الصراع بين حافظ ورفعت الأسد وآثاره على الحكم في سوريا
ملخص
أسرار عن النظام السوري كتبها عبدالحليم خدام مهندس السياسة السورية في لبنان وأحد أفراد الحرس القديم في أوراقه.
يلف الغموض عائلة الأسد التي حكمت سوريا منذ عام 1971، أي منذ أن تولى الرئيس السابق حافظ الأسد مقاليد الحكم، ومن الطبيعي أن يكتب وينشر عديد من التحليلات والتقارير حول أسرار توليفة الحكم، التي استمرت منذ ما يقارب 53 عاماً. وتناول تاريخ وخبايا تلك العائلة عديد من الكتاب الغربيين والعرب أيضاً وعبر مذكرات شخصية، إذ كان وزير الدفاع السوري الراحل مصطفى طلاس قد باح ببعض من تلك الأسرار في أكثر من جزء من كتاب “مرآة حياتي”، وتناول النائب الحالي للرئيس السوري بشار الأسد ومنذ عام 2006، فاروق الشرع، جزءاً من سياسة العائلة عبر كتابه “الرواية المفقودة”.
لكن ما كتبه نائب رئيس الجمهورية السورية السابق، الراحل عبدالحليم خدام، كان مثيراً لجهة أنه كان من القلائل الذين حازوا على ثقة حافظ الأسد، وذلك منذ وصوله إلى السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1970 ضد رفاقه في حزب البعث الحاكم في سوريا منذ عام 1963، ووفقاً لشبكة “بي بي سي”، كان خدام مهندس السياسة السورية في لبنان منذ دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976، وهذا الملف هو الذي فجر الخلاف بينه وبين الأسد الابن أي بشار، الذي “تخلص” عند وصوله إلى سدة الحكم ممن وصفوا بأنهم من الحرس القديم، وتحول خدام من “موال” إلى منشق عن النظام، معلناً أنه “كان الخيار بين الوطن والنظام فاخترت الوطن لأنه باق، أما النظام فهو حالة عارضة في التاريخ”، وصولاً إلى لجوئه إلى فرنسا ومستقيلاً من المناصب التي أوكلت إليه، ومتهماً بشار الأسد بالتهديد بقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري الذي قضى اغتيالاً.
السلطة والأمن
في هذا الإطار تأتي الحلقات التي تنشرها مجلة “المجلة” عن الصراع بين “الأسدين الشقيقين” حافظ ورفعت الأسد بداية الثمانينيات، ومنافستهما على السلطة. رفعت هو الشقيق الأصغر للرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وهو “القائد” رفعت، كما كان يعرف في سوريا، و”أبو دريد” (ابنه البكر)، وقائد “سرايا الدفاع”، و”جزار حماة” (شمال غربي سوريا) بسبب دوره في القمع الدموي للانتفاضة المناهضة للحكومة في تلك المدينة في عام 1982، التي يقدر عدد ضحاياها بما بين 10 آلاف و20 ألف قتيل. وهو منفذ انقلاب ضد شقيقه حافظ في عام 1984. كما أعلن نفسه الخليفة الشرعي لأخيه بعد وفاته عام 2000، وكان دعا ابن شقيقه بشار إلى التنحي عن الحكم عام 2011، بعد اندلاع الانتفاضة السورية.
لكن في بدايته تأثر بشقيقه الأكبر حافظ الذي يكبره بسبع سنوات، وسار على خطاه منذ الصغر، وانضم إلى حزب “البعث”، وعندما سيطرت اللجنة العسكرية لـ”البعث” في مارس (آذار) 1963 وفقاً لـ”المجلة”، التي كان حافظ عضواً فيها و”عقلها المدبر ثم صاحب القرار، كان رفعت في الكلية العسكرية في حمص، كي يكون أقرب إلى ملهمه، الذي كان قائداً لسلاح الجو السوري”، حيث خدم إلى جانبه. هذه الشراكة تعرضت لاختبار في صراع الرفاق “البعثيين” عام 1966، وذلك بعد الانقلاب في ذلك العام على عهد الرئيس أمين الحافظ، وحكم بالإعدام على مؤسسي البعث حينها ميشال عفلق، ورئيس الوزراء صلاح الدين البيطار، ونفي عدد كبير من الشخصيات التي حكمت سوريا، وفقاً للكاتب السوري إبراهيم الجبين. تعززت تلك الفترة بتكليف رفعت “بتأسيس قوة عسكرية تسهر على صحة النظام”، وبذلك أصبح “الأخ الأكبر في القصر ويده على القرار، والثاني في الشوارع ويداه على البندقية يسهر على تأمين دمشق”.
كانت الفترة الواقعة بين الـ23 من ديسمبر (كانون الأول) 1973، حين شكل الأسد حكومته التي استمرت وعام 1976 غنية بالأحداث، أبرزها حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) ضد إسرائيل عام 1973 والخلاف مع مصر والتوترات الحادة مع العراق وانفجار الحرب الأهلية في لبنان. في تلك المرحلة تدفقت المساعدات العربية التي أسهمت في إطلاق عدد كبير من مشاريع البنية التحتية والتنمية الصناعية، و”كان المقدم رفعت الأسد محور اتصالات وكلاء الشركات الطامحة للحصول على عقود في سوريا” وفقاً لما نقلت “المجلة” عن أوراق عبدالحليم خدام.
بداية الشقاق
في أبريل (نيسان) عام 1975 وبعد انعقاد المؤتمر القطري لـ”البعث” شن المقدم رفعت الأسد “مباشرة أو عبر كتلة مرتبطة به هجوماً على القيادة القطرية وكذلك على الحكومة وعلى رئيسها وعلى بعض الوزراء، بهدف إسقاط الأمين العام المساعد عبدالله الأحمر، ومحمود الأيوبي رئيس مجلس الوزراء، والوزراء محمد حيدر واللواء ناجي جميل، واللواء مصطفى طلاس، وفقاً لـ”المجلة”. بادر في ذلك الوقت أعضاء من القيادة القومية “بطلب لقاء مع الرئيس الأسد لوضعه في الصورة والتنبيه على تدخل المقدم رفعت وضغوطه على عدد من أعضاء المؤتمر”. وعند لقائه بادرهم الأسد بالقول “لماذا لا تدافعون عن القيادة القومية في المؤتمر؟ لماذا لا تتصدون له في المؤتمر؟”. ويشير خدام أنه في ذلك الوقت “كنت جالساً في مكان بعيد من الرئيس، أخذت الحديث وقلت: أستغرب هذا اللقاء، فأنتم قيادة الحزب وأنتم تملكون سلطة القرار في الحزب. عوضاً على الشكوى للأمين العام (حافظ الأسد) اجتمعوا وخذوا قراراً بفصل رفعت من الحزب ومن الجيش، وبذلك تصونون القيادة والحزب”، فعلق الأسد قائلاً “بالفعل لماذا تأتون وتشتكون. تحملوا مسؤوليتكم”. يضيف خدام أنه في الجلسة المسائية للمؤتمر هاجم بـ”شدة المقدم رفعت الأسد”، واتهمه بـ”نشر التسيب في القوات المسلحة وبممارسة الفساد وبمحاولة تخريب الحزب عبر التكتلات، على رغم أن الرجل كان دائماً يتعامل معي بمودة واحترام”. ويضيف “قبل أن أنهي كلمتي توجهت إلى الرئيس حافظ فقلت له: عليك أن تختار بين شقيقك ورفاقك…”.