كلمة السيد عبد الحليم خدام، نائب رئيس الجمهورية العربية السورية
يسرني أن أنقل إليكم أحر التحيات من الرئيس حافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية، مع أطيب تمنياته بأن يحقق مؤتمرنا التاريخي هذا الأهداف التي انعقد من أجلها. ويسعدني أيضاً أن أشيد بالجهود الكبيرة التي بذلها رئيس البرازيل وحكومتها وشعبها لتهيئة الظروف المناسبة لانعقاد هذا المؤتمر.
يُعقد هذا المؤتمر في وقت يشهد فيه العالم تغييرات هائلة في حياة الشعوب والطبيعة على حد سواء. ومع هذه التغييرات الجذرية، تُبدي شعوب العالم، بما في ذلك شعوب العالم الثالث، قلقًا عميقًا بشأن مصيرها ومستقبل الإنسان على هذا الكوكب. وما يزيد من قلق شعوب العالم الثالث هو تراجع دورها في التغييرات التي تجتاح البشرية، مما يثير مخاوفها من أن تكون هذه التغييرات على حساب حريتها واستقلالها ومستقبلها.
علاوة على ذلك، فإن الفجوة المتزايدة بين الدول المتقدمة صناعيًا ودول العالم الثالث، وعجز الأخيرة عن تضييق هذه الفجوة، تزيد من قلق الأغلبية الساحقة من البشرية. كما أن اتساع هذه الفجوة وفشل دول العالم الثالث في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية يقلص من قدرتها على مواجهة التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى التغيرات في الطبيعة.
إن الحرب التي يشنها بعض البشر على الطبيعة من خلال القفزات الهائلة التي شهدتها بعض الدول في المجال الصناعي منذ السنوات الأولى من هذا القرن، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، تعرّض البشرية جمعاء لعواقب مميتة لهذه الحرب على الطبيعة، بما في ذلك الموارد البيئية والمناخية والزراعية والبيولوجية.
قبل نهاية الحرب الباردة، عاش العالم تحت وطأة القلق من احتمال وقوع مواجهة عسكرية بين القوى العظمى؛ وعلى الرغم من أن ذلك كان مجرد احتمال، إلا أن البشرية كانت تخشى وقوع مثل هذه الحرب بما تحمله من آثار مدمرة على الحياة على الأرض والبحر وفي الجو.
تواجه دول العالم الثالث مشكلتين رئيسيتين: الأولى هي مشكلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتأمين الاحتياجات الأساسية لشعوبها، والثانية هي مواجهة العواقب الضارة لتلوث الطبيعة. إن موارد وإمكانات دول العالم الثالث لا تعكس صورة مشرقة، مما يزيد من قلق شعوبها بشأن مستقبلها ومصيرها.
سوريا، بموقعها في منطقة الشرق الأوسط وعلى جزء من الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، الذي يُعد بحرًا شبه مغلق، تواجه مشاكل خطيرة ناجمة عن التلوث الذي تسببه الدول الصناعية عبر أساطيلها العسكرية والتجارية التي تُبحر في المتوسط. إذ تنقل التيارات البحرية النفايات الصادرة عن هذه الأساطيل نحو شواطئ بلادنا، مما بدأ يؤثر سلبًا على البيئة البحرية والنظام البيئي الساحلي في المجالات الصحية والاقتصادية، إضافة إلى الغازات الضارة التي تحملها الرياح، مما يهدد حياة الإنسان مع مرور الوقت.
نواجه صعوبات في سعينا لحماية بيئتنا وتجنب الأضرار والمخاطر الناجمة عن تدهور البيئة. وتنبع هذه الصعوبات بشكل رئيسي من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ونمو القدرات العسكرية الإسرائيلية، التي تشمل مصانع تنتج الأسلحة، إضافة إلى مخزونها الضخم من أنواع مختلفة من الأسلحة المتقدمة والحديثة، والتي تهددنا باستمرار بالاحتلال والتوسع.
علاوة على ذلك، فإن إسرائيل، التي تضطهد الشعب الفلسطيني وتُلحق به أبشع أشكال القمع، وتواصل اعتداءاتها اليومية على لبنان، تعمل على تدمير الموارد الطبيعية من خلال ممارسات مثل اقتلاع الأشجار وتخريب الموارد المائية وغيرها.
العدوان الإسرائيلي يضطرنا إلى تخصيص جزء كبير من مواردنا لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الدفاع، مما يقلص بدوره قدرتنا على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير الموارد اللازمة لحماية الطبيعة بجميع مكوناتها. تتحمل الدول الصناعية مسؤولية كبيرة عن المواد الضارة التي تصبها في الطبيعة، سواء من خلال الانبعاثات التي تسبب الاحتباس الحراري، أو من خلال النفايات الصناعية، وخاصة النفايات الكيميائية. وبينما كانت تطور صناعاتها وإنتاجها، لم تأخذ في الاعتبار الآثار الضارة لهذا التطور على جميع شعوب العالم، بما في ذلك شعوب الدول الصناعية المتقدمة نفسها
يجب أن يدفع ذلك الدول الصناعية إلى تحمل المسؤولية لتحقيق أمرين: أولاً، تقديم مساعدات كبيرة لتحقيق التنمية في دول العالم الثالث؛ وثانياً، تخصيص جزء من مواردها للمساهمة في القضاء على الأضرار التي ألحقت بالطبيعة، ومكافحة التلوث، والحفاظ على الحياة. إن التضامن بين جميع البشر لحماية الطبيعة والقضاء على آثار العدوان عليها ضروري لحماية الإنسان نفسه في جميع أنحاء العالم
أود أن أعرب عن دعم الحكومة السورية للتوصيات التي قدمها المجلس الحاكم لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 1991 الموجهة إلى الدول الصناعية، ولإعلان كولومبو بشأن البيئة الذي أقره المؤتمر الوزاري للدول النامية في أبريل 1992
إن قمة الأرض، بمشاركة عالمية على أعلى المستويات، تعكس إدراك خطورة التهديدات التي تواجه البشرية نتيجة التغيرات المستمرة في الطبيعة بفعل الإنسان. وهذا يجعل من واجب جميع دولنا التعاون لمنع المزيد من المخاطر. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إبرام اتفاقيات دولية لحماية الطبيعة وتوفير متطلبات هذه الحماية
إن فشل دول العالم في التوصل إلى صيغ محددة تساعد على سد الفجوة بين الدول النامية والدول المتقدمة، واعتماد اتفاقيات لحماية الطبيعة، سيؤدي إلى أوضاع إقليمية ودولية غير سليمة. كما سيزيد من خطر النزاعات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي قد تسلب العالم الأمل في تحقيق سلام دائم وعادل يتمتع فيه الناس بواجبات وحقوق متساوية، وعلى رأسها الحق في الحرية والاستقلال والتقدم
إن المظهر السطحي للاستقرار في الوضع الدولي لا يعكس التطورات والتفاعلات التي تحدث أو قد تحدث نتيجة شعور شعوب العالم الثالث بالظلم والاضطهاد. استمرار الفجوة بين الدول الغنية والدول النامية، وإحباط الأخيرة بسبب فشلها في سد هذه الفجوة والتمتع بحياة إنسانية كريمة – إضافة إلى شعورها بأن مواردها ليست ملكًا لها وأنها ضحية لأسلحة العالم الصناعي المتقدم، سواء من خلال حرمانها من استخدام تلك الموارد منذ زمن الاستعمار أو من خلال الضرر الذي ألحقته التنمية الصناعية الضخمة بالبيئة والنظام البيئي – سيؤدي إلى أوضاع فوضوية وغير منظمة في معظم أنحاء هذا الكوكب
إن الدعوة لضمان حقوق الإنسان كفرد ستكون بلا معنى في ظل غياب ضمانات لحماية حق الشعوب في ممارسة حريتها، والعيش بكرامة وسلام بعيدًا عن الجوع والفقر والحرمان
إن مسؤولية مؤتمرنا في رسم معالم التعاون الدولي الجاد في حماية البيئة والنظام البيئي هي مسؤولية تاريخية، وسيذكر التاريخ جميع من عملوا على حماية البشرية ووقف العدوان على الطبيعة والقضاء عليه
لقد أصبح من الضروري اتخاذ خطوات جدية في إطار التعاون الفاعل بين دولنا تحت رعاية الأمم المتحدة. الحديث عن الإنسانية ومستقبلها، وتوضيح المخاطر التي تهددها، والنقاشات المطولة حول الأضرار التي لحقت بالطبيعة ستبقى جميعها بلا معنى ما لم تقترن بخطوات عملية ومسؤولة من جميع الدول المشاركة في هذا المؤتمر
لا يمكن بناء عالم جديد خالٍ من الظلم والفقر، عالم تُحقق فيه الكرامة لجميع البشر بغض النظر عن اللون أو العرق أو العقيدة، في ظل علاقات القوة الحالية، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو سياسية. التضامن الإنساني، والتعاون، والتكاتف المتبادل لحماية الإنسان وكل ما يمكنه من العيش والبقاء بعيدًا عن العدوان والاستغلال واستخدام القوة أو التهديد بها – هذا هو ما سيقودنا إلى العالم الذي نأمله وتتمناه شعوبنا
في ضوء إدراك مؤتمرنا ورؤيته للمخاطر الجسيمة التي تهدد الإنسان نتيجة التغيرات الحالية في الطبيعة، فإن عليه أن يتبنى الإجراءات والتوصيات اللازمة لمواجهة هذه المخاطر