التقى عبد الحليم خدام بحافظ الأسد في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي ، عندما كان لا يزال ناشطًا طلابيًا ، وكانت بداية شراكةٍ مدى الحياة ، شهدت ترقية خدّام إلى منصب وزير الخارجية ، ثم نائباً لرئيس الجمهورية .
كانت علاقته مع حاكم سوريا الحالي ، بشار الأسد ابن حافظ ، أقل قُربًا .
غادر خدام سوريا إلى المنفى في باريس في عام 2005 بعد فترة وجيزة من استقالته من منصب نائب رئيس الجمهورية .
تحدثت صحيفة الشرق الأوسط مع عبد الحليم خدّام ، أحد أنصار النظام السابق ، وأحد أركانه ، وسألته عن الأزمة السورية المستمرة والانتخابات الرئاسية التي جرت هذا الأسبوع وأفكاره حول المعارضة السورية .
الشرق الأوسط : هل سيصوِّت الشعب السوري لبشار الأسد في الانتخابات الرئاسية ؟
عبد الحليم خدام : أوراق الاقتراع هي مجرد كَوْمة من الأوراق ، الأصوات التي سيتم الإدلاء بها في صناديق الاقتراع لا معنى لها مثل أكوام الورق .
الذين يختارون بشار الأسد أو أي شخص آخر سيضطرون إلى القيام بذلك أو سيتصرفون بدافع الخوف .
هذه ليست انتخابات [ حقيقية ] والجميع يعرف ذلك ، لكن بشار حريص على إجراء الانتخابات كتحدٍّ للمجتمع الدولي .
سؤال : من المسؤول عما يجري في سوريا ؟
خدّام : هناك طرفان رئيسيان مسؤولان ، روسيا وإيران والنظام [ السوري ] من جهة ، ومن جهة أخرى ، هناك الدول العربية .
هناك فرق رئيسي بين أولئك الذين يقتلون أو يشاركون في القتل ، وأولئك الذين يمكنهم إيقاف إراقة الدماء أو الحد منها .
هذا الأخير هو ما فعلته جامعة الدول العربية ، عندما – بعد ستة أشهر فقط من الثورة السورية – فكَّرت في إرسال [ الأمين العام ] نبيل العربي للقاء بشار .
بصراحة ، يعيد الوضع في سوريا إلى الأذهان بداية النكبة الفلسطينية .
نقطة أخرى مهمة يجب توضيحها ، هي أن سوريا لم يكن بها متطرّفون أبدًا، كما أن الشعب السوري ليس متطرّفًا بطبيعته .
لكن إحساسُهم بالهزيمة ، والشعور بالتخلي عنهم من قِبَل العالم ، دفع العديد من السوريين للهروب إلى التطرف .
سؤال : لماذا ظهرت الجماعات المتطرّفة بين الثوّار ؟
خدّام : عندما زادت الضغوط على الشعب السوري ، إلى جانب موقف المجتمع الدولي المتخاذل ، بدأ الجميع بالقتال . بالطبع، هناك الذين يحاولون استغلال هذا الحماس [ العام ] الجامح .
سؤال : هل تشير إلى الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (داعش) وجبهة النصرة، على سبيل المثال ؟
خدّام : نعم، وغيرها من الجماعات المسلحة ،. ومع ذلك، تختلف جبهة النصرة عن داعش ، بمعنى أن غالبية مقاتليها هم سوريون ، ويمكنني أن أؤكد أنهم سيلقون أسلحتهم على الفور بمجرد أن يترك بشار السلطة .
سؤال : بالحديث عن داعش ، من الذي جلبهم إلى سوريا ؟
خدّام : إيران هي التي جلَبَت داعش إلى سوريا .
لا أحد لديه أي شكّ في ذلك ، وأنا أعرف ما أقوله ، إيران هي جزء رئيسي من القتال في سوريا .
هناك منظمات شيعيّة ، الحرس الثوري الإيراني ، وحزب الله ، تقاتل إلى جانب الأسد .
إن سقوط الأسد سيكون ضربة مؤلمة للنظام الإيراني.
إذا سقط نظام الأسد، فإن الوجود الإيراني في العراق سينتهي ، وسيضعف دور حزب الله في لبنان، أو كما نقول ، سيختفي .
سؤال : تحت أي سيناريو ستتخلى إيران عن الأسد ؟ المصالحة مع دول الخليج ، أو باتفاقية دولية أوسع .
خدّام : من قال إن إيران تسعى للمصالحة مع دول الخليج في المقام الأول ؟ تسعى إيران إلى تهدئة الأمور مؤقتًا حتى تنتهي من الأزمة السورية .
ثم ستحوِّل إيران انتباهها إلى دولٍ أُخرى لخلق صراعات ، وأبرزها في البحرين .
كما ستدعم طهران الحوثيين في اليمن لإحداث توترات على حدود المملكة العربية السعودية .
ستشهد المنطقة العربية صراعًا طائفيًا غير مسبوق في السنوات القادمة .
سؤال : إذا كنتَ لا تزال في منصبك السابق في سوريا ، فما الذي تقترح القيام به لإنهاء الأزمة ؟
خدّام : بكل صدق ، بعد وفاة حافظ الأسد ، لم تكن لدي أي رغبة في المشاركة في أي نشاط سياسي مباشر ، لكنني شعرتُ بالحرج لعدم معرفة كيف يمكنني ترك الساحة الحزبية والسياسية بسلام .
إذا غادر المرء فجأة ، فإنه يواجه إما الموت أو السجن .
بالنسبة لسؤالك ، لا يمكنني الإجابة عليه لأنه تكهنات .
سؤال : هناك الكثير من الحديث عن دولة علوية محتملة ، يتم تأسيسها في المنطقة الساحلية في سوريا ، إذا حدث هذا ، ماذا تتوقع أن يحدث للسُنَّة في المنطقة ؟
خدّام : هذا لن يحدث ، أكثر من 40 في المئة من السكان في المنطقة الساحلية هم من السنة .
في حالة الاستيلاء على الساحل ، ستكون سوريا دولة مغلقة بدون منفذ إلى البحر ، لذلك، أستبعد بشدة إنشاء « دويلة » علوية .. قد يصل الصراع الحالي إلى مرحلة يكون فيها جزء من سوريا أقوى من الآخر ، ولكنَّه غير مستقلٍّ عنه .
صدقوني ، إذا قدمت الدول العربية أسلحة متطورة للشعب السوري ، بدلاً من رئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا ، فإن الأسد ونظامَه سيسقط في غضون شهر .
سؤال : لماذا تنتقد أحمد الجربا بشدّة ؟
خدّام : ليس لدى الجربا أي علاقة مباشرة مع الشعب السوري ، بعبارة أخرى ، ليس له وجود داخل سوريا . لذلك ، لن يكون قادرًا على إحداث فرْقٍ على الأرض .
سؤال : هل أنتم مستعدون لمحاولة إعادة توحيد الشعب السوري ، أو تسمية شخصيات قادرة على إخراج سوريا من أزمتها الحالية ؟
خدّام : لقد حاولت بالفعل وما زلت أحاول ، أنا على اتصال بالعديد من السوريين المؤثّرين ، الذين استجابوا . وبالعودة إلى سؤالك حول الجربا : على سبيل المثال ، من بين العشرات من قادة الفصائل السورية المعارضة المؤثِّرين الذين اتصلتُ بهم ، جميعهم ردّ ، سوى الجربا لم يردّ ، وعندما سُئل عن السبب ، ذُكر أنه قال : « لقد فات الأوان » .
لا أعرف لماذا فات الأوان ، هل يضمن أنه سيذهب إلى دمشق غدًا ؟ من يريد أن يكون قائدًا يجب أن يكون منفتحًا ومقبولًا للجميع .
سؤال : ماذا تبقى من حزب البعث في سوريا ، ومن يمثّله ؟
خدّام : لم يبق شيء .
سؤال : هل انفصلت عن بشار أم قام باستبعادك ؟
خدّام : قررتُ المغادرة ، أتذكَّر حضورَ اجتماعٍ « لمدة ساعة ونصف » لقيادة حزب البعث ، تحدَّثت فيه عما يجب القيام به في المستقبل .
بالمناسبة، لم أعمل كثيرًا مع بشار الأسد ، الرحلة الخارجية الوحيدة التي قمت بها مع بشار الأسد كانت إلى طهران قبل دخول الجيش الأمريكي إلى العراق .
ذهبنا إلى طهران واقترح بشار فجأةً على الإيرانيين ، أن يدرِّبوا الفصائل الشيعيّة المقاتلة لمحاربة الأمريكيين إذا دخلوا العراق .
سؤال : لماذا يقدِّم الأسد مثل هذا الاقتراح ، بينما كانت الحدود السورية مفتوحةً تقريباً للإرهابيين لدخول العراق ؟
خدّام : لم تكن الحدود مفتوحةً بهذه الطريقة ، ولكن كان هناك بالفعل شيءٌ يشبه التساهل من جانب الحكومة السورية ، تجاه وصول أولئك الذين يريدون الذهاب إلى العراق .
سؤال : هل ستستمر الأزمة السورية لمدة عشر سنوات أخرى ، كما اقترَحَت بعض التقارير من وكالات الاستخبارات الدولية ؟
خدّام : إذا رغبوا في ذلك ، ستستمر الأزمة لأكثر من عشرين عامًا ، وإذا رغبوا في إنهاء بشار الأسد ، فسيصل بشّار الأسد إلى نهايته في غضون شهر واحد ، لا داعي للقلق كثيرًا بشأن الجماعات المسلَّحة ، لأنها ستختفي بعد سقوط بشار الأسد .