السيد خدام (الجمهورية العربية السورية):
السيد الرئيس،
إنه لمن دواعي سروري البالغ أن أتقدم إليكم، بالنيابة عن وفد الجمهورية العربية السورية وباسمي، بالتهاني وأطيب التمنيات بمناسبة انتخابكم لمنصبكم الرفيع. منصب رئيس الدورة السادسة والعشرين للجمعية العامة. إن انتخابكم يعكس المكانة المتميزة لبلدكم، إندونيسيا، التي ترتبط بها بلادي بأقوى روابط الصداقة. كما أنه يعكس التقدير الكبير لشخصك وللمبادئ التي تتمسك بها.
ونحن على ثقة بأن الدورة الحالية، بتوجيهاتكم، ستتعامل مع المشاكل الدولية بروح الالتزام بقواعد الحق والعدالة الأساسية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
كما يستحق التقدير العميق الجهود التي بذلها السيد هامبلو، رئيس الدورة الخامسة والعشرين للجمعية العامة، الذي ساهمت جهوده الحثيثة وبراعته ومعرفته في نجاح تلك الدورة التي احتفلت باليوبيل.
ويجب عليّ أيضًا أن أعرب عن احترامي الكبير وإحساسي العميق بالتقدير للأمين العام يو. ثانت، الذي قاد المنظمة العالمية خلال الرياح والعواصف، بشجاعة وتفانٍ في خدمة البشرية جمعاء، بالإضافة إلى إيمان راسخ بـ ضرورة التمسك بالمثل التي قامت عليها المنظمة العالمية وإرساء مبادئ العدالة والسلام بشكل راسخ. ونود أن نرى الأمين العام يستجيب للرغبة العارمة لأعضاء الأمم المتحدة في تجديد فترة ولايته من أجل مواصلة خدمة المجتمع الدولي وقضية الأمن والسلام العالميين.
ويسعدني أن أهنئ دول بوتان الجديدة والبحرين وقطر على انضمامها مؤخرا، وعمان على انضمامها المرتقب إلى عضوية الأمم المتحدة. وهذا يؤكد حتمية انتصار نضال الشعوب، كبيرها وصغيرها، لتحقيق التحرر من الحكم الاستعماري. إن بلدي الذي يرتبط بالبحرين وقطر وعمان بالانتماء إلى الشعب العربي الذي يناضل من أجل تحقيق السلام والتحرر، يتمنى للدول الثلاث الجديدة كامل التقدم والازدهار.
إن الأمم المتحدة التي ولدت قبل أكثر من 25 عاماً في أعقاب كارثة الحرب العالمية الثانية، استطاعت أن تواجه أزمات خطيرة، وأن تصمد أمام التحديات، وأن تؤكد عاماً بعد عام حتمية انتصار الشعوب .
لقد تحركت الأمم المتحدة لكبح العدوان؛ بذلت جهودا لإنهاء الاستعمار، وتعزيز التنمية الاقتصادية، وتخفيف التوتر الدولي وتعزيز السلام؛وقد توصلت إلى اتفاق لوقف انتشار الأسلحة النووية، وبدأت محادثات مفيدة حول موضوع نزع السلاح العام والكامل.
ولكن هل تلبي هذه الإنجازات الاحتياجات الملحة للبشرية؟ وهل ترقى إلى مستوى تطلعات الشعوب؟ إن شعوب العالم التي تناضل من أجل البقاء تجد أن وجودها وبقائها مهددان بشكل خطير؛ إن الشعوب التي تسعى إلى السلام والعدالة تعاني من العدوان والاحتلال؛ والشعوب التي تكافح من أجل ضمان المزيد من سبل العيش تجد أراضيها مغتصبة ومواردها مستغلة من خلال الأشكال القديمة والجديدة من الهيمنة الإمبريالية.
الخوف من ويلات الحرب، والخوف من فقدان الحرية من خلال الخضوع للسيطرة والاحتلال، والخوف من الناس الذين يتعين عليهم أن يعانون من قسوة التشرد والجوع - هذه هي الأخطار التي تهدد الإنسانية ومستقبلها. هذه هي الأخطار التي تؤكد ضرورة النضال من أجل ضمان الاحترام الواجب لأحكام ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان الأساسية.
إن الجمهورية العربية السورية، التي تناضل إلى جانب الشعوب الأخرى من أجل التحرير وضمان مستقبل أفضل لمواطنيها، شاركت في إنشاء الأمم المتحدة وفي وضع ميثاقها. ومثل المشاركين الآخرين، كان يحدوهم الأمل في أنه من خلال هذا الميثاق، سيتم إنشاء عالم أفضل - عالم خال من الاستعمار والسيطرة والاستغلال والتخلف. كما أن سورية ضحت بالكثير من أجل المساهمة في تحقيق هذا الهدف، كما يشهد بذلك سجلها داخل الأمم المتحدة وخارجها.
إن التزام سوريا الراسخ بمبادئ الأمم المتحدة جعلها هدفا لمختلف أشكال الضغط والتهديدات، بدءا من الحصار الاقتصادي إلى العدوان المباشر والاحتلال.
وتؤمن الجمهورية العربية السورية بأن معركة التحرير معركة واحدة لا تتجزأ ولا يمكن كسبها إلا من خلال النضال الموحد لشعوب العالم. كما نعتقد أن النضال من أجل السلام لا يمكن أن يحقق هدفه إلا من خلال النضال بلا هوادة لوضع حد نهائي لجميع أشكال الاستعمار، وأن النضال ضد التخلف لن يكون فعالا ومثمرا إلا من خلال التعاون والجهود المنسقة بين الشعوب.
ولذلك فإن سورية تؤكد من جديد دعمها للنضال البطولي لشعب فيتنام الذي يقاتل من أجل تحقيق الوحدة والتحرير وتقرير المصير وإجلاء جميع القوات الأجنبية من وطنه. ونعتقد أن خطة النقاط السبع التي طرحتها الحكومة الثورية المؤقتة لجنوب فيتنام تشكل السبيل الوحيد لحل المسألة الفيتنامية. ونحن ندين تدخل الولايات المتحدة في كمبوديا ضد الحكومة الشرعية للرئيس سيهانوك. إننا ندعم نضال شعب الهند الصينية ضد العدوان الإمبريالي الأمريكي الذي يشكل تهديدا للسلام والأمن في جنوب شرق آسيا. وينبغي السماح لشعب كوريا بتحقيق الوحدة وممارسة حقه الذي لا يقبل الجدل في تقرير المصير. ونحن ندعو إلى إجلاء جميع القوات الأجنبية من كوريا الجنوبية وحل لجنة الأمم المتحدة لتوحيد وإعادة تأهيل كوريا، التي يشكل مجرد وجودها تدخلاً خطيراً في الشؤون الداخلية لكوريا.
إن الجمهورية العربية السورية حريصة كل الحرص على الحفاظ على وحدة باكستان وإحلال السلام في شرق باكستان بما يكفل عودة اللاجئين إلى وطنهم ويضمن السلام والأمن في تلك المنطقة، ولا سيما كما قال الرئيس ودعا ممثل باكستان، السيد يحيى خان، جميع اللاجئين إلى العودة إلى ديارهم.
لقد دأبت الجمهورية العربية السورية على دعم نضال شعوب أفريقيا ضد التمييز العنصري في كافة أنحاء القارة الأفريقية, إننا ندين سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها حكومة جنوب أفريقيا، وكذلك احتلالها غير القانوني لناميبيا. إننا ندعم نضال شعب زيمبابوي ضد الحكم العنصري للأقلية الغاصبة, ونحن نؤيد حركات التحرير في أنغولا وموزمبيق وغينيا (بيساو) وجميع الأجزاء الأخرى من أفريقيا الخاضعة للحكم الاستعماري ونضالها ضد القوى الاستعمارية الأجنبية التي تهدد أمن أفريقيا, ونعلن أن دعم هذا النضال واجب مقدس يقتضيه المصير المشترك للشعوب وكرامة الإنسانية.
إن الشعب العربي السوري، الذي ناضل ضد الاحتلال الإمبريالي وجرائم الاستعمار ووحشية العدوان الصهيوني النازي في الشرق الأوسط، يؤكد من جديد وقوفه إلى جانب شعوب أفريقيا في كفاحها لتقرير مصيرها ضد التمييز العنصري وضد التدخل الإمبريالي في أفريقيا. ونعتقد أن تضامن نضال الشعب العربي مع نضال شعوب أفريقيا سيضمن هزيمة العدو المشترك وأيديولوجيته العنصرية الصهيونية القائمة على الكراهية والحقد والإبادة الجماعية.
إن الجمهورية العربية السورية تؤيد مبدأ عالمية التمثيل في الأمم المتحدة وترى أن احترام هذا المبدأ يعزز المنظمة العالمية, وفي الواقع، لا يمكن حماية السلام العالمي إذا سمح للتحيز السياسي بأن يحل محل مبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
لقد كانت الجمهورية العربية السورية إحدى الدول التي نادت بإعادة جمهورية الصين الشعبية، بصفتها الممثل الحقيقي الوحيد للشعب الصيني، إلى حقها القانوني في شغل مقعد الصين في الأمم المتحدة, ومن دواعي السرور حقًا أن نلاحظ أن عام 1971 شهد في العالم أجمع اعترافًا متزايدًا بعدالة هذا الموقف.
وإيمانا منا بمبدأ عالمية التمثيل، ورغبة في تعزيز المنظمة العالمية، فإننا نؤيد قبول عضوية الأمم المتحدة من الدول التي أبدت الاحترام الواجب لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مثل جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وجمهورية فيتنام الديمقراطية، وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية.
إن قبول تلك الدول من شأنه أن يعزز القوى التي تدافع عن الحرية والسلام, ونعتقد أن الأمم المتحدة ستظل تفتقر إلى الفعالية الواجبة والطابع الدولي المطلوب إذا استمرت شعوب تلك الدول، التي تمثل إمكانات إنسانية وثقافية واقتصادية هائلة، محرومة من الانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة .
إن انتصار نضال الشعوب من أجل تحقيق الحرية والمساواة وإنفاذ مبادئ ميثاق الأمم المتحدة سيظل هدفا بعيد المنال ما لم يتم التغلب على الإرث الثقيل الذي خلفته قرون طويلة من الحكم الاستعماري وتصفيته. ويشكل التخلف الاقتصادي والاجتماعي الذي ورثته البلدان النامية من فترة الاستعمار تهديدا دائما لشعوب تلك البلدان, إن الاستقلال الحقيقي بالنسبة لهم ينبغي أن يشمل التحرر من الفقر والجهل، وسد الفجوة الهائلة التي تفصل بين البلدان المتقدمة والدول النامية, إذ تشكل تلك الفجوة الرهيبة تهديدا خطيرا ومستمرا للسلام العالمي, تلك بعض الاعتبارات الأساسية التي دفعتنا إلى دعمها؛ كما نفعل الآن، اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتعزيز السلام والأمن الدوليين.
إن العمل لتحقيق تلك الأهداف لم يكن سهلا، وكان دائما يقابل بمعارضة من الإمبريالية العالمية، ألد أعداء حرية الشعوب وتنميتها.
لقد نجحت الجمهورية العربية السورية، على الرغم من مختلف أشكال الضغوط التي تعرضت لها، بما في ذلك العدوان المباشر، في تحرير اقتصادها والاستغلال الفعال لمواردها من خلال التعاون مع الدول الصديقة التي ترى أن العلاقات الوطنية يجب أن تقوم على أساس الاحترام المتبادل لكرامة الدولة وسيادتها الوطنية.
ونحن نعتقد أن معركة التحرير الاقتصادي، التي لا تقل أهمية عن معركة الحرية السياسية، تتطلب التعاون الكامل والتضامن الكامل من جانب جميع قوى التحرير في جميع أنحاء العالم.
ومن أجل خدمة القضية المشتركة والمصالح المشتركة، أقامت سورية علاقات تعاون ودي مع قوى التحرير في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية, كما تمت المحافظة على علاقات قوية مع الدول الاشتراكية التي نصرت القضايا العادلة للشعوب وقدمت لنا المساعدة على أساس التعاون الصادق.
إن الجمهورية العربية السورية مستعدة للدخول في علاقات تعاون مشترك مع كافة الدول التي تؤمن بحق الشعوب في التحرر والسيادة.
استمراراً للنضال من أجل تحقيق وحدة الشعب العربي قامت الجمهورية العربية السورية بالتعاون مع جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية الليبية بإنشاء اتحاد يحقق تطلعات الجماهير العربية إلى الوحدة والتكامل و تحرير وتعزيز اقتصاد ولايات الاتحاد.
ويمثل اتحاد الجمهوريات العربية الجديد قوة سياسية ناشئة قادرة على تطوير القوة الدفاعية ضد العدوان. إن الاتحاد قوة جديدة تدعم نضال الشعوب وكافة حركات التحرر في العالم أجمع, ويمثل الاتحاد قوة تسعى إلى تحقيق السلام والصداقة مع جميع الشعوب التي تؤمن بكرامة الإنسان وبالسلام القائم على العدل والإنصاف.
تناقش الجمعية العامة سنويا أزمة الشرق الأوسط المتفجرة التي لا تهدد أمن المنطقة فحسب، بل تهدد السلام العالمي أيضا, وفي قلب هذه الأزمة تكمن قضية الشعب العربي الفلسطيني المحروم من كافة الحقوق التي أكدتها التشريعات والمواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة, وهذه هي حالة العدوان الاستعماري الصهيوني على شعب فلسطين، وكذلك على الشعب العربي برمته، وهو العدوان المستمر بلا هوادة منذ أكثر من نصف قرن.
وقد شهدت هذه القاعة وهذا المنتدى إدانات متكررة لإسرائيل لارتكابها أعمال القتل الجماعي والإبادة الجماعية, وقد أيدت غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة هذه الإدانات، وهو ما يمكن التأكد منه من خلال الإشارة إلى العديد من القرارات التي اتخذتها الجمعية العامة ومجلس الأمن وغيرهما من أجهزة ولجان الأمم المتحدة, ولا توجد دولة عضو لديها سجل أكثر قتامة في الأمم المتحدة أو سجل أكثر تلوثا بالجرائم والانتهاكات من إسرائيل.
إن وجود إسرائيل ككيان في فلسطين منذ عام 1948 يمثل استمرارًا وتوسعًا للوجود الاستعماري غير القانوني الذي حكم البلاد من خلال أداة الانتداب, منذ الأيام الأولى لقيامها، ارتكبت إسرائيل أبشع الفظائع والتي قبل انشائها ارتكبتها العصابات الإرهابية الصهيونية , منذ نشأتها كخليفة للحكم الاستعماري البريطاني في فلسطين، انتهكت إسرائيل جميع القواعد الدولية والمبادئ الإنسانية والقواعد الأخلاقية. وتضمنت برامجها ومنطقها القتل والاغتيال، الذي امتد حتى إلى موظفي الأمم المتحدة؛ و الى القتل الجماعي للمدنيين الغير مسلحين بطريقة تشبه النازية واقتلاع شعب بأكمله. إن كل جريمة ارتكبها النازيون في العصر الحديث، والغزاة الهمجيون في الماضي، ارتكبتها إسرائيل، وانتهكت جميع قواعد ومواثيق القانون الدولي.
وفي هذه القاعة بالذات، سمع في عدة مناسبات صوت ممثلي السلطات الصهيونية يتحدى سلطة الأمم المتحدة ويحذر المنظمة العالمية من أن إسرائيل لن تستجيب لأي قرارات للأمم المتحدة، رغم أنها صدرت بالإجماع تقريبا, إذا لم تخدم المخططات الإسرائيلية والمنطق العدواني الصهيوني.
لقد تم اقتلاع الشعب العربي الفلسطيني من وطنه لإفساح المجال لقيام دولة استعمارية استيطانية تقوم على أيديولوجية عنصرية تقوم على التمييز على أساس العرق واللون والدين، وهي أيديولوجية تجسد جنون النازيين و الممارسات الإجرامية لأنظمة الأقليات في روديسيا وجنوب أفريقيا.
لقد قام النظام الصهيوني في فلسطين، واتبع، بالتعاون مع الإمبريالية العالمية، سياسة عدوانية وتوسع إقليمي أدت إلى تهجير 1.5 مليون لاجئ عربي من وطنهم وأكثر من ثلاثة أرباع مليون لاجئ عربي من النازحون الجدد من المناطق المحتلة في ثلاث دول أعضاء: سوريا ومصر والأردن. إنها سياسة تهدف إلى إبقاء شعوب المنطقة متخلفة ومفككة, وتؤكد سجلات الأمم المتحدة والتقارير الرسمية هذه الصورة القاتمة لإسرائيل.
وكان العالم على شفا حرب عالمية عندما لعبت إسرائيل دور رأس حربة العدوان الثلاثي الذي شنته على مصر عام 1956. دفعت إسرائيل العالم مرة أخرى إلى حافة حرب عالمية أخرى من خلال شن هجوم مفاجئ إمبريالي صهيوني توسعي ضد ثلاث دول عربية في عام 1967. وفي أعقاب عدوان عام 1967، أُمرت إسرائيل بالانسحاب من جميع الأراضي المحتلة. ومنذ ذلك الحين، تمت إدانة إسرائيل بتهمة الهجمات الجوية وغيرها الوحشية واللاإنسانية في عمق الأراضي العربية، مما أسفر عن مقتل أطفال المدارس الأبرياء، والعاملين والعاملات في مصانعهم, كما تمت إدانة إسرائيل بسبب الجرائم التي ارتكبتها في كل جزء من الأراضي المحتلة: الجرائم ضد المدنيين؛ ضد الأطفال والنساء والشيوخ؛ ضد الأماكن التاريخية المقدسة؛ وضد مشاعر المسيحيين والمسلمين في كل أنحاء العالم.
ولتوضيح الأمر، عدد القرارات والمقررات بشأن الصراع العربي الإسرائيلي وقضية فلسطين التي اعتمدتها الجمعية العامة والأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة والوكالات المتخصصة اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية - منذ القرار الأول لوقف إطلاق النار بتاريخ 6 يونيو 1967 وحتى الآن يبلغ مجموعها 54. وقد أكدت تلك القرارات والمقررات على كل حق عربي من جهة، وأكدت، من جهة أخرى، استهتار إسرائيل التام بهذه الحقوق وتجاهلها المتعمد لكل مبدأ من مبادئ الميثاق، وهو سجل يجعل إسرائيل مرشحة للطرد من المنظمة العالمية وفقا للمادة السادسة من الميثاق. وعلى وجه التحديد، من بين القرارات الـ 54 المشار إليها، 14 قرارًا "يدين" أو "يدين بشدة" أو "يدين إسرائيل على وجه التحديد" بسبب "الانتهاكات الصارخة" للميثاق، بما في ذلك الهجمات على الدول العربية، ورفضها تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة (4) و انتهاكات حقوق الإنسان. تسعة عشر من تلك القرارات الـ 54 إما "تأسف" أو "تستنكر بشدة" أو "تلاحظ بفزع رفض إسرائيل" التعاون في تنفيذ قرارات محددة أو "تدعو حكومة إسرائيل على وجه السرعة إلى تنفيذ القرارات .
ليس هناك حدود للغطرسة والسخرية الإسرائيلية. وتحاول إسرائيل باستمرار الانتقاص من سلطة الأمم المتحدة ومسؤوليتها عن الحفاظ على السلام والنظام العالمي. وقد ظهرت هذه الغطرسة الأسبوع الماضي في مجلس الأمن بعد اعتماد قرار بشأن القدس في 25 أيلول/سبتمبر الماضي، والذي، في جملة أمور، "يدعو إسرائيل بشكل عاجل إلى إلغاء جميع التدابير والإجراءات السابقة" في ضم القدس العربية. وقد أعلن الممثل الإسرائيلي بكل غطرسة رفض حكومته قبول ذلك القرار. وفي اليوم التالي أصدر مجلس الوزراء الإسرائيلي بيانا بهذا المعنى. ولم تشهد قاعة الجمعية العامة إلا يوم الخميس من الأسبوع الماضي عدم مسؤولية مماثلة عبر عنها وزير خارجية سلطات تل أبيب عندما طلب في بيانه الذي ألقاه في الجلسة 1946 من المنظمة العالمية التخلي عن سلطتها في حفظ السلم والأمن الدوليين والتخلي، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن مسؤولياتها تجاه العدوان والتوسع الصهيوني في الشرق الأوسط.
وقد شهدت أوروبا مثل هذا الاستهتار بالمواثيق والاتفاقيات الدولية عشية الحرب العالمية الثانية من خلال تصريحات القادة النازيين الذين جروا بلادهم والعالم أجمع إلى الحرب العالمية الثانية التي جلبت على الإنسانية حزنا لا يوصف. ولهذا السبب فإن الأمم المتحدة وأعضائها الممثلين فيها مطالبون بوضع حد لهذا الاستخفاف وانعدام المسؤولية الذي يهدد السلام الآن و يهدد أمن العالم.
وأشار وزير خارجية إسرائيل، المخلص لسفستطه وللنمط الصهيوني المعروف في تشويه الحقائق، إلى ما أسماه وضع اليهود في سوريا.
ولا أحتاج إلى دحض ادعاءاته لأن أفراد الجالية اليهودية في سوريا هم مواطنين سوريين.
إنهم يعيشون ليس فقط أفضل من العرب في إسرائيل، الذين يعاملون كمواطنين من الدرجة الثالثة، أو العرب في الأراضي المحتلة، بل بالتأكيد أفضل من اليهود الشرقيين في إسرائيل. ومن منا لم يقرأ مؤخراً عن ثورة هؤلاء اليهود الشرقيين البائسين الذين استدرجتهم الدعاية الصهيونية للهجرة إلى إسرائيل؟ ورأى هؤلاء اليهود الشرقيون بأنفسهم ما يعنيه العيش في ظل مجتمع أوروبي عنصري صهيوني قائم على التمييز في اللون والعرق والعقيدة. ولا نعتقد أن السلطات الصهيونية تستطيع أن تخفي عن أعين العالم مأساة اليهود الشرقيين في إسرائيل. تحركات الفهد الأسود هناك، وإضراباتهم ومظاهراتهم المستمرة،ما هي إلا بداية تآكل ذلك المجتمع العنصري.
علاوة على ذلك، فإن الدعاية الصهيونية الإسرائيلية، في تجاهل تام لإرادة العالم فيما يتعلق بحفظ السلام والأمن الدوليين، تحاول باستمرار تصوير العدوان الإسرائيلي على الدول العربية على أنه صراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط. , تهدف هذه المحاولة إلى ربط الولايات المتحدة ومصالحها بالكامل بالعدوان الإسرائيلي ورغبة الدولة الإسرائيلية التوسعية في التوسع في الأراضي العربية,وهو وضع متفجر، لأنه يهدف في نهاية المطاف إلى دفع العالم كله إلى حافة حرب عالمية ثالثة من أجل حماية التوسع والعدوان الإسرائيلي.
ولذلك فإننا نؤكد مرة أخرى أن أي تسوية تقوم على إعطاء مكافأة للمعتدي ما هي إلا دعوة لمزيد من تجديد العدوان. إنها لعبة خطيرة تهدد أمن المجتمع الدولي. إن الإبداعات المصطنعة القائمة على العنصرية والعدوان لا يمكن أن تستمر، بغض النظر عن ترسانة الأسلحة الهجومية التدميرية الموجودة تحت تصرفها.
ويعلمنا التاريخ بما لا يدع مجالا للشك، أن الانتصارات المبكرة للمعتدين تصبح دائما الطريق المؤدي إلى هزيمتهم. إن العدوان الصهيوني الإسرائيلي على الشعوب العربية في الشرق الأوسط لن يكون أفضل من العدوان النازي على أوروبا والعالم أجمع.
إن هذا العدوان الصهيوني الإمبريالي، الذي تمت إدانته على نطاق واسع على المستوى الدولي، لم يكن من الممكن أن يستمر لولا الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، أولا لارتكاب العدوان ثم لإدامته لاحقا. إن التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بين الإمبريالية والصهيونية، الموجه ضد شعب فلسطين المقتلع والمطرود، وكذلك ضد الشعب العربي بأكمله الذي يتطلع إلى السلام، يشكل تهديداً لكل محبي الحرية والتحرر. ولشعوب العالم المحبة للسلام، وتضر بالمصالح الأمريكية التي يتم التضحية بها لخدمة الأهداف العدوانية للصهيونية.
إن ما يسمى بسياسة الولايات المتحدة المتمثلة في "الدبلوماسية الهادئة من أجل تسوية في الشرق الأوسط" ليست في الواقع سوى مظهر من مظاهر رغبة ذلك البلد في منح الطرف المعتدي الفرصة و"الهدوء" اللازم للتمتع بثمار العدوان وتعزيز مكانته و تعزيز سيطرته على الأراضي المحتلة من خلال إنشاء مستعمرات جديدة وطرد سكان هذه الأراضي.
ومن المؤسف حقا أن الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة التي أنتجت خلال القرنين الماضيين أبطالا عظماء للحرية - واشنطن وجيفرسون وبنجامين فرانكلين وأبراهام لنكولن، ينبغي أن تصبح اليوم المورد الرئيسي للأسلحة المستخدمة في ارتكاب الجرائم وفي العدوان على شعوب العالم الساعية إلى الحرية .
ومن المؤسف حقا أن الولايات المتحدة الأمريكية، التي أصدرت إعلان الاستقلال، وهو أول إعلان لحقوق الإنسان في التاريخ الحديث، ينبغي أن تصبح اليوم القوة القمعية المستخدمة لتهديد حرية الشعوب ودعم انتهاكات حقوق الإنسان .
إن الطرد الواسع النطاق للسكان العرب في هضبة الجولان والضفة الغربية للأردن وغزة وشبه جزيرة سيناء والقدس من منازلهم وأراضيهم هو جريمة فظيعة ينبغي أن تحرك الضمير الإنساني للتدخل لإنقاذ المهددين ولانقاذ السلام والأمن في العالم.
وقد ذهبت السلطات الإسرائيلية إلى أبعد من ذلك في تحديها للمجتمع الدولي، حيث أعلنت صراحة عن نواياها الاستعمارية فيما يتعلق بالأراضي العربية المحتلة, إذ طالب وزير الدفاع الإسرائيلي مؤخراً بضم هذه الأراضي إلى إسرائيل، وبالتالي يجب على إسرائيل أن تعتبر نفسها "الحكومة الدائمة لهذه الأراضي".
لقد أدت أعمال العدوان والطرد الصهيونية إلى تحويل الشعب العربي في فلسطين إلى حالة لاجئين. إن فشل المجتمع الدولي في تحقيق العدالة لهؤلاء اللاجئين واللامبالاة التي نظر بها إلى محنتهم المأساوية قد أشعلت روح المقاومة في خيامهم الممزقة وحولت "شعب فلسطين المشردين والمحرومين إلى مقاتلين من أجل الحرية يكافحون من أجل الدفاع عن أنفسهم وعن الحقوق التي أقرها ميثاق الأمم المتحدة بأنها ملك لجميع الشعوب.
إن نضال المقاومة الفلسطينية هو نضال من أجل حق تقرير المصير. ويعترف القانون الدولي بهذا الحق. ويقدس النضال من أجل تحقيقه. فهو بالفعل: الحق الذي ناضل من أجل تحقيقه جميع شعوب العالم الممثلة في هذه المنظمة، دون استثناء الولايات المتحدة الأمريكية. وهو الحق الذي تعترف به القوانين والمواثيق الدولية، بما في ذلك إعلان استقلال الولايات المتحدة، وهو بالتالي حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف، وهو ما اعترفت به الجمعية العامة للأمم المتحدة مراراً وتكراراً وأكدته في قراراتها التي اتخذتها دوراتها المختلفة ، وعلى الأخص في الدورة السنوية الخامسة والعشرين للجمعية العامة .
تود الجمهورية العربية السورية أن تلفت انتباه الجمعية العامة إلى المخاطر الجسيمة التي تهدد السلام في الشرق الأوسط والعالم المصاحب للحالة الراهنة من العدوان الإسرائيلي المستمر. وينبغي للمجتمع الدولي أن يضطلع بمسؤولياته التاريخية فيما يتعلق بالحفاظ على السلام العالمي من خلال وضع حد فوري لذلك العدوان.
إن موقف الجمهورية العربية السورية من قضية فلسطين والعدوان الإسرائيلي المستمر هو موقف ثابت ومستند إلى مبادئ وأحكام ميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان غير القابلة للتصرف.
هناك شرطان أساسيان لإحلال السلام في الشرق الأوسط:
أولاً، الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه وحقه في الممارسة الحرة لتقرير المصير؛
ثانيا، الانسحاب الكامل والفوري وغير المشروط للقوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة.
إن استمرار احتلال هذه الأراضي يشكل خطرا جسيما على السلام، وهو خطر يجب أن يتحمل مسؤوليته المعتدون الصهاينة والقوى الإمبريالية الداعمة للعدوان.
إن القوى المحبة للحرية في العالم وجميع الشعوب التي تناضل من أجل التحرير تتحمل مسؤولية كبح جماح المعتدي. ويمكن لهذه القوى، بالعمل الجماعي، أن تردع العدوان، وأن تحمي قضية الحرية وسيادة الشعوب، وأن تضمن السلام العالمي على أساس العدل والإنصاف.