مشروع رؤية جديدة لفكر حزب البعث العربي الاشتراكي

الناشر: القيادة المؤقتة لحزب البعث العربي الاشتراكي

تاريخ نشر المقال: 2007-06-15

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

أيها الرفاق البعثيون

في السنوات الأولى بعد تأسيسه برز حزب البعث العربي الاشتراكي حركة نضالية تكافح المشروع الصهيوني ومشاريع الهيمنة الأجنبية وتناضل من أجل تحقيق وحدة الأمة وتحررها وتقدمها ومدافعاً عن الديمقراطية والحريات العامة والفردية فكان له دور رئيسي في إسقاط الحكومات العسكرية في سورية .

لقد تبنى قضايا العمال والفلاحين وصغار الكسبة ودافع عنها وعمل على رفع شأنها وصيانة حقوقها .

كانت مبادؤه منارة في نضاله وكان التزامه بها قوته في نشر مبادئه  .

اختار العمل من أجل نهوض الشعب وتقدمه ومن أجل التحرر ومحاربة الظلم والاستغلال فكسب ثقة الشعب فأصبح وهو خارج السلطة أقوى من أصحابها .

خلال تلك السنوات كان الحزب قوة جذب للشباب العربي فأتسع انتشاره في سورية والعراق وفلسطين والأردن ولبنان واليمن وفي مناطق الخليج والمغرب العربي .

وفي الوقت الذي كان يتحالف مع قوى وشخصيات محافظة من أجل تعزيز الجبهة الداخلية وحماية الديمقراطية ومواجهة التحديات الخارجية كان يكافح من أجل حقوق العمال والفلاحين وصغار الكسبة .

أيها الرفاق

بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة في شباط عام 1958 وحل الحزب في سورية بدأت مرحلة جديدة في مسيرة الحزب بصورة خاصة ومسيرة حركة التحرر العربي بصورة عامة .

لقد تم حل الحزب في سورية وانتقلت قيادته القومية إلى لبنان وبعد أسابيع من قيام الوحدة بدأت حملة أجهزة الأمن على حزب البعث العربي الاشتراكي كما بدأت الخلافات بي القياديين البعثيين الذين شاركوا في قيادة الجمهورية العربية المتحدة وبين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر .

لقد ساهمت الأخطاء التي ارتكبتها أجهزة الحكم في تعزيز حالة التوتر بين الحزب والرئيس جمال عبد الناصر وقد أدى ذلك إلى تحقيق انشقاقات بالحزب في كل من العراق وفلسطين ولبنان والأردن .

لقد كان لتلك المرحلة وما جرى فيها من ممارسات استهدفت حزب البعث تأثيرات سلبية ليس فقط على استمرارية الجمهورية العربية المتحدة وإنما على حركة التحرر العربية وكان من أبرز ظواهرها الانقسام في العراق بين قوى ثورة تموز وتصدع القوى القومية مما أضعفها جميعاً .

أيها الرفاق

كان التحول الكبير في مسيرة الحزب وفي بنيته الفكرية والتنظيمية قبول قيادته آنذاك الاستيلاء على السلطة عبر القوة عندما قام البعثيون في العراق بالاستيلاء على الحكم في الثامن من شباط عام 1963 وعندما شاركوا بالاستيلاء على الحكم في سورية عبر تحالف أقامته اللجنة العسكرية الحزبية مع القوى الناصرية وكتلة اللواء زياد الحريري في الثامن من آذار عام 1963 .

كان ذلك التحول الخطير متعارضاً مع المادة الخامسة من المبادئ  الأساسية  للحزب التي تنص على مايلي :  (  حزب البعث العربي الاشتراكي شعبي يؤمن بأن السيادة ملك الشعب وانه وحده مصدر كل سلطة وقيادة وان قيمة الدولة ناجمة عن انبثاقها من إرادة الجماهير وأن قدسيتها متوقفة على مدى حريتهم في اختيارها … )

كما نصت المادة الثانية من المبادئ الأساسية على مايلي : ( الأمة العربية تختص بمزايا متجلية في نهضاتها المتعاقبة وتتسم بخصب الحيوية والإبداع وقابلية التجديد والانبعاث ويتناسب انبعاثها دوماً مع نمو حرية الفرد ومدى الانسجام بين تطوره وبين المصلحة القومية ولذا فحزب البعث العربي الاشتراكي يعتبر حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد والفن مقدسة لا يمكن لأي سلطة أن تنتقصها )

وفي أجواء الاندفاع باتجاه السلطة وبعد إخراج الناصرين وكتلة اللواء الحريري من الجيش والحكومة فقد أنفرد البعثيون في حكم سورية بعد أن سقط حكم الحزب في العراق وقد تعزز ذلك الإنفراد بالمقررات والمنطلقات النظرية التي أقرها المؤتمر القومي السادس والتي أعلنت في تشرين الثاني عام 1963 .

ويجب الإشارة إلى الدور التي قامت بها اللجنة العسكرية في استجرار قيادة الحزب للابتعاد عن مبادئه الأساسية المتعلقة بالديمقراطية والحرية ودور الشعب في الاختيار وفي الرقابة وفي المساءلة .

أيها الرفاق

كان الصراع على السلطة وليد الانفراد بها وهذا ما سبب معاناة الحزب ، صراع مستمر وتصفيات مستمرة أوصلت الحزب إلى الانشقاق بعد الحركة العسكرية التي قامت بها القيادة القطرية آنذاك بتاريخ 23 شباط 1966 .

تحت مظلة الحزب قام نظامان شموليان شقيقان لدودان في كل من سورية والعراق ، نظامان كان الحزبان فيهما أسيرين لهما ولم يكن لأي منهما دور حقيقي في اتخاذ القرار وإنما في تغطيته .

ومن الحق أن نشير إلى أن الانفراد بالسلطة مر بمرحلتين ، المرحلة الأولى كانت القيادة القطرية في كل من الدولتين تشارك في القرار إلى حد رغم وجود مراكز قوى تهيمن على القرار في قيادتي الحزبيين .

وفي المرحلة الثانية أنتقل القرار من القيادة إلى رئيس الدولة في كل من الدولتين وكان رئيس الدولة متسامحاً مع أسرته في أن تتحكم في أجهزة الدولة ومؤسساتها وفي الحزب ومنظماته  .

لا نريد أن نتحدث أيها الرفاق عما أنتجه النظامان في كل من سورية والعراق من معاناة ومن قلق وخوف وتخلف وضعف ومن تفكك في الوحدة الوطنية في العراق الشقيق وتصدعها في سورية ، ومن قمع وفساد لأنكم جميعاً عشتم حالة القلق والخوف على مستقبل البلاد ومصيرها وعلى الحزب ودوره ومصيره .

إننا أمام مسألتين مسألة طبيعة النظام الحاكم في سورية وإفرازاته الخطيرة على واقع البلاد وعلى أمنها واستقرارها ومستقبلها ، والمسألة الثانية هي فكر الحزب والحاجة إلى تطويره ليستعيد الحزب دوره التاريخي في العمل على رفع شأن الأمة وتحقيق أهدافه .

إننا على قناعة تامة أن التغيير في طبيعة النظام القائم في سورية أصبح مسألة وطنية واجب جميع البعثيين المشاركة مع قوى الشعب الأخرى لتحرير البلاد وإنقاذها من حكم فاسد ومستبد والعمل على بناء دولة ديمقراطية مدنية مرجعيتها صناديق الاقتراع تضمن الحقوق المتساوية للمواطنين بض النظر عن الدين أو الطائفة أو العرق أو الجنس وتحقق العدالة وتطبق القانون وتعتمد مبدأ تكافؤ الفرص وتصون الحريات العامة والفردية وتحرم الانفراد بالسلطة .

أيها الرفاق

بعد هذه السنين الطويلة والتجارب المرة آن الأوان لإجراء هذه المراجعة النقدية لاستخلاص فكر ونهج للحزب يعيده إلى موقعه الطبيعي الذي خطه لنفسه منذ تأسيسه .

إن مسألة تطوير فكر الحزب ونهجه تضع البعثيين أمام مفترق تاريخي وأمام احد خيارين الأول تحرير العقل والإرادة والارتقاء فوق المصالح لإطلاق رؤية شاملة تضع الحزب في مسار الفعل لتحقيق أهدافه ، والثاني طريق الجمود والجنوح إلى البقاء خارج الفعل وبذلك ينتهي الحزب ويتحمل المسؤولية التاريخية في كل ما آلت إليه أوضاع سورية والعراق وانعكاسات هذه الأوضاع على استقرار وامن الأمة .

إن تساؤلات كبرى مطروحة في أذهان قواعد الحزب وأذهان المواطنين حول مدى ملائمة فكر الحزب الذي أقرته مؤتمراته لمتطلبات المرحلة الراهنة لا سيما إن الفكر الشمولي لتلك القرارات شكل الغطاء لما جرى من ممارسات في كل من سورية والعراق تحت عنوان واحد هو حماية الثورة فدفع الشعب من حريته وأمنه واستقراره ثمناً لثورة كان عنوانها الإنفراد بالسلطة والتحكم بالبلاد .

يجب القول بشجاعة أن تبني البعثيين لفكر شمولي في مقررات مؤتمراتهم وما افرزه هذا الفكر من ممارسات للسلطة يتعارض مع المبادئ الأساسية للحزب ويشكل ذلك التحول خطأ تاريخياً كانت له أضرار كبرى على البلاد من جهة وعلى مسيرة الحزب وحركة التحرر الوطني العربية من جهة ثانية .

إن المراجعة يجب أن تتناول فكر الحزب حول عدد من القضايا الرئيسية منها قضية الوحدة العربية ومفهوم الأمة والحرية والديمقراطية والاشتراكية والحداثة والعولمة  .

إن التغييرات الكبرى التي شهدها العالم بعد الانهيار السوفيتي وانطلاق العولمة تغييرات تناولت كل مقومات حياة الشعوب والأفراد ساعد في تحقيقها التطور العلمي الهائل في مجال وسائل نقل المعرفة والمعلومات والأفكار .

بعد اتصالات جرت بين عدد من الحزبيين القياديين في مستويات مختلفة داخل سورية وخارجها فقد تم التوصل إلى تشكيل قيادة مؤقتة للحزب في سورية تضع رؤية جديدة لفكر الحزب ونهجه وبعد نقاش معمق تناول تجربة الحزب فقد توصلت إلى إعداد هذه الوثيقة التي نقدمها لكم لدراستها وإبداء الملاحظات والاقتراحات ليتم وضعها بصورة نهائية وعرضها على أول مؤتمر للحزب .

أولاً – مسألة الوحدة العربية

الوحدة العربية مبدأ أساسي من مبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي وكانت طموح العرب منذ مطلع القرن الماضي وشكلت محور الخطاب السياسي لمعظم الحركات والقوى والشخصيات السياسية خلال ما يقارب 100 عام وهي تشكل الضمانة الحقيقية لنهوض العرب وتقدمهم وتحررهم من الهيمنة الأجنبية والضغط الخارجية

طرح حزب البعث العربي الاشتراكي قضية الوحدة العربية شعاراً مبنياً على قراءة التاريخ أكثر مما هو مبني على قراءة الواقع والمستقبل ، ولم يطرح الحزب مشروعاً لتحقيق الوحدة العربية يأخذ بالاعتبار الواقع الموضوعي الذي تشكل عبر قرون كثيرة خلال مراحل التفكك والصراعات والوجود الأجنبي .

أ‌-   لم يحدد الحزب أي وحدة هي التي يعمل على تحقيقها ، هل وحدة الأقطار العربية في دولة مركزية مشكلة من ولايات على أساس لا مركزي ؟  هل هي دولة اتحادية لها شخصيتها الدولية ولها سلطتها المركزية كما للدولة المكونة لها سلطات في حدود إقليم كل دولة ؟ أم هي إتحاد دول

ب‌- لقد عرف الحزب المواطن العربي بأنه من يتكلم اللغة العربية ويؤمن بالانتساب للأمة العربية ويعيش في الوطن العربي ويؤمن بوحدة المصير دون الأخذ بالاعتبار المكونات القومية الأخرى في الوطن العربي سواء في مغربه أو في مشرقه وهم شركاء في المصير والمصالح .

لقد تشكلت القناعة خلال المناقشات أن الوحدة العربية هدف سامي يجب العمل على تحقيقه في عالم ليس فيه مكان للضعيف وحتى لا يبقى شعار الوحدة حلماً فلقد رأينا أن نقدم رؤيتنا للنهج الذي يوصل لتحقيقها وهو التالي :

1-   إن دولة الوحدة يجب أن تكون دولة مركبة أي إتحاديه أطرافها الدول الراغبة بقرارها الحر المشاركة ويكون للدولة الاتحادية مهامها ومؤسساتها كما يكون للدولة المشاركة أيضا مهامها ومؤسساتها

2-   تحقيق التكامل الاقتصادي وصولاً إلى تنفيذ اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية الموقعة من قبل الدول العربية وبناء مؤسساتها أمر رئيسي في الوصول إلى الوحدة الاقتصادية التي يقوى بها الجميع وتشكل قاعدة لنهوض العرب وتقدمهم وتوفر لهم موقعاً هاماً في الاقتصاد العالمي

3-    توحيد مناهج التربية والتعليم والعمل على تحرير عقل الفرد من المورثات الخاطئة وكذلك تنمية آلية الحوار وآلية البحث والدارسة والتحليل والاستنتاج بالإضافة إلى توفير وسائل اكتساب العلم والمعرفة لتشكل جميعها عوامل ربط في بنية المجتمع العربي كما تشكل عامل نهوض وتقدم

4-   تبني الديمقراطية خياراً في مسيرة الوحدة أو الاتحاد لأنها النظام الذي يطلق طاقات الشعب ويمكنه من حماية حقوقه ومكتسباته ورقابة مسؤوليه ومحاسبتهم كما تعزز قدرة الدفاع عن الوطن ولها دور رئيسي في الانتقال من مرحلة التخلف إلى مرحلة النهوض والتقدم

5-   إن وحدة المصير والمصالح تفرض على أطراف الوحدة الا يقدم احدهم على عمل يخل بأمن دولة الوحدة أو بأمن أحد أطرافها ولا يوقع اتفاقاً مع طرف آخر يضر بمصالح الأطراف الأخرى الشريكة في الوحدة

6-   إن مفهوم الأمة لا يقوم على أساس عرقي أو ديني أو طائفي بل على أساس وحدة المصير والمصالح والتاريخ المشترك وتتكون الأمة من مجموع المقيمين في الحيز الجغرافي ( الوطن ) ، إن وحدة الأمة كما وحدة الشعب توجب الاعتراف بالمكونات القائمة سواء كانت دينية أو قومية وبحقوقها في ممارسة معتقداتها الدينية وتراثها الثقافي الخاص بها انطلاقاً من أن التنوع عامل قوة ويتحول إلى عامل ضعف في حالة رفض الآخر الشريك بالوطن والتاريخ والمصالح والمصير

7-   العمل على أن يكون الوصول إلى تحقيق الوحدة متدرجاً نوعياً وزمنياً فهي قضية كبرى لا يجب التعامل بها تحت ضغط ظروف طارئة أو عبر سياسة حرق المراحل .

8-   الوحدة لا تلغي الخصوصيات القطرية وما كان من هذه الخصوصيات مناقضاً للوحدة يجري التعامل معه بالاحتواء والتطويع وليس بالصدام .

ثانيا – مسألة الحرية

الحرية إحدى الخصائص الطبيعية في حياة البشر أفراداً وجماعات وهي شرط للنمو والتقدم والحد منها أو مصادرتها عامل في إضعاف الأمة وفي تخلفها كما هو عامل في الحد من مبادرة الفرد وإبداعه .

إن اخطر عامل في تخلف الأمم وضعفها مصادرة الحريات العامة والفردية والتي تنتج شلل الفكر وزرع الخوف وتحول الفرد إلى أسير للاستبداد بأنواعه استبداد السلطة واستبداد المورثات الاجتماعية المرضية التي تتحكم بالعقل وبالسلوك .

لا يجب أن يكون على حرية الفرد قيد غير حرية الآخر ولا أن يكون على حرية أي أمة قيد غير حرية الأمة الأخرى .

إن حق الأمم بتقرير مصيرها باختيارها الحر حق طبيعي وأي قيد على ممارساتها لهذا الحق إخلال بالحقوق الأساسية للأمم والشعوب ومن حقها مقاومته .

كما أن حرية التفكير والتعبير والاختيار وممارسة الشعائر الدينية حقوق أساسية يجب صيانتها لأن الحد منها أو مصادرتها أخلال بالحقوق الأساسية للمجتمع والمواطن مما يوجب العمل على صيانتها .

عندما يخشى الحزب حرية الآخر معنى ذلك أن الحزب أصبح في حالة عجز يزيده الاستبداد ولا يزيله إلا العودة إلى القبول بالآخر واحترام حقوقه ، وعندما يقبل الحزب بقمع الرأي الآخر معنى ذلك أن الحزب تخلى عن عقيدته .

ثالثاً – مسألة الديمقراطية

الديمقراطية هي الإطار الذي يتيح للشعب أن يمارس دوره بحرية تامة في تقرير مصيره وشؤونه عبر السلطة التشريعية المنتخبة انتخاباً حراً والتي من مهامها الأساسية اختيار السلطة التنفيذية ومساءلتها ومراقبتها .

لقد نصت المادة 14 من دستور الحزب الذي أعلن في السابع من نيسان عام 1947 على مايلي :

( نظام الحكم في الدولة العربية نظام نيابي دستوري والسلطة التنفيذية مسؤولة أمام السلطة التشريعية التي ينتخبها الشعب مباشرة ) .

الديمقراطية تعني أن الشعب مصدر السلطة وأن لا سلطة فوق سلطته .

الحرية والديمقراطية متلازمتان كما أن الانفراد بالسلطة والاستبداد بها متلازمان .

إن حرية الشعب في الاختيار الحر لمؤسساته الدستورية وحقه في مساءلتها ورقابتها واعتماد مبدأ تداول السلطة وعدم الانفراد بها وضمان الحقوق الأساسية للمواطنين بما في ذلك حرياتهم جماعات وأفراد بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو العرق أو الجنس وبناء دولة المؤسسات والقانون تشكل جميعها المكونات الأساسية للديمقراطية

في ظل الديمقراطية تقوم الدولة ويحترم القانون ويتحقق العدل وتصان الحريات وتنهض البلاد وتتقدم في كل المجالات وتصبح قادرة على صيانة أمنها وأرضها وكرامتها .

وفي ظل الإنفراد بالحكم والاستبداد به تغيب الدولة ومؤسساتها الدستورية ليحل محلها سلطة الحاكم المستبد فتزداد المعاناة وتصادر الحريات وينتشر الفساد ويزداد الفقر والتخلف ويضعف الشعب وتنهار جدران حماية الوطن .

إن الديمقراطية توجب تحقيق مايلي :

1-      إطلاق حرية العمل السياسي بما في ذلك حق المواطنين بتشكيل الأحزاب

2-      صيانة حرية الرأي والتفكير والتعبير والاعتقاد

3-   الممارسة الحرة للانتخاب عبر قانون يتيح للمواطنين حرية الاختيار بعيداً عن تدخل السلطة والمال وأية ضغوط أخرى

4-      خضوع السلطة التنفيذية للمراقبة والمساءلة أمام السلطة التشريعية المنتخبة

رابعاً – مسألة الاشتراكية

في مواجهة التخلف والفقر والجهل والظلم الاجتماعي والاستغلال فقد تبنى الحزب الاشتراكية دون أن يطلق نظرية ليبني عليها نهجه من أجل تحقيقها .

في أطار هذا الفهم للاشتراكية فقد تبنى الحزب بعد تأسيسه وفي عقد الخمسينات قضايا العمال والفلاحين وصغار الكسبة وشكلت تلك القضايا جزءاً من نضاله السياسي .

إن التغيير العميق في فكر الحزب حدث في المؤتمر القومي السادس الذي عقد في تشرين الثاني عام 1963 وقد تبنى المؤتمر فكراً ثورياً معتمداً الماركسية في مسألة صراع الطبقات والثورية في مسالة الصراع المستمر بين قوى الثورة والقوى المحافظة .

إن ما ورد في ( بعض المنطلقات النظرية ) للحزب استخدم في إحكام القبضة الحديدة على البلاد بالإضافة إلى صدور عدد من القرارات الاقتصادية المرتجلة والتي زادت في تعقيد الوضع الاقتصادي .

كما اشرنا في ما تقدم فإن الاشتراكية في الإطار الذي طرحت به بعد تأسيس الحزب وفي عقد الخمسينات كانت تهدف إلى تحرير المواطن من الخوف والفقر والاستغلال والدفاع عن حقوقه في العمل وتحقيق ضمان مستقبله وفي إطار هذا المفهوم لا يمكن فصل الاشتراكية عن التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج والموارد ولا تتحقق أهدافها بغير الربط بينها وبين وفرة الإنتاج وزيادة الموارد .

الطريق لتحقيق الاشتراكية يتم عبر تحقيق التنمية وزيادة الإنتاج والموارد وخاصة في ظل وتيرة ازدياد عدد السكان وارتفاع مستوى المعيشة ومتطلبات الحياة .

الدولة بمواردها عاجزة عن تحقيق ذلك بسبب ضعف الموارد وازدياد النفقات لا سيما في مجال الخدمات والإدارة ومتطلبات الدفاع وهي بحكم هذه الموارد القليلة لا تستطيع أن توفر متطلبات التنمية الاقتصادية مما يزيد في فقر البلاد وتراجع مستوى المعيشة .

إن الاعتماد على موارد الدولة المتناقصة في ظل ازدياد الإنفاق الحكومي سيزيد من سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومن ضعف البلاد ويمكن إبراز ذلك من خلال مقارنة حول حصة المواطن في ميزانية الدولة عام 1980 مقدرة بالدولار والتي بلغت (  837 ) وحجم حصته من الموازنة في عام 1999 مقدرة بالدولار وبلغت ( 283  ) أمام هذه الصورة يصبح توسيع دائرة الاستثمار الخاص في البلاد مسألة وطنية بالإضافة إلى كونها مسألة اجتماعية .

إن الخوف على الاشتراكية من الاستثمارات الخاصة وحصر التنمية في الدولة ستعطي نتائج خطيرة على المستويين الاجتماعي والاقتصادي .

ومن المفيد الإشارة إلى أن الصين هي الدولة الشيوعية الأكبر التي عرفها العالم فقد تحولت من الاقتصاد الماركسي إلى اقتصاد السوق تحت عنوان  اقتصاد السوق الاشتراكي  وأطلقت حرية الاستثمار للقطاع الخاص الوطني والأجنبي كما غيرت في نهج الإدارة الاقتصادية للبلاد وفق قواعد اقتصاد السوق وتمكنت من تحقيق نمو اقتصادي لم تشهده دول أخرى في العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية .

الاشتراكية طريق لرفع مستوى الشعب وتوفير أمنه وضمانة مستقبله وتوفير فرص العمل وضمان حق المواطن في العمل وتأمينه ضد البطالة وفي الشيخوخة وتوفير الخدمات الصحية التعليمية وإزالة كل أسباب الظلم والاستغلال وفي أطار هذا الفهم تصبح التنمية الاقتصادية ورفع مستوى التعليم ورفع الكفاءة المهنية والعلمية للمواطنين طريق البلاد إلى تحقيق الاشتراكية .

ويجب أن يكون واضحاً إن تحقيق الاشتراكية بقدر ارتباطه بالتنمية الاقتصادية فهو مرتبط بحرية الفرد وبممارسته لحقوقه الأساسية كانسان وكمواطن وبالتالي لا يجب أن تؤدي التنمية إلى الحد من ممارسة المواطن حقوقه الأساسية .

إن التركيز على التنمية وعلى دور الاستثمارات لا يعني إلغاء دور الدولة بصورة أو أخرى ذلك أن دور الدولة رئيسي في إدارة البلاد وفي حماية المجتمع وفي تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي ويمكن أن يتم ذلك وفق مايلي :

1-      تحقيق التوازن الاقتصادي العام عبر سياساتها المالية والنقدية

2-   تحقيق التوازن بين عاملي الربح والأجور في العملية الإنتاجية بحيث يتم ربط الأجور بالإنتاج من جهة وبأسعار كلف المعيشة من جهة ثانية

3-   اعتماد آلية اقتصاد السوق مع وجوب الأخذ بالاعتبار تجنب الآثار السلبية على الطبقة العاملة ووضع المعالجات لهذه الآثار

4-      التركيز على إصلاح الجهازين الإداري والقضائي والتطوير المستمر لهما ورفع كفاءتها الإدارية والمهنية

5-   التوسع بالتعليم بكل مراحله والتركيز على التعليم المهني والفني وتوفير التمويل والوسائل لتطوير قطاع التعليم بكل فروعه

6-   تحديد نسبة معينة من موازنة الدولة وأرباح الشركات والمؤسسات الاقتصادية تخصص لمراكز الدراسات والبحوث

7-   تنمية التعاون الاقتصادي مع الدول العربية ومع الدول الأخرى لتوسيع التبادل في السلع والخدمات والعلوم والمعرفة وتسهيل تنقل الأشخاص واكتساب الخبرة والتشجيع على الاستثمار والحصول على المساعدات الاقتصادية وتشجيع مؤسسات التمويل والاستثمار نحو الاستثمار في البلاد

8-      الثروات الطبيعية في البلاد ملك الدولة وتنظم كيفية استثمارها

9-   تساهم الدولة في التنمية الاقتصادية عبر الفائض في موازنتها بالمساهمة في المشاريع الكبرى التي تقوم في البلاد

10- تعيد الدولة النظر بأوضاع مؤسساتها الاقتصادية وفق آلية اقتصاد السوق بما

يوقف خسارتها ويزيد من ربحيتها

11- وضع قوانين صارمة لمكافحة الفساد

12- حماية المجتمع من انحراف الاستثمار الخاص وتحوله عن طبيعته الاقتصادية نحو الجشع والكسب الغير مشروع .

إن دور الدولة في الاقتصاد الوطني مركزي في كل المراحل فهي التي تملك حق التشريع وهي التي تملك توجيه الاقتصاد الوطني عبر سياستها النقدية كما عبر سياساتها المالية والضريبية وعبر سياستها في تحقيق الاستقرار الاجتماعي .

خامساً – مسألة الحداثة

لا تعني الحداثة استخدام منتجات العلم المستوردة من وسائل وتجهيزات وأدوات رغم أهمية هذا الاستخدام .

إن الحداثة تعني قدرة العقل على إنتاج العلم وتطويره أي القدرة على الفعل وليس على النقل .

إن الحداثة بهذا المعنى تعني تحرير العقل من استبداد السلطة واستبداد المجتمع ليكون قوة الفعل في الحياة ومصدر القرار لدى الفرد ولدى الجماعة

إن تحرير العقل شرط أساسي للإبداع ولتحرر الإرادة وتحرير الإرادة شرط أساسي لاستخدام القدرة .

إن العقل الجماعي كما العقل الفردي تحرره شرط لنهوض المجتمع وتقدمه والاستكانة للموروثات وما تتركه في عقل الإنسان وفي نفسه من أوهام لاصلة لها في الواقع تؤدي إلى الضعف والخمول والضياع والتخلف .

لا يمكن لأية أمة أن تنهض خارج تحرر العقل الفردي والجماعي ومن هنا فإن مسؤولية القوى الطليعية في المجتمع كبيرة في مجال العمل على تحقيق الحداثة وتشجيع الحوار واعتماد نهج البحث والتحليل للوصول إلى الحقائق في جميع مجالات الحياة بعيداً عن تقاليد المجتمع وما يسوده من مورثات

سادساً – مسألة العولمة

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومته انفردت الولايات المتحدة الأميركية بقيادة العالم وكانت العولمة إحدى أدواتها .

تهدف العولمة إلى إزالة الحدود والحواجز أمام انتقال السلع والأموال والأفكار والمعلومات والعلم والثقافة وأنماط الحياة بحيث يتحول العالم إلى ميدان كبير للمنافسة في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والثقافية والعلمية والسياسية وفي هذا الميدان الكبير يتراجع الضعيف حتى السقوط ويستمر القوي في مساره .

للعولمة مؤسساتها الاقتصادية وهي منظمة التجارة الحرة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات الاستثمار الدولية والشركات الكبرى متعددة الجنسيات .

وترافق العمل في ترسيخ مسار العولمة بالدعوة إلى الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان ومكافحة التمييز والإرهاب .

لقد حققت العولمة تقدماً واضحاً في مجال اعتماد اقتصاد السوق لدى الغالبية الكبرى من دول العالم بما فيه الدول التي كانت تتخذ الماركسية قاعدة لها ، كما حققت انجازات كبرى في مجال الانتقال من الأنظمة الشمولية إلى الأنظمة الديمقراطية .

ليس من السهولة القول أن بإمكان الدول لا سيما الدول النامية القدرة على وقف مسار العولمة لان الهوة أصبحت واسعة بينها وبين الدول المتقدمة من جهة ومن جهة ثانية فإن عجزها الاقتصادي وتراكم مديونيتها يضعف من قدرتها في مقاومة العولمة .

إن السبيل لتجنب سلبيات العولمة يوجب على تلك الدول إجراء مراجعات جدية في سياساتها ونظمها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بهدف تسريع ردم الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة حتى لا تصبح في وضع أكثر سوءاً من أوضاعها في المرحلة التي سبقت التحرر الوطني .

لقد أفرزت الهوة بين عالمين عالم متقدم غني وعالم آخر يتطلع إلى النمو والتقدم الهجرة من الدول النامية والفقيرة إلى الدول المتقدمة لتشكل إحدى المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في تلك الدول .

إن تردد الدول النامية في وضع سياسات تساعدها على النهوض والتقدم والاستفادة من ثرواتها الوطنية بالإضافة إلى تلكؤ الدول المتقدمة في مساعدة الدول النامية لتحقق تلك الدول نهوضها ، إن كل ذلك يشكل أحد العوامل التي تهدد الأمن والاستقرار الدوليين.

ومما يجب الإشارة إليه هو أن التطور الهائل العلمي والثقافي لا سيما في مجال نقل المعلومات والمعرفة والأفكار والعلم شكل مساهمة كبرى في إزالة الحدود والحواجز وفي الانتقال من مرحلة الدولة ذات الحدود إلى مرحلة العالمية التي سقطت حدودها أمام تطور تكنولوجيا نقل المعلومات ووسائل الاتصال .

أيها الرفاق

بعد أربعة عقود ونصف كان علينا جميعاً إجراء المراجعة النقدية لتحديد الأسباب التي أدت إلى الحالة التي وصل إليها حزب البعث العربي الاشتراكي وإلى ما أنتجه النظام الحاكم من معاناة وضعف وعجز عن تحرير الأرض ومن تخبط في سياسته وحجم الأخطار المحدقة في سورية التي أفرزتها سياساته بالإضافة إلى التوترات الداخلية التي تعاني منها البلاد بكل أنواعها العرقية والطائفية والعشائرية والاجتماعية والمعاشية فاستخلصنا بكل وضوح مسألتين أساسيتين الأولى وجوب العمل على إجراء التغيير وإسقاط النظام وبناء دولة ديمقراطية أما المسألة الثانية فهي وجوب العمل على مراجعة فكر الحزب ونهجه ليستعيد دوره في الساحتين الداخلية والعربية .

أيها الرفاق

إن القيادة المؤقتة للحزب تدعوكم إلى مايلي :

1 – دراسة هذه الوثيقة ومناقشتها وإبداء الملاحظات والمقترحات حولها .

2 – تنظيم مجموعات صغيرة للحزبيين الذين يدركون خطورة استمرار الأسرة الحاكمة في مصادرة الدولة والحزب ومن ثم العمل على توسيع تنظيماتهم ونشرها في سائر أنحاء البلاد .

3 – الاستعداد للمشاركة مع قوى شعبية وسياسية في مرحلة الانتقال لتحقيق التغيير السلمي وبناء دولة ديمقراطية مدنية .

يجب أن ندرك جميعاً أن مسؤولياتنا الوطنية والحزبية والأخلاقية توجب علينا الانتقال من حالة الترقب والجمود والمعاناة إلى حالة التحفز لكسر هذا النظام الفاسد والمستبد كي يتحرر شعبنا من المعاناة والقهر والتسلط ويستعيد قدراته في العمل من أجل تحرير أرض الوطن وضمان الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الشقيق وفي تعزيز التكامل والتعاضد بين الدول العربية وشعوبها لتستعيد الأمة العربية دورها وتكون قادرة على حماية أرضها وضمان ثرواتها وأخذ مكانها في الساحة الدولية .

ومن أجل تحقيق أهداف الحزب في الوحدة والحرية والاشتراكية

القيادة المؤقتة لحزب البعث العربي الاشتراكي 

                                             في الجمهورية العربية السورية

Facebook
Twitter
LinkedIn
WhatsApp

مقالات حديثة


مذكرات ووثائق خدام ..عرفات يستسلم ويغادر بيروت… ومبعوث ريغان يزور دمشق سرا ويلتقي الأسد (5 من 5)

2024-05-25

تنفيذ الخطة الأميركية… هكذا أسدل الستار على الوجود الفلسطيني في العاصمة اللبنانية المجلة بعد مفاوضات على وقف النار في بيروت ومفاوضات دبلوماسية في عواصم عربية وفي نيويورك، تبلورت الخطة الأميركية وحُلحلت “عقدها” بين أوراق وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام نص الخطة الأميركية لـ”رحيل قيادة ومكاتب ومقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية” من بيروت، وهي كالآتي 1 […]

مذكرات ووثائق خدام ..أول رسالة خطية من عرفات للأسد… والرئيس السوري يحذره: أنا لست الرئيس سركيس أو الملك حسين (4 من 5)

2024-05-24

خدام يكذّب رئيس “منظمة التحرير” ويقول إن إسرائيل تريد “تحويل المقاومة الفلسطينية من مشكلة لإسرائيل إلى مشكلة لسوريا” المجلة في 7 أغسطس/آب، أرسل رئيس “منظمة التحرير الفلسطينية” ياسر عرفات أول رسالة إلى الأسد بعد حملات إعلامية وعسكرية بينهما، هذا نصها: “السيد الرئيس حافظ الأسد، كما تعلمون سيادتكم، بناء على قرارات جدة، جرت بيننا وبين الحكومة […]

مذكرات ووثائق خدام ..”رسالة طمأنة” من بشير الجميل الطامح لرئاسة لبنان الى الأسد… و”عقد” أمام خطة المبعوث الأميركي (3 من 5)

2024-05-23

استمرت المفاوضات بين عرفات والإسرائيليين عبر المبعوث الأميركي والرئيس الوزان إلى أن تم التوصل إلى اتفاق في مطلع أغسطس 1982 المجلة تفاصيل رسالة من بشير الجميل، عدو سوريا اللدود، إلى الأسد لطمأنة دمشق خلال سعيه إلى الرئاسة، إضافة إلى تفاصيل خطة حبيب لإخراج عرفات ومقاتليه إضافة إلى التقارير التي كان يرسلها رئيس جهاز الاستخبارات السورية […]