السلام عليكم ورحمة ألله وبركاته وبعد،
قرأت بإمعان رسالتك. وسررت بها لأنها رسالة صدق تريد من خلالها معرفة الحقيقة عملاً بقوله تعالى ( يا أيها اللذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ تبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ….)من حقك ومن حق أي مواطن يريد الحقيقة أن يسألني مهما كانت طبيعة السؤال ومن واجبي أن أجيب لأن من الخير للناس ولي وقد كنت في موقعٍ عام أن يعرفوا الحقيقة في زمن ضعفت فيه القيم.وثق أيها الأخ أن ما تتضمنه رسالتي إليك فيه الحقيقة وأعتقد أنك بحكم الجوار تعرف البيئة التي عشت فيها والتي علمتني مخافة الله والتمييز بين الحلال والحرام إلى جانب الجرأة في قول الحق والروية في التفكير ومع ذلك فأقول لك لست معصوماً عن الخطأ ولا أزعم أني خلال مسارعملي الطويل لم أرتكب أخطاء.تساءلت خلال ستة أسئلة عن أسباب استقالتي وهل هي صحوة الفارس ويقظة الضمير وهل هي تعود لحقد على بشار الأسد بسبب ابعادي عن مركز القرار؟ أم هل أدرك عبد الحليم خدام أن النظام في طريقه للسقوط فأراد حفظ خط الرجعة أم هل تألم عبد الحليم خدام من اغتيال صديقه المرحوم رفيق الحريري؟ أو هل أن الولايات المتحدة و أوروبا التي تخاف القوى الاسلامية والقومية شجعت المعتدلين في الحزب الحاكم وعبد الحليم خدام في الطليعة لمنع وصول الإسلاميين والقوميين إلى الحكم؟ أم هل عبد الحليم خدام عميل للسلطة لإختراق المعارضة واجهاضها ؟ببساطة أقول لك أيها الأخ الأمر ليس ذا ولا ذاك إنما يتعلق بموضوعين أساسين:
الأول قناعة ترسخت لدي منذ زمن طويل أن سوريا لا تستطيع النهوض ولا التقدم ولا مواجهة العدوان الإسرائيلي ولا الصمود أمام الضغوط الخارجية في ظل سياسة الاقصاء والعزل وإستخدام العنف ضد المواطنين والإستئثار بالسلطة وتعطيل القانون وأنتشار الفساد وعدم الإهتمام بالأوضاع الإقتصادية ومتطلبات الحدود الدنيا للمواطنين وبمستوى معيشتهم وتحول الحكم إلى حكم عائلي.
بدأ ذلك مبكراً عندما ظهرت ظاهرة مراكز القوة التي بدأها رفعت الأسد وتوسعت وبدأ الصراع بيني وبين هذه الظاهرة في مؤتمرات الحزب وإجتماع قياداته.وبعد نجاحنا في إنهاء ظاهرة رفعت الأسد برزت ظاهرة التوريث والتي زادت في تحكم العائلة في أمور البلاد.
وأود أن أميز بين وضعين:
الأول: في هذا الوضع كنت مسؤولاً عن السياسة الخارجية لسوريا في التخطيط والإدارة والمتابعة والجميع يعرف أن ما كان يفخر به النظام والسوريون هو السياسة الخارجية لسوريا. لاسيما خلال الفترة ما بين تشرين الثاني 1970 وأواخر عام 1998 حيث أصبحت خارج دائرة القرار وقد إستطعت خلال عمل طويل وصبور وجهود كبيرة لوقف الكثير من خطرالوقوع في مطبات وقعت بها دول عربية أخرى وقد نجحت في تحديد أولويات السياسة السورية وثوابتها كما نجحت في الحفاظ على تلك الأولويات والثوابت.في هذا المجال كان الإتفاق جيداً بيني وبين الرئيس حافظ الأسد.
الثاني: إن الوضع الثاني هو الوضع الداخلي في سوريا حيث كنت خارج دائرة القرار التي كانت تضم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والقيادات الأمنية وحتى قيادة الحزب فقد كانت خارج دائرة القرار الفعلي إذ تراجع دورها بعد ظهور ظاهرة رفعت الأسد وأصبحت القيادة ستاراً لقرارات كانت تتخذ خارج إجتماعاتها.مع ذلك فقد تابعت طرح وجهات نظري وقناعاتي حول ما يجري في البلاد في مؤتمرات الحزب ومؤسساته وكل ذلك مسجل في محاضر الإجتماعات.
قد تسألني كما سألني غيرك لمذا لم تستقل آنذاك وجوابي لم أفعل للأسباب التالية:
.السبب الأول وطني لأني كنت أخشى أن تنحدر سياسة النظام الخارجية كما انحدرت سياساته الداخلية. وعندئذٍ يقع الخطر الأعظم في تمدد المشروع الصهيوني وفي الإنزلاق بتوريط سوريا بإتفاقات تضر بالمصالح العليا للبلاد ومصالح الأمة
.الثاني : كنت في جهودي والتي كانت محدودة بحكم الواقع في الأمور الداخلية أحاول دفع الأذى عن قطاعات واسعة من الناس ونجحت أحياناً ولم أنجحً أحياناً أخرى
الثالث كنت أعمل على تنمية تيار ديمقراطي. ومتحرر من أخطاء السلطة في حزب البعث وكنت ولا زلت أعتبر هذا الأمر أساسي في انقاذ البلاد مما تعانيه وفي حسابي كنت أرى أن الإستقالة توفر لي راحة نفسي من عبءٍ لم أكن أوافق عليه لولا قبولي بتحمل الضرر الأصغر لدفع الضرر الأكبر ولذلك عملت بقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده وإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان) ونظراً لعدم توفر إمكانية التغيير لدي فقد عملت بلساني على تحقيقه وليس أضعف الإيمان بالصمت. والإطار المتاح كان مؤتمرات الحزب وإجتماعات المؤسسات الحزبية والحديث بين الناس حيث كان يتاح لي.
ب – لماذا إستقلت الآن وما هي أسباب الإستقالة؟
لقد ترسخت القناعة لدي بأن إصلاح النظام أمر غير ممكن وليس من حل لمعاناة البلاد غير التغير والذي أصبح بالنسبة لي مسالة وطنية. إضافة إلى ذلك فإن القرارات الخطيرة التي كان يتخذها بشار الأسد والتي وضعت سوريا في مركز دائرة الخطر ومن هذه القرارت التمديد للعماد لحود مما أدى إلى صدور القرار 1559 ومن نتائجه الخروج المهين للقوات السورية من لبنان وكان بإمكانه تجنب صدور القرار 1559 وبالتالي ما نتج عنه من ضغوط على سوريا وعزلها وإغتيال المرحوم رفيق الحريري كجزء من السياسة المغامرة والدموية لبشار الأسد.
إن التحقيقات القضائية الدولية وصلت إلى مرحلة إتهام بشار الأسد وبعض أعوانه مما يزيد في حجم الأخطار على سوريا ولذلك فالتغيير يشكل إنقاذاً للبلاد من وضع لا تستطيع تحمله.هذه هي مجمل الأسباب التي دفعتني إلى إختيار هذا التوقيت للإستقالة.
وقد إخترت المؤتمر القطري لإعلان إستقالتي وأسبابها ناقداً بشدة السياسات الداخلية والخارجية للنظام.
خرجت من سوريا لأعلن ما أعلنته في فضائية العربية وإطلاق الدعوة للتغييروالتي كما تعرف أيها الأخ إستحالة إطلاقها في دمشق في الظروف التي نعرفها جميعاً وليس ذلك خشية من سجن أو قتل فالله سبحانه وتعالى وحده من يحدد القدر المحتوم .
خرجت وأنا أعلم أن تياراً واسعاً في حزب البعث وفي البلاد يشاركني وجهات نظري كما خرجت مصمماًً على التعاون مع جميع السوريين الذين يشاركوني قناعاتي لإنقاذ البلاد من خلال وضع إطار يجمع الجميع ولتنفيذ برنامج يشارك الجميع بوضعه والإنتقال إلى مرحلة العمل من أجل التغيير وأنا واثق بإذن الله أن الأيام السوداء في سوريا قد قاربت على المغيب.
أنت تعلم أيها الأخ وضع المعارضة السورية المفكك وعدم وصولهم إلى إتفاق جدي منذ أكثر من ثلاثين عاماً لذلك رأيت أن خروجي من سوريا يساعد في تجميع هذه القوى وبدأت إتصالاتي النشطة مع الجميع وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين إذ التقيت مع المراقب العام الأستاذ علي البيانوني وكان لقاءً موفقاً وصريحاً وناجحاً وأعتقد أن التعاون فيما بيننا سيساعد في الإنتقال إلى مرحلة تكون فيها المعارضة أكثر تماسكاً وأكثر قدرة على الحركة دون أن نهمل التوجه إلى الرأي العام في سوريا المتعطش للتغيير.
أيها الأخ لقد بلغت الرابعة والسبعين من العمر وخرجت من البلاد ومعي أولادي وأحفادي، هل تظن أنني خرجت مغامراً أو مقامراً بمستقبلهم وأنا أرى عيونهم تدمع بأتجاه وطنهم. وكانت ردة الفعل التي كنت أتوقعها قبل الخروج كما سمعت أتهام بالخيانة في مسرحية نظمت على مسرح مجلس الشعب ومصادرة كل ما أملكه وزوجتي وأولادي.
كل ذلك كنت أتوقعه فمن أجل ماذا أعرض أولادي وأحفادي إلى ما تعرضوا له. هل من أجل موقع في سلطة سئمتها وكرهتها أو من أجل كره شخصي لبشار الأسد وزمرته وجوابي على ذلك أني وضعت نفسي أمام خيارين أن أختار النظام بكل سوءه أو أختار الوطن بكل ما يمثل من شرف وكرامة فقررت أختيار الوطن بكل ما يتطلب ذلك من تضحيات ومن جهد.
تسألني أيها الأخ عن وضع النظام وأقول لك بكل ثقة انه في اسوأ حالاته ورئيسه خائف يلجأ إلى مزيد من ضغوط أجهزه الأمن على الناس ولن يستطيع الصمود.رغم أن بعض القوى القومية والإسلامية التي جاءت إلى مؤتمر المحامين لتأييده رغم علمها بالوضع البائس للشعب السوري بسبب ما يعانيه من ظلم وإستبداد.
إن مصيره مصير الطغاة الفاسدين ولن يجد عاصما له من نتائج جرائمه وأخطائه لا في الساحل ولا في الداخل رغم محاولته إثارة العصبية الطائفية للإحتماء بها غير أن القسم الاكبر يدرك انه راحل ويدرك أن أسرة الأسد ومخلوف ألحقت بهم أضراراً كبيرة ويحملونه المسؤولية عما يجري في البلاد.وكما تعلم فليس الناس مع نظام أصبح على أبواب الرحيل.
كما أشرت فيما تقدم من هذه الرسالة فالهدف هو إنقاذ سوريا الوطن الذي نحبه وسوريا الشعب الذي نفخر بالإنتماء له.
أما تساؤلك عن إحتمال أن أكون مدعوماً من قوى خارجية لقطع الطريق أمام القوى الإسلامية والقومية من الوصول إلى الحكم فهذا مردود بالإتفاق الذي عملت من أجله مع جماعة الإخوان المسلمين والذي أعمل من أجل تحقيقه مع قوى المعارضة الأخرى.
وأنت تعلم يا أخ عادل بحكم الجوار الجغرافي أن العائلة التي نشأت فيها كانت في مقدمه المناضلين من أجل أستقلال سوريا كما أن مسيرة حياتي السياسية تشهد أني كنت الأول في الساحة العربية منذ تشرين الثاني 1970 حتى نهاية 1998 في التصدي للمشروع الصهيوني ولسياسة الهيمنة الأجنبية وفي الدفاع عن حق العرب بالإستقلال والتقدم والنهوض .
أما إشارتك لثروتي وكأنك تشير إلى الإتهامات التي أطلقها النظام الفاسد فكان ردي على ذلك في مقابلتي الإعلامية أن اقترحت على بشار الأسد الموافقة على تشكيل لجنة برئاسة نقيب محامي مصر السيد سامح عاشور والأمين العام لإتحاد المحامين العرب وهما جاءا إلى دمشق لتأييده بألإضافة إلى رئيس محكمة النقض في مصر بالإضافة إلى عضوية أحد أعضاء لجنة مكافحة الفساد في الأمم المتحدة لتحقق في جميع الملفات الإقتصادية والعقود وملفات الفساد في سوريا بدءاً من عام 1970 حتى الآن ومستعد للمثول أمامها واعطائها كل ما لدي من معلومات حول الصفقات والعقود والأشخاص ووكلاء الشركات الأجنبية وعندئذٍ سيتأكد الشعب السوري من كان مصدر الفساد ومن غطاه ومن نشره ومن حماه.
ومع ذلك فإني أتحدى أياً كان في السلطة أو خارجها أن يقدم واقعة واحدة لي أو لأحد من أولادي أو أقربائي حتى الدرجة 20 علاقة بها.
وأخيراً ثق أيها الأخ أن عبد الحليم خدام سيبقى كما كان في موقع الصدق في القول والاستقامة في العمل والروية في التفكير والشجاعة في القرار عاملاً من أجل وطني ومن أجل الناس ومن أجل ما أمرنا به ألله سبحانه وتعالى لتحقيق تغيير في البلاد في إطار مشروع وطني يضمن السلامة والإستقلال والرفاه لشعب سورية دون تدخل أجنبي ودون دمار مادي ومعنوي .هذا عهدي أمام ألله وأمام الشعب الذي أحب سائلاً ألله سبحانه وتعالى أن يساعدنا في تحقيق ما نصبو إليه لتعود أمتنا خير أمة أخرجت للناس.ولك مني أيها الأخ الكريم تحية طيبة متمنياً ألله أن يلهمنا جميعاً الصواب
.أخوكم عبد الحليم خدام