الأزمة لبنانيا وعربيا في ظل الاغتيال السياسي
مناخ السلام ينمو في المنطقة لكن الرافضين ما يزالون في مواقعهم
محاولة اغتيال عبد الحليم خدام, أي تأثير يمكن أن تحدثه في سير الأزمة اللبنانية نحو حلولها النهائية , وأي تأثير يمكن أن تتركه على صعيد الحلول المطروحة لأزمة المنطقة
سياسي لبناني مسؤول توقع أمس أن ينعكس الحادث على الصعيدين الأمني والحكومي وقال ان تطورات عسكرية لابد حاصلة بعد المحاولة , تشبه من حيث طبيعتها التطورات التي شهدتها بعض المناطق اللبنانية بعد حادث فندق سمير أميس ومن شأن المواجهة اذا تمت مع بعض الأطراف أن تؤخر تشكيل الحكومة أو أن تعيد النظر في الصيغة المعدة لها على الأقل
لكن المقربين من القصر لايزالون أن الرئيس سركيس مستعجل على تشكيل حكومة تدشن برنامج التعمير وتصرف الاعمال الإدارية الملحة التي عطلتها الحكومة الكرامية بتناقضاتها المتزايدة يوما بعد يوم
ويضيف هؤلاء أن الاستشارات التمهيدية بهذا الصدد قطعت شوطا بعيدا مع التجمع الإسلامي من جهة والجبهة اللبنانية من جهة أخرى , وشملت السيد كمال جنبلاط بطريقة غير مباشرة
لكن هذه الاستشارات ليست كافية بعد , وربما تحتاج للتفاهم على صيغة مقبولة من جميع الأطراف لبعض الوقت
مناخ سلام
والمناخ في المنطقة مناخ استعجال على السلام , على الرغم من أن الرافضين مايزالون في الساحة , وعلى هذا المناخ مؤشرات كثيرة , منها تصريحات إسحاق رابين أمس عن (تنازلات ذات شأن جغرافيا) يمكن أن تدفعها إسرائيل ثمنا للتسوية , وتأكيداته على أن السلام لم يعد بعيدا.. وعن أنه أقرب مما كنا نتوقع . ثم حديثه الآخر المتفائل حول سوق اقتصادية شرق أوسطية
ومنها تصريحات وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمي عن الدولة الفلسطينية التي يفترض أن ترضى بها إسرائيل , ومنها أيضا سفر العقيد معمر القذافي الى موسكو الذي لابد أن ينعكس مزيدا من المرونة في الموقف الليبي , ومنها التجديد للقوات الدولية في الجولان وتصويت مجلس الأمن الدولي على ضرورة البدء بمفاوضات السلام في جنيف , بعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع الدولة الفلسطينية
محاولة تجميد
ليس من يتحدث عن الحرب في الشرق الأوسط , والمراقبون يعتبرون التحرك الإسرائيلي على الحدود اللبنانية محاولة لتجميد اتفاق القاهرة , لا أكثر ولا أقل , وهم مقتنعون بأن جنيف لم تعد بعيدة في جولتها الثانية , وأن استعادة الجولان ضمانة أخرى لسلامة لبنان
وإذا كان من معنى مباشر لمحاولة الاغتيال التي تعرض لها الوزير خدام , فهذا المعنى لايعطي أي دليل على خلافات سورية داخلية , ناتجة عن نظرتين غير متوافقتين على الاستراتيجية السورية الحالية , فالوزير خدام من حيث انتماؤه الطائفي أو السياسي ليس مستهدفا , وأي اعتداء عليه لن يبدل بالتأكيد الخط السياسي السوري في هذه المرحلة
ثم أن الوفاق العربي الذي تجسد في مؤتمر الرياض , وتبلور في قمة القاهرة , يعتبر تأكيدا آخر على أن القطار العربي ماض في اتجاه مفاوضات جنيف وتحرك الدبلوماسية السورية لايخرج عن هذا الاتجاه, من حيث دوافعه وأهدافه , في المرحلة الحاضرة
اعتبارات أساسية
وفي أي حال, فان الحوار العاقل البعيد عن صوت المدافع, لبنانيا وفلسطينيا وعربيا ودوليا , قد بدأ فعلا, ويفترض أن يمضي بعض الوقت قبل أن يعطي ثماره, ويمكن اعتبار المريض اللبناني في مرحلة نقاهة أمنية, ولابد من ترسيخ هذه المرحلة قبل أن يتمكن اللبنانيون من العودة الى حياتهم الطبيعية على الصعيدين النفسي والمادي
والمصادر الدبلوماسية العربية في انتظار مفاجآت جديدة من نوع محاولة اغتيال الوزير خدام , لكنها مفاجآت لن تقدم ولن تؤخر في مسيرة الحلول لأنها نشاط تكتيكي عاجز عن تفجير استراتيجية متكاملة
وأما الحجم الذي تكتسبه المحاولة على الصعيد اللبناني وفي هذه المرحلة بالذات فيمكن ردها في رأي الأوساط اللبنانية الى اعتبارات عدة أبرزها ثلاثة
الاعتبار الأول أن الوزير عبد الحليم خدام كان طوال أشهر المحنة اللبنانية القاسية وفي غياب وزارة الخارجية اللبنانية وزيرا لخارجية سوريا ولبنان معا , يدافع عن حقوق اللبنانيين في المحافل والمؤتمرات العربية والدولية بالحماس نفسه الذي يقود به الدبلوماسية السورية المتحركة
الاعتبار الثاني أن الوزير خدام هو واحد من أربعة أو خمسة قياديين يشتركون الى جانب الرئيس السوري حافظ الأسد في تقرير الخطوط العامة لسياسة سوريا واتخاذ القرارات النهائية بشأنها
الاعتبار الثالث أن الوزير خدام رافق الأزمة اللبنانية منذ بدايتها كوسيط سياسي ,ثم تابعها في مرحلة التحرك العسكري السوري, ثم في مرحلة الحسم .. وتصريحه الأخير عن القرار الذي أتخذ بصدد جمع الأسلحة الثقيلة من اللبنانيين والفلسطينيين معا يجسد بوضوح روح مؤتمري الرياض والقاهرة, اللذين أعادا الهدوء الى لبنان
وطبيعي الى حد بعيد أن يكون الأمن اللبناني مرتبط بالأمن السوري في هذه المرحلة, أكثر منها في أي مرحلة, وأن يكون وقع الحادث في بيروت وقعه من دمشق من حيث التأثير السياسي والنفسي