عناصر من “حزب الله” اللبناني يرفعون أعلامهم في 1 مارس 2016، في بلدة كفور الجنوبية، في قضاء النبطية، خلال تشييع جنازة أحد مقاتلي الحزب محمد حسن نعمة، الذي قُتل في سوريا أثناء مشاركته بالمعارك إلى جانب قوات دمشق.
تغيّرت العلاقات كثيرا بين دمشق وطهران، خلال العقود الأربعة الماضية. كانت سوريا بوابة إيران إلى التمدد في المنطقة من المنصة اللبنانية عبر “حزب الله”، فأصبح “بقاء النظام السوري” خلال العقد الأخير رهنا بدعم إيران (قبل تدخل روسيا في 2015) وميليشياتها، وتحولت سوريا معبرا للنفوذ الايراني في عموم الاقليم.
هذه جولة، في محطات العلاقة بين دمشق وطهران منذ 1979 إلى الآن، تشمل نشر وئائق رسمية سورية نقلها نائب الرئيس الراحل عبدالحليم خدام معه من دمشق إلى باريس قبل انشقاقه في 2005:
بعد توقيع مصر اتفاق كامب ديفيد مع اسرائيل وانقلاب الرئيس صدام حسين على “ميثاق العمل العربي”والخلاف مع “منظمة التحرير الفلسطينية” بزعامة ياسر عرفات، وجد الرئيس حافظ الأسد في انتصار “الثورة”في ايران عام 1979مخرجا للبحث عن توازن، قبل أن يلجأ الى توقيع “معاهدة صداقة”مع الاتحاد السوفياتي بداية الثمانينات
افاد الأسد، وقتذاك، من وجود شخصيات ايرانية معارضة للشاه في لبنان، ما لبثت أن تسلمت الحكم في طهران. رعت سوريا الموجودة في لبنان منذ سنوات، دعم “حركة أمل” قادة “حزب تحرير إيران” في لبنان الذين كانوا يعتبرون رئيس “المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى” موسى الصدر “مرجعهم”.ضمت قائمة المريدين، من أصبح لاحقا بعد”الثورة”، أول رئيس وزراء في إيران؛ مهدي بازركان، ونائبه صادق طبطبائي ابن شقيقة الصدر، وبعض الوزراء، منهم: إبراهيم يزدي وزير الخارجية الذي خلفه بعد استقالته صادق قطب زاده، ومصطفى شمران الذي تولى لاحقا وزارة الدفاع.
“تهنئة حارة”
الأسد، اقتنص الفرصة. بادر بإرسال رسالة “تهنئة حارة” إلى الخميني، أكد فيها “حرص سوريا على التعاون الشامل” مع إيران. ردت طهران، المتعطشة لنفوذ في بلاد الشام، التحية بأكبر منها. هنا يروي نائب الرئيس السوري الراحل عبد الحليم خدام في أوراقه، التي حصلت عليها “المجلة”، أنه تلقى في مطلع أغسطس/آب عام 1979، دعوة من وزير خارجية إيران، إبراهيم يزدي. وصل إلى طهران في 15 أغسطس/آب، وكان في استقباله يزدي وطبطبائي.
في تلك الزيارة التاريخية يروي خدام الكثير من القصص، بينها، أنه في الساعة الثالثة من فجر اليوم التالي، دخل أحد مرافقيه وأيقظه، وأبلغه أن الشيخ محمد منتظري (نجل حسين علي منتظري الذي كان نائبا للخميني قبل الاختلاف معه)، ومعه مجموعة، يريدون اللقاء به. شنّ هذا “الشاب الثوري”، حملة شعواء ضد حزب “البعث”الحاكم في سوريا، ثم طلب الصلاة جماعة مع خدام.
بعد لقاءات خدام، الذي كان وقتذاك وزيرا للخارجية، مع بازركان، رئيس مجلس الوزراء، في حضور يزدي وزير الخارجية، وطبطبائي نائب رئيس الوزراء، وتأكيدهم أن “الثورة” في إيران “ستعمل على بناء علاقات قوية مع سوريا الشقيقة”، توجه مع يزدي إلى قم للقاء الزعيم الحقيقي في إيران، الخميني، فكان خدام أول مسؤول سوري يقابله، بل المسؤول السوري الوحيد الذي اجتمع به.
وصل الجميع إلى حي شعبي في قم. يقول خدام: “في مدخل المنزل، غرفة صغيرة فيها مكتب وطاولة يجلس إليها شيخ. وبعد أن سلمنا عليه، دخلنا إلى غرفة ثانية صغيرة، طولها لا يتجاوز المترين ونصف المتر، وعرضها كذلك، وعلى أرضها بساط عادي. وكان الخميني جالسا، فنهض لاستقبالنا. كان الرجل يجلس على الأرض، وكذلك فعلنا. كان يستمع إلى محدثيه من العرب باللغة العربية، ويجيبهم باللغة الفارسية”.
تحدث الخميني قليلا. في هذا القليل، تبادلا التأكيد لتعزيز العلاقات “وطلب مني نقل شكره للرئيس الأسد، وتحياته له، وحرصه على العلاقات المتينة مع سوريا”. يعلق خدام: “كانت المقابلة قصيرة رمزية، لكنها كانت بالغة الأهمية، من حيث معرفتي تصميم الرجل الذي لمسته في كل عبارة كان ينطق بها”. زاد: “بعد عودتي إلى دمشق، عرضت مجريات الزيارة على حافظ، ووجدنا أن الظروف متوفرة للتعاون مع النظام الجديد في إيران”.
.
تأسيس “حزب الله”
كانت ثقة الأسد عميقة بموسى الصدر. وبعد تغييبه، انتقلت الثقة إلى نبيه بري. ولم يكن لإيران نفوذ في لبنان أو وجود سياسي أو عسكري قبل عام 1980. كان الوجود الإيراني رمزيا، يتمثل في مجموعة من المعارضة التي تسلمت السلطة. كان الدخول الإيراني الأوسع الفاعل إلى لبنان خلال الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في مطلع يونيو/حزيران عام 1982، إذ اتخذت آنذاك القيادة الإيرانية قرار إرسال لواء وخبراء من “الحرس الثوري” إلى سوريا التي أدخلت قواتها إلى هناك في 1976. بالفعل، وصل لواء “الحرس” الإيراني بعد أيام قليلة من بدء القتال، وتوجه القسم الأكبر منه إلى لبنان، إلى ثكنة الشيخ عبد الله، في منطقة بعلبك – الهرمل.
بدأت هذه المجموعة بتأسيس “حزب الله”، وكان “حزب الدعوة” من المجموعات الأولى التي ساهمت في تأسيس الحزب، وفي تلك المرحلة ركز “الحرس الثوري” على التنظيم والإعداد العقائدي والسياسي والتدريب واختيار العناصر بعد تدقيق تجنبا لأي اختراقات، وانصراف “حزب الله” إلى المقاومة وعدم الانجراف في الشؤون الداخلية اللبنانية… وكسب عطف المواطنين في منطقة الجنوب. في المقابل، قدمت إيران إلى “حزب الله” مساعدات عسكرية والتدريب والتأهيل والتسليح وتمويل الخدمات الاجتماعية.
كما وظّفت إيران علاقاتها مع سوريا في إنشاء “حزب الله”، وتمكنت من بناء قاعدة سياسية وعسكرية في لبنان، وأصبحت لاعبا في معادلة هذا البلد، على حدود النزاع العربي-الاسرائيلي، وعلى ساحل البحر المتوسط
جنود سوريون تم نشرهم في إحدى مناطق بيروت الغربية بعد اشتباكات عنيفة بين “حركة أمل” الموالية لسوريا و”حزب الله” في 17 أبريل / نيسان 1990.
اختبار بالدم
كانت سوريا-الأسد، تحافظ على توازن داخل لبنان وتوازن في علاقاتها العربية. توسطت كثيرا بين طهران ودول عربية وتوسطت بين الأفرقاء في بيروت، منها الفصل بين “الحزب التقدمي الاشتراكي” بزعامة وليد جنبلاط و “حركة أمل”بزعامة نبيه بري، بعد “حرب العلمين” في 1986. ثم حصلت بعد شهور اشكالات بين “حزب الله” و “وحدة المراقبين” من المخابرات السورية وتسببت في مقتل اربعة من “المراقبين”.
قيل وقتذاك، ان عناصر “حزب الله” المشاركين في الهجوم كانوا يتخذون من “ثكنة فتح الله” في بيروت مقرا لهم.
في منتصف فبراير/شباط 1987، وصل إلى دمشق وفد من القيادات الإسلامية اللبنانية، والتقى خدام (الذي كان عين نائبا للرئيس قبل 3 سنوات)، وطلب “تدخل القوات السورية لفرض الأمن في بيروت، بعد صدامات وفوضى حصلت في المدينة”، ومواجهة “حزب الله” بالسلاح.
عرض خدام الأمر على الأسد، الذي قرر إرسال وحدة عسكرية لفرض الأمن في جميع احياء بيروت، بما فيها “ثكنة فتح الله” التابعة لـ”حزب الله”. بعد ساعات من دخول القوة السورية، توجهت وحدة من القوات الخاصة الى “الثكنة”، وطلبت من أعضاء الحزب إخلاء المقر وتسليم أسلحتهم. وحصلت اشتباكات مع “حزب الله”، الأمر الذي اعتبره مراقبون “ردا على قتل المراقبين على ايدي الحزب”، ما أدى إلى قتل بعض الجنود، فردت القوة بالمثل، مما تسبب بمقتل 22 شخصا، واستولت القوة السورية على “الثكنة”.
مقاتلان يظهران بعتادهما العسكري أثناء المعارك بين “حزب الله” و”حركة أمل”.
اللافت هنا أن ايران تدخلت لدى سوريا لـحماية “حزب الله”. في خلال ذلك، السفير الايراني في دمشق حسن أختري الذي التقى خدام لهذا الغرض، في الثالث من مارس/آذار 1987. وحسب محضر الاجتماع، قال أختري: “بالنسبة إلى قتل مجموعة من الرجال والنساء والأطفال، كان لهذا الحادث وقع شديد على المسؤولين في إيران. الانطباع في إيران لا يزال أن هذا العمل طائش ولم يكن عملا مسؤولا”. كما طلب عدم دخول قوات سورية الضاحية الجنوبية في بيروت، التي باتت رويدا رويدا معقلا لـ”حزب الله”. وقال: “صرح العميد غازي كنعان (مسؤول الاستخبارات السورية في لبنان وقتذاك) أن القوات السورية ستدخل إلى الضاحية الجنوبية، هل ستشمل الخطة الأمنية الضاحية الجنوبية؟”. كما أثار “مصادرة السلاح” من أنصار إيران في بيروت.
وزاد: “هناك نقطة أخرى: موضوع مصادرة السلاح من منازل المسلمين في بيروت الغربية. أذكر لقائي مع الرئيس حافظ الأسد، أثناء تقديم أوراق اعتمادي. لقد تحدثت في هذه المسألة، وقال: هذا الموضوع غير مطروح لدينا. ليس مطروحا أن نأخذ سلاحهم، بل سنعطيهم السلاح ليكافحوا وليناضلوا”.
“حزب الله”مخترق؟
بعد أن أنهى أختري كلامه، أكد خدام الحرص على “العلاقات المتينة والأخوية القائمة مع إيران. ونبدي أسفنا لصدور هذه التصريحات”، ومنها تصريح الدكتور (علي) ولايتي والحوزة العلمية، وقسم من تصريح (مير حسين) موسوي الذي قال: “مَنْ يمد يده على “حزب الله”يخدم إسرائيل وأميركا”. وأضاف: “تذكر أننا نبهنا مرات عدة لاختراقات موجودة في هذا التنظيم من قِبل ثلاث جهات: من قِبل ياسر عرفات، ومن قِبل جماعة العراق، ومن قِبل المكتب الثاني اللبناني. وكنا نحذر من أخطار هذه الاختراقات لأننا كنا نخشى أن تقوم هذه الزمرة التي اخترقت “حزب الله” بأعمال تسيء إلى دوره في لبنان”.
اللافت أن خدام كان يشير إلى “اختراق” عرفات لـ”حزب الله” عبر عماد مغنية. وبحسب المحضر: “هل عماد مغنية في “حزب الله”أم لا؟. أجابني السفير: أنا لم أجتمع به ولا أعرفه، وحسب معلوماتي هو ليس من التشكيلات، وليس من “حزب الله”. قلت له: أقبل كلامك”.
يشار هنا، الى ان مغنية، الذي حمل لاحقا اسم “الحاج رضوان” اغتيل في دمشق في فبراير (شباط) 2008، في عملية يعتقد ان اسرائيل نفذتها.
وتابع السفير محاولا توضيح موضوع اختراق “حزب الله” فقال: “بالنسبة إلى ما تفضلتم به من أن هناك اختراقا في “حزب الله”، لا أنفي ذلك.عرفات يمكن أن يخترق بعض العناصر. لكن، إذا نظرنا إلى هذا الحزب وأهدافه المعلنة، فلا يمكن أن يتفق مع عرفات”. أجبته: “أنا ميَّزْتُ بين “حزب الله”كقيادة وبعض العناصر”.
وأضاف أن “موضوع (الدخول الى)الضاحية الجنوبية، غير مطروح للبحث. ليس في نية سوريا ضرب “حزب الله”، لكنها لا تستطيع أن تقبل برفضه الالتزام بالخطة الأمنية… ويجب على المسؤولين في إيران ألا يقارنوا بين “حزب الله” وسوريا”.
الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك خلال استقباله خدام في 6 يناير 1998 في باريس، فرنسا.
نزع السلاح مقابل لبنان
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، اتجهت سوريا لتعزيز علاقاتها عربيا ودوليا، شاركت في حرب الخليج ودخلت عملية السلام مع اسرائيل برعاية اميركية في 1991. بدايةً، كان الحديث يدور حول مقايضة استعادة الجولان مقابل السلام، لكن بعض المبادرات تناولت لاحقاً مقايضة القبول ببقاء سوريا في لبنان مقابل نزع سلاح “حزب الله”.
في منتصف التسعينات، تبادل الأسد وصدام حسين، القابع تحت العقوبات والحصار، رسائل سرية وصلت إلى حد ترتيب قمة سرية بينهما. وعلى خلفية التقدم في الرسائل السرية بين الرئيسين صدام حسين وحافظ الأسد في عام 1996، قرر الرئيس السوري إيفاد خدام إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي كان كسب ثقته بعد ادخاله في ترتيبات “تفاهم نيسان”في لبنان عام 1996، لإطلاعه على قرار فتح الحدود السورية – العراقية المغلقة منذ عام 1982.
بالفعل، التقى شيراك مع خدام في 31 يوليو/تموز 1996.وحسب محضر الاجتماع، تطرق اللقاء إلى المحادثات السرية غير المباشرة بين الأسد ورئيس الوزراء الاسرائيلي وقتذاك بنيامين نتنياهو. وقال شيراك: “أي مصلحة لإسرائيل في وجود عسكري لها في جنوب لبنان؟… لو كنت محل نتنياهو لسحبت قواتي دون شرط من جنوب لبنان، وخلقت مشكلة للجميع… هذا يفترض أن جيش لبنان سيتولى ضمان كامل الحدود ونزع سلاح “حزب الله”، وهذا بالطبع أمر يرتبط بسوريا ويهمها. وسوريا لا يمكن أن تقبل بذلك دون مقابل. ما هو المقابل؟ الانسحاب من الجولان، وأن تضمن وجودها العسكري في لبنان لبعض الوقت”. كان هذا ربطا مباشرا بين الوجود السوري في لبنان ونزع سلاح الحزب، لكن المقايضة تكررت لاحقاً بطرق مختلفة
الأسد يتحدث مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل في دمشق في 20 يناير 2010.
عرض أميركي: الطلاق
بعد وصول الأسد إلى سدة الحكم في 2000، جرت محاولات لإبرام اتفاق سلام سوري – اسرائيلي، واحدة بوساطة تركية بين عامي 2007 و2008 في محاولة لفك العزلة عن دمشق بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري والانسحاب من لبنان في 2005. “حزب الله”أصبح بعد ذلك صاحب “كلمة السر” في دمشق. لا شك في أن هذا كان بداية أساسية في تحول اتجاه العلاقة بين دمشق من جهة وطهران و”حزب الله” من جهة ثانية.
بين أبريل/نيسان 2009 ومنتصف مارس/آذار 2011، كانت وساطة المبعوث الأميركي فريد هوف. وفي 27 فبراير/شباط 2011، وصل إلى دمشق والتقى الأسد صباح اليوم التالي، وسلمه ورقة. في كتابه “بلوغ المرتفعات: قصة محاولة سرية لعقد سلام سوري – إسرائيلي”، نقل هوف عن الأسد: “الجميع سيفاجأون بالسرعة التي سوف يلتزمها حسن نصر الله، الأمين العام لـ”حزب الله”، بمجرد إعلان كل من سوريا وإسرائيل التوصل إلى اتفاق سلام”. سأل الأسد: “كيف ستكون لديه تلك القناعة بالنظر إلى ولاء نصر الله لإيران و”الثورة” الإيرانية. قال الأسد إن نصر الله عربي لا فارسي”.
التاج…والتنحي
كانت الاحتجاجات السورية اندلعت في منتصف مارس 2011. مع تطور الأوضاع. وفي 18 مارس/آذار، ردت قوات الأمن السورية بالعنف الشديد على المتظاهرين في درعا. وقتها، علقت الوساطة الاميركية. وفي 19 من الشهر نفسه، قال أوباما، في خطاب إلى وزارة الخارجية، إن “الأسد يجب أن يقود انتقال سوريا إلى الديمقراطية أو يتنحى عن الحكم”. وفي 18 أغسطس/آب، أعلن أوباما أن “الوقت قد حان لتنحي الأسد”.
ومع نهاية 2012 تدخلت طهران بقوة لدعم الأسد، وأرسلت ميليشيات وخبراء ثم دخل “حزب الله” وقاتل في كثير من المواقع. كما صعدت دول غربية واقليمية من دعم المعارضة ورصدت برنامجاً سرياً في الاردن وتركيا لتسليحها.
ومع استمرار الصراع وتقهقر قوات دمشق، أقنعت طهران موسكو بالتدخل العسكري المباشر، وفي نهاية 2015 انخرطت روسيا عسكرياً وحولت الميزان لصالح الأسد.
ومع تصاعد الصراع و”حرب الوكالة” تحولت سوريا إلى ساحة صراع وسعت ايران إلى جعلها موطئاً استراتيجياً لنفوذها. باتت سوريا مقسمة ثلاث “دويلات” تقاتل فيها خمسة جيوش، اميركا وروسيا وايران وتركيا واسرائيل.
سوريا التي كانت وسيطاً بين إيران والعرب وضابطاً لدور “حزب الله” في لبنان، أصبحت بحاجة للدعم من طهران و”الضاحية الجنوبية”. ومع تصاعد الانتشار الإيراني، كثفت اسرائيل غاراتها وملاحقتها لمواقع إيرانية.
الأسد والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله في دمشق، في 25 فبراير 2010
وبات موضوع خروج إيران وتنظيماتها من سوريا، أحد المطالب الأساسية للمحاورين الاقليميين والدوليين مع دمشق، التي اختبرت بالدم أهمية هذا “الحلف”. وفي الأونة الاخيرة وبعد الزلزال المدمر، سرعت دول عربية من التطبيع دمشق وزار الاسد عمان واستقبل عدد من الوزراء العرب، مع بقاء دول عربية بمطالبها المتعلقة بالافلات من دعم النفوذ الايراني وخفض الوجود العسكري فيها.
في المقابل، كثفت طهران مطالبها في الفترة الاخيرة كي تحصل على “تنازلات سيادية” من دمشق تشمل اتفاقات عسكرية واقتصادية وسياسية للحفاظ على “بقاء طويل” وتعويض “ثمن مساهمتها في انقاذ النظام”.
وكان مسؤول فلسطيني على علاقة قريبة من ايران و”حزب الله”، قال: “سوريا درة تاج النفوذ الايراني في المنطقة، ساحة خلفية للعراق، جسر إلى لبنان، ممر إلى البحر، معبر إلى حدود اسرائيل. لن تتخلى عنها بسهولة”. وزاد: “هذه العلاقة اختبرت بالدم، وتبين في السنوات الاخيرة انها أكثر أهمية للاستمراية”. ولا شك في أن أي تغيير في ذلك سواء باتفاقات أو جراء الأوضاع الداخلية الايرانية، سيترك ظلالا على “الهلال الايراني” في المنطقة.
سوريا كانت لاعبا في الاقليم، فاصبحت ملعباً لصراعات الاخرين ومؤشراً لتوغل النفوذ الايراني الخارجي…او تقهقره.