شاركت فى مؤتمر اتحاد المحامين العرب فى دمشق صيف 1989 ـ فى هذه الآونة منذ 28 عاما بالضبط، بعدة صفات كباحث لى ورقة علمية فى المؤتمر عن مستقبل موازين القوة فى المنطقة العربية فى إطار الصراع العربى الصهيونى، وبصفتى مستشار الاتحاد ومشاركا فى إعداد المؤتمر، ومسئول الوفد الإعلامى المشارك فى المؤتمر، وقد كانت العلاقات المصرية ـ السورية مقطوعة، وبالتالى لا توجد خطوط طيران مباشرة، وتم تدبير السفر عن طريق الطيران،حتى مطار عمان بالأردن ثم السفر برا حتى دمشق، رحلة استغرقت بالبر نحو (10) ساعات بخلاف الطيران، رغم أن السفر من القاهرة لدمشق لا يستغرق ساعة وربعا تقريبا، ولكنها السياسة التى تضر مصالح الشعوب بحجة الدفاع عن أفكار وسياسات
المهم وصلنا إلى دمشق، وسط ترحيب الشعب السورى بالمصريين دون بقية الوفود، ولمسنا ذلك فى الشارع وفى المحلات، وليس فى فندق الشام (فحسب)، واحتفى الرئيس حافظ الأسد بدعوة جميع المشاركين فى حفل عشاء بقصر الشعب الرئاسى، ومن شدة حفاوته بوفد الإعلام المصرى أن كلف النائب عبدالحليم خدام بمقابلة خاصة استغرقت 4 ساعات كاملة وسط حوار عاصف شمل كل شىء، وكانت ردود نائب الرئيس على كل شىء واضحة وحاسمة، وفيها رؤية استراتيجية يتحركون فى إطارها، وكانت من أهم التساؤلات ما يتعلق بالعلاقات المصرية ـ السورية، وأسباب استمرار القطيعة، وموعد عودتها مرة أخرى، وكذلك الوجود السورى فى لبنان وأبعاده وأهدافه وبرنامجه الزمنى، وباعتبارى قد شاركت فى هذا اللقاء، فقد سجلته كاملا عندى، فما كان من النائب أن أصدر تعليمات فورية بتجهيز طائرة هليكوبتر تنقل الوفد الإعلامى المصرى إلى لبنان، ومقابلة جميع الفعاليات السياسية، ومنهم بعض رؤساء لبنان السابقين وقيادات الشيعة فى الجنوب (بعلبك)، واختتم اللقاء فى إطار برنامج استغرق نحو (24) ساعة بلا نوم، بمقابلة رئيس المخابرات السورية فى لبنان (العميد غازى كنعان) واستغرق الحوار معه نحو ساعتين، ثم رجعنا بالطريق البرى وهو محفوف بالمخاطر، وتعرضنا لاعتداء بالرشاشات، وتم إنقاذنا، وهو يوم لا ينسى، ولكن الفائدة الكبرى أننا أدركنا الواقع اللبنانى، وأهمية الوجود السورى، ترجمة للنقاش الجاد الذى أداره الوفد الإعلامى مع نائب الرئيس خدام، وكان وفدا إعلاميا شبابيا متحمسا للعروبة وقضايا الأمة والوحدة العربية.. الخ
أما عن الجانب الآخر، والذى استغرق جزءا كبيرا من وقت اللقاء مع نائب الرئيس، فقد أخبرنا بأن سوريا والرئيس حافظ الأسد، ليس لديهم أى مانع من عودة العلاقات، وأن المشكلة لدى القاهرة والرئيس مبارك، فقلنا له: لقد حيرتمونا أيها السياسيون؟ ماذا نفعل؟ فى القاهرة يقولون أنتم السبب؟ وفى دمشق تقولون إن مبارك هو السبب؟، فقال بحسم: سأنسق مع الرئيس حافظ الأسد، اقتراحا عمليا يتم بمقتضاه اختبار من هو السبب فى ذلك، واستأذن دقائق وعاد بسرعة، ليقول إنه خاطب الرئيس ووافق على تخصيص طائرة الرئاسة السورية لنقل جميع أعضاء الوفد المصرى المشارك سواء إعلاميين أو محامين، ومعهم مسئولو اتحاد المحامين العرب، وأنه سيطلب من الرئاسة المصرية فتح المجال الجوى لاستقبال الطائرة، والمسئولية عليهم إذن وليس على سوريا
فماذا حدث؟ بعد يومين أو ثلاثة من هذا اللقاء، تم إخطار جميع أعضاء الوفد المصرى بإقلاع الطائرة الرئاسية السورية إلى القاهرة مباشرة، وهى تقل الجميع، ووسط فرحة الجميع لما عاناه الجميع فى رحلة السفر إلى دمشق، وعمان الأردن، تساءلنا: هل عادت العلاقات المصرية السورية؟ وماذا لو لم توافق القاهرة على استقبال الطائرة السورية، هل سترجع مرة أخرى لتبدأ رحلة العودة برا من عمان؟، ما الذى حدث ويحدث؟ تساؤلات عديدة.. ووسط ذهولنا من القادم، أمر الرئيس حافظ الأسد بإقلاع الطائرة للقاهرة، وكلف المسئولين بالاتصال بمكتب الرئيس مبارك بما حدث، وحمله مسئولية عدم استقبال الطائرة والتى تقل الوفد المصرى، وعليها وفد سورى بصحبتها سيعودون مرة أخرى بصحبة الطائرة الرئاسية، برئاسة د.أحمد حلوانى ـ نائب وزير الإعلام السورى آنذاك، فما كان من القاهرة إلا أن ردت بفتح المجال الجوى للطائرة السورية، وتعود العلاقات المصرية السورية فى اليوم التالى، على خلفية لقاء الوفد الإعلامى المصرى بنائب الرئيس وفقا لتعليمات الرئيس حافظ الأسد. تلك هى صفحة من دفتر ذكريات العروبة عندى، ويتأكد أن العلاقات السورية المصرية هى العمود الفقرى للأمة العربية، متمنيا مبادرة مصرية عاجلة بإلغاء قرار مرسى والإخوان، بقطع العلاقات بين البلدين، وعودتها فورا وإرسال السفير المصرى إلى دمشق!