دخل عبدالحليم خدام, النائب السابق للرئيس السوري, على خط المنددين بتهجم خلفه النائب الحالي فاروق الشرع على سياسة السعودية, وأكد خدام في لقاء أجرته معه »السياسة« في مقر إقامته في باريس, أن من »الأخطاء القاتلة التي ارتكبها (الرئيس السوري) بشار الأسد عداؤه للسعودية
ورأى خدام أن تصريحات الشرع المسيئة للسعودية هدفها قطع علاقات سورية بالمنظومة العربية, بعدما ربطها بشار الأسد بإيران
ورداً على سؤال عن احتمال عودة الدفء إلى العلاقة بين دمشق والرياض, اكتفى خدام بالتذكير بالحديث الشريف: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
وهنا تفاصيل اللقاء
هل يمكن اعتبار ما أعلنه فاروق الشرع زلات لسان? وهل هناك زلات في العمل السياسي؟
حديث فاروق الشرع للصحافيين حديث موجه وليس زلة لسان, وقد سبق هذا الحديث حملة قاسية ضد المملكة العربية السعودية من قبل بعض اللبنانيين المرتبطين بالمخابرات السورية وتهدف هذه الحملة إلى قطع علاقات سورية بالمنظومة العربية بعد أن ربطها بشار الأسد بإيران
لقد قامت السعودية بدورين مهمين الأول عقد »اتفاق مكة« بين حركتي »فتح« و»حماس« لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية, وهذا الأمر يسقط استخدام بشار الأسد لهذه الورقة في مفاوضات يأمل تحقيقها مع الاميركيين و الاسرائيليين. أما الدور الثاني الذي قامت به المملكة فهدفه وقف الانهيار في لبنان والحفاظ على وحدته واستقراره وأمنه, وهذا الأمر يتعارض مع سياسة بشار الأسد الذي يريد استخدام لبنان ورقة للمفاوضات مع الغرب أملاً في طي ملف التحقيق الدولي باغتيال الرئيس رفيق الحريري وعدد آخر من القادة اللبنانيين. من السذاجة القول إن تصريحات الشرع كانت زلة لسان
الحرب خيانة وطنية
بموجب علاقتكم المتينة مع السعودية وزيارتكم الأخيرة لها بعيداً عن الإعلام, كيف تنظرون إلى الموقف السعودي الحالي من النظام في سورية? وهل ترون أن القطيعة باتت نهائية بين الطرفين؟
ارتكب بشار الأسد أخطاء قاتلة, ومن هذه الأخطاء العداء للسعودية وقيادتها, في الوقت الذي يعرف فيه أن الشعب السوري يدرك أهمية العلاقات بين البلدين وحجم الدعم المالي والسياسي والعسكري الذي قدمته المملكة لسورية بالإضافة إلى أن طبيعة العلاقات الأخوية أتاحت لمئات الآلاف من السوريين أن يعيشوا وأن يعملوا في المملكة.
لقد كانت الأخطاء التي ارتكبها بشار الأسد متكررة ومترابطة وهي جزء من سياسة النظام مما أسقط كل الأسباب لاستمرار العلاقات بين نظامه وبين قيادة السعودية, ولكنه لم ينجح في تأزيم العلاقات بين الشعبين أما في ما يتعلق باحتمال عودة هذه العلاقات, فلابد أن أذكر بالحديث الشريف : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
هل يقف النظام السوري فعلياً وراء عمليات التخريب الجارية في لبنان بما فيها أحداث نهر البارد? وهل صحيح انه منع ومايزال, نجاح المبادرات القائمة, وخصوصاً مساعي عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية؟
إذا عدنا إلى تصريحات بشار الأسد في مناسبات مختلفة إضافة إلى تصريحات أعوانه, نجد أنه أعلن بكل وضوح أن لبنان سينفجر إذا تم تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي, كما أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أن المنطقة ستشتعل من البحر الأبيض المتوسط إلى بحر قزوين بحال إقرارها
هنا التساؤل لماذا استقال وزراء »حزب الله« وحركة »أمل« عند مناقشة اتفاقية المحكمة ذات الطابع الدولي مع الأمم المتحدة ولماذا إقامة المخيمات في الوسط التجاري لبيروت وتعطيل الحياة الاقتصادية وتوتير المناخ السياسي. كما علينا أن نتساءل من أين أتت »فتح الإسلام« بهذه الكميات الكبيرة والمتنوعة من الأسلحة إلى مخيم نهر البارد ومن أعطاها إياها
وهل يمكن لعصابة أن توفر مثل هذه الأسلحة تقاتل بها الجيش اللبناني منذ أكثر من ثلاثة أشهر… أعتقد ليس من الصعب الاستنتاج
بعض التقارير تتحدث عن سيناريو محتمل لحرب سورية – إسرائيلية يتم بموجبها عقد سلام مع تل أبيب… ما صحة هذا السيناريو برأيكم? وهل سورية الآن قادرة على فتح حرب مع إسرائيل؟
لا اعتقد بصحة التقارير عن سيناريوهات محتملة لحرب سورية إسرائيلية, فالتفكير بها خيانة وطنية لأن الحاكم الذي يريد خوض حرب عليه أولاً أن يكسب ثقة الشعب, وثقة الشعب السوري بالنظام الذي يحكمه مفقودة
النظام في سورية يقوم على ثلاث ركائز: الأولى الانفراد بالسلطة وسياسة العزل والإقصاء والتي أفرزت الطائفية والعشائرية كما أفرزت المشكلة الكردية ما أدى إلى إضعاف الوحدة الوطنية. والركيزة الثانية سياسة القمع ومصادرة الحريات وابتزاز المواطنين وتسليط أجهزة الأمن عليهم أفرزت شعوراً لدى السوريين أنهم يعيشون في سجن وليس في وطن. أما الركيزة الثالثة هي جمع الثروة وإفقار المواطنين حتى يشغلهم رغيف الخبز عن الاهتمام بشؤون الوطن وقد أدت هذه السياسة إلى انتشار الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة ووصل الأمر إلى حرمان سكان دمشق من مياه »الفيجة« والتي أعطيت للاستثمار وللبيع وتركت للناس مياه الآبار الملوثة
لقد استخدمت الأسرة الحاكمة وحواشيها الفساد والممارسات الاقتصادية الخطأ لجمع الثروة وتجمعت هذه الثروة لدى الأسرة الحاكمة وشركائها وتجمع الفقر لدى المواطنين
إن زج سورية بالحرب في ظل هذه الظروف خيانة وطنية تدفع البلاد أثماناً غالية لهذه الحرب, ولن تحقق السلام فليس هو قادر على إعطاء الحكومة الإسرائيلية ما تريد وليست هي قادرة على إعطائه ما يمكن أن يغطيه.
مصالح إيران
اتفاق الطائف, اتفاق مكة, التفاهم مع الأردن أمنياً, الوعود لمصر بالحرص على التضامن العربي… كيف تصرف النظام السوري مع هذه المواقف وسواها, وهل صحيح أنه ينفذ الآن ستراتيجية إيران فقط؟
بشار الأسد ربط مصيره بإيران, وبالتالي أي وعد يعطيه خارج هذا الارتباط لا يستطيع تنفيذه. فقد أعطى وعوداً بعدم اغتيال الرئيس الحريري, كما أعطى التزامات قبل عقد القمة العربية لم ينفذها. وأعتقد أن جميع القادة العرب والأجانب يدركون أن لا قيمة لالتزام يعطيه بشار الأسد
هل تتوقع تنفيذ عمل مباشر أميركي أو إسرائيلي ضد النظام السوري على قاعدة ان التخلص منه بات من الضروريات؟
أقول بكل وضوح أن استخدام القوة العسكرية الخارجية في تغيير الأنظمة خطره مزدوج على من يقوم بهذا العمل و على من يقع ضده, وما يجري في العراق مثال واضح. كذلك فإن إسرائيل تعمل على دعم النظام لسبب بسيط وهو أن هذا النظام أضعف سورية وأفقرها ونشر التخلف والفساد في البلاد, وجعلها عاجزة عن الدفاع عن حقوقها ومصالحها وتحرير أرضها… وهل تريد إسرائيل وضعاً أفضل من ذلك وهي مستمرة باحتلال الجولان ومطمئنة من ضعف النظام وحربه الكلامية
هل ترى أن النظام السوري سيمضي في تصعيده في لبنان إلى حد تقسيم هذا البلد؟
نعم سيستمر بشار الأسد في سياسته تجاه لبنان وفي التصعيد ولن ينعم اللبنانيون بالأمن والاستقرار في ظل استمراره في حكم سورية. ومن المتوقع أن يصعد حلفاؤه مواقفهم ويعطلون انتخابات رئاسة الجمهورية حتى يعم الفراغ في لبنان وما ينتجه من اضطرابات تفقد اللبنانيين حلمهم في الأمن والاستقرار والسلم
هل صحيح أن السياسة الخارجية والدفاعية في سورية باتت مرتبطة بمركز القرار في طهران وبمخططات »الحرس الثوري«? وكيف تنظر إلى عمليات شراء الصورايخ لصالح إيران من قبل سورية؟
إيران دولة كبرى في المنطقة ولها مصالحها و ستراتيجيتها الإقليمية, وتعتبر نفسها صاحبة الحق في قيادة المنطقة, وقد عبر عن ذلك الرئيس الإيراني احمدي نجاد في تصريح منذ أشهر, قال فيه إن شعوب المنطقة بقيادة الأمة الإيرانية مستعدة لمساعدة الولايات المتحدة في الانسحاب من العراق إذا حسنت سلوكها
إن ستراتيجية إيران للدفاع عن مصالحها تمتد من البحر المتوسط إلى آسيا الوسطى, ولذلك عملت بعد الثورة على بناء ركائز هذا النظام مستخدمة الوسائل المتاحة لها, فأسست »حزب الله« في لبنان ومدته بالمال والسلاح, ويشكل اليوم قاعدة عسكرية وسياسية متقدمة لإيران في المنطقة كما عمقت علاقاتها مع النظام السوري الذي أصبح احد ركائزها الأساسية وفي الوقت الذي كانت تعمل على بناء الركائز في لبنان وسورية فقد ساندت الأحزاب الاسلامية في العراق. ونجحت في دفعها للتعامل مع الولايات المتحدة والمشاركة في مؤتمر لندن الذي عقد في ديسمبر 2002 والذي شكلت قراراته غطاء سياسياً عراقياً للحرب التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية في العراق وبالتالي فقد نجحت في استخدام نتائج الحرب للخلاص من نظام صدام حسين ولوضع العراق في حالة من التفكك وسيطرته حلفائها على أجهزة ومؤسسات الدولة العراقية, وأصبحت صاحبة النفوذ الأكبر في العراق وخلال سنوات نجحت في استقطاب بعض المنظمات الفلسطينية وعلى رأسها حركة »حماس« وهكذا نجحت إيران بإقامة كتلة إقليمية مكونة منها ومن حلفائها في العراق ومن »حزب الله« ومن حركة »حماس«… وهكذا أصبح النظام في سورية جزءاً من هذه الستراتيجية السياسية والعسكرية وإلى حد ما الاقتصادية. أما عن شراء النظام السوري صواريخ لمصلحة إيران فليس لدي معلومات في هذا الشأن.
ما تقييمك لنتائج زيارة رئيس الوزراء العراقي المالكي إلى دمشق? وهل صحيح أنه حمل رسالة أمنية حازمة إلى القيادة السورية؟
أعتقد أن ما حمله رئيس الوزراء العراقي عرضاً للحالة الأمنية في العراق ولما لدى السلطات العراقية من معلومات عن تسرب مقاتلين من الأراضي السورية وبتقديري كان الجواب الذي أعطاه بشار الأسد للمالكي هو الجواب الذي أعطاه للرئيس الطالباني: تأكيده على دعم العملية السياسية في العراق وإدانته للإرهاب, وأنه سيعطي التوجيهات بالتعاون مع أجهزة الأمن العراقية وبالتالي فقد خرج المالكي كما خرج الطالباني بوعود لن تنفذ
قلت إن التغيير في سورية بات قريباً, فهل ترى أن الأوان آن لإحداث هذا التغيير, وهل سيلاقي ذلك التفافاً شعبياً؟
كل الظروف الداخلية أصبحت متهيئة للتغيير وحالة التوتر والقلق باتت شديدة لدى السوريين… ملايين الشباب عاطلون عن العمل والفقر منتشر وارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة. وفي الوقت نفسه تتجمع الثروة لدى الأسرة الحاكمة وحواشيها عبر فساد أنهك الدولة والمجتمع, إضافة إلى القمع وتسلط أجهزة الأمن على الناس وممارسة كل أشكال الضغوط والابتزاز
وفي هذه الأجواء تعمل »جبهة الخلاص الوطني« في سورية على الانتقال إلى مرحلة جديدة في العمل الميداني وبناء دولة ديمقراطية مدنية يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس. ونحن واثقون أن الشعب السوري يتوق إلى التغيير والخلاص من نظام لم يحقق له سوى الفقر والقهر والاعتداء على حرية الناس ونشره للفساد
تكثر حوادث الاعتقال من قبل المخابرات على مواطنين خليجيين وكويتيين في سورية.. هل هي أحداث عادية أم رسائل سياسية? وما المقصود منها؟
تكثر حوادث إلقاء القبض على المواطنين السوريين أيضاً, وهذا الأمر من طبيعة نظام يستهتر بحقوق الإنسان
هل هناك إمكانية قيام محور إيراني – سوري – »حماس« و»حزب الله«? وكيف يمكن لهذا المحور أن يستمر؟
ثمة كتلة إقليمية بقيادة إيران تضم النظام القائم في سورية و»حزب الله« وحركة »حماس« والأحزاب الاسلامية الموالية لها في العراق. وتهدف ستراتيجية إيران للسيطرة على المنطقة لتصبح الشريك الأساسي في التعامل مع مصالح الدول الكبرى الرئيسية, كما يشكل هذا التكتل خطوط الدفاع الأساسية عن هذه الستراتيجية في مواجهة أي انفجار في المنطقة يستهدف ستراتيجية هذا التكتل, وهو مستمر بالتعاون الجدي بين أطرافه