نشرت صحيفة الشرق الأوسط السلسلة السابعة من مذكرات نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدّام، والتي استأنفت حرب الرسائل القائمة بين الرئيس العراقي صدام حسين والرئيس الإيراني علي أكبر رفسنجاني، وما يجري بالتوازي مع ذلك بين السفيرين العراقي برزاني التكريتي والإيراني سيروس ناصري في جنيف بالنمسا.

وذكر خدام أن صدام كان مصراً على السلام بأي ثمن بدليل عدم اشتراطه لمباشرة أي ملف خلافي مع طهران، وعرض صدام حسين قبيل بدء حربه على الكويت بأيام، على رفسنجاني خطة سلام شاملة، وكتب له في ليلة 14 من آب عام 1990″ كبادرة حسن نية فإن انسحابنا من الحدود مع إيران سيبدأ اعتباراً من يوم الجمعة 17 آب عام 1990 ليستمر على مدى شهرين، والإبقاء على حرس الحدود والشرطة كوجود رمزي لنا.

وشملت بنود عرضه أيضاً تبادلا فوريا وشاملا لكل أسرى الحرب المحتجزين في كل من العراق وإيران وفق اتفاقية جنيف لأسرى الحرب، على أن تتم صفقة التبادل عبر الحدود البرية عن طريق خانقين وقصر شيرين.

كما اشترط الإجماع على سيادة العراق كاملاً على منطقة شط العرب، على أن يتم تقاسم حقوق الملاحة لخط التالوك “القعر” والصيد والمشاركة فيها وتقاسم الأرباح فيما بينهما، وإسقاط الفقرة المعنية بلوم أي من الطرفين عن مسؤوليته في إشعال فتيل الحرب، لأنه من شأنه أن يعرقل سير مفاوضات السلام بين الطرفين. وإيداع الوثائق لدى الأمين العام للأمم المتحدة قبل المباشرة في تنفيذ أي بند من بنود الاتفاق.

وختم صدام بشرط عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكلا البلدين، وتقاسم المساعدات بين طهران وبغداد مناصفة، إلى جانب إعادة فتح سفارتي البلدين.

في حين واظب رفسنجاني على انتقاده ازدواجية صدام في حديثه عن القومية العربية في وقت تقتحم فيه قواته الأراضي الكويتية، على النقيض الآخر رحب بمقترح نظيره حول سحب قواته، وإطلاق سراح أسرى الطرفين وفق الجدول الزمني المحدد.

وبعد اجتياح العراق، أبدت طهران موقفاً مندداً بالعملية العسكرية للقوات العراقية وغزوها للأراضي الكويتية، وعليه أبرق صدام لرفسنجاني معتبراً موقف طهران تجاه غزو العراق للكويت يُبعِد طهران عن مساعيها للسلام مع بغداد، وعليه سيصعب معه إبرام اتفاق سلام شامل ودائم بين البلدين، حسب رأيه، معتبراً أن التصريحات المناهضة للتدخل العراقي في الكويت، من بينها الإيرانية، لن تقدم أو تأخر أمام إرادة شعب العراق لإحقاق الحق ومعالجة الغبن.

وقيّم صدام في رسالته “انزياح” موقف إيران عن “موضعه الصحيح” بأنه ضياع فرصة تاريخية لإحقاق السلام مع بلاده، وعاود التأكيد على الأهداف المعلنة لإبرام السلام مع طهران والتعجيل في إرسال مفاوضين لذلك.

لكن رفسنجاني الذي جاء في 3 من آب على رسالة صدام آثر أن يستهلها بالقول إن “جزءاً من مضامين رسالة صدام تستوجب الأسف”.

واعتبر إجراء لقاء مباشر بين رئيسي البلدين أمر مشروط بتوضيح القضايا الأساسية والخلافية بين البلدين أولاً، والعمل على ضوء معاهدة السلام المبرمة لعام 1975 لإجراء مفاوضات سلام بينهما.

واعترض رفسنجاني على السقف الزمني الذي حدده صدام حول سحب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية، معتبراً أن “حسن النية” التي تدعيها بغداد في مبادرتها لسحب القوات تستلزم منها الانتهاء من سحب القوات خلال أيام وليس في شهرين، في حين يرجئ إطلاق سراح الأسرى إلى ثلاثة أشهر كأقصى حد.

وعاود رفسنجاني الضرب في ادعاءات صدام حول التزامه بمبادئ القومية العربية في حين أنه “سلب الهدوء والاستقرار للمسلمين” و “لم يسمح للقوات الأجنبية بالحضور إلى المنطقة”.

كما انتقد استهلال صدام رسالاته السابقة بالبسملة وانتهائها بـ”الله أكبر”، مدعياً أنها تخالف تعاليم الإسلام والقرآن والقومية، واعتبر عدم إطلاع بغداد لطهران أو التنسيق معها حول هجومها على الكويت “بصورة غير قابلة للتصور” يضعف ثقة طهران حول جدية بغداد في حسن نيتها للتهدئة. وعرّج على “لهجة” صدام في رسالته الأخيرة واصفاً إياها بـ”غير المناسبة للوضع الراهن” و”غير مجدية”.

والغريب، أن رسالة صدام جاءت خلافاً للتوقعات، حيث استهلها بجملة موافقات على طلبات طهران، منها اعتماد اتفاقية عام 1975 كأساس للاتفاق بين البلدين، إرسال وفد عراقي إلى طهران للتباحث مع المسؤولين فيها، أو العكس لبغداد الاتفاقيات والتهيؤ لتوقيعها وفق ما تم الاتفاق عليه، والمباشرة بسحب القوات الموجودة على طول الحدود العراقية الإيرانية المشتركة والإبقاء على حرس الحدود والشرطة، وتبادل أسرى الطرفين بدءاً من  17 من آب، خاتماً بالقول “أصبح كل شيء واضحاً، وتحقق كل ما أردتموه”، ليرد رفسنجاني مرحبا بالرد العراقي.

وعلّق خدام على المراسلات بأن كلا الطرفين كانت غاياته واضحة لإبرام معاهدة سلام، فطهران حققت هي الأخرى مكاسب لها مستفيدة من الظرف العراقي. واستدرك بالذكر أن وفوداً عراقية زارت إيران في محاولة لقلب الموقف الإيراني لصالح بغداد لكنها لم تنجح.