السيد الرئيس،
أيها السادة،
تواجه امتنا اليوم مرحلة دقيقة وحاسمة وخطرة في ساحة صراعها القومي ضد العدو الإسرائيلي، وتمثلت هذه الخطورة في الزيارة التي قام بها الرئيس المصري الى القدس، وما تلاها، وما يمكن أن يتلوها من تطورات.
واذا كان رد الفعل العربي المباشر هو حالة من الذهول وعدم التصديق، ومن ثم الغضب والقلق من التطورات اللاحقة والعميقة، فان الأمة العربية الآن بدأت ترى، بصورة اكثر دقة وحساسية، ما جرى وما يجري من خلال ذلك المنعطف المتمثل في زيارة الرئيس المصري للقدس.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا قبل الرئيس المصري القيام بزيارة العدو؟ ولماذا اختار هذا الوقت؟
نحن نلمس بصورة واضحة هذا الرأي العالمي المتعاظم الذي يؤيد العرب في نضالهم المشروع لاستعادة أراضيهم المحتلة، واحقاق حقوق شعب فلسطين المغتصبة. ومع تعاظم هذه الحملة العالمية، تزداد حملة الضغط والتطويق للعدو والإسرائيلي، مما وضع العدو امام حالة ليست سهلة، حالة لا يستطيع فيها ان يتجاهل الرأي العام العالمي، ولا التطورات في الوضعين العربي والدولي، هذه التطورات التي تضعف قدراته في تحقيق مخططه القائم على النقاط التالية:
1 – تصفية قضية فلسطين؛
2 – إقامة علاقات سلمية طبيعية، اقتصادية وسياسية وثقافية؛
3 – ايجاد نوع من التسوية لأراضي مصر وسورية المحتلة في اطار نظرية الأمن الإسرائيلي.
ورغم الجهود التي يبذلها العدو لتنمية قدراته العسكرية، وفك طوق العزلة الدولية، فقد بقي العرب، رغم كل الظروف التي مروا بها، يسيرون، ولو ببطء، بخط متصاعد تجاه تحقيق أهدافهم، والتي عبرت عنها قمتا الجزائر والرباط:
1 – الانسحاب الشامل من جميع الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك القدس؛
2 – ضمان الحقوق الوطنية الثابتة لشعب فلسطين، بما في ذلك حقه في العودة وتقرير المصير؛
وعبر الخط العربي المتصاعد عن نفسه بالمظاهر التالية:
1 – القوة الاقتصادية المتعاظمة لدى العرب؛
2 – الخطوات التي تم تحقيقها في مجال تحقيق التقدم وإزالة التخلف؛
3 – الإدراك المتزايد لأهمية الوحدة العربية ووحدة الموقف العربي؛
4 – رأي عام عالمي أصبح أكثر وضوحا في تأييده لحقوق العرب وأهدافهم.
كل ذلك، رغم السلبيات التي برزت في الساحة العربية: حالة الانقسام العربي؛ أحداث لبنان؛ نمو المصالح القطرية.
لقد حدثت هذه التطورات الإيجابية لصالح العرب، رغم ان ما بذل من جهد اقل مما هو متوفر من امكانات.
وأريد هنا ان أسجل أن السياسة العربية والدولية التي مارسها القطر، في اطار مقررات مؤتمرات الحزب وقرارات قياداته وتوجيهات السيد رئيس الجمهورية، قد لعبت دورا هاما في تحقيق التقدم الذي احرزه العرب خلال المرحلة السابقة، ذلك ان تأكيدنا على الأبعاد القومية للصراع، وبالتالي أهمية التضامن العربي في هذا الصراع، وكذلك تركيزنا على أهمية البعد الدولي للوضع في هذه المنطقة، ومحاولتنا كسب الرأي العام العالمي، كل ذلك من العوامل الإيجابية في تحقيق ما تم تحقيقه من انجازات.
السيد الرئيس،
ان العدو لم يقف يوما مغمض العينين امام جميع هذه التطورات. واذا كان من الأمور الطبيعية ان يعمل لتنفيذ سياساته وأهدافه، فانه من غير الطبيعي ان نجد في الساحة العربية من يخدم أهدافه ويساعده في تحقيقها. ولقد رسم العدو تكتيكه من خلال النقاط التالية:
1 – العمل على تمزيق العرب، وزيادة حالة الانقسام في الموقف العربي؛
2 – خلق حالة من اليأس والشعور بالعجز، وعدم القدرة على مواجهته؛
3 – تفريغ شحنة العداء؛
4 – اخراج إحدى قوى المواجهة من ساحة الصراع، مما ينعكس على الوضعين المعنوي والمادي في الوطن العربي؛
5 – التهديد دائما باستخدام القوة.
ومن هنا، فقد بذلت جهود دولية متعددة لمساعدة إسرائيل في تنفيذ هذا المخطط، وتم التركيز على الرئيس أنور السادات، ونجحت المحاولة الأولى بعد حرب تشرين [ الأول ( أكتوبر ) ] بفك الارتباط الأول، والمحاولة الثانية باتفاقية سيناء، ثم في توريطه بزيارة القدس.
لقد حققت هذه الزيارة للعدو الأمور التالية:
1 – لقد نجح العدو بإزالة حالة العداء، واخراج حكومة مصر، واقامة صلح واقعي وعلاقات طبيعية؛
2 – كسب الاعتراف بالدولة الإسرائيلية وبالقدس عاصمة لها، اعترافا واقعيا وقانونيا. فزيارة رئيس دولة الى دولة معادية، وتحيته العلم الإسرائيلي، ومعانقة أولئك الذين شردوا شعبنا واحتلوا أرضنا، والخطاب في
الكنيست، ووضع اكليل من الزهور على قبر الجندي المجهول الإسرائيلي، ومخاطبة رئيس وزراء العدو بعبارة صديقي، وتوجيه الرسائل والاتصالات المباشرة، كلها تشكل اعترافا واقعيا وقانونيا.
3 – احداث الانقسام الشديد في الوطن العربي. وليس هناك من يتوقع ان يمر هذا الحدث دون مواجهة حادة وعنيفة على امتداد الوطن؛
4 – انهاء حالة الحرب والأرض العربية مازالت تحت الاحتلال، وقضية فلسطين لم توفر الحدود الدنيا من الضمانات لها؛
5 – توجيه إهانة قوية للأمة العربية بأن يقوم رئيس عربي لتحقيق هذه الزيارة؛
6 – فك العزلة الدولية المضروبة حول إسرائيل، ولا شك، فان بعد زيارة رئيس مصر الى القدس لن تجد دول عديدة حرجا في إعادة علاقات مقطوعة.
السيد الرئيس، ايها السادة،
ان الإسرائيليين يدركون جيدا ان تصفية القضية الفلسطينية، وتحقيق نظرية الأمن الإسرائيلي، لا يتمان إلا عبر إقامة علاقات طبيعية. ومن هنا، فقد كان التركيز الإسرائيلي على هذا الموضوع، لانهم بذلك يحققون السيطرة التامة على الوطن العربي، اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، وسيتحول العرب الى قوة عمل في الاقتصاد الإسرائيلي كما يجري حاليا في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ان من الأهداف الأساسية للصهيونية العالمية السيطرة على اقتصاد الشرق الأوسط، بما فيه الاقتصاد العربي، وسيتم ذلك بوسائل متعددة.
ان المواطن العربي، عاملا كان ام فلاحا ام مهنيا ام تاجرا ام مثقفا، لن يكون في ظل حالة العلاقات السلمية الطبيعية أكثر من أداة تخدم الاقتصاد الإسرائيلي. ومن جهة ثانية. فان حالة السلم، بالمفهوم الإسرائيلي، تعني فتح المنطقة امام ملايين اليهود في العالم، للهجرة وشراء أراض في الوطن العربي، كما تم في فلسطين، أراض في سورية ولبنان والأردن ومصر يسكنها مهاجرون يهود، تكون قاعدة لتوسع إسرائيل جديد في اطار بناء الدولة اليهودية من النيل الى الفرات.
من هذه الزاوية يجب ان ننظر الى خطورة زيارة الرئيس المصري للقدس، والسياسة التي يمارسها. فهي بذلك تحقق للإسرائيليين، وبأيد عربية، ما عجزت عنه ” إسرائيل ” خلال عشرات السنوات السابقة. ولقد تكشف المخطط، ليس من خلال الزيارة، وانما من خلال خلفياتها وما تلاها، وهذا واضح مما يلي:
1 – تجاوز الرئيس السادات وحدة الموقف العربي المتمثل بقرارات القمة العربية، والتي لم تحدد فقط الأهداف، وانما أساليب تحقيق هذه الأهداف. وبذلك حاول ان يسقط الابعاد القومية للصراع؛
2 – إعلان الرئيس المصري البارحة عن الدعوة لما اسماه باجتماع تحضيري، الهدف منه تغطية الدعوة لزيارة إسرائيل في اطار اكمال تنفيذ المخطط المتفق عليه؛
3 – إعلان الرئيس المصري، امام محطة تلفزيون ” ان. بي. سي.” الأميركيه، انه قرر اجراء اتفاق ثنائي مع إسرائيل، زاعما ان هذا الاتفاق لا يتعارض مع التسوية الشاملة؛
4 – قبوله نظرية الأمن التي يطرحها الإسرائيليون، سواء في خطابه أو في تصريحاته اللاحقة. لقد أردت أجهزة الإعلام الصهيونية والموالية لها في العالم، ان تركز على خطاب الرئيس السادات، وتعهده بعدم الاقدام على توقيع صلح منفرد وإعلانه التمسك بالأراضي العربية وبقضية فلسطين، في محاولة لخداع الرأي العام العربي، وصرف النظر عن الزيارة وأهدافها وخلفياتها، وشد أنظار الناس باتجاه الخطاب.
لقد فات هذه الأجهزة ان المواطن العربي، بحكم مشاعره القومية وحساسيته في مسألة الصراع العربي الإسرائيلي لا يمكنه ان يخدع للأسباب التالية:
1 – ان الرئيس المصري، في مؤتمره الصحفي عندما سئل عن رأيه بالخطب التي القيت بالكنيست، أجاب ان ما ورد في الخطابات لا يعبر عن الحقائق. الحقائق هي في الاجتماعات المغلقة. وهو بهذه الكلمات أراد ان يطمئن الإسرائيليين الى ان بعض العبارات لا تغير شيئا؛
2 – ان الموضوع ليس موضوع خطاب. ولو كان الامر كذلك، كان باستطاعته ان يوجهه عن طريق الأمم المتحدة، وانما المعاني الخطرة في زيارة رئيس عربي للقدس، وفي الاتفاق حول عدد من المسائل تم التوصل اليها خلال الاعداد للزيارة ؛
3 – وفي كل الأحوال، لم تمض أيام على الخطاب والتعهدات، حتى كشف الرئيس المصري عن الحلقة الثانية في خطابه الذي ألقاه أمس امام مجلس الشعب المصري، وأعلن فيه دعوة الإسرائيليين للقاهرة تحت ستار لجنة عمل، وكذلك في إعلانه عن عزمه توقيع اتفاق ثنائي مع إسرائيل امام محطة التلفزيون ” ان. بي. سي.”؛
4 – لقد تخلى الرئيس المصري عن التزاماته بالنسبة لقضية فلسطين، وذلك بإعلانه التخلي عن مبدأ تمثيل منظمة التحرير لشعب فلسطين، وقبوله بإدارة محلية تحت السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة؛
5 – وان أخطر ما في الزيارة هو اخراج مصر من ساحة الصراع، وممارسة سياسة أدت الى خلق حالة انشقاق عميقة في الوطن العربي.
السيد الرئيس، أيها السادة،
تحاول أجهزة الإعلام الصهيونية والمساندة لها تصوير زيارة الرئيس المصري، والخطوات التي أقدم أو التي يمكن الاقدام عليها، بأنها خطوة جريئة وشجاعة نحو السلام. ولا بد هنا من ان يتساءل المرء: لماذا يوصف الرئيس السادات بأنه شجاع في زيارته لإسرائيل، ولم يوصف بيغن بالجبن لانه لم يعلن قبوله التخلي عن الأرض والاعتراف بحقوق شعب فلسطين؟
وهل الشجاعة في ان يتخذ المرء قرارا ضد امته، وضد مصالحها وأهدافها، ام الشجاعة في اتخاذ القرار الذي يواجه العدو ويتصدى له خدمة للأمة ولاهدافها؟
واذا كانت مثل هذه الخطوة شجاعة، فعلى أولئك الذين يصفونها كذلك ان يعيدوا كتابة التاريخ من جديد، ويضعوا رجالا مثل تشرشل وديغول وستالين وتيتو في مصاف الجبناء، لانهم لم يذهبوا الى برلين ويحاوروا هتلر، كما يجب ان يعيدوا تقييم رجل كالمرشال بيتان الذي ادانه الشعب الفرنسي اثر الحرب العالمية الثانية، وما فعله بيتان اقل بكثير مما أقدم عليه رئيس مصر.
ان قانون العقوبات المصري ينص على عقوبة جنائية تطبق ضد كل من يتصل بـ ” إسرائيل ” أو بالإسرائيليين، وقد حكم العشرات بموجب هذه المادة. فهل يعني ذلك ان كل أولئك الذين ادينوا يجب ان يعتبروا الآن شجعانا؟
أيها السادة،
كلكم تعلمون حبنا لمصر الشقيقة ولشعبها العظيم، وتقديرنا لجيشها، ودورها التاريخي في نضالنا القومي، والجهود التي كنا نبذلها دائما كي تكون مصر في القلعة، تناضل معنا من أجل قضية امتنا العربية.
من هذا الشعور، حاول السيد رئيس الجمهورية اقناع الرئيس السادات، خلال زيارته الأخيرة الى دمشق، بضرورة الاقلاع عن قراره بزيارة ” إسرائيل “، من اجل مصر ودور مصر. ومن اجل شعب مصر، شعرنا بالحزن والألم والمرارة عندما رأينا على شاشة التلفزيون رئيس مصر يحيي العلم الإسرائيلي، ويعانق مئير، ويشد بيديه على يدي دايان وشارون.
من اجل مصر وكرامة مصر وعزة مصر شعرنا بالحزن والألم عندما شاهدنا رئيس مصر يضع اكليل الزهور على قبر الجندي الإسرائيلي الذي قتل المصريين والسوريين والفلسطينيين وعربا آخرين، من أجل مصر وشعب مصر وكرامة مصر ودور مصر شعرنا بالأسى عندما رأينا رئيس مصر في القدس العربية الأسيرة يعترف بالعدو، ويصافحه، ويعانقه، ويشطب بذلك سنين طويلة من الآلام والتضحيات والمرارة.
لقاء ماذا؟
هل خدمت هذه الزيارة أهداف امتنا بالسلام العادل؟
هل ساعدت هذه الزيارة على إقامة سلام عادل ودائم ومشرف؟ هل استطاع الرئيس السادات ان يعيد للفلسطينيين حقوقهم الوطنية في فلسطين، أو يعيد لمصر سيناء عبر هذا الطريق الذي سلكه؟
ان حزننا كبير على الرئيس السادات، وعلى ما انتهى اليه من سقوط في طريق ما كنا نتمنى ان يسقط به.
ان المراهنة على السلام لا تكون بوضع كافة الأوراق والأسلحة بيد العدو، وانما بامتلاك زمامها.
أيها السادة،
اذا كان الإسرائيليون، تحت ضغط التضامن العربي
والضغط العالمي وإمكانية الانفجار العسكري، متعنتين في مواقفهم، مستمرين في ممارساتهم التوسعية والعدوانية، فالآن كيف نتصور ان سياسة الرئيس السادات، التي تخلي بموجبها عن الأمة العربية وتضامنها، وخلق حالة عميقة من الشقاق في الساحة العربية، واعلن تخليه عن استخدام كافة الوسائل، بما فيها القوات المسلحة، لتحرير الأرض. كيف يمكن ان نتصور انه في ظل هذه السياسة سيتصرف؟
السيد الرئيس، أيها السادة،
ان المطلوب منا لمواجهة الظروف الطارئة من جراء زيارة الرئيس المصري الى الأراضي المحتلة:
1 – تعبئة الرأي العام العربي تجاه المخاطر الجدية التي يتعرض لها مصيره القومي:
2 – خلق موقف عربي متماسك حول خط عام يهدف الى:
أ – اسقاط نتائج زيارة السادات، والمخطط العام الذي جاءت هذه الزيارة في اطاره؛
ب – الحرص على تحقيق أوسع قاعدة للتضامن العربي حول هذا الخط؛
جـ – التأكيد على قومية الصراع بيننا وبين العدو الإسرائيلي، وبالتالي، فان مسؤولية مواجهة هذه المرحلة ستبقى دائما مسؤولية عربية. وفي اطار هذه المبادئ، فان الحكومة السورية ستقوم بسلسلة من الاتصالات واللقاءات مع الدول الشقيقة والصديقة ومختلف القوى الدولية، ومن بينها مؤتمر القمة المصغر والمؤتمر الشعبي، اللذان سيعقدان في ليبيا خلال الأيام القليلة القادمة.
ان الظروف التي تحيط بنا ليست سهلة، بل هي بالغة التعقيد. ومهما كانت المصاعب التي نواجهها، ولا أريد ان اقلل منها، فإننا سوف نستطيع التغلب عليها، لأننا نناضل من أجل قضية ترتكز على الحق والعدل، مؤمنين بأن امتنا التي واجهت قرونا عديدة من الظلم والعدوان تستطيع التغلب على كل المصاعب.