس الحكومة (الذي عدل عن الاستقالة بعد أن رفضها رئيس الجمهورية) والسيد عبدالحليم خدام الذي كان معه في سيارته، وأنه لم يسفر عن وقوع ضحايا، إضافة إلى ذلك جرى عنف في بيروت وضاحية عين الرمانة والسعديات حيث أحرق قصر السيد كميل شمعون وزير الداخلية، كما تم اتصال هاتفي بين الرئيسين حافظ الأسد وسليمان فرنجية، أكد خلالها الرئيس السوري مرة أخرى أن سوريا لن تدخر أي جهد لمساعدة لبنان في اجتياز أزمته. وقد طلب الأسد من الوفد السوري تمديد إقامته في لبنان حتى إقرار الهدوء.
وفيما يلي نص التقرير:
نجا السيد رشيد كرامي رئيس الحكومة اللبنانية والسيد عبدالحليم خدام وزير الخارجية السوري من محاولة اغتيال تعرضا لها بعد ظهر أمس. وقالت وكالة الأنباء الفرنسية في نبأ عاجل لها من بيروت إن عناصر مسلحة مجهولة الهوية فتحت النار على السيارة التي كان يستقلها السيدان كرامي وخدام والتي كانت متوجهة إلى قصر الرئاسة في بعبدا. وأضافت أن الحادث وقع على تل يشرف على بيروت في محلة الحدث، وأنه لم يسفر عن وقوع ضحايا.
وكانت تجربة اليوم الثاني من وقف إطلاق النار مشجعة نسبياً إذا ما قورنت بالأيام العشرة التي سبقت الاتفاق الأخير. وقد وقع حادث في جبهة الشياح – عين الرمانة أسفر عن سقوط عشرة قتلى و25 جريحاً، لكن ناطقاً فلسطينياً قال إنه أمكن تطويق الحادث وحصر ذيوله. وألقى كل طرف اللوم على الطرف الآخر.
فقد قال ناطق باسم القوات المشتركة إن الكتائبيين بدأوا الاشتباك بإطلاق نيران القناصة بشكل مستمر على أهداف في الشياح، ثم فتحوا نيران المدافع الرشاشة والمورتر، الأمر الذي اضطر القوات المشتركة إلى الرد. وقال ناطق كتائبي: «إن اليساريين حاولوا نسف موقع كتائبي في عين الرمانة فحدث الاشتباك». في حين نسبت وكالة الأنباء الفرنسية إلى مصدر مطلع قوله إن الحادث وقع نتيجة سوء تفاهم نظراً لأن أحد الأطراف أراد التمركز في موقع اعتقد أنه من حقه البقاء فيه.
إحراق قصر السعديات
ووقع حادث خطير آخر عندما اجتاح مقاتلو القوات الشعبية المشتركة وعدد من العسكريين المؤيدين لهم قصر السعديات الذي يملكه السيد كميل شمعون وزير الداخلية ورئيس حزب الوطنيين الأحرار وأشعلوا فيه النار.
وقال ناطق باسم شعمون انه تم إفراغ محتويات القصر قبل إحراقه. وعلَّق وزير الداخلية على الحادث عندما بلغه النبأ بقوله: «لا يهم.. أنا الذي بنيت القصر، وليس هو الذي بناني».
وأكدت مصادر القوات المشتركة تدمير القصر، وقالت إنه تمت مصادرة كميات كبيرة جداً من الأسلحة والذخيرة منه.
وكان شمعون قد أعلن أمس – ولأول مرة – ترحيبه بالمبادرة السعودية وقال: «لقد تقبلت بارتياح المبادرة السورية مبدئيا لأنني أعتبر أنه يجب الحفاظ على علاقات التعاون والأخوة العربية حتى ولو كان الموقف الحالي يجعل هناك شكا في التعاون. وسوف أرحب بهذه المبادرة بارتياح أكبر لو أنها عرفت كيف تمسح الجراح وتساعدها على الالتئام».
في المقابل، أدان السيد زهير محسن رئيس الدائرة العسكرية في منظمة التحرير الفلسطينية الهجوم على القصر، ووصفه بأنه انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار. وأضاف: «إننا نعتبر الفاعلين بلا أخلاق وبلا شرف وسنطاردهم ونقدمهم للمحاكمة».
قتيل وجريحان ببيروت
كذلك وقع حادث ثالث بعد ظهر أمس بين دورية تابعة لجيش التحرير الفلسطيني ومسلحين في منطقة الفنادق التي تعتبر جزءاً من بيروت الغربية، وبالتالي تخضع لإشراف القوات الفلسطينية المكلفة رسمياً بحفظ الأمن في المناطق التي تسيطر عليها القوات المشتركة. وقد أدى هذا الحادث إلى سقوط قتيل وجريحين، ولم يترك أي آثار على الوضع.
وفي ما عدا ذلك ساد الهدوء كل أنحاء لبنان، وظهرت وحدات جيش التحرير الفلسطيني لأول مرة في شوارع بيروت، وهي تحمل أوامر بإطلاق النار على كل من ينتهك الاتفاق.
وقد تقرر تدخل هذه الوحدات الفلسطينية النظامية في الأحياء الواقعة غربي بيروت خلال اجتماع عقد بعد ظهر الجمعة، حضره المبعوثون السوريون الثلاثة عبدالحليم خدام وزير الخارجية واللواء حكمت الشهابي رئيس الأركان وناجي جميل نائب وزير الدفاع وممثلو كل المنظمات الفلسطينية والقوى التقدمية اللبنانية.
وتضم هذه القوة الفلسطينية جنوداً من لواء اليرموك التابع لجيش التحرير الفلسطيني.
ومن المقرر أيضاً أن تشكل قوة خاصة في المناطق التي تشرف عليها الكتائب وحلفاؤها. وأعلن مصدر كتائبي أمس أنه تجري مناقشات من أجل تشكيل هذه القوة.
وأعلن مصدر لبناني رسمي أن هذه القوات الخاصة التي شكلتها كل الأطراف المعنية ستحصل على تفويض مؤقت خلال الفترة الانتقالية التي تحتاجها البلاد لكي تتسنى إعادة جمع وتنظيم قوات الأمن الداخلي بحيث تتمكن من الاضطلاع بهمتها مرة أخرى ولم تحدد مدة هذه الفترة.
القناصة ينشطون
من جهة ثانية، فتح عدد من المحال التجارية في بيروت أبوابه على الرغم من أنها تعاني من نقص كبير في المواد التموينية. كما غصت الأفران القليلة التي عملت أمس بمئات من المواطنين، الأمر الذي اضطر قوات الأمن إلى تنظيم صفوفهم تحت تهديد السلاح.
وغامر عدد من المواطنين بالخروج إلى الوسط التجاري للاطمئنان على محالهم، ولكنهم سرعان ما عادوا أدراجهم، إمَّا هرباً من نيران القناصة وإمَّا لأنهم وجدوا محالهم محروقة أو منهوبة.
وفي الدامور حيث تتولى قوة فلسطينية حفظ الأمن جرى اعتراض عدد من السيارات تحمل بضائع مسروقة. وقد صادر الكفاح المسلح الفلسطيني البضائع تمهيداً لإعادتها إلى أصحابها، وعاق السارقين بإحراق سياراتهم.
نداءات إلى العسكريين للالتحاق بثكناتهم
هذا وقد وجهت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي نداءات متكررة إلى عناصر قوى الأمن «التي لم تتمكن من الوصول إلى مراكزها في بيروت والضواحي للالتحاق بثكنة الفوج السيار (بشارع فردان) أو بثكنة المقر العام قرب أوتيل ديو فورا».
كما أصدرت اللجنة اللبنانية – السورية – الفلسطينية المشتركة البيان التالي:
رغبة من اللجنة العسكرية العليا المشتركة في اطلاع المواطنين على مجمل التطورات التي تحدث في مختلف المناطق خلال هذه الفترة فإنها ستعمد إلى إصدار بيانات بصورة متواصلة عبر أجهزة الإعلام المختلفة. وعليه تكون اللجنة العسكرية العليا المشتركة هي المصدر الوحيد للمعلومات التي تعتمد الصدق والحقيقة في جميع بياناتها والمعلومات الصادرة عنها.
وكانت قيادة الجيش قد وجهت ليل الجمعة – السبت دعوة «إلى جميع العسكريين الذين لم يتمكنوا من الانضمام إلى وحداتهم بسبب انعدام الأمن في المناطق المختلفة بالعودة إلى ثكناتهم أو لأقرب مخفر عسكري في أسرع وقت».
كرامي يعود عن استقالته
ومع استمرار الهدوء النسبي عاد السيد رشيد كرامي أمس عن استقالته التي قدمها منذ تسعة أيام، ونتيجة وساطة الوفد السوري.
وكان السادة خدام والشهابي وناجي جميل قد اجتمعوا صباح أمس مع وفد يمثل الزعماء ورجال الدين المسلمين في منزل المفتي، ثم عقدوا اجتماعاً مماثلاً مع السيد كرامي، وبعد الاجتماعين توجه الوفد السوري برفقة رئيس الحكومة المستقيل إلى قصر الرئاسة حيث عقد اجتماع آخر برئاسة رئيس الجمهورية صدر بعده بيان عن الرئيس فرنجية جاء فيه «ان رئيس الجمهورية رفض استقالة السيد رشيد كرامي وطلب منه ومن أعضاء حكومته الاستمرار في تحمل مسؤولية الوزارة».
وقال البيان إن الرئيس فرنجية أبلغ السيد كرامي خلال المقابلة تفهمه للاعتبارات التي دفعته إلى تقديم استقالته، وأعرب له ولأعضاء حكومته عن تقديره لقبولهم الاضطلاع بمسؤوليات الحكم في الظروف الدقيقة التي تسلمت فيها مهام الحكم، وعلى الجهود المخلصة التي بذلوها والمساعي التي قاموا بها لمواجهة الأوضاع الراهنة».
وقد أعلن كرامي عقب الاجتماع استجابته لطلب الرئيس فرنجية وقال: انني أتحمل المسؤولية لأن المستقبل يتطلب العمل لوحدة الصف والتعاون وتضافر الجهود.
وأعلن الرئيس كرامي انه بعد التطورات التي جرت في سبيل الوصول إلى وقف اطلاق النار ووضع حد للاقتتال، وإزالة المظاهر المسلحة تمهيداً للعمل السياسي الاصلاحي، فقد كان اللقاء مع الرئيس سليمان فرنجية الذي رأى من أجل المصلحة العامة وتدعيما للجهود المبذولة في هذا السبيل رفض الاستقالة. ولذلك، وتجاوباً مع ما جرى، لم أرَ بداً رغم كل الاعتبارات الخاصة من أن أستمر في العمل الرسمي والمشاركة في هذه المرحلة بكل ما من شأنه الوصول إلى ما يصبو إليه الجميع وهو العودة.
وأضاف السيد كرامي يقول في تصريحه: وإني بهذا الموقف قد تشاورت مع إخواني وبالاتفاق معهم، وسنظل على اتصال؛ لأن تأييدهم هو دعم لكل الجهود المبذولة، إذ إن المرحلة تتطلب وحدة الصف والعمل المشترك؛ لأن الوطن بحاجة إلى تكاتف الجميع وتضامنهم؛ ولأن مرحلة ما بعد الأزمة في الواقع تتطلب جهوداً كبيرة.
مقتل مرتزق أميركي حارب مع الكتائب
وكشفت صحيفة سوفيتية تدعى «سلسكايا هبسن» النقاب أمس عن أن جندياً فرنسياً حصل على الجنسية الأميركية عن طريق مساعدته لوكالة المخابرات المركزية الأميركية في فيتنام قد قتل في بيروت وهو يرتدي بزة الكتائب.
وقالت الصحيفة إن هذا الجندي يدعى دومينيك بوريل، وقد اشترك في حروب عدة، وكان دائماً يحارب إلى جانب الفريق الخاسر. (بيروت – و.أ.ف، ي.ب، رويترز، أ.ش.أ)