كلمة عبد الحليم خدام في ذكرى 8 آذار

تاريخ نشر المقال: 2009-03-08

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

كلمة عبد الحليم خدام في ذكرى 8 آذار.2009

أيها الرفاق البعثيون في القطاعين المدني والعسكري: في ذكرى الأحداث التاريخية الكبرى التي تؤثر في حياة الشعوب وفي مستقبلها، يجري الحديث عن إفرازات تلك الأحداث وتأثيرها في  حياة الموطنين وفي مسار البلاد.

كانت حركة الثامن من آذار عام 1963 من الأحداث الكبرى التي حدثت في سورية خلال القرن العشرين وأثرت تأثيرا عميقا في واقع البلاد وفي مستقبلها، وستبقى آثارها مستمرة حتى وقوع حدث أخر يفتح الطريق امام مسار جديد ينقذ سوريا من محنتها ويعيد للشعب السوري حريته وحيويته ومكانته ليساهم في نهوض سورية وازدهارها.

إن الحديث عن حركة الثامن من آذار بعد ستة  وأربعين عاما، لايجب ان ينطلق من أجواء ذلك اليوم، وإنما من خلال ما أفرزه الحدث  من تأثير عميق في اوضاع البلاد وفي مصير الحزب ومساره.

ليس الهدف من عرض الوقائع  والأحداث نقد أو إدانة الذين قاموا بتلك الحركة، أو الذين ساهموا بها، لأن ما أقدموا عليه كان وليد  طموحات كبرى ببناء مجتمع جديد  ودولة قوية قادرة على تحقيق تلك الطموحات ولكنهم لم يأخدوا بالإعتبار واقع البلاد، أو ما يمكن ان تفرزه تلك الطموحات من أضرار كبرى بسبب نزوع هذا الفريق او ذاك الى السلطة فأصبح أسيرا لها، بعض أولئك القادة قتل اغتيالاً، وبعضهم مات سجينا، ومنهم من أعدم او مات وفي قلبه شعور بالمرارة والندم. إن ما وصلت اليه البلاد من ضعف ووهن وتخلف وفقر وخوف في ظل نظام كان القمع أداته والفساد سلوكه، يدعونا جميعا للتأمل والمراجعة والحديث الصريح ليس من أجل الأجيال التي عاشت أحداث وإفرازات حركة آذار، وإنما من أجل الأجيال التي تلت ذلك الحدث حتى تعرف الحقائق والوقائع وليس عبر ما كتبه أقلام النظام.

كانت أهداف الذين قاموا بحركة آذار، بناء مجتمع يسوده العدل والمساواة، بعيدا عن  كل  أشكال الظلم والمعاناة  ودولة قوية تحمي الوطن، واتسم أولئك القادة بالنظافة وابتعدوا عن كل ما  يسيء الى سمعتهم، أو سمعة الحزب،  أو سمعة الدولة، ولكنهم وقعوا بأخطاء كبرى في مسار تحقيق أهدافهم .

أيها الرفاق:

كانت الخطيئة الأولى والكبرى التي أقرها الحزب آنذاك الإستئثار بالسلطة، وإستبدال فكر الحزب الذي كان مرتكزا بصورة أساسية في كل ما يتعلق بالدولة والمجتمع على مبدئين، هما الحرية والديمقراطية بفكر شمولي ثوري لا علاقة بواقع البلاد مما أدى الى نشوء هوة عميقة بين الحزب وبين الشعب.

لقد كان الحزب أول ضحايا ذلك التغيير في فكره فتعرض لسلسلة متتالية من التغيرات في قيادته عبر إستخدام القوة مما جعل الحزب أسير السلطة، والخطيئة الثانية التي أرتكبتها قيادة الحزب آنذاك، قرارها باعتبار الجيش جيشا عقائديا أي حزبيا، وهذا يعني اعتماد الولاء للحزب الأساس في الانتساب للقوات المسلحة، وقد أدى ذلك الى تسريح المئات من الضباط الأكفاء، وقد أكمل ذلك القرار سلسلة من قرارات تصفية الجيش في مراحل سابقة، بدأت بانقلاب حسني الزعيم ثم انقلاب أديب الشيشكلي، والانقلاب عليه، كما في مرحلة إقامة الوحدة مع مصر، ثم تسريح أعداد كبيرة من الضباط البعثيين وأصدقائهم، وتلى ذلك مرحلة الانفصال، فتم تسريح أعداد اخرى، وبذلك فقد خسر الجيش خيرة ضباطه، وكان لكل تلك التصفيات دور في هزيمة حزيران ،1967 كما كان لتلك التصفيات دور في عدم تحقيق أهداف حرب تشرين 1973، وبرز ذلك احتلال قوات العدو لأراضي جديدة، ولم تنسحب منها إلا بعد توقيع اتفاق فصل القوات الذي وضع الجولان في ثلاجة إسرائيل .

إن قرار تحزيب الجيش وتسيسه، كان قرارا خاطئا بنتائجه، لأنه نزع من القوات المسلحة مهامها وبنيتها الوطنية، وفي مراحل لاحقة تحولت الى أداة في حماية النظام والأسرة الحاكمة، فضعف جدار حماية الوطن.

أيها الرفاق:

إثر هزيمة حزيران عام 1967 ، برزت أزمة جديدة في الحزب والدولة،  وكان محورها، كيفية مواجهة الهزيمة وتحرير الجولان، مما أدى الى نشوء تيارين في الحزب، الأول كانت تقوده القيادة القطرية للحزب، وكان متشددا في رؤيته الثورية في المجالات الداخلية والعربية والدولية، أما التيار الثاني والذي كان يقوده عضو القيادة القطرية، وزير الدفاع الفريق حافظ الأسد، قد تبنى رؤية تقوم على وجوب إعادة النظر في السياستين، الداخلية، والعربية، وتحقيق إنفراج في الداخل عبر استعادة الوحدة الوطنية، فالعدوان كان على ارض الوطن، ومن واجب القيادة إيجاد الظروف لمساهمة المواطنين في الدفاع عن وطنهم، وتحرير أرضهم، عبر مشاركتهم في المسؤولية، كما دعى ذلك التيار الى تحقيق التضامن العربي، لأن مسؤولية مواجهة الصراع العربي الإسرائيلي، مسؤولية عربية شاملة.

تأزمت الأمور في الحزب والدولة، بين عامي 1967 وتشرين الثاني 1970، وكان الحسم في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970، وتم تشكيل قيادة قطرية مؤقتة، يقودها وزير الدفاع الفريق حافظ الأسد، الذي أتخذ قرارا في وضع أعضاء القيادة القطرية، وبعض أعضاء القيادة  القومية في السجن، ولم يخرج منهم إلا من كان على شفير الموت، وأخلي سبيل الباقين بعد وفاة اللواء صلاح جديد.

لقد أمضى أولئك الرفاق، أكثر من عشرين عاما في السجن، دون تحقيق، أو محاكمة، وكانت آذان الرئيس حافظ الأسد، صماء، عندما كان يحدثه أحد من القيادة حول مسألة أعضاء القيادة الموقوفين.

مما لا شك فيه أن الإستئثار بالسلطة أنتج قاعدة غير مألوفة في الحزب، وهي استخدام القوة، ممن يمكلها لإنتزاعها من الأخر، متجاوزا كل القواعد والتقاليد الحزبية، واستمر القادة الجدد في كل مرحلة يتحدثون باسم الحزب، ويعلنون النضال من أجل تحقيق أهدافه، وهم الذين تجاوزوا الحزب وأنظمته وقيمه.

أيها الرفاق:

كانت طموحات الكثرين في الحزب، من قياديين وقواعد، أن تحقق حركة تشرين تصحيحا للأخطاء الكبرى، التي جرت في المراحل السابقة، بين الثامن من آذار عام 1963 والسادس عشر من تشرين الثاني عام 1970، وفي المقدمة أن يستعيد الشعب السوري حريته، وأن تتعزز الوحدة الوطنية، وأن تقوم دولة المؤسسات في إطار ديمقراطي، وأن تنطلق حرية العمل السياسي، وأن يتحقق التضامن العربي، وأن يتم تحرير الجولان.

في السنوات الثلاثة الأولى، تم تشكيل الجبهة الوطنية التقدمية، ووضع دستور للبلاد، وشكلت مؤسسات دستورية، كما وضع قانون جديد للإنتخابات.

كانت الخطيئة الكبرى، التي ارتكبها الرئيس حافظ الأسد، الانفراد الكامل بالسلطة، وبناء مؤسسات دستورية عاجزة بأشخاصها تعمل بالتوجيه الرئاسي.

كلكم تعرفون أيها الرفاق، كيف كانت تجري الإنتخابات لعضوية مجلس الشعب، وكيف أصبح المجلس مسرحا هزليا، مما دفع المواطنين الى الامتناع عن المشاركة في الانتخابات. وفي الوقت نفسه، تحول مجلس الوزراء، الى جهاز ينفذ توجيهات الرئيس، أو ما يطلبه أقربائه من رئيس مجلس الوزراء، أو من وزرائه.

كلكم يعرف ايها الرفاق، كيف تحول الفساد، الى أداة من أدوات السلطة، في الهيمنة على الثروة والمال.

الخطيئة الكبرى الثانية التي إرتكبها الرئيس حافظ الأسد، السماح لأفراد أسرته، بالتدخل في شؤون الدولة، وأجهزة الحكم، وممارسة الفساد، وقد كانوا أول من أطلق وباء الفساد في البلاد.

أيها الرفاق:

دعونا نتساءل عن وضع الحزب، وموقعه في النظام، دعونا نتساءل عن موقع الجبهة الوطنية.

هل قيادة الحزب هي التي تقود الدولة والمجتمع ؟

كلكم تعرفون أيها الرفاق، أن قيادات الحزب في المركز، وفي الفروع، يتم تشكيلها بقرار من رئيس النظام، وبأعداد من أجهزة الأمن، فأصبح الحزب خارج دائرة العمل، وتحت شعاراته، وباسمه ترتكب الجرائم الكبرى بحق الشعب، والبلاد، وهو بريء من كل ذلك.

كلكم تعرفون أيها الرفاق، هذا الواقع الذي دفع معظم الحزبيين، الى مقاطعة الإجتماعات الحزبية.

كان تشكيل الجبهة الوطنية، ظاهرة إيجابية، وخطوة نحو إطلاق حرية العمل السياسي، ولكن الذي حدث، أن أجهزة النظام، عملت على تفكيك أحزاب الجبهة، وتحولت الأحزاب الرئيسية الأربعة، الى مجموعة من الأحزاب، الساعية الى كسب رضاء النظام، وأجهزته الأمنية، مما أدى، الى قطع الصلة، بينها وبين قواعدها وجماهيرها.

لقد استبدل الرئيس حافظ الأسد، الجهاز السياسي بالجهاز الأمني، فأطلق يده بالبلاد زارعا الخوف لدى البعثيين وأحزاب الجبهة أولاً، ولدى المواطنين ثانيا، وأصبح معظم العاملين في هذه الأجهزة نظراء لأفراد أسرة الرئيس في ممارسة الفساد وابتزاز المواطنين.

إن تحول الدولة، من دولة المؤسسات والقانون، الى دولة أمنية، كان له دور كبير في الأحداث الدامية التي شهدتها البلاد.

إن الإستئثار بالسلطة، والخوف من مرحلة ما بعد الموت، دفع الرئيس حافظ الأسد الى ارتكاب خطيئة كبرى بحق البلاد، تتعارض مع القيم الوطنية والحزبية وهي خطيئة التوريث.

أمل بعض السوريين، أن تكون مرحلة بشار الأسد بعد تسلمه رئاسة الجمهورية، مرحلة انفتاح وتطوير ولكن ما حدث غير ذلك.

اتصفت مرحلة بشار الأسد، بتحويل الفساد الى مؤسسة يقودها إبن خاله رامي مخلوف، وتشكيل شريحة من الفاسدين تتحكم بالإقتصاد الوطني والمؤسسات والأجهزة الإقتصادية، لتكون أداة من أدوات النظام في السيطرة على الثروة، وفي مساعدته في إدارة شؤون البلاد، وترافقت عملية الفساد باستخدام القمع والاعتقال، ومصادرة الحريات، وإطلاق أيدي أجهزة الأمن في كتم انفاس المواطنين، في الوقت الذي تزداد فيه الجرائم بكل انواعها، جرائم السطو، والسرقة، والتزوير، والرشوة، والفساد، وتجارة المخدرات، ومن الملفت أن أوضاع الشعب السوري ازدادت سوءا، وأن معاناة السوريين إزدادت تأزما، ويبرز ذلك، عبر انتشار الفقر والجوع، والبطالة وإرتفاع الأسعار، وإنخفاض مستوى المعيشة، وجمود التنمية الإقتصادية.

أيها الرفاق:

كانت طموحات حزب البعث العربي الإشتراكي منذ تأسيسه، تحرير فلسطين، وها نحن اليوم، نرى أن جزءا غاليا من الأرض السورية تحتله إسرائيل.

كانت طموحات الحزب، تحقيق الوحدة العربية، وها نحن اليوم، نرى حالة التفكك في الوحدة  الوطنية، في ظل هذا النظام، مقترنة باحتقان طائفي خطير، ومشكلة وطنية كبرى، مع شريحة من شعبنا، كان لها دور كبير في كل مراحل تاريخنا، وهي الشريحة الكردية، بسبب استبداد النظام وظلمه وتعسفه.

هل أنتم ايها الرفاق، راضون عما يجري في البلاد؟

هل أنتم راضون، عن الفساد، الذي ينهش في جسم الدولة، ويسرق رغيف الخبز من أفواه المواطنين؟

هل أنتم راضون، عن تلك المجموعة من أقراباء النظام، وأبناء بعض المسؤولين، الذين يستخدمون السلطة في جمع الثروة، وامتلاك مئات الملايين، في الوقت الذي لا تجدون أنتم فيه فرصة عمل؟

هل أنتم أيها الرفاق العسكريون، راضون عن أوضاع القوات المسلحة التي أفقدها النظام دورها الوطني، ويتحكم بها مجموعة من أفراد الأسرة الحاكمة،  ألا ترون كيف أسقط النظام المهنية العسكرية، ليحل محلها التسلط على القوات المسلحة، واستخدام بعضها لزرع الخوف لدى البعض الأخر ؟

أيها الرفاق:

يخطىء من يتوهم، أن هذا النظام قابل للإصلاح، أو التطوير، فقد تحول الى بنية لا يخرج منها غير الإستبداد والفساد.

إن مسؤوليتكم الوطنية، والحزبية، توجب عليكم المساهمة، مع سائر قوى الشعب، من أجل تحقيق التغيير، وخلاص البلاد من نظام لم تعرف سوريا في تاريخها الطويل، نظاماً أكثر منه فسادا واستبدادا.

وحده التغيير، وبناء دولة ديمقراطية مدنية، يتيح لسورية النهوض، والتقدم، والإزدهار، ويتيح لشعبها تحرير أرضه، وإستعادة دوره في نهوض الأمة العربية وتقدمها.

القمع، والظلم، والإستبداد، والفساد، عوامل تنتج الهزيمة، والتخلف، والضعف.

أما الحرية، والعدالة، والمساواة، في اطار الوحدة الوطنية، تنتج الأمن، والإستقرار، والطمأنينة، وتحرير الأرض.

عاشت سورية، وعاش نطال شعبها، من أجل الحرية وإنهاء الإستبداد، وإقامة دولة ديمقراطية مدنية.

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

مقالات حديثة


مذكرات ووثائق خدام ..عرفات يستسلم ويغادر بيروت… ومبعوث ريغان يزور دمشق سرا ويلتقي الأسد (5 من 5)

2024-05-25

تنفيذ الخطة الأميركية… هكذا أسدل الستار على الوجود الفلسطيني في العاصمة اللبنانية المجلة بعد مفاوضات على وقف النار في بيروت ومفاوضات دبلوماسية في عواصم عربية وفي نيويورك، تبلورت الخطة الأميركية وحُلحلت “عقدها” بين أوراق وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام نص الخطة الأميركية لـ”رحيل قيادة ومكاتب ومقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية” من بيروت، وهي كالآتي 1 […]

مذكرات ووثائق خدام ..أول رسالة خطية من عرفات للأسد… والرئيس السوري يحذره: أنا لست الرئيس سركيس أو الملك حسين (4 من 5)

2024-05-24

خدام يكذّب رئيس “منظمة التحرير” ويقول إن إسرائيل تريد “تحويل المقاومة الفلسطينية من مشكلة لإسرائيل إلى مشكلة لسوريا” المجلة في 7 أغسطس/آب، أرسل رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات أول رسالة إلى الأسد بعد حملات إعلامية وعسكرية بينهما، هذا نصها: “السيد الرئيس حافظ الأسد، كما تعلمون سيادتكم، بناء على قرارات جدة، جرت بيننا وبين الحكومة […]

مذكرات ووثائق خدام ..”رسالة طمأنة” من بشير الجميل الطامح لرئاسة لبنان الى الأسد… و”عقد” أمام خطة المبعوث الأميركي (3 من 5)

2024-05-23

استمرت المفاوضات بين عرفات والإسرائيليين عبر المبعوث الأميركي والرئيس الوزان إلى أن تم التوصل إلى اتفاق في مطلع أغسطس 1982 المجلة تفاصيل رسالة من بشير الجميل، عدو سوريا اللدود، إلى الأسد لطمأنة دمشق خلال سعيه إلى الرئاسة، إضافة إلى تفاصيل خطة حبيب لإخراج عرفات ومقاتليه إضافة إلى التقارير التي كان يرسلها رئيس جهاز الاستخبارات السورية […]