كان لابد لسورية وإسرائيل من إجراء المفاوضات عبر الجانب الأمريكي لإجراء ترتيب فصل القوات المتحاربة في الجولان بعد أن أثقلت حرب الاستنزاف كاهل الجيش الإسرائيلي. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت راغبة بالقيام بدور الوسيط بين الأطراف لتحسين صورتها أمام الرأي العام العربي بعامة والسوري بخاصة آخذة بعين الاعتبار الموقف الدولي لأن الاتحاد السوفييتي كان يلعب دوراً بارزاً على الساحة الدولية يُحسب له ألف حساب.
كان الفريق المفاوض السوري برئاسة الرئيس حافظ الأسد، وعضوية عبد الحليم خدام وزير الخارجية، والدكتور أديب الداوودي المستشار في القصر الجمهوري،والدكتور اسكندر لوقا الذي كان يسجل المباحثات بطريقة الاختزال، والمترجم أسعد كامل الياس، ورئيس الجانب الأمريكي هنري كيسنجر وزير الخارجية وريتشارد مورفي وتوم سكوتس القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية بدمشق، والمترجم عيسى الصباغ وهو فلسطيني الأصل ومن مواليد حيفا.
وفي الساعة السادسة مساء بدأ الاجتماع الأول بين الطرفين واستمر ثماني ساعات. كانت هذه المداولات مقدمة لمفاوضات فصل القوات. ويشير العماد طلاس في مذكراته «أريد أن أعترف للقارئ بما كان يدور في خلدي ذلك الحين، فلقد خشيت على الرئيس الأسد من مناورات هنري كيسنجر وأساليبه الثعلبية ومكره اليهودي ثم القاعدة التي ينطلق منها وهي كونه وزيراً للخارجية في دولة عظمى، ثم تلك الهالة الإعلامية التي واكبت تعيينه مستشاراً للأمن القومي ثم وزيراً للخارجية. وفي هذا المجال يجب ألا ننسى أبداً أن الصهيونية العالمية كانت وراء كل ذلك. ولكن الله كان مع الرئيس الأسد فقد أدار المفاوضات بشكل لامثيل له إطلاقاً، وكان يضع كيسنجر في زاوية من الصعب الخروج منها إلا بشق الأنفس.
وكان الرئيس الأسد قد طلب من العماد مصطفى أن يحضر بالتعاون مع هيئة الأركان العامة ثلاث خرائط عسكرية مقياسها 50000/1 محمّل عليها ثلاثة احتمالات لفصل القوات السورية ـ الإسرائيلية في هضبة الجولان بشكل يضمن السيطرة الكاملة على الأرض، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية النقاط والهيئات الحاكمة ومحاور التحرك. وقدمت الخرائط المطلوبة محملاً عليها الحلول المقترحة.
وبعد مناقشات بين الطرفين أظهر فيها الرئيس الأسد حنكة كبيرة، تم التوقيع على مذكرة اتفاق فصل القوات الذي يقضي بانسحاب العدو الإسرائيلي إلى خلف مدينة القنيطرة (تل أبو الندى) وأن ينسحب كذلك من مثلث الرفيد في القطاع الجنوبي. وحاول كيسنجر أن يتضمن نص الاتفاق على مادة فحواها أن تقوم القوات السورية بمنع العمل الفدائي الفلسطيني انطلاقاً من الجولان. وكان موقف الرئيس الأسد حاسماً في هذا المجال وقال لكيسنجر:«إننا لا يمكن أبداً أن نضع قواتنا لحماية الأمن الإسرائيلي».