قال في حوار مع («الشرق الأوسط») إن توحيد المعارضة ودعمها سيسقطان نظام دمشق خلال شهر
باريس: عضوان الأحمري
من مقر إقامته في العاصمة الفرنسية باريس، وعلى مقربة من «قوس النصر»، أحد أشهر معالمها، استرجع نائب الرئيس السوري المنشق عبد الحليم خدام (82 سنة) ذكريات بداياته في حزب البعث، وسقوط الجولان، وحقيقة ما يسمى بـ«المقاومة»
الرجل الذي شغل مناصب نائب الرئيس ووزير الخارجية وعضو قيادة حزب البعث ومحافظ القنيطرة ومحافظ حماه، وغيرها من المناصب القيادية المؤثرة، من الشخصيات السورية التي لعبت أدوارا لافتة عبر عقود من الزمن، وكل هذه الخبرة أكسبته أناة وهدوءا يُلاحظان في دقة سرده التفاصيل. مع هذا تحدث خدام بألم عما يعانيه الشعب السوري الآن، قائلا إن «أي صلح خليجي مع إيران ستنقضه طهران بعد انتهاء الأزمة السورية»
وذكر خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» كيف لبى الرئيس السوري بشار الأسد مطالب الأميركيين بإغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية، وتأمين الحدود مع العراق، والانسحاب من لبنان
وفيما يلي أبرز ما جاء في الحوار
* هل سيصوت السوريون لبشار الأسد من جديد في الانتخابات المقبلة؟
– كله أكوام ورق، لا قيمة للورق الذي سيذهب للصناديق ومن سيختار بشار أو غيره سيفعل مجبرا أو خائفا. هذه ليست انتخابات والكل يعرف، لكن بشار الأسد حريص على إقامتها نكاية بالعالم
* مَن المسؤول عما يحدث الآن في سوريا من دمار؟
– هناك جانبان أساسيان مسؤولان: روسيا وإيران والنظام من جهة، وفي المقابل المجتمع العربي من جانب آخر. وهناك فارق أساسي بين من يقتل أو يشارك في القتل، ومن كان بإمكانه إيقاف القتل أو التخفيف منه، وهذا ما فعلته جامعة الدول العربية، حين فكرت بعد ستة أشهر من الانتفاضة في إرسال نبيل العربي للقاء بشار الأسد. وللأمانة أقول: ما يحدث الآن في سوريا يعيد إلى ذهني بدايات نكبة فلسطين، ثم إن هناك نقطة مهمة.. سوريا ما كان فيها متطرفون، والشعب السوري بطبيعته ليس متطرفا، لكن هناك نوعا من القهر وشعورا بأن العالم تخلى عنه، وهو ما دفع كثيرين من السوريين للهروب نحو التطرف.. في تعريفه الذي هو فقدان التوازن في التصرف
* صحيح، التطرف لم يبدأ فجأة في سوريا، وكان «الجيش الحر» يقاتل بمعزل عن الجماعات الإرهابية.. ما حدث لاحقا؟
– التطرف مثلما قلت لك.. حين ازداد الضغط على الشعب السوري، وبدأ التراخي الدولي تجاهه أصبح الكل يقاتل. وبالتأكيد، هناك من يحاول استغلال هذه الحماسة غير المنضبطة
* تقصد «داعش» و«النصرة» مثلا؟
– نعم، وغيرهما من الجماعات المسلحة. لكن «جبهة النصرة» تختلف عن «داعش» في أن أكثرية مسلحيها من السوريين، وأستطيع أن أجزم بأن هؤلاء متى رحل بشار، فسيتخلون عن السلاح مباشرة
* بما أن الحديث عن «داعش» و«النصرة»، مَن جاء بـ«داعش» إلى سوريا؟
– إيران هي التي أحضرت «داعش» إلى سوريا، ولا أحد يشك في ذلك، وأنا أعرف ما أقول. إيران جزء رئيس من القتال في سوريا.. هناك التنظيمات الإسلامية الشيعية والحرس الثوري وحزب الله، كل هؤلاء يقاتلون إلى جانب نظام الأسد، وسقوط النظام سيكون ضربة موجعة للنظام الإيراني بأكمله. تسألني لماذا؟ سأجيبك: إذا سقط نظام بشار انتهت إيران في العراق، وسيضعف دور «حزب الله» في لبنان، إذا لم يكن سيتلاشى، وبالتالي، سيتقلص وجود ميليشيات إيران وأذرعتها. صدقني في حال حدث هذا سترى تراجع نفوذ إيران في المنطقة، ولهذا تجد الإيرانيين يمدون نظام الأسد بالأسلحة والحماية والمقاتلين. ولا أريد أن أزيد من الجزم والتأكيد إذا ما قلت لك إن «داعش» تدار من إيران مباشرة
* هل قتال إيران إلى جانب الأسد ضمن علاقة آل الأسد وإيران التاريخية؟
– تقريبا، لكن ليس بهذه الدقة وسأتحدث عن هذه النقطة. إيران لعبت على الوتر الطائفي كثيرا، ومن هذا النكتة الغريبة عن أنهم يريدون حماية قبر السيدة زينب والدفاع عنه في سوريا؛ هل فعلا السيدة زينب بحاجة إلى الفصائل الإرهابية الشيعية ليأتوا إلى سوريا ويقتلوا باسم الدفاع عنها وحمايتها؟
* ما السيناريو الذي يمكن من خلاله أن تتخلى إيران عن الأسد؛ مصالحة مع دول الخليج، صفقة دولية، أم ماذا؟
– من قال إن إيران أساسا تبحث عن مصالحة مع الخليج؟ إنها تبحث عن تهدئة مؤقتة فقط حتى تنتهي من الأزمة السورية، ثم ستلتفت بعدها إلى دول أخرى تشعل الصراع فيهاعلى رأسها البحرين وستدعم الحوثيين في اليمن لإحداث قلاقل على الحدود السعودية. ستشهد المنطقة العربية في السنوات المقبلة نزاعا طائفيا لم يسبق له مثيل
* ما الذي يجعلك واثقا من انعدام جدية إيران في المصالحة؟
– سأخبرك قصة للتاريخ، في يونيو (حزيران) 1985 جاء علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس برلمان الثورة الإيرانية، واستقبلته في المطار، ثم أخذته إلى الرئيس السابق حافظ الأسد. يومها طلب الإيرانيون أسلحة لحرب صدام، لكن هذا الطلب فاجأ حافظ، ولهذا قام يحدث الإيرانيين عن الاقتصاد والسياسة والجغرافيا، ويحاول ممازحتهم وإبعادهم عن هذا الموضوع. لكن الإيرانيين قالوا بلهجة شديدة: «أتعبناك سيادة الرئيس.. أين الجواب على ما طلبنا؟». فقال الرئيس الأسد لرئيس الوفد: «عبد الحليم سيبلغك قرار القيادة، وليس قراري الشخصي. وحين خرج الإيرانيون بقيت مع الأسد وفكرنا لو أعطيناهم السلاح فسنصبح في أزمة مع العراق، وإذا لم نعطهم فسيكون هناك إشكال كذلك. وفي اليوم التالي قلنا لرفسنجاني إن هناك صراعا سوريا – إسرائيليا وسوريا – تركيا وسوريا – عراقيا، وبالتالي لا نستطيع القيام بهذه الخطوة، لكن هناك حلا، هو أن نحاول مع ليبيا لمدكم بالسلاح. وهنا تجهم وجهه وغضب، وقال: «كنت أتمنى منكم دعمنا في حربنا ضد العراق، وسأقولها لك: إذا انتصرت إيران فستصبح المنطقة كلها أرضا واحدة ودولة واحدة من أفغانستان، وحتى البحر المتوسط». كرر هذا الكلام أكثر من مرة. بعدها خرجت ولم أكن أتوقع أن أسمع هذه العبارة إطلاقا. ومن تلك الفترة، لم نصعد العلاقة سلبا مع إيران، لأن حافظ الأسد كان يرى أن العلاقة مع إيران تشكل له سندا، سواء بالنسبة لإسرائيل، أو في حال وجود خلاف بين دولة عربية
* ماذا حدث بعد ذلك؟
– اجتمعنا في قيادة حزب البعث، وتحدثنا عن هذا الموضوع بجدية. إيران لها أطماع، ولهذا أقول لدول الخليج إن المصالحة مع إيران غير مجدية
* نعود إلى الأزمة السورية، بصراحة لو كنت في منصبك السابق وحدث ما حدث في سوريا الآن، ما الذي كان يمكن أن تطرحه لحل الأزمة؟
– بكل صدق، بعد رحيل حافظ الأسد لم تعد لديّ رغبة في ممارسة العمل السياسي المباشر، لكنني كنت في حرج إزاء كيف يمكن أن أخرج بسلام من العمل الحزبي والسياسي، لأن من يترك فجأة، أمامه التصفية أو السجن. سؤالك لا أستطيع الإجابة عنه لأنه توقع، لكنه يعيدني إلى حادثة في عام 1998، حين حدث خلاف بيني وبين حافظ بعد التجديد لإميل لحود. حافظ الأسد كان يريد التجديد لأن ابنه بشار كان «طالع نازل» عند لحود، وهناك من أشار وأقنع حافظ بأنه عبر لحود يمكنه السيطرة على لبنان. وحين قام بالتجديد للحود تركت أنا الملف اللبناني، وفجأة قام حافظ بتسليم ملف لبنان كاملا لبشار. هنا بدأت المشاكل تزداد، والسبب الرئيس تصرفات بشار الأسد و«هيجانه». ولا أبالغ إذا ما قلت إن رفيق الحريري كان يتصل من فترة لأخرى ليشتكي من ممارسات بشار وتصرفاته في الشأن اللبناني. في كل مرة كان حافظ الأسد يوبخ بشار أو يتحدث مع غازي كنعان
* هذه القصة المختصرة تجعلني أسأل السؤال الذي وُجّه لكم أكثر من مرة.. مَن اغتال الحريري ومَن قتل غازي كنعان؟
– بالنسبة للحريري، لقد ذكرت أكثر من مرة أن بشار الأسد كان يظن أن رفيق يتآمر على سوريا مع الفرنسيين والأميركيين، وهو وحده كان يفكر بهذه الصورة. وأنا شخصيا نصحت رفيق الحريري أكثر من مرة بأن يترك لبنان ويرحل. وأتذكر أنه قبل اغتيال الحريري كان هناك اجتماع في قيادة حزب البعث، وفجأة تدخل بشار الأسد، وقال: دعونا نتحدث عن السياسة. ثم أردف مداخلته بقوله: «رفيق الحريري يكتل طائفته ضدنا، ويتآمر مع الفرنسيين والأميركان ضدنا»، ولا أخفيك القول: إن كثيرين في قيادة الحزب فوجئوا بهذا الحديث العشوائي وغير المسؤول. انتهت الجلسة واتصلت ببشار، وقلت له إن هذا الحديث قد يخرج من الحزب لأن وجود 20 من القادة يعني أن عشرة منهم يحتمل أن يسربوا الحديث. بعدها بيومين جاء إلى محسن دلول (وزير الدفاع اللبناني السابق)، وقلت له: «اذهب لرفيق الحريري، وأبلغه أن يرحل من لبنان لأن الوضع هو كذا وكذا». وبعدها بأسبوع تقريبا وقعت محاولة اغتيال مروان حمادة، وزرته، وزرت وليد جنبلاط الذي أعدّه الآن أهم اللبنانيين في السياسة، وأهمهم في إسقاط «اتفاق 17 آذار» الذي عمله أمين الجميل مع إسرائيل. المهم أنني أبلغت رفيق شفهيا بوجوب مغادرته للبنان، فرد عليّ: «لكن ماهر الأسد اتصل بي وأبلغني أنهم يريدوننا أن نعمل معا»، فرددت عليه: «هذا تمويه، صدقني.. ارحل عن لبنان، حياتك أهم». وبعدها بأسبوع اغتيل
* عبارة «التكتل الطائفي» التي قالها بشار تعيد إلى الأذهان أوضاع العلويين في سوريا، وشعورهم بالاضطهاد، هل هذا هو ما يدفع ببشار (مثلا) والعلويين إلى رفع الشعار الطائفي أو التشدد في الانتقام؟
– نعود إلى البداية ومرحلة مرحلة.. مرحلة الوجود الفرنسي كان قسم من العلويين يتعاون مع الفرنسيين، وكذلك بعض السنّة وبعض المسيحيين. وفي المقابل، كان هناك قسم من العلويين من الكتلة الوطنية. إلا أنه كان هناك ما يشبه الطائفية العلنية في البدايات. تخيل أن جزءا كبيرا من العلويين كانوا يعملون فلاحين لدى الآخرين، وكان لديهم شعور بالظلم والإجحاف، وكانت بعدها «حركة 8 آذار» في سوريا التي قام بها ضباط بعثيون وناصريون، ثم أقدم البعثيون على إخراج الناصريين من الجيش. صلاح جديد كان علويا وفي السلطة، ومن عائلة «أغوات» (أعيان) له وزنه، ولم ينجر للطائفية، ولكن تشكلت حكومة يسار في سوريا (يسار شيوعي)، وهذا ما أحدث ردود فعل داخلية، ومن يدخل في دائرة حزب البعث، لا يستطيع الخروج عنه، وإلا كان مصيره القتل
وتنتقل المراحل حتى أصبح حافظ الأسد وزير دفاع، ثم بدأ حافظ يجمع الضباط حوله، وأخذ يسحب الأضواء والنفوذ من صلاح جديد. ثم عقد اجتماع في قيادة حزب البعث، ووقف عدد كبير منهم مع حافظ الأسد ضد صلاح جديد، وكنت أنا منهم، وشكلت حكومة بقيادة نور الدين الأتاسي. ثم جاءت «الحركة التصحيحية» التي بعدها وصل الأسد للزعامة. هنا لعب الأسد لعبة طائفية، فقام بفتح المجال لدخول الكليات العسكرية، لكن 80 في المائة من خريجي الكليات العسكرية سنويا كانوا من العلويين. وهذا أمر مخطط له، قام الأسد بتنصيب ضباط سنّة في مناصب قيادية عسكرية لتغطية المسألة الطائفية، لكن هؤلاء لم يكن لهم أي نفوذ أو قرار، وإنما القرار هو قرار الأسد فقط، وهو المتصرف بكل شيء. كل سنتين كان يتخرج 4000 ضابط 80 في المائة منهم علويون
* على ذكر القومية وحزب البعث، ماذا بقي من حزب البعث؟ هل لا يزال خدام مؤمنا بأفكار البعث؟
– انتسبتُ للحزب عام 1947م، ويومذاك كانت في صميم أفكاره القومية العربية والوحدة العربية، وهي الأفكار التي كان يؤمن بها جيل عربي معين. وللأمانة، كان الحزب بأفكار سامية حتى وصل إلى السلطة، فتغير المسار. مثلا يقول لك الحزب: «شرط نهوض الأمة حرية الفرد»، وفجأة يأتي الحزب ويتخذ قرارات آخر ما يمكن أن يحترم فيها حرية الفرد واستقلاليته. حزب البعث كانت له شعارات قومية عامة، آمن بها كثيرون. لكنها انتهت بعد وصوله للسلطة، بل أصبح الحزب في فترة مجرد وسيلة وليس غاية. تخيل من 4000 عضو في حزب البعث ارتفع العدد إلى أكثر من ربع مليون فقط خوفا من السلطة والقمع لا أكثر. ولذا دعني أقل: إن أفكار حزب البعث لم تعد موجودة، بل إن جيلا كبيرا من السوريين إنما انتموا إلى حزب البعث للحصول على وظيفة
* نعود إلى الأزمة الحالية مرة أخرى؛ هل ترى أي سيناريو يمكن أن تتخلى به طهران عن سوريا بشار الأسد؟
– لا، لا يمكن.. سوريا بالنسبة لإيران مسألة حياة أو موت
* هناك حديث عن احتمال قيام دولة طائفية في الساحل، وفي حال حدث ذلك ماذا تتوقع أن يحدث لسكان الساحل من السنّة؟
– لن يحدث ذلك.. في الساحل أكثر من 40 في المائة من السكان سنّة. وفي حال ذهب الساحل، ستصبح سوريا دولة مغلقة لا منفذ لها على البحر. ولهذا أستبعد.. أستبعد جدا أن تتكون دويلة داخل الدولة. قد تصل إلى مرحلة في النزاع الحالي يكون فيها جزء أقوى من آخر، لكن ليس بشكل مستقل أو منفصل. ودعني لأعود لما بدأنا به؛ لو أعطت الدول العربية السوريين، وليس لأحمد الجربا، أسلحة نوعية، صدقني سيسقط بشار مع نظامه في غضون شهر
* ما إشكاليتك مع أحمد الجربا؟
– الجربا لا علاقة له مباشرة بالسوريين.. أقصد لا وجود له في الداخل السوري، ولهذا لن يستطيع أن يصنع فارقا
* هل أنت مستعد للعب دور للمّ الشمل السوري؟ أو تسمية أشخاص قادرين على إخراج سوريا من أزمتها الحالية؟
– أنا حاولت، وما زلت أحاول، ولي اتصالاتي مع كثير من السوريين الفاعلين. وهناك تجاوب، لكن أعود لسؤالك السابق عن الجربا، فتخيل أنني بعثت مثلا رسائل لعشرات من زعماء الفصائل والسوريين المؤثرين.. وجميعهم تقريبا ردوا على ما أرسلته ما عدا أحمد الجربا، الذي قال حين سأله أحدهم: «فات الوقت». لا أعرف ما الوقت الذي فات؛ هل يضمن الجربا أنه سينزل غدا إلى دمشق؟ من يريد أن يصبح قائدا يجب عليه أن يتسع صدره للجميع ويتقبل الجميع، والجربا
* ماذا تعني؟
– أعني أن هناك دولة عربية قامت بتأسيس «المجلس الوطني» وأتت بالإخوان المسلمين وجماعات أخرى فقط لتثبت وجودها
* ما الدولة؟
– قطر جاءت بالإخوان المسلمين وكم شخص من المعارضة وأسست ما سمي بـ«المجلس الوطني»، ثم فشل «المجلس». من يريد أن يساعد السوريين، عليه عقد مؤتمر وطني للسوريين وأن يختار قيادة عسكرية ذات كفاءة ومدنية بالتوازي. من يحكم سوريا الآن هو «الجيش الحر». الثوار والمعارضون بحاجة إلى قيادة مركزية عسكرية ومدنية. تخيل (مثلا) لو جرى التركيز على حمص والساحل، عندها سيسقط نظام الأسد بلا شك
* ولماذا لم يجرِ التركيز على حمص والساحل؟
– من قال إنه لم يجر التركيز عليهما؟ سأعطيك مثالا على ما حدث من خذلان للثوار في الساحل، حين طلبوا الدعم وجهوا لـ«الائتلاف»، الذي دعمهم حتى وصل الثوار إلى كسب، وقاموا بشق مسافة 50 كلم، ثم نفدت الذخيرة، لم يتبقَّ على إسقاط هذه الجبهة إلا القليل، ووقف عنهم الدعم. و«الائتلاف» وقف موقفا غريبا من هذا. لهذا يجب إقامة مؤتمر وطني شامل حتى لا يصبح القرار مزاجيا
* كيف يمكن إذن تحقيق انتصار للثوار؟
– إذا جرى توحيد الدعم. بشار الأسد الآن يحارب بالصواريخ والطيران والدبابات، المعارضة لا تطلب طائرات أو دبابات.. بل صواريخ مضادة للدبابات والطائرات، وصواريخ متوسطة المدى أو قريبة المدى
* نعود مرة أخرى لحزب البعث وسقوط الجولان.. سقطت هضبة الجولان، وحزب البعث كان يأمل في استرجاعها، والآن فقد تم سوريا بأكملها.. كيف؟
– ما يحدث في سوريا الآن يعيدنا إلى وقت سقوط الجولان ونكبة فلسطين. الأزمة كانت في الشعارات، أما سقوط الجولان فلم يكن خطأ حزب البعث أو القيادة، بل تراكمات أخطاء في مصر والأردن وسوريا. في سوريا، طرحت قيادة حزب البعث شعارات أكبر منها.. ولم يكن من المنطقي رفع هذه الشعارات من دون بنية أساسية جاهزة
* إضافة إلى اللامنطق في شعارات الحزب، ألا ترى أن أيدي الحزب ملطخة بالدماء.. ولا علاقة بين سلوك أفراده والشعارات المرفوعة؟
– لا نستطيع أن نقول إن أيدي الحزب ملطخة بالدماء.. لكننا نستطيع القول إنه بعد وصول الحزب إلى السلطة حاد بعض أفراده عن أهداف الحزب
* طائفية الجيش.. ألا يمكن تحميلها جزءا كبيرا من المشاكل في سوريا؟
– لا يوجد بيت علوي في سوريا إلا وفيه ضابط أو صف ضابط. وهذه أساس المشكلة؛ الجيش كان طائفيا وممنوع الحديث عن الطائفية. وكان هذا أساس الفساد، الدائرة المحيطة بحافظ الأسد كانت تمارس الفساد
* ماذا بقي من البعث؛ من يمثله؟ – لم يعد هناك شيء.. لم يبق شيء
* لماذا تخلى عنك بشار الأسد، أو لماذا تركته أنت؟
– أنا من عزمت الرحيل، وحضرت اجتماعا لقيادة الحزب لمدة ساعة ونصف الساعة… تحدثت مع القيادة عما يجب فعله مستقبلا. وبالمناسبة، أنا لم أعمل معه كثيرا، والرحلة الخارجية الوحيدة مع بشار هي إلى طهران قبل دخول الجيش الأميركي للعراق. يومذاك ذهبنا إلى طهران والتقينا بالإيرانيين، وفجأة طرح بشار عليهم تدريب فصائل شيعية مقاتلة، لقتال الأميركيين في العراق في حال دخولهم. الإيرانيون أبدوا تحفظا. كان لدى الإيرانيين ارتباط واتصال بالفصائل العراقية، ولا حاجة لتشكيل وحدات مقاتلة
* كيف يقوم بشار بهذا الطرح في الوقت الذي كانت فيه الحدود السورية – العراقية شبه مفتوحة للإرهابيين لدخول العراق وقتال الأميركيين؟
لم تكن الحدود مفتوحة بهذه الطريقة، لكن فعلا كان هناك ما يشبه التساهل في مرور من يريد الذهاب إلى العراق. بل هناك قصة غريبة؛ كان هناك قرابة 1800 معتقل من جنسيات مختلفة في السجون السورية في بداية الأزمة العراقية، وقام الأمن العام السوري بإيعاز من بشار بإطلاق سراح كل هؤلاء وتوجيههم بشكل غير مباشر للعراق، حسب حديث بعض الضباط المقربين من أجهزة الأمن
* كيف كان الموقف الأميركي من هذا التصرف؟
– الأميركان كانوا غاضبين، السفير الأميركي التقى ببشار، وطلب منه ثلاثة أمور، أولها إغلاق الحدود بشكل كامل وتأمينها، والانسحاب السوري من لبنان، وإغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية في سوريا، وقام بشار الأسد بتنفيذ هذه الطلبات الثلاثة بشكل كامل
* متى كان هذا؟
– لا أتذكر تحديدا، لكن بعد أشهر قليلة جدا من دخول الأميركان للعراق
* ونفذ جميع طلباتهم؟
– نعم، نفذ جميع طلباتهم بلا تردد
* ماذا فعل الإيرانيون لاحقا باقتراح بشار؟
– الإيرانيون كانوا أذكياء في استخدام الجماعات المسلحة في العراق. بل حتى استخدموا الجماعات الموالية لصدام حسين لقتال الأميركان ثم وجهوا نيران تلك الجماعات ضد بعضها بعضا
* بعيدا عن هذا، دعني أسألك سؤالا مباشرا.. من الذي اغتال غازي كنعان؟
– هناك نظريتان؛ الانتحار أو الاغتيال. آخر مكالمة له مع صحافية لبنانية، قال لها: «هذه آخر مرة تسمعين فيها كلامي». وهناك نقطة أن المنتحر يموت برصاصة، وكان في رأسه رصاصتان. وأهله هم من رجحوا نظرية الاغتيال، إذا كان هناك قتل فهو من الأمن بتوجيه من بشار الأسد. وبشار الأسد طلب غازي كنعان صباحا يوم اغتياله، وقال له بالنص: «روح رتب حالك، أو حنا نرتبك»، وغازي كنعان ذهب، وأخذ مسدسه، وتحدث إلى الصحافية اللبنانية، وبعدها قتل. والسبب كما قيل إن غازي كنعان اعترف بعض الاعترافات ضد نظام بشار، وتورطه بكثير من القضايا الأمنية
* ملف الاغتيالات في لبنان.. هناك من يقول إنك كنت على رأس المهندسين؟
– لا يمكن أن أقبل بهذا الاتهام، ولا أريد تحميل النظام السوري مسؤولية مباشرة في حال غياب معلومات دقيقة
* رشيد كرامي مثلا؟
– ميليشيات الموارنة هي من اغتالته
* المفتي حسن خالد وكمال جنبلاط؟
– اغتياله جاء بعد آراء له ضد السياسة السورية، لكن لم يكن واضحا من اغتاله. وكمال جنبلاط كذلك كانت به خلافات ومشاكل مع حافظ الأسد. هل الأمن السوري متورط في اغتيالهما؟ قد يكون، وقد لا يكون
* في ذكر الاغتيالات، من حاول اغتيال الآخر أكثر من مرة؟ صدام حسين أم حافظ الأسد؟
– صدام حسين حاول وخطط لاغتيال حافظ الأسد أكثر من مرة، وأنا خطط لاغتيالي ثلاث مرات، آخرها أصبت بطلق ناري.
* ما السبب؟
– السبب هو مواقف الحكومة السورية أو خطاباتها في اجتماعات جامعة الدول العربية، وصدام حسين كان يريد أن يكون رأيه الأقوى والمتفرد بكل شيء
* هل من شواهد؟
– كثيرة، لكن هناك قصة عبد الفتاح بومدين؛ زار العراق والتقى بصدام حسين، وسأله: «لماذا خططتم لاغتيال خدام أربع مرات؟». ورد عليه صدام حسين: «تقصد ثلاث مرات»! وصدام حسين لا يوجد عنده ميزان في عقله؛ مرة تجده هادئا متزنا، ومرة فاقدا لأعصابه
* جمعية المرتضى، التي كانت تشرف على نشر الثقافة العلوية والشيعية في سوريا، أين هي الآن؟
– انتهت، من أقام الجمعية هو جميل الأسد أخو حافظ، وهو انتهازي حاول تأسيس الجمعية للحصول على المال فقط، لكن الجمعية انتهت تقريبا
* آخر سؤال، الأزمة السورية هل ستبقى عشر سنوات مقبلة كما قالت مؤسسات استخباراتية عالمية؟
– إذا أرادوا هم كذلك، فستبقى أكثر من 20 سنة، وإذا أرادوا فسينتهي بشار الأسد في شهر واحد. ويجب عليهم أن لا يقلقوا من الجماعات المسلحة، لأنها ستنتهي بعد سقوط بشار