اعتبر ان “حزب الله” ارتكب خطيئة بدخوله إلى العمل السياسي
خدام يصف النظام السوري بأنه أداة لإيران
ويدعو الجيش للبقاء خارج الصراع الداخلي
قال نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام إن النظام في دمشق “ليس حليفاً لإيران بل أداة استراتيجية” بيدها”، ودعا الجيش إلى “البقاء خارج الصراع السياسي الدائر بين الشعب والأسرة الحاكمة”، واصفا الرئيس الشهيد رفيق الحريري بأنه كان بمثابة “وزير خارجية لسوريا” قبل اغتياله عام 2005.
وقال خدام في مقابلة مع “يونايتد برس انترناشونال” إن اتصالاته مع جماعة “الأخوان المسلمين” المحظورة في سوريا تعود إلى ما قبل إعلان انشقاقه عن النظام في 30 كانون الاول الماضي، وشدد على أنه يخطط للعودة إلى دمشق “قريباً”، وأن “حزب الله” ارتكب خطيئة بدخوله إلى العمل السياسي من دون أن يضع سلاحه بتصرف الدولة اللبنانية.
وكان خدام يتحدث خلال زيارته العاصمة البريطانية لندن للمشاركة في مؤتمر “جبهة الخلاص الوطني” التي شكّلها مع المراقب العام لـ”الإخوان المسلمين” في سوريا علي صدر الدين البيانوني ومعارضين آخرين في آذار الماضي في العاصمة البلجيكية بروكسل.
ورداً على سؤال عن الدور الإيراني في المنطقة والخشية من “الهلال الشيعي” الذي حذر منه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، قال خدام: “إيران دولة كبرى في المنطقة ولديها استراتيجية إقليمية تمتد إلى وسط آسيا ومصالح استراتيجية وبالتالي تستخدم علاقاتها لخدمة هذا التوجه، وبشار الأسد ليس حليفاً استراتيجياً لإيران بل أداة استراتيجية لها”.
واعتبر أن وضع العلاقات السورية ـ الإيرانية مختلف حالياً عما كان عليه في السابق، وقال: “في الماضي كان هناك تحالف استراتيجي وكان لسوريا مصالح ولإيران مصالح وكانت نقطة الالتقاء الأساسية لهذا التحالف صدام حسين، لكن الأمور تحولت بعد ذلك نتيجة غياب نقطة الالتقاء الأساسية وضعف سوريا التي لم يعد لديها أي استراتيجية”.
أضاف: “هناك واقع قائم الآن، وهو أن النظام في سوريا مرتبط بطهران وهناك الآن أحزاب إسلامية في العراق لها صلات وثيقة بإيران ومرتبطة بها، وأحزاب إسلامية في لبنان لها صلات بإيران”.
واعتبر خدام أن انشقاقه في كانون الاول الماضي “لم يكن قراراً اعتباطياً، وكان قراراً مدروساً منطلقاً من مصلحة سوريا”، وقال: “حاولت خلال فترة طويلة العمل على إدخال إصلاحات على فكر الحزب وعلى بنية الدولة وآليات عملها، وبالتالي الانتقال بالبلاد من نظام الحزب الحاكم (البعث) إلى نظام ديموقراطي، لأن الاستئثار بالسلطة أدى إلى إلحاق أضرار كبيرة بسوريا وفي مقدمها انتشار الفساد، لأن المسؤول، لا سيما إن كبر شأنه، عندما لا يكون خاضعاً للمحاسبة وعندما لا يجرؤ أحد على محاسبته فليس هناك حدود للأخطاء التي يرتكبها”.
وعما إذا كان لديه مؤيدون في صفوف حزب “البعث” الحاكم والحكومة والقوات المسلحة، أجاب: “بالنسبة إلى الحكومة لا يوجد، لأنها بيد الأسرة الحاكمة، ومن جانب القوات المسلحة أنا شخصياً أدعوها لأن تبقى خارج الصراع السياسي لأن زج هذه القوات في الصراع السياسي فيه خطر كبير على القوات المسلحة وعلى البلاد، كما أن سوريا عانت الأمرين من تدخل الجيش في السياسة منذ عام 1949، ولذلك دعوت وأدعو القوات المسلحة في سوريا لأن تبقى خارج الصراع السياسي الدائر بين الشعب وبين الأسرة الحاكمة”. وتابع “أما على صعيد الحزب، فهناك تيار واسع معارض للأسرة الحاكمة ويؤيد توجهاتنا”.
وعن تصوره لكيفية حصول التغيير الذي يطالب به في سوريا، خصوصاً أن الولايات المتحدة كررت مراراً أنها لا تريد تغيير هذا النظام بل تريده أن يبدل سلوكه، قال خدام: “إن تغيير النظام يمثل مصلحة وطنية سورية قبل كل شيء، فهذا النظام أفقر شعبنا وأضعفه وفكك لحمته الوطنية، واليوم حالة البؤس تعم البلاد والفقر وانخفاض مستوى المعيشة والبطالة والركود الاقتصادي والركود في الأسواق وضعف القوة الشرائية وعجز مؤسسات الدولة وأجهزتها عن تأمين الحدود الدنيا من الخدمات للمواطنين، وبالتالي التغيير هو مصلحة سورية بغض النظر عن موقف هذه الدولة أو تلك”.
وأضاف: “نحن نعمل لتغيير وطني من أجل مصلحة سوريا وليس من أجل مصلحة أي جهة خارجية، ونرفض أن يتم التغيير المنشود عبر القوات المسلحة والانقلابات العسكرية، لأن كل البلدان التي جرت فيها انقلابات عسكرية أو التي قاد فيه العسكريون السلطة أوصلوا بلادهم إلى الضعف وإلى الانكسار والهزيمة، وجبهة الخلاص الوطني تريد تغييراً يؤدي إلى بناء دولة حديثة ديموقراطية يتم فيها تبادل السلطة وتُضمن فيها الحريات العامة والفردية. دولة تنهض بسوريا وتردم الهوة السحيقة التي تفصل بينها وبين العالم المتقدم وتنقلها من مرحلة الضعف والوهن إلى مرحلة استعادة قوتها الذاتية الاقتصادية والسياسية والثقافية والعسكرية”.
وتساءل خدام: “هل هناك ما يرضي أعداء سوريا وخصومها أكثر من أن تكون سوريا ضعيفة غير قادرة على الدفاع عن نفسها وإسماع صوتها وتتناقلها الرياح بعد أن كانت دولة مقررة في المنطقة وتحولت إلى لعبة؟”.
ورفض بشدة أن يكون النظام أراد أن يجعل منه كبش فداء بسبب علاقته القوية مع الرئيس رفيق الحريري، وقال “لست كبش فداء ولا أحد يستطيع أن يجعل أحداً كبش فداء، أنا أعتقد، وأعوذ بالله من كلمة أنا، أن السبب الأساسي لمعاناة سوريا هو طبيعة النظام القائم عندنا للأسباب السابقة”.
كما نفى أن يكون زار لندن قبل انشقاقه أو أن يكون التقى أي مسؤول بريطاني أو أميركي، وقال: “لم أزر لندن قبل هذه المرة منذ سنوات طويلة وليس في برنامجي عقد لقاءات مع أي مسؤول بريطاني ولم يجر أي اتصال من قبل بيني وبين أي مسؤول أميركي”.
وعما إذا كان يخطط للانتقال إلى لندن بسبب القيود التي فرضتها عليه فرنسا، أجاب: “لا أُخطط للإقامة إلا في دمشق، وسأعود إلى هناك قريباً، وليست عليّ قيود إطلاقاً في فرنسا حيث يوجد تقليد يملي على أي سياسي يقيم فيها عدم ممارسة أي نشاط إعلامي ضد أي جهة أخرى وأنا أحترم هذا التقليد”.
وكان مجلس الشعب السوري دان خدام واتهمه بالخيانة العظمى، وأصدرت السلطة القضائية هناك مذكرة جلب بحقه وسلمتها إلى الحكومة الفرنسية عن طريق الأنتربول.
وقال خدام إن “جبهة الخلاص الوطني” التي أنشأها مع جماعة “الأخوان المسلمين”، “لديها جدول أعمال وستضع في مؤتمر لندن (المنعقد حالياً) خطط عمل وبرامج للمرحلة المقبلة في المجالات الداخلية والعربية والدولية، وستقر الهيكلية التنظيمية الداخلية”.
ونفى صحة أن يكون رئيس الأركان السابق العماد حكمت الشهابي قد خطط للانشقاق هو الآخر والانضمام إلى صفوف “جبهة الخلاص”، وقال: “هذا الكلام غير صحيح والشهابي رجل وطني اعتزل السياسة منذ عام 1998 وهو مريض الآن، شفاه الله، ولم يقم بأي نشاط سياسي منذ تلك الفترة، والرجل صديقي وهناك اتصالات دائمة بيني وبينه”.
وحول ما إذا كانت الجبهة ستركز نشاطاتها المقبلة على مسألة الطائفية في سوريا وأنها حصلت على دعم دول مجاورة لهذا التوجه، أجاب خدام “ما كنت ولست ولن أكون في أي يوم من الأيام من دعاة الطائفية، أنا رجل وطني وأعتقد أن أي عمل أو تحريض أو ممارسة في إطار الطائفية هي خيانة للوطن”.
واعترف خدام أن اتصالاته مع جماعة “الأخوان المسلمين” المحظورة تعود إلى ما قبل فترة انشقاقه عن النظام في دمشق، وقال: “بالفعل جرى اتصال بيننا عبر إحدى الجهات”، غير أنه نفى أن تكون الجهة المعنية “إعلان دمشق” الذي أطلقته مجموعة من المثقفين والناشطين السياسيين اعتراضاً على الأوضاع الداخلية والحريات السياسية والعامة. وأضاف: “تم الاتصال عن طريق أحد الأشخاص وجرى خلاله الحديث عن موقفي من النظام وحول توجهي للاستقالة”.
وكان البيانوني أبلغ “يونايتد برس” أنه “تلقى رسالة من خدام عام 2003 عن طريق أحد المعارضين المنضوين تحت إعلان دمشق وهو موجود داخل سوريا يعلمه فيها أنه ينوي الانشقاق، ويحتاج إلى وقت وشجعنا على المضي في خطابنا المعتدل”.
وعن تعليقه على قول البيانوني في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”، “إن خدام سيخضع لمحاكمة بعد إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، لكنه في الوقت الراهن جزء لا يتجزأ من المعارضة”، قال خدام: “لم أسمع بمثل هذا الكلام، وأعتقد أن لدى البيانوني من الخلق والإدراك والمعرفة ما يمنعه من إطلاق مثل هذا الكلام، وعلى كل حال الآن وغداً وبعد غد أي سوري له حق أو اتهام ضدي يستطيع أن يقاضيني كما يستطيع أن يقاضي البيانوني أو أي إنسان آخر”.
وأعرب عن اعتقاده “أن من أسباب اغتيال الرئيس الحريري أن الذين أقنعوا بشار الأسد وورطوه في عملية الاغتيال هو أن يذهب رجل كان يعمل لصالح سوريا”. وقال: “إن الرئيس الحريري خدم سوريا أكثر مما خدم لبنان وكان وزير خارجية لسوريا وكنا نكلفه بمهام خارجية لتصحيح علاقاتنا مع دول كان وزير الخارجية السابق (فاروق الشرع) خرّب روابطنا معها، وأنا أعتز بصداقتي للرئيس الحريري، رحمة الله عليه، لقد كان رجلاً عربياً وطنياً محباً لسوريا ومخلصاً لها وبذل جهوداً كبيرة لخدمتها”.
وعن توقعاته لما سيقوله القاضي البلجيكي سيرج براميرتس في التقرير الذي من المقرر ان يسلمه إلى مجلس الأمن منتصف الشهر، قال: “بطبيعة الحال براميرتس رجل متكتم ولم يتسرب عنه أي شيء، ولكن وفق ما لدي من معلومات سابقة عن مجريات التحقيق يفترض أن يتضمن التقرير أشياء جدية تتعلق بالذين خططوا ونفذوا عملية اغتيال الرئيس الحريري والاغتيالات الأخرى”.
أضاف “براميرتس وسلفه القاضي الألماني ديتليف ميليس مهنيان لكن لكل منهما أسلوبه المختلف، فميليس كان يسرّب المعلومة من أجل استخلاص معلومات عبر ردود الفعل وكان هذا أسلوبه في التحقيق، أما براميرتس فله أسلوب آخر يتمثل في ضبط المعلومات وعدم تسريبها”.
ونفى أن يكون التقى براميرتس، غير أنه أشار إلى أنه التقى ميليس، والذي وصفه بأنه “محقق جيد يعرف واجباته عن كثب”.
وعما إذا كان يؤيد المطالبة بتجريد “حزب الله” من سلاحه، أجاب: “حزب الله قاد المقاومة اللبنانية ونجح في إخراج الإسرائيليين من لبنان وتحرير الجنوب، وما كان ممكناً أن ينجح لولا الإجماع الوطني اللبناني حول دعم المقاومة اللبنانية”.
واعتبر أن “حزب الله ارتكب خطيئة سياسية بزج نفسه في العمل السياسي في لبنان، وأصبح جزءاً من العملية السياسية هناك، وبالتالي هذا الأمر دفع الأطراف اللبنانية الأخرى كي تقول له أنت حزب مسلّح وليس من حقك أن تمتلك هذا السلاح وأن الجنوب تحرر وإذا كانت هناك مشكلة تتعلق بمزارع شبعا اطلب من أصدقائك السوريين أن يعترفوا رسمياً بأن هذه المزارع لبنانية بعدئذ يعمل لبنان عبر وسائله على إخراج الإسرائيليين من مزارع شبعا، لكن هذا الأمر لم يحدث الأمر الذي دفع تلك الأطراف للتساؤل لماذا يُرتهن لبنان لمصلحة سياسة (الرئيس) بشار الأسد أو سياسة إيران”.
وأعرب عن اعتقاده أنه “كان يفترض بحزب الله أن يحافظ على رصيده التاريخي الكبير الذي حققه، وقال “بطبيعة الحال وفي أي بلد من بلدان العالم عندما تصبح المقاومة جزءا من العملية السياسية فإنها تصبح أيضاً جزءا من اللعبة السياسية وهذا يضعف المقاومة ويضعف تاريخها أيضاً، لذلك أرى أن حزب الله ارتكب خطيئة بدخوله العمل السياسي وكان يجب أن يضع مسألة المقاومة أو مسألة السلاح تحت قيادة الدولة اللبنانية في حال أراد دخول العمل السياسي”.
وقال خدام “كان من المفترض بـ”حزب الله” أن يُبقي الإجماع الوطني حوله من دون أن يستطيع أحد إلا وأن ينوه بقوة بالدور التاريخي الذي قام به “حزب الله”، وأنا لست مع السياسة اللبنانية التي انتهجها ولست مع أن يكون تحت تصرف بشار الأسد أو غيره وكنت أتمنى أن يبقى “حزب الله” حزباً إسلامياً وطنياً لبنانياً وعربياً يخدم عروبته وإسلامه من خلال تعزيزه للوحدة الوطنية في لبنان”.