أجرت قناة الحرة، لقاءً خاصاً مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، عبر برنامج «أحد الأسئلة» الأسبوعي والذي يقدمه الزميل الإعلامي نديم قطيش؛
حيث وجّه خدام أكثر من رسالة لأكثر من جهة داخلياً، عربياً ودولياً.
كما تطرق خلال اللقاء إلى مقررات مؤتمر بروكسيل وجهة بوصلة التحركات الآتية والمقاومة. في البداية رفض رفضاً قاطعاً كلام رئيس حزب الإصلاح المعارض فريد الغادري، حيث دعا هذا الأخير الطائفة العلوية «للعودة إلى مناطقهم في الجبال وترك دمشق عاصمة الأمويين إلى طائفة السنة الأكبر في سورية من أجل أن تستعيد الحكم». وأوضح خدام: «أنا لست طائفياً، أنا مواطن سوري، وأعتز بانتمائي إلى وطني، هذا الكلام مدان جملة وتفصيلاً، والذي تحدث به ليس سورياً ولا يمكن أن يكون سورياً. الطائفة العلوية هي جزء أساسي من مكونات الشعب السوري ومن النسيج الوطني السوري وكل من يحاول تصديع هذا النسيج إنما يعمل ضد سورية وضد الاستقرار في سورية». وأضاف: في سورية هناك طوائف وأديان ومسلمون ومسيحيون من كل الطوائف والمذاهب ولكنهم جميعاً سوريون مخلصون لبلدهم؛ ووجود أشخاص أو أفراد في أسرة الحكم لا يعني أن تكون الطائفة العلوية هي المسؤولة عنه ولا أي طائفة أخرى. «ولا تزر وازرة وزر أخرى».. هذا مبدأ أساسي في الإسلام والمنطق، ولذلك فإن مثل هذه التصريحات قوبلت باستهجان شديد داخل وخارج سورية، وأنا أعتقد أنه ليس هناك في داخل أو خارج سورية على السواء سوري أو غير سوري يمكن أن يقبل بمثل هذه التصريحات. عن وجود ما يسمى: «الرضا العلوي» أو «المجلس الملي العلوي» المراقب لأداء الرئيس الأسد، قال خدام: «إن مثل هذا الكلام، إنما هو مجموعة من التصورات أو الأفكار غير الصحيحة، فليس هناك مجلس ملي علوي، الطائفة العلوية ليست مسؤولة عن الحكم والمسؤول عن السلطة هي الأسرة الحاكمة أسرة حافظ الأسد وابنه؛ ولا يمكن تحميل الطائفة العلوية أو غير هذه الطائفة مسؤولية حكم هذه الأسرة. في السياسة السورية – يضيف خدام – مرتكزات وطنية وليست مرتكزات طائفية. نحن نختلف مع النظام على اعتبار أنه نظام فردي مستبد ظالم وفاسد. اختلافنا معه ليس على أساس أن رئيسه ينتمي إلى الطائفة العلوية، لذلك نشر مثل هذه الأقوال، الهدف منه تمزيق الوحدة الوطنية السورية وأقول لك بكل وضوح: السوريون جميعاً يستحيل أن يقبلوا مثل هذه التصريحات وهي مدانة. أما بخصوص التأثير العلوي على قرار الرئيس بشار الأسد، فقد أشار خدام إلى: «أن العلويين جزء من الشعب السوري، بشار الأسد ترفضه الأكثرية الساحقة من الشعب السوري بكل طوائفه وقومياته. الأمر لا يُحمل على الفرد الطائفي بل على الفرد السياسي. الخلاف كما أشرت ليس حول الانتماء الطائفي إطلاقاً، ولا يمكن أن يحدث في سورية على هذا الأساس. للتذكير: عام الاستقلال في 3491، جرت انتخابات، كان أول رئيس للمجلس النيابي في سورية المرحوم فارس الخوري، وهو كان من أقلية مسيحية صغيرة. السوريون ينظرون إلى إخلاص الشخص وقيمه وإلى سياساته ومدى اقترابها أو ابتعادها عن مصالح البلاد».
العازل والمعزول
الوضع الداخلي في سورية، وصّفه خدام كالآتي: «أرجح أن بشار الأسد لم يذهب لحضور قمة كوبا لدول عدم الانحياز، لأنه يخشى من تحرك شعبي في غيابه، وهو قلق لا ينام ومضطرب. بالتالي فهو خائف لأنه ورّط نفسه في مواقع سياسية وإجراءات على الأرض تتعارض مع مصالح البلاد؛ وهذا أمر طبيعي ليخلف آثاراً عدة من القلق. بشار الأسد عزل سورية بسياسته عن العلاقات الدولية، وهو أصلاً معزول داخلياً. فمن الطبيعي أن لا يذهب إلى خارج البلاد».
عن تقرير لجنة التحقيق الدولية بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأحداث لبنان الأخيرة أوضح خدام: «أتوقع أن لا يذكر التقرير أسماء متهمين في هذه المرحلة، لأن المحكمة ذات الطابع الدولي لم تتشكل حتى الآن. بالتالي من المتوقع أن يكون التقرير مهنياً، ولكنه متقدم عن التقرير السابق بمعنى أنه سيقدم وقائع جديدة وقناعات جديدة ومؤثرات جديدة. أما موضوع ذكر الأسماء فلا أتوقع حصول ذلك لأنه عندما سيذكر أسماء لا يستطيع أن يصدر بحقها مذكرات توقيف أن هذا الأمر منوط بالقضاء اللبناني وهذا الأخير ضمن الظروف السياسية الحالية لا أعتقد أن له الإمكانية على إصدار مثل هذه المذكرات؛ لذلك أتوقع وأعتقد بأن المحقق أجّل ذكر الأسماء إلى حين تشكيل محكمة ذات طابع دولي. إن النظام السوري هو المسؤول عن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكل الاغتيالات التي تبعت ذلك وذلك وفق قناعتي. المقدم سمير شحادة هو معني مباشرة بملف اغتيال الرئيس الشهيد والجهة التي حاولت اغتياله، قامت بهذه المحاولة بسبب علاقته بالملف السابق – ملف الاغتيال – وأنا أرجح أن تكون هي نفسها الجهة التي قامت بالمحاولات السابقة لعمليات الاغتيال، أعني الأجهزة الأمنية السورية وتوابعها المتبقية في لبنان وبطبيعة الحال، إن هذا الأمر لا يتم إلا بقرار من الرئيس بشار الأسد لأن القرار الأمني في سورية بيد رئيس الدولة».
الحملة الموجهة ضد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والتي تشنها بعض القوى اللبنانية الداخلية وتواقتها مع خطاب الرئيس بشار الأخير، رأى فيها خدام: «أنها حملة مترابطة ومطلوبة من بشار الأسد، فيها تفسير للحرب التي جرت في لبنان ولعملية خطف الجنديين الإسرائيليين والتي أتت بقرار من بشار الأسد لأنه يريد إحداث شرخ في المجتمع اللبناني، وكان يعتقد أن هذه العملية ستؤدي إلى حرب وهو يعرف ذلك، لذا، فقد راهن على أن الشعب اللبناني سينقسم تجاه هذه العملية، ولكن هذا الاعتقاد سقط لأن الشعب اللبناني توحد خلال الحرب. بعد توقف الحرب من الطبيعي أن يتساءل اللبنانيون عن دور الدولة وهل يمكن أن يكون في الدولة دولتان…؟!!! الأسد أراد أن يوظف بهذه التساؤلات لأحداث فتنة، فأعطى التوجيهات لأصدقائه وفي مقدمتهم حزب الله للاتجاه نحو ذلك. بكل وضوح أقول:
أولاً، إن أي خلل يقع في لبنان يتحمل مسؤوليته المباشرة بشار الأسد،
ثانياً: جماعة 14 آذار/ مارس أصدروا بياناً منذ فترة، وأنا لا أوافقهم عليه بسبب سوء توقيت إصداره قبل لملمة آثار الحرب مع العلم أنه من حقهم عمل ذلك.
إن الخطأ الكبير الذي ارتكبه نصرالله هو تلك الحملة الشعواء التي شنها ضد فريق لبناني يمثل حالة شعبية كبيرة في لبنان، وإذا كان يعتقد بأن الشعب السوري سيقف إلى جانبه فهو مخطئ. الشعب السوري وقف إلى جانب المقاومة، ولكن عندما يتحول حزب الله إلى شن هجوم نحو الداخل ضد أطراف لبنانية، فإن أحداً لن يقف معه سوري أو عربي. الجميع وقفوا معه ضد العدوان الإسرائيلي ولا يمكن أن يقف معه أحد عندما يريد جر لبنان إلى حرب أهلية، أو إلى انفجار لمصلحة بشار الأسد، أو لمصلحة غيره».
بشأن الهجوم الإرهابي على السفارة الأميركية في دمشق، ألمح خدام إلى أمرين:
«أولاً رد الفعل الأميركي ممثلاً بتصريح الوزيرة رايس هو طبيعي لأنه لو لم تفعل ذلك وتشكر السلطات السورية لكانت موضع انتقاد عربي وأميركي ودولي. أما في ما يختص بالحادث، فهناك مقولتان، المقولة الأولى: إن هذه العملية تمت بترتيب أحد الأجهزة الأمنية على اعتبار أن المنطقة التي وقع فيها الحادث هي منطقة أمنية 100% فهي منطقة القصر الجمهوري وسكن رئيس الدولة ومكان إقامة عدد كبير من كبار المسؤولين، فلا يمكن أن تمر دجاجة من تلك المنطقة دون مراقبة أمنية، أيضاً لجهة أن السيارات المستخدمة بالعملية، كانت دون لوحات. هذه المقولة قد تكون صحيحة، وقد تكون لا.
المقولة الثانية: تقول إن العملية إرهابية وإذا كانت كذلك فعلاً، فهي تنذر بأشياء خطيرة في سورية ويعني هذا، أن النظام بسبب سياساته الإرهابية والظالمة وبسبب فساده وحالة الفقر في البلاد، وعزلته الشعبية ومصادرته للحريات وإغلاق الأبواب أمام الناس، كل ذلك أدى إلى شعور بالإحباط ليقود إلى حالة من التطرف وبالتالي فإذا كانت عملية إرهابية، فهي نتيجة لما وصلت إليه البلاد في ظل النظام الحالي».
وجود حماية من قبل القوى العظمى كأميركا للنظام السوري، حتى لا تتحول سورية إلى عراق آخر، حدد ملامحه خدّام: «إن بقاء النظام، هو الذي سيحوّل سورية إلى عراق آخر، عندما يُحمى النظام وتسد أبواب التغيير فإن سورية ستشهد أحداثاً كالتي تجري في العراق. عندما تغلق أبواب الأمل بالنهوض والحياة الكريمة ومحاربة الفقر والبطالة و… ماذا يفعل الناس؟!!! لننظر إلى الجزائر كمثال، عام 1988 أطلق الرئيس الشاذلي بن جديد حركة ديموقراطية، وجرت انتخابات. قام الجيش بالانقلاب واستخدم العنف وأغلق أبواب الحريات وعطل الانتخابات. ما حصل في الجزائر يؤسف له وما زالت الجزائر تعاني منه: إذاً الذي يخلق أرضية العنف والتطرف، هو عنف واستبداد وفساد السلطة».
إمكانية حصول تسوية سورية – أميركية، وهل هذا يخيف المعارضة..؟ رد على ذلك خدّام: «بأن هذا الأمر لا يخيف ولا يقلق المعارضة التي تسعى إلى التغيير وستصل إليه بأصوات وطنية وإرادة وطنية وليس بتدخل أجنبي وهذا واضح للجميع. أما استطاعة النظام على تلبية الطلبات الأميركية، فأنا أقول: إن المسألة ليست مسألة طلبات، بل سياسات، والنظام مرتبط بالسياسة الإيرانية ومصيرها، وبالتالي فإن مشكلة النظام هي جزء من مشكلة المنطقة ومشكلة الغرب مع إيران. الأمر الآخر أن الأسد غير قادر وهو لا يستطيع أن يتخلى عن سياسته، لأنه يكون بذلك قد أضاع الدين والدنيا. أنا أؤكد على أن الشعب السوري أجمع على إدانة خطاب بشار الأسد الأخير واعتبره خطيئة سياسية كبيرة، وأعتقد أن ارتباطه باستراتيجية النظام الإيراني هو وراء مثل هذا الخطاب وذلك الكلام، لأن الربط مع الدول العربية له متطلباته وواقعه، الأسد بكلامه الأخير، عملياً زاد من عزلته العربية والداخلية، ليس هناك أي غطاء عربي لمثل هكذا سياسة على الإطلاق.
أما تأكيده خلال الخطاب على السلام، فهو أراد أن يستخدم لبنان للحوار مع إسرائىل وهو عملياً يريد توظيف دماء اللبنانيين وما أصابهم من دمار لأجل ذلك. عندما يتحدث عن السلام يريد تهدئة التيارات السياسية السلمية التي تواجهه وتعارض سياسته في الغرب، يريد أن يقول لهم: «أنا أريد السلام وأريدكم أن تصفحوا عني». هي مناورة سياسية لا أكثر ولا أقل».
وعن احتمال وجود وساطة قطرية لفتح ملف المفاوضات السورية – الإسرائيلية، أجاب خدّام: «ليس لديّ معلومات بهذا الأمر؛ لكن النظام السوري وقع في خطأ مناكفته للرياض عبر قطر. السعودية لعبت دوراً كبيراً لصالح سورية. جميع مشاريع التنمية في السبعينات وما بعدها جاءت بدعم مالي كبير من السعوديين والخليجيين، كما أن العلاقات السورية – السعودية ليست جديدة، بل هي قديمة منذ تأسيس المملكة العربية السعودية والتي كان فيها لسورية دور كبير، إذ كانت تحيط بالملك المؤسس مجموعة كبيرة من السوريين كمستشارين ومساعدين وبالتالي فقد نشأت عملياً روابط عاطفية ما بين الشعبين والحكومتين وأن أي إساءة لهذه العلاقات، ليست فقط إساءة لتاريخ سورية بل أيضاً إساءة لسورية نفسها ومصالحها.
إذا كان من مشكلة بين قطر والسعودية، على سورية أن تلعب دور الوسيط الشقيق، الذي يسعى لوأد الخلاف وليس لإشعال الفتنة أو أن يكون أداة لمثل هكذا مشكلات في المنطقة. أنا أعتقد أن الأخوان السعوديين باتوا على قناعة بأن الشعب السوري مظلوم؛ وهو يعاني، وأن استمرار النظام هو استمرار للظلم والمعاناة وكما أشرت سابقاً، كان هناك تعاطف سعودي – سوري يهدف إلى منع إجراء حركة تغييرات في المنطقة في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى تضامن وتكافل وتوحد عربي، لكن النظام السوري كسر القاعدة، وهو الذي أخرج نفسه من المعادلة العربية. أنا أعتقد، بأن بوليصة التأمين لأي نظام، هي بيد شعب هذا النظام، وبوليصة تأمين النظام في سورية هي التي يستخدمها الشعب السوري في وقت قريب بما يخدم مصالحه. أنا لا أريد أن أتنبأ، بل أنا واثق من أن الشعب السوري سينتقل من هذا النظام إلى نظام حر ديموقراطي ويمارس حريته ويعود لممارسة دوره في بناء السلطة واختيارها. أما في ما يخص حركة المعارضة داخلياً، فأنا كنت عضواً في قيادة سورية ولي علاقات واسعة في مختلف المجالات والقطاعات، في الدولة، وأعرف كثيراً عن وجهات نظر توافقني الرأي في وجهات نظري وموقفي من الحكم والنظام، وهذا التيار داخل الحزب وفي الشارع، ومن الطبيعي أن يمثل هذا التيار حالة شعبية واسعة من المجتمع السوري».