منذ زمن ونحن نقوم بمراجعة لمفاهيمنا وطرق تعاملنا مع الوطن وتفاصيله وتعقيداته والمستجدات التي حدثت في المنطقة والعالم بعد سقوط السوفييت والذي كان سقوطا مدويا , وأكبر المحللين لم يكن يتوقعه في الحقيقة . ونحن أمام معادلات جديدة بالمطلق . حيث كنا أيضا منهمكين في سياق دولي مختلف وله أزماته المتعددة والتي كان لسورية دورا محوريا أقله على الصعيد الأقليمي .
هذا الدور الذي تم تكريسه في نفس السياق الدولي السابق . وكانت فرصة للنظام أن يغير اتجاهه وفقا للمعطيات الجديدة وهذه من أبجديات العمل السياسي , خصوصا لمن يحمل مصير بلد .
ولكن ماجرى هو العكس تماما , حيث تخندق النظام من جديد في حسابات ضيقة وصلت إلى حدود أن يحصر مصالح الوطن كله في عائلته لتوريثها السلطة , وهذا كان بعكس التيار الذي بدأ سائدا ولازال في العالم , تيار الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون والمؤسسات .
ورغم تلاقي هذه الحسابات الضيقة مع مصالح بعض الأطراف الدولية إلا أن من يعرف جيدا طبيعة ماجرى في العالم لا يمكنه أن يراهن على نجاح هكذا نظام مطلقا . لأن أفقه مسدود في سياق صنعه أصلا , ومع ذلك راهنت هذه الأطراف الدولية والأقليمية وللأسف لايزال بعضها يراهن ـ على أن يقوم النظام الوراثي بتعديل علاقاته مع العالم ومع الشعب السوري .
ولكن هذا لم يحدث ولن يحدث .
ومنذ ذلك التاريخ وهذه المراجعة تلازمنا لما فيها خير هذا الوطن .
كنا نستند إلى الشرعية الثورية التي كان السياق الدولي السابق يسمح بها ويغطي كل أمراضنا وأمراض سلطاتنا تحت هذا الغطاء المدوي .
وبدأت حسابات النظام الضيقة تزيل كل ما من شأنه أن يضع سورية على الطريق الجديد , هذا الطريق الذي أتت التغييرات الدولية لتؤكد مدى مصداقيته وديمومته وهو طريق دولة المؤسسات والقانون وحقوق الإنسان . وهنا انصبت مراجعتنا للكثير من المفاهيم التي كنا نتداولها في سياق ممارساتنا السياسية . وأول نتيجة خلصنا بها أنه لا يمكن لسلطة ديكتاتورية إلا أن تكون سلطة فاسدة على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
وبدأت سلطة الوريث تتخبط في حيزها الأمني الضيق ولم يعد في سورية سوى حفنة من المراهقين وأصحاب العائلة ليضعوا سورية في مواجهة العالم من جهة وفي مواجهة تطلعات وأحلام الشعب السوري لكي يكون مثله مثل بقية شعوب الأرض . ومعروف ما الذي حدث ! حيث بدأ التوريث بتصدير الكذب والوعود الكاذبة حول الإصلاح وماشابه لكي يتسنى له أن يثبت في سلطة أصبحت شاذة في كل المعاني .
وكان أولى نتائج هذه الوراثة القيام باغتيال الراحل رفيق الحريري , ومن خلف ظهر الشعب السوري وبطريقة غادرة حيث أن الشعب السوري بقي حتى لحظة اغتيال الحريري يعتبر هذا الرجل صديقا لسورية , وكانت عملية الاغتيال بلا مقدمات يعرفها الشعب السوري . ولم يكن الشعب السوري يعرف مدى التهديدات التي كان يتلقاها المرحوم من بشار الأسد وضباطه . وبعد هذا العمل الجبان دخلت سورية مرحلة نوعية في مواجهة المجتمع الدولي وتبعها تخبطا وصل إلى الدخول في مواجهة مع العرب أنفسهم والذي لولاهم لما كان بشار الأسد في السلطة .
وهذا كله معروف لأي متابع عن قرب لما كان يجري في أروقة هذه السلطة . هل لوكان هنالك دولة مؤسسات وقانون كان بمقدور أي رئيس أن يأخذ مثل هكذا قرار باغتيال الحريري ؟ أو بسجن الناشطين السوريين , وترك اقتصاد البلد نهبا له ولأقرباءه ومحظييه ؟
إن في سورية الآن حفنة من الفاسدين هي من تأخذ كل القرارات المصيرية وغير المصيرية في سورية . ورغم أنها وصلت إلى درجة من الطغيان قل نظيرها بحيث لايشاركها أحدا في صنع القرار والذي ينعكس على الشعب السوري , رغم ذلك نجدها تأكل ببعضها وسنرى النتائج قريبا جدا تدليلا على ما نقول .
كل هذا وغيره مما يعرفه المواطنون ومما لايعرفه . يجعلنا نتمسك بثوابت دولة القانون والمؤسسات وحقوق الإنسان . وهذا هو بديلنا الذي نسعى مع كل الشعب السوري أن نحققه . لأنه هو الطريق الذي يخرج سورية من هذا النفق المظلم ويضعها في سياق التطور الطبيعي وغير الشاذ الذي اختطته هذه السلطة . مشروع دولة المؤسسات هو خيارنا الأكيد والوحيد .