في حديث شامل عن الجولان وحزب الله ومستقبل الأوضاع في سورية
بروكسيل / يو بي آي: أعلن نائب السوري السابق المنشق عبد الحليم خدام أن جبهة الخلاص المعارضة التي أسسها مع المراقب العام لجماعة الأخوان المسلمين في سورية علي صدر الدين البيانوني ومعارضين آخرين ستركز على العمل داخل سورية في المرحلة المقبلة من أجل تسريع عملية التغيير.
وقال خدام في مقابلة خاصة مع يوناتيدبرس إنترناشنال على هامش إنعقاد إجتماع الإمانة العامة للجبهة في العاصمة البلجيكية بروكسيل “إن نشاط الجبهة تركز حتى الآن على العمل خارج سورية مع القيام بإتصالات في الداخل غير أنه سينتقل في المرحلة المقبلة إلى الداخل لتسريع عملية التغيير”.
لكنه رفض إعطاء أي تفاصيل حول الطرق والوسائل التي ستستخدمها الجبهة للتواصل مع الداخل السوري “لأسباب أمنية”، موضحاً “لا يمكن أن تتوقع مني أن أُعطي جواباً على موضوع أمني، لكن ما يمكن أن أورده في هذا المجال أن الجبهة تتجه إلى تفعيل الإتصالات في الداخل وإلى تعبئة الرأي العام في سورية من أجل أن يكون مهيئاً إلى عملية التغيير والتي نتمنى أن تتم غداً ونحن نعمل من أجل ذلك وبإذن الله سنصل إلى ما نعمل من أجل تحقيقه”، على حد تعبيره.
ونفى أن تكون أي جهة عربية إتصلت بالجبهة في أعقاب خطاب الرئيس بشار الأسد الشهر الماضي والذي حمل فيه على بعض الجهات بسبب إنتقادها لحزب الله في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل في لبنان، وقال “في الواقع لم يجر أي إتصال بيننا وبين أي جهة عربية ولكن هذا لا يعني عدم وجود تحالفات كثيرة مشتركة مع الدول العربية، لأننا في جبهة الخلاص نؤمن أن سورية بالنسبة للوضع العربي معزولة الآن بسبب سياسة بشار الأسد المتهورة وهجومه على الدول العربية وقطع صلات سورية معها”.
وإعتبر خدام الذي أعلن انشقاقه عن النظام في الثلاثين من ديسمبر/كانون الأول الماضي “أن من الطبيعي أن نلتقي في توجهاتنا حول التضامن العربي مع أشقائنا في الحكومات العربية”، دون أن يسمي أي واحدة منها وما إذا كانت السعودية والأردن ومصر تأتي في مقدمتها، غير أنه شدد على أن الوضع العربي “كله في جهة والنظام في سورية بجهة ثانية وأن هناك تقاطعاً في المواقف بين جبهة الخلاص الوطني وبين الموقف العربي العام حول خطورة تمزيق الوضع العربي وحول خطورة إخراج سورية من الدائرة العربية”.
وسُئل ما إذا كان يرى أن خطاب الرئيس الأسد أضّر بموقف سورية وساهم في عزلها أكثر عن محيطها العربي، فأجاب “هناك السلوك وهناك الخطاب، فالسلوك الذي كان يقوم به بشار الأسد يصب في إتجاه تقطيع روابط سورية مع الدول العربية دون أن يدرك خطورة ذلك فألحق أضراراً كبيرة بمصالحها وهناك الآن مئات الألوف من السوريين الذين يعملون في البلدان العربية وضعهم في موقف صعب ومعقد أمام حكومات الدول المضيفة، وكان في لبنان حوالي نصف سوري يعملون، غير أن سياسته في هذا البلد الشقيق أدت إلى خروج هؤلاء وهم يتسكعون الآن في سورية ولا يجدون فرص عمل”.
وقال خدام الذي اتهمه مجلس الشعب السوري (البرلمان) بعد إنشقاقه بالخيانة العظمى “إن (الرئيس) بشار في سياسته تجاه الدول العربية يضيّق أيضاً على الجاليات العربية في سورية وعلى السوريين الموجودين في الخارج ويخلق بالتالي حالة نفسية لدى المواطن السوري تدفعه إلى القلق حين يرى أن حكومته تعادي وتنتقد الحكومة التي يعمل لديها”.
واستبعد إمكانية أن يتمكن النظام السوري من إصلاح الخلل الذي طرأ على علاقاته وخاصة مع السعودية، مضيفاً “أن بشار الأسد قطع نقطة العودة وحسم أمره وأخرج نفسه من الدائرة العربية ووضعها في الدائرة الإيرانية وهو يعلم أنه في طريق السقوط وهرب إلى الأمام ولم يهرب إلى الوراء إلى شعبه ورفع وتيرة الخطاب السياسي لأنه يعرف أن المواطن العادي محتقن من الظلم والقهر الذي يصيبه ويعتقد أنه إذا رفع وتيرة الخطاب ستنحاز له هذه الجماهير وبالتالي توفر له الحماية التي يريد كما يحلو للمحيطين به أن يوهموه”.
وأشار خدام إلى أن الرئيس الأسد “يعتقد أن الدول العربية غير قادرة على حمايته ويرى أنه إذا أصبح حلقة في إستراتيجية إيران فإن الأخيرة يمكن أن توفر له الحماية التي يريد, وعلى الأقل إن اضطر لركوب طائرة هو وعائلته إلى مكان يأويه فلن يجد مأوى يأويه وحضناً حاراً كالحضن الإيراني”.
وأضاف “إن ما يؤذي بشار الأسد تلك الجوقة المحيطة به والتي تصفه بما ليس فيه وتقول له ما يجب أن لا يُقال وتضلله.. فالعالم مختلف الآن والذين يكثرون الحديث بمنطق الصمود ومواجهة الإمبريالية يعيشون خارج التاريخ وخارج العالم ويضللون أنفسهم ويساعدون عملية تضييق الخناق على سورية”.
وتعليقاً على تغيب الرئيس السوري عن قمة دول حركة عدم الإنحياز في كوبا، قال خدام “إن بشار الأسد لا ينام وهو في غاية القلق من الوضع الداخلي ويخاف إن غاب أن لا يعود وهو قلق لأنه يعيش في صراع بين صورة القائد الجماهيري التي أُعطيت من قبل لصدام حسين وبين الواقع المعاش الفعلي، وهو الآن سجين المجتمع الدولي وسجين المجتمع العربي وسجين المجتمع السوري ولذلك يشعر بالقلق”، حسب تعبيره.
وأضاف “أنا متأكد وأعلم جيداً أن (الرئيس) بشار لا ينام، وينتقل من السرير إلى المكتب ومن المكتب إلى السرير، وقرر عدم الذهاب إلى كوبا بعد أن استعرض الوضع الداخلي ووجد أنه خطير فكلّف وزير خارجيته وليد المعلم بحضور القمة”.
وفيما رأى أن الأمور لم تصل إلى مرحلة الصراع على السلطة في سورية، زعم “أن هناك قلقاً لدى بشار من بعض أطراف العائلة وبشكل خاص من قبل صهره اللواء آصف شوكت (رئيس شعبة المخابرات العسكرية) الذي ذكر بعض وسائل الإعلام مؤخراً أنه يمثل البديل المحتمل، وقد ترسخ هذا الأمر في ذهن (الرئيس) بشار وأصبح آصف هاجسه مما دفعه إلى تجميده عملياً وتغيير الضباط المقربين منه والحد من صلاحياته في الفترة الأخيرة وصار يعتمد الآن على معاون آصف وليس على آصف نفسه”.
وفي موقف لافت، أشاد خدام باللواء آصف شوكت، ووصفه بأنه “ضابط شجاع وذكي ومثقف ومن أبرز ضباط الأمن في سورية وله علاقات خارجية قوية لأنه كان ينسق بين جهاز المخابرات العسكرية السورية وأجهزة المخابرات الغربية وتحديداً في الولايات المتحدة وفي أوروبا”.
وسُئل ما إذا كان آصف شوكت مؤهلاً لخلافة الرئيس بشار الأسد، فأجاب خدام “البلد غير مؤهلة لأي شخص يحافظ على هذا النظام، لكن ما ذكرته عن آصف يمثل رأيي في هذا الرجل”.
وحول الجولان، اعتبر خدام أن قرار التهدئة “ليس بجديد، فبعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 وما جرى خلالها من تطورات على الجبهتين المصرية والسورية وبعد أن انفصلت الشراكة العسكرية والسياسية بين دمشق والقاهرة وتفجر الخلاف مع العراق وإندلاع الحرب الأهلية في لبنان، تركز لدى الرئيس الراحل حافظ الأسد ما تركز عند نظيره المصري وقتها أنور السادات بأن الحرب لم تعد ممكنة لأن سورية لا تستطيع أن تحارب لوحدها وتحتاج إما الشراكة مع العراق أو الشراكة مع مصر، وكانت هناك توترات مع بغداد وصلت إلى حد حشد الجيوش على الحدود بين البلدين كما أن الشراكة مع مصر انفكت بعد أن اتخذ الرئيس السادات إتجاهاً آخر”.
وزاد “أن الإتحاد السوفياتي يساعدك في إطار يحميك من عدوان وليس في إطار أن تتمكن من تحرير الأرض لذلك لم تعد المساعدة السوفياتية كافية أيضاً لدخول الحرب, وإستناداً إلى ذلك كان قرار التهدئة على الجولان قراراً إستراتيجياً لأن الحرب غير ممكنة ضمن المعطيات العربية القائمة، أما أسباب عدم وجود مقاومة في الجولان, فتعود إلى أن الرئيس حافظ الأسد كان أعطى تعليمات مشددة لأجهزة الأمن العسكرية والقوات المسلحة بمنع أي تسلل إلى الجولان للقيام بأي عمل رغم أن إتفاقية فصل القوات لا تحرّم ذلك، لأنه كان يعتقد وفي كل الحسابات أن ردة الفعل الإسرائيلية لا تقوى سورية على تحملها ولا تملك الرد عليها بالمثل ولذلك جمد هذا الموضوع”.
وأعرب خدام عن إعتقاده بأن الرئيس بشار الأسد “يعمل بوصية والده ويريد أن يستنزف إسرائيل من خلال حزب الله لأنه يخشى أن يؤدي العمل المسلح في الجولان إلى فتح الحرب في زمن غير ملائم لا داخلياً ولا عربياً ولا دولياً”، ونفى بشدة وجود أي صفقة حول الجولان.
وحول الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له السفارة الأمريكية في دمشق، قال خدام “ليس لدي معطيات عن ذلك، لكن هناك من يرى أن العملية مرتبة من قبل أجهزة الأمن إستناداً إلى حقيقة أن المنطقة التي وقع فيها الحادث منطقة أمنية محمية مائة بالمائة يعني النملة إن مشت فيها تكون خاضعة للرقابة، فكيف تدخل سيارات مفخخة إلى هذه المنطقة بدون نمر وهناك المئات ولا أقول الآلاف من عناصر الأمن منتشرين فيها حول بيت الرئيس وأمام القصر الجمهوري والسفارات ومنازل بيوت بعض المسؤولين، وهذه وجهة نظر قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة”.
وأضاف هناك وجهة نظر أخرى “ترى أن العملية إرهابية، فإن كانت إرهابية فعلاً فإن هذا يعني أن نظام بشار الأسد بفساده وإستبداده وبرفضه تحقيق إصلاحات في البلاد وإستمراره في الإنفراد بالسلطة وضع الناس أمام حائط مغلق مما دفعهم إلى الإحباط وبالتالي إلى التطرف”، حسب تعبيره.
وحذّر من أن الخطر الذي يهدد سورية الآن “ليس في سقوط النظام الذي يروّج بأن سورية ستتحول إلى عراق جديد إن سقط، لكن هذا الكلام غير صحيح، لأن الوضع في سورية يمكن أن يصبح كما في العراق إن إستمر هذا النظام لأن إستمراره هو الذي سيؤدي إلى التطرف”.
وحول الموضوع اللبناني وما إذا كان يعتقد أن حزب الله حقق نصراً في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، قال خدام “المسألة لها وجهان، وجه عسكري تمكن حزب الله بموجبه من منع الإسرائيليين من تحقيق نصر وقاتل بشكل جيد وألحق خسائر جسيمة بين صفوفهم وبالتالي لم تتمكّن إسرائيل من أن تحقق هدفها العسكري في القضاء على حزب الله، أما الوجه الآخر فيتعلق بالتصريحات النارية للمسؤولين الإسرائيليين والتي أعلنوا فيها أنهم سيلحقون خراباً كبيراً في لبنان يعيده 20 عاماً إلى الوراء”.
وذكّر خدام بأن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله اعترف في مقابلة صحفية أنه لو كان يعلم أن الرد الإسرائيلي سيكون بهذا الحجم لما قام بعملية أسر الجنديين الإسرائيليين، وقال “إذن هو يعترف وينقد نفسه عملياً لأن عملية أسر الجنديين الإسرائيليين هي التي سببت الحرب، فهل كانت هذه العملية من أجل أسرى أم لخدمة مآرب أخرى في دمشق وطهران، وإستناداً إلى ذلك لم يكن هناك نصر لأن النصر يتحقق عندما يخسر أحد الطرفين المتقاتلين الحرب بل منع نصر إسرائيلي وهذا عمل كبير بحد ذاته لم تألفه إسرائيل من قبل”.
وسُئل ما إذا كان يؤيد إنتقاد دول عربية لحزب الله وتحميله مسؤولية العدوان الإسرائيلي على لبنان، فأجاب “ليس هناك بلد فيه قوة مسلحة خارج الدولة يجوز لها أن تنفرد بقرار السلم والحرب، فهناك دولة في لبنان وحزب الله موجود ضمن هذه الدولة واتخذ قراراً لا يجوز لفريق واحد أن يتخذه من جانب واحد خاصة وأن اللبنانيين سئموا من الحروب ومفهوم السلام ويريدون دولة مستقرة تفرض هيمنتها على جميع الأراضي اللبنانية”.
وقال خدام “إن حزب الله وحسب ما سمعته من المقابلة الأخيرة لأمينه العام أنه تحدث من منطق المنتصر على اللبنانيين وليس على إسرائيل حتى ولو كان يقصد قوى 14 آذار فهذه تمثل الأغلبية وتضم مسيحيين ومسلمين أيضاً”، مشيراً إلى أن حزب الله “ارتكب خطأين كبيرين، الخطأ الأول أنه رد على قوى 14 آذار في يوم يحمل طابعاً مذهبياً وهو ذكرى الأمام المهدي وطبعاً أنا لا أشارك إطلاقاً هذه القوى في البيان الذي أصدرته بمناسبه إنتهاء الحرب وكان من المفترض أن يتم تأجيل مثل هذا الكلام إلى ما بعد لملمة الجراح وأنتقد وبكل صراحة هذا الأسلوب”.
وأضاف “الخطأ الثاني كان قراءة الواقع العربي بشكل غير دقيق، فالجماهير العربية وعلى رأسها الشعب السوري مثلاً وقفت بكاملها إلى جانب حزب الله ولكن ضد إسرائيل، غير أنه حين يتحول الصراع إلى الداخل اللبناني لن يكون معه أحد، ولذلك أتمنى من السيد نصر الله أن لا يحكّم الإنفعالات وأن لا ينفذ ما يطلبه منه بشار الأسد لأن الخطاب الجديد لحزب الله هو نفس خطاب 15 يوليو/تموز لبشار الأسد وهذا أيضاً يتيح للأطراف العربية والأطراف اللبنانية المجال كي تعتبر أن المعركة التي شهدها لبنان كانت معركة مصالح سورية ومصالح إيران”.
وحول التصريحات الأخيرة التي أدلى بها محمد زهير الصديق الذي يوصف بأنه “الشاهد الملك” في قضية إغتيال رفيق الحريري وزعم فيها أن قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق موجودون في السجن بلبنان وفي سورية، قال خدام “صرّحت من قبل أن بشار الأسد هو القاتل وهذا رأيي، ولكن إلى أين سيصل التحقيق الدولي لا أعرف وبالنهاية من يحدد المسؤولية هو التحقيق الدولي”.
وجدد خدام نفي أن يكون إلتقى رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي البلجيكي سيرج براميرتس وتجنب توقع ما سيورده في التقرير الذي سيسلمه هذا الشهر إلى مجلس الأمن الدولي.